الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
حديث "أي الإسلام خير؟" ، «أربعون خصلة: أعلاها منيحة العنز..»
تاريخ النشر: ٠٥ / ذو القعدة / ١٤٢٩
التحميل: 1349
مرات الإستماع: 9317

أي الإسلام خير

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير أورد المصنف -رحمه الله-:

حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما: أن رجلاً سأل رسول الله ﷺ أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتَقرأ السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف[1]، متفق عليه.

"أن رجلاً سأل رسول الله ﷺ" هذا السائل جاء في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري أنه قال: "سألت رسول الله ﷺ"، فهذا يدل على أنه هو الذي سأل وفي رواية: "سألنا رسولَ الله ﷺ".

وقوله: "أي الإسلام خير؟"، يحتمل أن يكون المراد: خصال الإسلام، أيّ أعمال الإسلام وشرائع الإسلام أفضل؟، ويحتمل أن يكون "أي الإسلام خير؟"، يعني أن يكون السؤال عن المسلمين؛ لأنه قال هنا: تطعم الطعام، فهذا يحتمل، يعني: مَن أطعم الطعام وأفشى السلام، وصلى بالليل، أو من أطعم الطعام وقرأ السلام على من عرف ومن لم يعرف، والنبي ﷺ قال في أول مهاجره إلى المدينة: أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام[2].

فهذه أعمال يسيرة أفضل الإسلام: إطعام الطعام وتقرأ السلام على من عرفت، تقرأ السلام يعني: تلقي السلام، يقال: تقرأ ويقال: فلان يقرأ عليك السلام، وأما ما يرد على الألسن يقال: فلان يُقرئك السلام أو تُقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف فهي لغة قال عنها بعض أهل العلم: إنها لغة سوق، يعني: لغة رديئة، تُقرئ، فلان يُقرئك السلام وإنما تقول: فلان يَقرأ عليك السلام، إلا إذا كان ذلك في المكتوب، تقول: فلان يُقرئك؛ لأنك ستقرأ، يطلب منك أن تقرأ كلامه وخطابه وسلامه الذي كتبه مثلاً يُقرئك السلام، أن تنظر فيه فتقرأ ذلك، أمّا مشافهة فتقول: فلان يَقرأ عليك السلام.

وتَقرأ السلام بمعنى تُلقي السلام، على من عرفت ومن لم تعرف، في الأول قال: تطعم الطعام، ما قال: للفقراء، فيدخل فيه إطعام الطعام للفقراء وللضيوف وللأهل، وللصائمين، وغير ذلك مما يدخل في هذا المعنى، فلا يختص ذلك بإطعام الضعفاء والفقراء والمساكين والمحتاجين، وتقرأ السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف، جاء في حديث آخر في أشراط الساعة الصغرى أن يكون السلام على المعرفة، بمعنى لا يُسلم إلا على من يعرف، وهذا أمر مذموم، والنبي ﷺ قال: لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم[3]، فإفشاء السلام سبب لجذب القلوب والمحبة بخلاف ترك السلام، إنسان يمر من جانبك ويكاد كتفه أن يحتك بكتفك ولا يسلم، يمر بك وأنت جالس ولا يسلم، وقد يتردد يذهب ويأتي ويرجع ويجيء ولا يسلم، فإن القلوب تنفر من مثل هذا وتنقبض ممن كانت هذه صفته، لكن الذي يمر وأنت لا تعرفه إذا مر قال: السلام عليكم، فإن هذا يدل أولاً على تواضع الإنسان وأيضاً هذا من شأنه أن يُحبب القلوب به ولابد؛ فإن السلام أخبر النبي ﷺ أنه سبب للمحبة، والواقع يشهد بذلك، وانظر آثار مثل هذه القضايا لو أحد قابلك عند الباب عند المسجد وسلم عليك تجد في قلبك ميلاً إليه بخلاف الذي يمر ويسبقك إلى الباب ولا يسلم عليك وكأنه ما مر من أحد، مثل هذا تجد القلب يحصل فيه شيء من الانقباض، فإفشاء السلام أمر مطلوب وترك ذلك ليس بأمارة خير، فالإنسان يحرص لاسيما أولئك الضعفاء من العمال والناس المساكين ونحو ذلك إذا سلمت عليه فكأنك قدمت له الدنيا بحذافيرها؛ لأنه لا يكاد يُسلم عليه أحد، بل لربما يستغربون إذا مر بهم من يلتفت إليهم ويبتسم ويسلم عليهم، فأقول: مثل هذا الأمر يحتاج إلى أن يُحيَا في الناس، الإنسان أحياناً نفسه لا تطاوعه، الإنسان أحياناً وهو في السيارة يده تثقل يرفعها أو ما يرفعها يسلم إذا مر بأحد، النفس تحتاج إلى مجاهدة حتى على الأشياء اليسيرة، فالحاصل أنه قال: تَقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف، وهذا يدل أيضاً على تجرد الإنسان، وأنه يريد ما عند الله ، الذي يلقي السلام على من يعرفهم فهذا نوع من المصانعة مع معارفه، لكن الذي يسلم على من لا يعرف يمر بهم في الطريق ويسلم هذا أمره لله وعمله لله.  

أعلاها منيحة العنز

ثم ذكر الحديث الذي بعده وله تعلق بهذه المعاني وهو -أيضاً-:

حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: أربعون خصلة: أعلاها منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها؛ رجاء ثوابها وتصديق موعودها، إلا أدخله الله بها الجنة[1]، وفي رواية: أربعون حسنة، أعلاها مَنيحةُ العَنزِ[2].

يعني هذه الأربعون أعلاها مَنيحة العَنز، يعني: أصعب واحدة فيها مَنيحة العَنز، والمنيحة تكون على صورتين: صورة: أن يقدم ذلك على سبيل الهبة، فهذه البهيمة تُحلب فيعطيها له تمليكاً، والصور الثانية: أن يعطيها له من أجل أن ينتفع بما فيها من الحليب، ولكنه لا يملّكه إياها، وهو المقصود -والله أعلم- بهذا الحديث، أعلاها مَنيحةُ العَنزِ، قال: ما من عامل يعمل بخصلة منها، واحدة، لو واحدة رجاء ثوابها، وتصديق موعودها، يعني: ما وعد الله عليها من الجزاء إلا أدخله الله -تعالى- بها الجنة، رواه البخاري، تصور: أربعون أصعب واحدة، أعلى واحدة فيها، أكثر واحدة فيها كلفة أن تعطي لإنسان على سبيل العارية إعارة هذه العنز من أجل أن ينتفع بحليبها ثم يردها عليك بعد ذلك، بعض الرواة يقول: عددنا حتى بلغنا خمس عشرة خصلة وما استطعنا أن نزيد، يعني: حاولوا أن يجمعوا بعض الخصال لأقل من منيحة العنز يجمعوا أربعين، يقول: ما عددنا أربعين، لكن بعض العلماء عد أربعين، ولعله يتيسر -إن شاء الله تعالى- من خلال الأحاديث أن نقدم درساً كاملاً حول هذا المعنى، استقراء من الأحاديث الثابتة عن النبي ﷺ هناك أعمال كثيرة يسيرة قليلة، يعني: الآن أقل من منيحة العنز إماطة الأذى عن الطريقن النبي ﷺ يقول: إماطة الأذى عن الطريق صدقة، والرجل الذي وجد غصن شوك وأزاله هذا ما كان له؟، والمرأة التي شقت التمرة بين بنتيها ماذا كان لها؟ فهناك أعمال قليلة لا تكلفنا شيئاً يترتب عليها جزاء عظيم ومع ذلك نغفل عنها، ومن ثَمّ فإن الإنسان ليس معذوراً، قد يتعلل الإنسان يقول: أنا ما أملك الملايين حتى أنفق ولا عندي إمكانيات ولا عندي قدرات، نقول له: هناك أشياء بسيطة أقل من هذا، إماطة الأذى عن الطريق، الكلمة الطيبة صدقة، تُرشد الضال في الطريق، تبسمك في وجه أخيك صدقة، أشياء لا يعجز عنها أحد، ومع ذلك التفريط فيها كثير، فالموفق من وفقه الله ، ليست القضية أن يقول الإنسان: أنا لا أجد، لا، هناك أشياء يجدها أكثرنا وجاء عليها الجزاء العظيم ومع ذلك التفريط فيها كبير، أقول: الإنسان يحرص على هذه الأعمال وعلى غيرها وهذا فضل الله واسع، فإذا كانت هذه الخصال بهذا المقدار ومن عمل بواحدة منها دخل الجنة فكيف بالأعمال الجليلة العظيمة؟!.

فأسأل الله أن يُصلح قلوبنا وأعمالنا، اللهم ارحم موتنا، واشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [سورة الحشر:10].

وصلى الله على نبينا محمد.

  1. رواه البخاري، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب فضل المنيحة، برقم (2631).
  2. رواه أحمد في المسند، برقم (6831)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط البخاري".

مواد ذات صلة