الأحد 20 / جمادى الآخرة / 1446 - 22 / ديسمبر 2024
حديث «اسمعوا وأطيعوا..» إلى «من أهان السلطان أهانه الله»
تاريخ النشر: ٠٧ / ذو القعدة / ١٤٣٠
التحميل: 1506
مرات الإستماع: 4783

اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حُمِّلوا

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فيقول المصنف -رحمه الله:

وعن أبي هُنيدة وائل بن حُجر قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول ﷺ فقال: يا نبي الله، أرأيتَ إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم، ويمنعونا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله، فقال رسول الله ﷺ: اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا، وعليكم ما حُمِّلتم[1]، رواه مسلم.    

قوله: "يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا أمراء"، يعني: تولى علينا أمراء، وهذا سؤال عن أمر لم يقع، لم يحصل، وقد جاءت نصوص وآثار في ذم السؤال في أمور لم تقع، وكذلك ما يتصل بقضايا  التشريع فيما لم ينزل من الله فيه حكم، فمثل هذا قال فيه: لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا [المائدة:101]، ومثل هذا في أمور مستقبلية، هذا سؤال عن أمر مستقبل يتصل به حكم من الأحكام ولم ينزل ولم يقع ذلك بعد، لم يحصل، جاء عن السلف نصوص تدل على كراهة السؤال عن الأمور التي لم تقع، ولكن مثل هذا ينبغي أن تُجمع فيه الروايات والآثار المنقولة، فهذه الروايات منها ما يدل على سؤال عن أمور لم تقع مثل هذا، ومثل حديث حذيفة  ، لما سأل النبي ﷺ عن الفتن[2]، وذلك فيما إذا كان الشيء يغلب على الظن وقوعه وحصوله ففي مثل هذه الحالة لا بأس أن يسأل الإنسان، إنما يذم السؤال في حالتين:

الحالة الأولى: في قضية تشريعية حكم من الأحكام لم يتحدث عنه الشارع فيسأل عنه في وقت التشريع فيمكن أن ينزل تضييق على الناس، أن يفرض شيء عليهم لم يفرضه الشارع، فهذا السؤال فيها مذموم.

الحالة الثانية: أما الأمور المستقبلية إذا حصل كذا في المستقبل ما موقفنا؟، فهذا إذا كان ذلك يغلب على الظن أنه يقع، أو أن النبي ﷺ أخبر أنه سيقع في بعض الأحاديث فيأتي سؤال كيف نفعل في مثل هذه الحال؟، فهذا لا إشكال فيه؛ ولذلك ما عاب النبي ﷺ السائل هنا، وإنما الذي كرهه السلف هي المسائل المفترضة التي يبعد وقوعها، مسائل متكلفة، فهذه السؤال عنها مذموم.

قال: "يا نبي الله، أرأيتَ أن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم" يعني من الطاعة، "ويمنعونا حقنا" يعني من العطاء والنصح وسائر الحقوق من رعاية مصالح الناس، وما شابه ذلك، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فقال رسول الله ﷺ: اسمعوا وأطيعوا، يعني أدوا إليهم حقهم كما جاء في الحديث الآخر، فإنما عليهم ما حُمِّلوا يعني من الإثم والوزر والذنب بسبب التقصير والتضييع، وكذلك عليهم ما حملوا أيضاً من الأمانة وعليكم ما حُمِّلتم، يعني من الإثم أو التكاليف أو الأمانة فإذا ضيعوا ما عليهم وما قاموا بواجبهم فإن ذلك لا يكون تبريراً لتضييع الواجب الذي أناطه الشارع بالمكلفين من الرعايا.  

إنها ستكون بعدي أثَرةٌ

ثم ذكر حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: إنها ستكون بعدي أثَرةٌ وأمور تنكرونها[3]،

أثرة يعني في الدنيا في المال، يحصل استئثار بالمال من قِبل الأمراء، قال: وأمور تنكرونها، أمور تنكرونها يدخل فيها القضايا الشرعية وقد وقع ذلك كما أخبر ﷺ فجاء أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها[4]، وغير ذلك من المخالفات، والأمور التي أنكرها الصحابة ولم تكن معهودة لهم مما عرفوا من هدية ﷺ، أمور تنكرونها يعني المخالفات الشرعية.

قالوا: يا رسول الله، كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم، تسألون الله الذي لكم يعني: أن يعوضكم عنه في الدنيا أو في الآخرة، أن يهيئ الله لكم هذا الحق بأمر من عنده.

من أطاعني فقط أطاع الله
وذكر حديث أبي هريرة ، أن النبي ﷺ قال: من أطاعني فقط أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، يعني في غير معصية الله، ومن يعص الأمير فقد عصاني[1]، متفق عليه.
من كره من أميره شيئاً
وذكر حديث ابن عباس -رضى الله عنهما، أن النبي ﷺ قال: من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً -يعني ولو قليلاً- مات مِيتة جاهلية[1]، متفق عليه.

وبينت وجه هذه من قبل أن المقصود ليس أنه يرتد عن الإسلام ويكون كافراً، لا، وإنما يموت على حال أهل الجاهلية، أو طريقة أهل الجاهلية حيث إنهم فرادى لا ينقادون لأمير، ولا يبايعون أحداً.

من أهان سلطان الله

وختم بحديث أبي بكرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله[2]، رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.

وهذا الحديث صححه بعض أهل العلم، وذكره الشيخ ناصر الدين الألباني في السلسلة الصحيحة، وضعفه آخرون، ضعفوا إسناده.

قال المصنف: وفي الباب أحاديث كثيرة في الصحيح، وقد سبق بعضها في أبواب، والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الفتن، باب قول النبي ﷺ: سترون بعدي أمورًا تنكرونها، برقم (7053)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن وتحذير الدعاة إلى الكفر، برقم (1849).
  2. أخرجه الترمذي، أبواب الفتن عن رسول الله ﷺ، برقم (2224)، وأحمد في المسند، برقم (20495)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، برقم (6112).

مواد ذات صلة