السبت 21 / جمادى الأولى / 1446 - 23 / نوفمبر 2024
حديث "سقيت النبي ﷺ من زمزم.." ، «لا يشربن أحد منكم قائمًا..»
تاريخ النشر: ٢٨ / ربيع الأوّل / ١٤٣١
التحميل: 1078
مرات الإستماع: 1463

شرب من في قربة معلقة قائماً

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهذا باب بيان جواز الشرب قائماً، وبيان أن الأكمل والأفضل الشرب قاعداً، أذكر هذا الباب هنا؛ لأنه سبق الكلام والإشارة إلى هذا المعنى في الباب السابق في الليلة الماضية.

فلا بأس أن أمر سريعاً على هذه الأحاديث التي ذكرها، قال: فيه حديث كبشة السابق، وهو الذي تكلمت على المسألة عند قراءته، وهي:

كبشة أخت حسان بن ثابت -رضى الله عنها- قالت: "دخل عليّ رسول الله ﷺ فشرب من في قربة معلقة قائماً، فقمت إلى فيها فقطعته"[1].

وقلنا: إنه فعل ذلك لربما للحاجة، وقد يكون فعله لبيان الجواز، فيكون صارفاً عن النهي من التحريم إلى الكراهة.

سقيت النبي ﷺ من زمزم
وذكر: حديث ابن عباس -رضى الله عنهما- قال: "سقيت النبي ﷺ من زمزم فشرب، وهو قائم"[2]متفق عليه.

فبعض أهل العلم قال: للحاجة؛ لأنه لم يوجد مكان يجلس فيه، ما كان المكان مهيأ للجلوس، وبعضهم قال: هذا يدل على أن النهي ليس للتحريم.

فعل رسول الله ﷺ كما رأيتموني
وذكر: حديث النَّزَّال بن سَبْرة قال: أتى عليٌّ على باب الرَّحْبة -يعني في الكوفة- فشرب قائماً، وقال: "وإني رأيت رسول الله ﷺ فعل كما رأيتموني فعلتُ"[3].

يعني: شرب قائماً، فعليٌّ فهم أن ذلك ليس للتحريم.

كنا نأكل ونحن نمشي
وجاء عن ابن عمر -رضى الله عنهما- قال: "كنا على عهد رسول الله ﷺ نأكل ونحن نمشي، ونشرب ونحن قيام"[4].

فالأكل لم يرد فيه شيء فيما أعلم في النهي، لكن من أهل العلم من قال: ذاك أشد، وهو منقول عن غير واحد من أهل العلم كما سيأتي.

رأيت رسول الله ﷺ يشرب قائماً
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "رأيت رسول الله ﷺ يشرب قائماً وقاعداً"[5]. رواه الترمذي
نهى أن يشرب الرجل قائماً
وجاء من حديث أنس عن النبي ﷺ أنه نهى أن يشرب الرجل قائماً، قال قتادة: فقلنا لأنس: فالأكل؟ قال: "ذاك أشر أو أخبث"[6]، رواه مسلم.

يعني: من باب أولى؛ لأن الأكل يتطلب ما لا يتطلبه الشرب، وفي رواية: "أن النبي ﷺ زجر عن الشرب قائماً"[7].

لا يشربنّ أحد منكم قائماً
وفي حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: لا يشربنّ أحد منكم قائماً، فمن نسي فليستقئ[8]رواه مسلم.

إذن، هذا يدل على التشديد في الشرب قائماً، فإذا احتاج الإنسان فلا بأس أن يشرب قائماً، لا يوجد مكان يجلس فيه، أو نحو ذلك، لكن ينبغي للإنسان أن يتعاهد نفسه، وأن يربيها، وأن يأخذها بمثل هذه الآداب الشرعية.

وأما العلة: فجاء في بعض الأحاديث أن النبي ﷺ علل ذلك بأن الشيطان يشرب معه[9].

العجيب أني قرأت لبعض الناس يكتب في هذه المسألة، ويبين مسائل تتعلق بالإعجاز في السنة النبوية، كلام يعني: ضعيف جدًّا، بل مضحك، يكتب، يتكلم، فيقول: إن الإنسان عندما يشرب قائماً الماء يسقط بقوة ينزل إلى المعدة من أعلى إلى أسفل، هو يبدو أنه متخيلٌ أنه إذا شرب قائماً الماء ينزل لمسافة متر وخمسة وستين سنتميترًا، طول قامة هذا الإنسان مثلاً، هو إذا كان جالسًا أو كان قائمًا نفس المسافة إلى المعدة ما تغيرت، لا تمتد إذا كان قائماً إلى أسفل.

والعجيب أن بعض الناس يعلقون، ويعجبون بهذا الكلام، ويصفقون ويكبرون، أنه شيء جيد وإعجاز ونصر للسنة، ولدين الله -تبارك وتعالى، وهو كلام لا يستحق الورق الذي كتب فيه، وما أكثر هذه الكتابات.

وإذا جاء إنسان يقول: هذا الكلام يا جماعة غير صحيح، وهذا الكلام لا يقوم على أساس تجد من يدافع.

والله المستعان.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

 
  1. أخرجه الترمذي، أبواب الأشربة عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في الرخصة في ذلك (4/ 306)، رقم: (1892).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الأشربة، باب الشرب قائماً (7/ 110)، رقم: (5617)، ومسلم، كتاب الأشربة، باب في الشرب من زمزم قائما (3/ 1601)، رقم: (2027).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الأشربة، باب الشرب قائماً (7/ 110)، رقم: (5615).
  4. أخرجه الترمذي، أبواب الأشربة عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في النهي عن الشرب قائماً (4/ 300)، رقم: (1880)، وابن ماجه، كتاب الأطعمة، باب الأكل قائما (2/ 1098)، رقم: (3301).
  5. أخرجه الترمذي، أبواب الأشربة عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في الرخصة في الشرب قائماً (4/ 301)، رقم: (1883)، والنسائي، كتاب السهو، باب الانصراف من الصلاة (3/ 81)، رقم: (1361).
  6. أخرجه مسلم، كتاب الأشربة، باب كراهية الشرب قائماً (3/ 1600)، رقم: (2024).
  7. المصدر السابق.
  8. أخرجه مسلم، كتاب الأشربة، باب كراهية الشرب قائما (3/ 1601)، رقم: (2026).
  9. أخرجه أحمد (13/ 381)، رقم: ( 8003).

مواد ذات صلة