الإثنين 10 / ربيع الآخر / 1446 - 14 / أكتوبر 2024
حديث «ارجع فصل فإنك لم تصل» ، «إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه..»
تاريخ النشر: ١٠ / جمادى الآخرة / ١٤٣١
التحميل: 876
مرات الإستماع: 1528

ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي كتاب السلام: باب استحباب إعادة السلام على من تكرر لقاؤه على قرب بأن دخل، ثم خرج، ثم دخل في الحال، أو حال بينهما شجرة ونحوها أورد:

حديث أبي هريرة في حديث المسيء صلاته: "أنه جاء فصلى، ثم جاء إلى النبي ﷺ فسلم عليه، فرد ، فقال: ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ، فرجع فصلى، ثم جاء فسلم على النبي ﷺ حتى فعل ذلك ثلاث مرات"[1]متفق عليه.

هذا الرجل من الأنصار، أي الذي اشتهر بهذا الوصف المسيء صلاته، جاء فصلى، ثم جاء إلى النبي ﷺ فسلم عليه، أخذ منه بعض أهل العلم أن حق الله مقدم فيما يتصل بالتحية، فإذا دخل أحد المسجد هل يبدأ بالسلام، أو يبدأ بتحية المسجد، ثم يسلم؟.

بعض أهل العلم قال: يبدأ بتحية المسجد، ثم بعد ذلك يسلم، ويقدم حق الله، هكذا قال بعض أهل العلم، والمسألة ليست محل اتفاق.

الرجل هنا دخل المسجد فصلى، ثم جاء إلى النبي ﷺ فسلم عليه، قد يكون النبي ﷺ في ناحية، والرجل دخل وصلى بطرف المسجد، كما يدخل الواحد من الناس، ويصلي بمنأى عنهم، ثم بعد ذلك إذا جاء إليهم سلم.

لكن إذا جاء إلى الناس ووقف في الصف، وعن يمينه رجال وعن شماله رجال، هل يبدأ بتحية المسجد، أو يبدأ بالسلام؟

من أهل العلم من أخذ بظاهر هذا، فقالوا: يبدأ بتحية المسجد، فهذه تحية، وهذه تحية، قالوا: يقدم حق الله على حق المخلوق.

وبعضهم قال: يبدأ بالسلام، وهذا لا يؤثِّر ولا يؤخر تحية المسجد؛ لأنها كلمة لا تعوقه، لكن أولئك نظروا إلى المسألة بنظر آخر، ليس من جهة التعويق، والتأخير، وإنما من جهة التقديم، صاحب الحق من هو؟

وعلى كل حال هي مسألة سهلة، فمن فعل هذا فله فيه مستند، ومن بدأ بالسلام باعتبار أنه أول ما يبدأ به الداخل، سواء دخل في بيته أو غيره، وسواء كان بحضرته أحد، أو لم يكن، فإنه يبدأ بالسلام بمجرد الدخول.

وهذا الحديث استنبط منه أهل العلم مسائل كثيرة تتعلق بالصلاة، فيما يتصل بأركانها، ومدار الكلام في أركان الصلاة على هذا الحديث، وليس هذا موضع الكلام عن هذا، وإنما الشاهد فيه أنه جاء فسلم، صلى، ثم أتى النبي ﷺ فسلم، فرد .

وكون النبي ﷺ يقول: ارجع فصلِّ وهو لا يحسن غير تلك الصلاة التي صلاها لا يكون ذلك من قبيل تأخير البيان عن وقت الحاجة، إنما أراد النبي ﷺ أن يؤكد له هذا المعنى، والله تعالى أعلم، أن يتحقق مما يقول له، فصلاته هذه التي صلاها لا تجزئه، فرجع، فصلى، ثم ثانية، بعد ذلك لا يمكن أن يصلي مثل هذه الصلاة.

إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه
وذكر: حديث أبي هريرة أيضًا عن رسول الله ﷺ قال: إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر، ثم لقيه فليسلم عليه[2]، رواه أبو داود.

وهذا هو عين ما ترجم به المؤلف -رحمه الله- في هذا الباب، باب استحباب إعادة السلام على من تكرر لقاؤه على قرب بأن دخل، ثم خرج ... إلى آخره.

فحديث المسيء صلاته، جاء فصلى، ثم سلم فلما قال له النبي ﷺ: ارجع فصلِّ رجع فصلى، ثم جاء فسلم على النبي ﷺ حتى فعل ذلك ثلاث مرات، يأتي ويسلم، وهو في مكان واحد، في المسجد، وكأن هذا يُشعر -والله أعلم- أنه كان في ناحية منه، وإلا لو كان بين يديه فإنه لا يحتاج إلى أن يلقي السلام عليه ثانية، ثم ثالثة.

والحديث الآخر: إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة، يعني: بعد التسليم الأول، يمشي معه، فصار بينهما شجرة، أو جدار، أو حجر، ثم لقيه فليسلم عليه.

بعض أهل العلم فهم من هذا أنها تحول حيلولة كاملة، أيْ شجرة كبيرة، أو جدار، أو حجر كبير، أو صخرة، أو نحو هذا، بحيث إنها تحجبه عنه، فيسلم ثانية، أما إذا كانت شجرة صغيرة، أو نحو هذا فإنه لا يحتاج إلى مثل هذا التسليم؛ لأنه ما فارقه، يراه، هكذا قال بعض أهل العلم.

هذا يدل على أن الافتراق اليسير يطالب معه بالتسليم ثانية، ولا يُنظر في ذلك إلى مسألة طول الفصل، وقصر الفصل، كما قد يقال في غيره من المسائل عند من يرى ذلك في مسألة سجود السهو مثلًا، لو أنهم قاموا أو خرجوا، أو نحو هذا، هل يسجد إذا تذكر أو لا، إذا طال الفصل؟، فيما لو أنه خرج من المسجد يتكلم في التليفون، ثم دخل قليلًا عند باب المسجد، ثم دخل، أو خرج ليأتي بشيء نسيه في سيارته، ثم دخل بعدما صلى تحية المسجد، هل يطالب بتحية المسجد من جديد أو لا؟

من أهل العلم من يقول: إن لم يطل الفصل فإنه لا يحتاج إلى أن يصلي ثانية.  

والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب من رد فقال: عليك السلام (8/ 56)، رقم: (6251)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها (1/ 298)، رقم: (397).
  2. أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في الرجل يفارق الرجل ثم يلقاه أيسلم عليه؟ (4/ 351)، رقم: (5200).

مواد ذات صلة