- مرضت فلم تعدني
- عودوا المريض وأطعموا الجائع
- إن المسلم إذا عاد أخاه
- ما من مسلم يعود مسلما
- كان غلام يهودي يخدم النبي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
ففي كتاب عيادة المريض، وتشييع الميت والصلاة عليه، وحضور دفنه والمكث عند قبره بعد دفنه، ذكر المصنف -رحمه الله- تحت هذا الكتاب أبوابًا كما هو المعتاد، من هذه الأبواب وأولها: باب عيادة المريض، ومما أورده المصنف -رحمه الله- من الأحاديث ضمن هذا الباب ما جاء:
قوله: إن الله يقول يوم القيامة... هذا هو المعروف بالحديث القدسي الذي يرويه النبي ﷺ عن ربه، فيقال: قال رسول الله ﷺ، قال الله تعالى، أو قال رسول الله ﷺ فيما يرويه عن ربه -تبارك وتعالى- وما إلى ذلك من الألفاظ التي تؤدي هذا المعنى.
والحديث القدسي الراجح، والله أعلم من أقوال أهل العلم أن لفظه، ومعناه من الله؛ لأن ذلك هو الظاهر، قال الله تعالى، فلا يقال إنه كالحديث النبوي سواء، لكن يبقى الفرق بينه وبين القرآن أن القرآن معجز، وهذا ليس بمعجز، القرآن تكفل الله بحفظه، والحديث القدسي ليس كذلك، والقرآن متعبد بتلاوته بألفاظه، والحديث القدسي ليس كذلك، القرآن لا يجوز روايته ونقله بالمعنى، والحديث القدسي يجوز روايته بالمعنى لمن يكون عارفًا بما يؤدي المعاني من الألفاظ، ولا يغيرها.
يقول: يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني ما المراد بهذه الجملة؟ الله -تبارك وتعالى- منزه عن المرض والجوع، ولكن المراد بذلك يوضحه ما بعده.
قال: يا رب كيف أعودك، وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده.
فهذا يفسر المراد، وليس ذلك من باب تأويل الصفات، وحمل النصوص على غير ظواهرها، فإن أهل السنة يفسرون النصوص كما هو معلوم بحسب ما دلت عليه من غير تأويل، ولا تحريف، ولا تكييف، ولا تعطيل، ولا تمثيل، فهذا وضحه النبي ﷺ بل وضحه الله -تبارك وتعالى- في نفس اللفظة، يعني: هذا حينما يقول الله : فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا [العنكبوت:14].
لا يمكن لأحد أن يأخذ الجزء الأول، ويقول: إنه بقي ألف سنة، بقي في الكلام بقية، توضح الجزء الأول من الكلام ألف سنة إلا خمسين عامًا.
إذًا هو بقي تسعمائة وخمسين سنة، فلا يمكن أن يؤخذ جزء من الكلام، ثم يترك الباقي.
فهنا: أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده فالذي يمرض هو هذا الإنسان، والله منزه عن ذلك، قال: لوجدتني عنده وهذا يؤخذ منه المعية الخاصة لأوليائه، وخاصة عباده أهل عبودية الاختيار، فإن الله معهم بنصره، وتأييده، وحفظه، ورعايته، وما إلى ذلك.
وفيه إشارة إلى الثواب والجزاء، فإن الله يجازيه كما تدل عليه الألفاظ الأخرى.
فقد قال: يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني. هذا على سبيل المحاسبة يوم القيامة، فدل على أن الإنسان يحاسب على حقوق المسلمين، هذا مرض فلم تعده، وهذا جاع فلم تطعمه، وهذا صار في حال من الشدة والكربة، فلم ترفع بذلك رأسًا، ولم تغثه.
يقول: يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب، كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه.
وهذا يدل على منزلة هؤلاء من أهل الإيمان، منزلة هؤلاء العباد؛ حيث أن الله -تبارك وتعالى- أضاف ذلك إلى نفسه.
ثم جاء مفسرًا: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمني...، أضاف ذلك إلى نفسه وهذا لمنزلة عبده المؤمن.
قال: أما علمت أنك لو أطعمته، لوجدت ذلك عندي، يعني: الثواب والأجر، فإنه لا يضيع عند الله -تبارك وتعالى- شيء، فإنما يقدم الإنسان لنفسه، ويحسن إليها، وهو المحتاج.
قال: يا ابن آدم، استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب، كيف أسقيك، وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان، فلم تسقه، أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي، يعني: أجره.
وقل مثل ذلك في حاجات الناس، استكساك عبدي فلان، إلى آخره، مما يعرض للناس من الحوائج.
عودوا المريض هذا أمر، والأصل أن الأمر للوجوب، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن عيادة المريض واجبة.
وهذا يختلف باختلاف حال المريض، أحيانًا تكون حاله لا تتطلب الزيارة، لا تتطلب العيادة؛ لأن ذلك يتضرر به، فهنا لا يقال للناس إنه يلزمكم ذلك.
وقد يكون المريض بحال لا يعلم فيها من عاده، ومن لم يعده، يعني: يكون غائبًا عن وعيه -مثلاً-، فهنا قد لا يقال إن العيادة واجبة؛ لأنه لا يشعر؛ لأن المقصود من العيادة والله تعالى أعلم أمور:
الأمر الأول: هو تقوية قلب المريض؛ لأن المريض يشعر بضعف، وانكسار، ووحشة، فهو ينظر إلى الحياة، وإلى الناس بمنظار غير المنظار الذي ينظر فيه الأصحاء، وهذا يعرفه الإنسان إذا مرض، وتعب ينظر إلى الطريق، ينظر إلى الناس، ينظر إلى المار، ينظر إلى من حوله، ينظر إليهم بنظرة أخرى تمامًا.
أما إذا كان في حال العافية، والقوة والصحة، فإنه لربما ينظر إلى الناس إلى أنهم ضعفاء، وهو القوي، لكنه إذا أصابه المرض عاد إلى رشده، وأدرك ضعفه، ولربما ظن أن هذه هي القاضية، وأنها هي نهاية المطاف هذا المرض، وانغلقت الأبواب في وجهه، ولربما غلب عليه اليأس، فيحتاج إلى من يقوي قلبه، ومن يواسيه، ومن يأنس به.
فإن الإنسان إذا كان في حال من الضعف والانكسار، والوحشة، لربما يشعر بشيء من الغربة، فإذا جاءه من يعوده، ويسأل عنه لاسيما مع التزام الآداب اللائقة في هذا الباب، يعني: لا يأتيه من يقنطه.
ثم يقول له بعد ذلك هذا المرض أصاب طائفة من الناس، فلان وقع له مثل هذا المرض، ثم توفي، وفلان وقع له مثل هذا الذي وقع لك، ثم بعد ذلك أصابه شلل رباعي، وفلان أصابه مثل هذا المرض تمامًا، وأعرف واحد آخر أصابه غيبوبة، ولم يزل في ذلك منذ سنوات، وإلى آخره.
هذا ليس هو المقصود من العيادة، وإلا يحدثه بأخبار الذين ماتوا، ولكن قد يذكر له أشياء من البلاء غير البلاء الذي وقع له مما هو أشد تخفيفًا عليه، يقال: انظر إلى حال من هو دونك، إلى من ابتلي ببلاء أشد منك، فأنت بخير، وأنت في نعمة انكسرت رجل واحدة احمد الله هناك ناسًا انكسرت أطرافهم الأربعة، هناك من انكسر ظهره، فأنت في سعة وعافية، وأنت أفضل من غيرك ذهبت عليه عين واحدة، يقال: هناك من ذهبت عيناه، وذهب عقله، وهكذا.
فهذا لا إشكال فيه فنفرق بين المقامين، والحكيم العاقل هو الذي يحسن إيراد الكلام، ويتكلم لغرض صحيح يوصل به رسالة إلى هذا المريض تقوي قلبه، وتبعث الأمل، والفأل في نفسه، ويحتسب الأجر عند الله فهذا غرض من أبرز، وأهم، بل هو الأول في عيادة المريض.
الأمر الثاني: من هذه الحكم في عيادة المرضى، هو أن هذا المريض حينما يعوده الإنسان يدعو له؛ لأنه بحاجة إلى الدعاء، ولذلك حتى لو كان غائبًا عن وعيه لا يشعر بالناس، لا يقال إنه لا يعاد ما الفائدة من زيارته؟ وأحيانًا أولاده يردون الناس عن عيادته، ويغلقون الباب دونهم، وهذا غير صحيح.
فإن الناس يأتون إليه، ويدعون له، فقد يشفيه الله بسبب دعاء المؤمنين.
والأمر الثالث: هو أن عيادة المرضى هناك معنى يرجع لمن يعودهم، من جهة الأجر والثواب، كما سيأتي في الأحاديث، فهو يؤجر هذه عبادة يتقرب إلى الله بها عبادة عظيمة تشيعه بذلك الملائكة إلى غير ذلك من الفضائل.
والأمر الآخر: هو أن الإنسان يعرف نعمة الله عليه، هذا الإنسان الذي يعيش في حال من الزهو واغتر بشبابه وقوته وعافيته يحتاج أنه يرسل إليه مرض، يأتيه مرض يأتيه ما يعرض لعافيته حتى يتذكر ربه -تبارك وتعالى-، وكيف أنعم عليه؟ فيرفع يديه ويدعو وينكسر، أو يعود هؤلاء المرضى، فيرى أحوال الناس، ويقول: أنا في عافية، الحمد لله، رأيت شيئًا في المستشفى، رأيت أناسًا لا يستطيعون الكلام، رأيت من لا يستطيع المشي، رأيت من لا يستطيع الأكل، رأيت من لا يستطيع كذا، فيستشعر عافيته، ونعمة الله عليه، كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7].
فعيادة المرضى هي علاج لأدواء النفوس من هذه الحيثية، لو أن الإنسان يجعل لنفسه وقتًا يذهب، ولو بالشهر مرة يزور الناس الذين لا يعرفهم، يعود المرضى، فهذا يؤجر عليه أجرًا عظيمًا، ويقوي قلوبهم، ويدعو لهم، ويتعظ أيضًا هو، ويعتبر يكون تجديد، تذكير بهذه النعم التي أعطاه الله إياها حين بعد حين.
وأعرف من يعود المرضى كل يوم، لا يعرفهم، يأتي إلى المستشفى يمر على هؤلاء، يدعو لهذا وهذا وهذا كل يوم بعد العصر.
وأعرف من يأتي يومًا بعد يوم، وأعرف من يأتي يومين في الأسبوع، وأعرف من يأتي يومًا واحدًا في الأسبوع، لا يعرفونهم، ولكن هذا ديدنهم.
أنا رأيت هؤلاء يمرون على المرضى مرورًا سريعًا، ويدعون له، ثم يمشي، والثاني، والثالث، والرابع، وسألت من هؤلاء، فقال بعض المرافقين للمرضى: هؤلاء هذا الذي جاء قبل قليل يأتي كل يوم، والثاني يأتي يومًا بعد يوم، والثالث يأتي يومين في الأسبوع، وآخر يأتي يومًا واحدًا في الأسبوع، عادة عندهم.
الإنسان لا يكون غافلاً، قال: عودوا المريض، وأطعموا الجائع هذا الإنسان الذي بحاجة إلى الطعام، لا يجد شيئًا.
وفكوا العاني العاني هو الأسير، العاني يقال لمن ذل وخضع، فهذا يقع في الأسر، فتكون حاله كذلك، فيجب السعي في فك أسره؛ ولذلك تبذل الأموال من بيت مال المسلمين، وهي مشتركة لهم حق فيها جميعًا تبذل في فك واحد من المسلمين، وذلك أن استبقاء النفوس والمهج، وتخليص الإنسان من فتنة في دينه، ومن فتنة في نفسه أولى وأهم من المال.
وذكرنا في بعض المناسبات أن قاعدة المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، أنها ليست على إطلاقها، وإنما ينظر إلى المراتب فقد تقدم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.
فالمال مصلحة عامة للمسلمين، ومع ذلك تبذل الأموال الطائلة في سبيل فك أسير واحد، فقدمنا مصلحة الأسير الواحد؛ لأنها أعلى، فهي في رتبة ضروري أعلى، وهو الدين، عليه خطر في دينه، يفتن، وكذلك النفس.
والمال في الرقم خمسة، هو آخر الضروريات، أولها وأعظمها الدين، ثم النفس، ثم العقل، ثم العرض، ثم المال، فهذه كلها ضروريات خمس، فيقدم الأعلى.
فكوا العاني فكل من كان أسيرًا فإنه يصدق عليه ذلك.
هذه من فضائل عيادة المريض، ولذلك كما ذكرت من آثار العيادة وفوائدها ما يرجع إلى العائد للمرضى.
يقول: إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم هل هنا القيد مقصود المسلم، إذا عاد أخاه المسلم.
إذا زار كافرًا، لا يكون كذلك، لكن هل يقال: إنه لا يؤجر على عيادة الكافر، إن لم يكن محاربًا؟ يقال: في كل كبد رطبة أجر[1].
إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم، لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع يعني: هو في استمرار، يعني: نحن نريد أن نقلص قدر المستطاع وقت هذه العيادة، لكن هذا ينبغي أن يقيد بأن يكون له في ذلك نية صحيحة، ونحن نضيع كثيرًا من هذا الخير على أنفسنا، أننا نذهب من أجل تسجيل حضور، أننا أدينا الواجب، ألقينا التبعة عن كواهلنا.
فقد يذهب الإنسان وهو متثاقل، وهذا غير صحيح، يذهب وهو مستبشر ومحتسب، وإذا جاءك إنسان، واتصل بك، أو قال لك: نذهب إلى مريض نعوده، افرح بهذا، هذا خير قدم لك، لم تزل في خرفة الجنة حتى ترجع.
الناس لو قيل لهم: نذهب إلى بستان، إلى مكان جميل، إلى مكان جيد، إلى مزرعة قريبة، ذهبوا.
خرفة الجنة، يعني: جناها، يعني: الثمر، لم يزل في جناها حتى يرجع، لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع، فهذا فضل عظيم حتى يرجع، يعني: معناها حتى يرجع إلى، يعني يحسب له منذ أن ينطلق إلى أن يرجع، يكتب له ذهابه ورجوعه ما يضيع شيء، فإن أدركه زحام، أبطأ في الطريق، فهو في خرفة الجنة.
وهذه هي التجارات الحقيقية التي نفرط بها كثيرًا.
ما من مسلم يعود مسلمًا غدوة... يعني: من بعد الفجر إلى طلوع الشمس، هذا يقال له غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي.
سبعون ألفًا يصلون عليه! يعني: يدعون له يستغفرون له سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يمسي، والمساء من بعد الزوال، يعني: نصف اليوم استغفار الملائكة، سبعون ألف.
وإن عاده عشية، العشي يبدأ من بعد الزوال إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة، خريف في الجنة، يعني: ما يجتنى ويخترف من جنى الثمار، خريف في الجنة، ذلك فصل الخريف الذي يقال له الخريف، لماذا قيل له الخريف؟ فهو يأتي بعد الصيف، فتكون الثمار قد أينعت وحان جناها، وقطافها، ففصل الخريف فصل اعتدال، مثل الربيع، لكنه أفضل من الربيع بكثير، لا مقارنة؛ لأنه وقت جني الثمار، ولهذا يأتي في التواريخ، يقال: سبعون خريفًا، يعني: سبعون سنة، أما نحن الآن نقول: عمره مثلاً عشرون ربيعًا، الربيع يأتي بعد الشتاء، وليس فيه ثمر، ما فيه شيء، فإنما يعجبهم الأزهار، والألوان، والأشكال، والصور، فيعبرون بذلك يقال الربيع، وكأنهم يلحظون إلى أن الخريف تتساقط فيه أوراق الشجر، فالخريف ليس فيه منظر، لكن فيه معنى، وأما الربيع ففيه صورة بلا معنى.
فهنا لم يزل يقول: كان له خريف في الجنة تصور هذه الأشياء في الجنة، ثمار الجنة لا تقارن بثمار الدنيا بحال من الأحوال، وأيضًا يصلي عليه سبعون ألف ملك.
الإنسان يعوده في الصباح سبعون ألف ملك، وفي المساء سبعون ألف ملك، معنى ذلك مائة وأربعين ألف ملك يصلون عليه في اليوم، هذا شيء هائل، على ماذا؟ على عيادة مريض خمسة دقائق، أو أقل، رأيتم كم نفرط؟ وأن هناك أشياء قريبة جدًا في متناول اليد، لا يعجز عنها لا الفقير، ولا الغني، ولا الكبير، ولا الصغير، ومع ذلك نفرط فيها، فالمشكلة ليست في أن الوصول إلى الجنة أمر صعب، وأن الوصول إلى البر والدرجات العلا أمر صعب، لا، القضية أن النفس هذه تقعد بنا، فنثقل عن الطاعات، مع أنها ميسورة، يعني: هذه من الذي لا يستطيعها؟ من الذي يعجز عنها؟.
وهذا يدل على أنه يجوز مثل هذا، أن يخدم اليهودي أو غير المسلم، أو نحو ذلك، لكن يراعى في مثل هذا أمور، فيمن يدخل بيوت الناس، ويختلط بالصغير والكبير، وكذلك بعدما قال النبي ﷺ: أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب[1].
هذا من أهل المدينة، فمرض فأتاه النبي ﷺ يعوده، فدل هذا على أن عيادة الكافر مطلوبة كذلك، لكنها ليست كعيادة المسلم، ما لم يكن محاربًا، وفي كل كبد رطبة أجر، ويحصل فيه الاعتبار -أيضًا- فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم. هنا يكون في حال من الضعف، فنظر إلى أبيه، وهو عنده، يعني: كأنه يستشيره يستأذنه، فقال: أطع أبا القاسم؛ لأنهم يعرفون النبي ﷺ كما يعرفون أبناءهم، فأسلم فخرج النبي ﷺ وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار[2]. رواه البخاري.
ظاهره أنه مات، وهل يرد على هذا أن التوبة لا تقبل إذا بلغت الروح الحلقوم، وهل يقال إن هذا يعارض ما جاء من أن التوبة، لا تقبل حال النزع، والغرغرة.
الجواب: عن هذا أن يقال -والله تعالى أعلم- أن هذا اليهودي حينها لم يكن في حال النزع، والغرغرة، ما وصل إلى هذا، كما عرض النبي ﷺ الإسلام على أبي طالب، قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله[3].
فلم يكن في حال النزع، فإذا وصلت الروح إلى الحلقوم، فعندها لا تنفعه التوبة، ولا يقبل منه إيمان -والله تعالى أعلم-.
ويرد على هذا احتمال آخر أنه بلغ هذه المرحلة، فيكون ذلك خاصًا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- والله أعلم.
- أخرجه البخاري، كتاب الجزية، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب (4/ 99)، رقم: (3168)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب إخراج اليهود، والنصارى من جزيرة العرب (3/ 1388)، رقم: (1767).
- أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات، هل يصلى عليه، وهل يعرض على الصبي الإسلام (2/ 94)، رقم: (1356).
- أخرجه البخاري، باب قصة أبي طالب (5/ 52)، رقم: (3884).