الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
(10) الرابع ما خص بالسنة إلى آخر المتن
تاريخ النشر: ٠٦ / رجب / ١٤٢٩
التحميل: 2842
مرات الإستماع: 1805

قال المؤلف  رحمه الله:  

الرابع: ما خُصَّ بالسنة هو جائز، وواقع كثيرًا، وسواءٌ متواترها وآحادها.

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا، -أيضًا- مما يتعلق بموضوع العام والخاص: ما خُص بالسُّنَّة، يعني: من القرآن ما خُصِّص بسنة رسول الله ﷺ وهذا كثير، ولا إشكال في هذا النوع؛ لأن السُّنَّة مبينة للقرآن والتَّخصيص من البيان.

يقول: "وسواءٌ متواترها وآحادها" فهي تُخصِّص باعتبار أنها مبينة؛ والبيان يحصل بالآحاد، نحن نتجارى معهم في هذا، لأنهم يزعمون أن الآحاد يفيد الظن دائمًا، ولهم شغب في مسألة النسخ هل ينسخ القرآن بالسُّنة أصلاً؟ وهل ينسخ بالآحاد؟ لاعتبارات معينة منها قضية الظنية هذه التي طعنوا فيها بالنصوص، فيقولون: النسخ رَفعٌ والرَّفع لا يكون بالأضعف، أما البيان فإنه يحصل بالآحاد، -على كل حال- نحن نقول: التَّخصيص يحصل بالسنة سواء كانت متواترة أو آحاد كما قال المؤلف، وهذا القول الذي عليه عامة الأصوليين، وما يقال سوى هذا فهو شاذ.

مثال على تخصيص القرآن بالسُّنة: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38] فالسَّارق يعمُّ كل سرقة، فالسُّنَّة خصصت أن القطع لا يكون إلا بربع دينار فأكثر[1]، والأدلة دلت على أنه لا يقطع بأقل من ربع دينار، -وأيضًا-: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة:3] خُص بالسنة بماذا؟ وأحلت لنا ميتتان[2]، -وأيضًا- في المحرمات من النساء: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [النساء:24]، لما ذكر المحرمات، والسُّنَّة خصت ذلك في النَّهي على الجمع بين المرأة وخالتها، والمرأة وعمتها[3].

الخامس: ما خَصَّ منه السُّنَّة هو عزيزٌ، ولم يوجد إلا قوله –تعالى-: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ [التوبة:30]، وَمِنْ أَصْوَافِهَا [النحل:80]، وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا [التوبة:60]، حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ [البقرة:238]، خصَّت: أمرت أن أقاتل الناس..[4]، و ما أُبين من حي ميت..[5]، و لا يحل الصدقة لغني..[6] والنهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة.

هذه تحتاج تعديل "ما خَصَّ منه السنة" يعني: ما خَصَّ من القرآن للسُّنَّة، هذا عكس الذي قبله هناك سنة خصصت قرآن هنا الآن قرآن خصص السنة، وهذا يستشكله بعضهم، يقول: القرآن مبين للسُّنَّة كيف يخصصها؟ نقول: لا إشكال في هذا، الواقع يدل على صحته، يقول: "وهو عزيز" يعني: قليل الوجود والوقوع، هذا الآن الترتيب الذي مشى عليه هذا يسمونه: باللف والنشر المرتب، يعني: يذكر جملة أشياء، ثم يذكر بعد ذلك أحكامها المتعلقة بها على الترتيب الذي ذكره أولاً، تعطي كلَّ واحدٍ حكمه بحسب الترتيب، وهناك نوع آخر يسمونه: اللف والنشر المشوَّش فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ۝ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ۝ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ۝ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا [هود:105-108] فهذا يقال له: لف ونشر مرتب، وأمَّا المشوَّش فأن يبدأ بالثاني –مثلاً- قبل الأول، مثل ماذا؟ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ۝ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[آل عمران:107]، فالذي أمامنا الآن يعتبر لف ونشر مرتب، ذكر جملةً من القضايا، ثم ذكر أحكامها بعد ذلك نشرها مرتبة بحسب ترتيب الأولى، فانظر الآن إلى أحكام مرتبة، حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ أين الحديث الأول الذي ذكره؟ قالت: خصت: أمرت أن أقاتل الناس.. فقوله ﷺ: أمرت أن أقاتل الناس.. هذا عام؛ وهو مخصوص بقوله: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ [التوبة:29]، فإذا أعطوا الجزية فإنَّه يكف عن قتالهم.

وما أُبين من حي ميت..، هذا عام "ما أبين" ما: هذه للعموم، ما الذي خصَّصه؟ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا [النحل:80] فإذا جُزِّت لا يقال أنها نجسة مع أن البهيمة كانت حية.

وهكذا في قوله: وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا [التوبة:60] العاملين على الزكاة عموم قول النبي ﷺ: لا يحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي.. الصدقة يعني الزكاة، فهذا من العاملين عليها ممن وُظف ممن لا يأخذ مقابل لا يأخذ راتبًا، لكنه يُعطى من الزكاة التي جمعها، وهذا ليس المتبرِّع، أو الذي يعمل بجمعية خيرية، يتأول ويأخذ من الأموال، ويقول أنا من العاملين عليها! هذا لا يجوز، وإنما من يعيِّنهم الإمام بجمع الزكاة، فإنَّهم يُعطون في مقابل ذلك من الزكاة، فهنا قد يكون هذا غني، والنبي ﷺ يقول: لا تحل الصدقة لغني.. هذا عام، فيستثنى منه ما ذكره الله فتكون الآية مخصصة للحديث.

يقول: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ [البقرة:238] هذا مخصص للنهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة، فالنبي ﷺ يقول: لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس[7] الآن أوقات النهي؟ فالله يقول: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ فإذا كان الإنسان في هذه الأوقات يؤدِّي الفرض قضاءً، أو الآن تذكَّر هذا الإنسان أنه لم يصل الظهر السَّاعة الخامسة عصرًا متى نقول له يصليها؟ في الوقت نفسه؛ لأن الله يقول: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ [البقرة:238] إلى غير ذلك طبعًا من الأدلة منها:  من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها[8] يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا..[9] الحديث معروف، لكن الكلام الآن فقط على تخصيص السنة بالقرآن.

السادس: المجمل ما لم تتضح دلالته، وبيانه بالسُّنَّة، المبين خلافه.

فهذا المجمل والمبين يقول: "المجمل ما لم تتضح دلالته" لماذا لم تتضح دلالته؟ لسبب أو لآخر، إما بسبب الاشتراك –مثلاً- لفظ مشترك، مثل ما قلنا: عَسْعَسَ [التكوير:17]، يراد به: أقبل، ويراد به: أدبر، "القُرء" ما المراد بقوله: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]؟ نحتاج إلى دليل آخر يبين لنا المراد هل هو الحيض أو الطهر؟ لماذا؟ لأن اللفظ مشترك، فجاءنا الإجمال من جهة الاشتراك، فاللفظ محتمِّل للمعنيين؛ لأنه مشترك، وقد يكون هذا الإجمال بسبب الحذف، في قولة –تعالى-: وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أن تَنكِحُوهُنَّ [النساء:127]، هل المقصود بقوله: وَتَرْغَبُونَ أن تَنكِحُوهُنَّ يعني في: أن تَنكِحُوهُنَّ في نكاحهن؟ أو المقصود عن نكاحهن؟ فهناك محذوف مقدر ما هو؟ فهذا يقال له مجمل، هل ترغب عن نكاحها لأنَّها قليلة الجمال مثلاً قليلة المال؟ أو ترغب في نكاحها لجمالها أو لمالها؟ فهذا يحتمل، وقد يكون هذا الإجمال بسبب احتمال مرجع الضمير، الضمير  يرجع إلى ماذا؟ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: 10]، يرفعه أي: الله يرفع العمل الصالح، أو الكلم الطيب يرفع العمل الصالح، أو العمل الصالح يرفع الكلم الطيب، كل هذه احتمالات، وقال: أهل العلم بهذا، وبهذا، وبهذا، كل طائفة ذهبت إلى قول بسبب احتمال مرجع الضمير، وهكذا قد يكون بسبب احتمال العطف، أو الاستئناف: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ [آل عمران:7] هل الواو استئناف فيها أو عاطفة؟ طبعًا نستطيع أن نعالج هذه الأمثلة بمعالجات معينة، إما قرائن من اللفظ أو بأدلة خارجية، هذا هو الذي يرتفع به الإجمال، لكن من حيث هو فيه إجمال، وما يرتفع به الإجمال؛ هذا هو الذي يقال له البيان، أحيانًا اللفظة نفسها تكون غريبة، يعني في مثل: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة:232] ما المراد به؟ وأحيانًا يكون لأمر آخر -على كل حال- الإجمال يبقى المعنى فيه غير متضح تمامًا لسبب أو لآخر هذا المجمل، يقول: "ما لم تتضح دلالته وبيانه بالسُّنَّة" وليس بالسُّنَّة فقط يكون بيانه؛ بالسنة وبالقرآن، يعني مثلاً في قوله -تبارك تعالى-: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ [النحل:98] لو أخذنا ظاهر الآية: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ [النحل:98] أن الاستعاذة تكون بعد القراءة أو لا؟ وهذا قال به بعض أهل العلم، قالوا:  الاستعاذة تكون بعد ما تنتهي من القراءة، ما الفائدة إذًا؟ قالوا: الفائدة أنت لا تعرف ما الفائدة! الفائدة: أن الواحد يستعيذ حتى ما يلحقه العجب فيبطل عمله، فنحن نقول أن هذا صار بالنسبة لك -على الأقل- مجملاً، فبينته السُّنَّة، فكان النَّبي ﷺ يستعيذ قبل القراءة، وأيضًا: فَاسْتَعِذْ هنا كيف نستعيذ؟ ما بين! فالنبي ﷺ وردت عنه صيغ في الاستعاذة فهي مبينة، ولهذا بعض أهل العلم يقول: الله قال نستعذ، فنستعيذ بأي طريقة، ولهذا جاءوا بصيغ لم ترد عن النبي ﷺ، قال بها بعض السلف؛ أعوذ بالله العزيز القاهر أو القادر من الشيطان الغادر، هذه صيغ قال بها بعض العلماء، لكن نقول أنَّ السُّنَّة بينت هذا.

كذلك: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43]، مجمل، كيف؟ ما هي الأوقات ؟كم عدد الركعات؟ ماذا نقول في كل ركعة؟ إيتاء الزَّكاة: ما هي الأموال الزكوية؟ ما هي الأنصبة؟ ما هي قدر المخرَج؟ هذا بينته السُّنَّة، وقد يكون الذي بينه القرآن: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ [البقرة:187] هذا مجمل وإلا لا؟ ولهذا عدي بن حاتم  فهم منها أنه جاء بعقالين أبيض وأسود، وجلس ينظر، فبيَّنه القرآن: مِنَ الْفَجْرِ فهذا بيان المسألة ليست عقال.

وهكذا: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ [المائدة:1] ما الذي يتلى علينا؟ هذا مجمل حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ [المائدة:3] وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ [النحل:118] ما الذي قصه؟ هذه في النحل، وفي الأنعام: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أو الْحَوَايَا أو مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ [الأنعام:146] وهذا يستدلون به على أن سورة الأنعام نزلت قبل سورة النحل، وكلاهما مكي.

وقل مثل ذلك، أيضًا في قولة –تعالى-: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ [البقرة:40] ما هو عهده؟ وما هو عهدهم؟ هذا مجمل، فيقول الله : لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [المائدة:12] فهذا عهده وهذا عهدهم، بين ما ليس فيه أجمال –أصلاً- مثل ماذا؟ مثل: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] هذا مبيَّن، هذا بين في نفسه ظاهر المعنى لا يحتاج إلى غيره، والمبيِّن هو الذي يحصل به البيان وكشف الإجمال.

السابع: المؤول، ما ترك ظاهره لدليل.

"المؤول ما ترك ظاهره لدليل" نحن عندنا لفظ في دلالته على المعنى، إذا كان اللفظ يدل على المعنى المراد بدلالة يدل على ذلك دلالة قاطعة مثلاً، بلا تردد ولا يحتمل معنى آخر، فهذا الذي يسمى بالنَّص لا يوجد احتمال ثاني، وإذا كان يدل على معنيين على جهة التساوي، يعني: أنت متردِّد بين هذا وهذا بدرجة متساوية، فهذا يقال له: الشَّك -نسبة تسمى الشك-، فإذا كان أحدهما أرجح من الثاني فالراجح يقال له الظن، ويجوز العمل بالظن في مثل هذا، يعني: يكون في احتمال معنى آخر، وأما النُّصوص التي ورد فيها الذَّم لمن يعمل بالظن إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ [الأنعام: 116] فالمقصود به التَّخمين والتخرص، ليس المقصود به غلبة الظن في دلالة النص، أو الدليل، أو نحو ذلك، فهذا الطرف الراجح يقال له: ظن، والطرف المرجوح هذا يقال له: وهمٌ، هذه بالنسبة للنُّسَب من حيث دلالة الألفاظ من جهة القوة والضعف، فإذا كان يدل دلالةً قويةً لا يحتمل شيء آخر، فهذا النص تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ يقولون، وإذا كان يحتمل، لكن الاحتمال ضعيف، فهنا هذا يقال له: الظَّن، والاحتمال الضعيف يقال له: الوهم، فحينما يوجد دليل يدل على أن المعنى الغالب المتبادر إلى الذهن، هنا غير مراد دليل يصرفه إلى المعنى الذي يحتمل نسبة عشرة بالمائة فهنا هذا الذي يقال له: المؤول والعملية تسمى التأويل، فهو حملة من المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح بدليل، هذا الذي يسمونه التأويل، فهذا الآن ما ذكر له أمثلة المأول ما ترك ظاهره لدليل، -طبعًا- أهل  الكلام تسلطوا على نصوص الصفات وأخذوا يأولونها، فيقول لك "استوى" بمعنى استولى لماذا؟ قالوا من أجل التنزيه، نقول لهم وهذا الكلام غير صحيح، اليد بمعنى القدرة أو القوة أو نحو هذا وهذا غير صحيح، فإن دلالة النصوص على الصفة يعني أن اليد المراد بها يد حقيقية لائقة بالله دلالة من قبيل النص؛ لأن النص منه ما يكون بمفرده مثل: تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [البقرة:196] وهناك نوع لا يعرفه علماء الكلام من دلالة النص؛ وهو أن تتضافر الأدلة لتقرير معنى، وإن كان الواحد منها فيه احتمال بعينه بمفرده، لكن تتوارد أدلة تذكر القبض والبسط والأصابع، وأدلة تذكر اليمين، وأدلة تذكر لفظة اليد وبالتثنية بَلْ يَدَاهُ [المائدة:64] فهذا يدل على أن المقصود ليس القدرة، ولا النعمة، كيف يكون القبض والبسط ويطوي السماوات بيمينه الطي؟ فهذا يدل على أن المراد يد حقيقية، فاجتماع هذه النصوص هو في قوة دلالة النص، ودلالة النص لها صورتان، المهم التأويل لا يجري في نصوص الصفات ولا في نصوص المعاد، لكن قد يجري بأشياء أخرى يعني من أشهر الأمثلة التي يمثل بها الأصوليون في قول النبي  ﷺ: الجار أحق بصقبه[10] فهذا الظاهر المتبادر منه أن الجار أي جار، جارك في البيت إذا جاء يبيع بيته فأنت أحق به المفروض أن يعرض عليك أولاً حتى لا تبتلى بجار سيء، فإذا ما كان لك رغبة يبيعه لآخر، لكن هذا المعنى المتبادر غير مراد، لكن بدليل ما هو الدليل؟ قوله ﷺ: فإذا صُرِّفت الطرق فلا شفعة[11] إذًا دل على أنه جار يراد به ليس كل جار وإنما الشَّريك غير المقاسم، يعني أن تكون قد تشترك مع إنسان في بيت "دُبلكس" كما يقال، أنت لك هذا وله هذا، هنا ما يحق له تبغى تبيعه، تبيعه أنت مشترك معه في أرض في مزرعة من الحد هذا إلى الحد هذا لك، ومن الحد هذا إلى الحد هذا لي، فهنا أبيع لأي أحد ليس له حق، لكن المال المشترك المشاع أنا لي نصف هذه المزرعة، لكن ما هو محدد، أنا دفعت 100 ألف وأنت دفعت 100 ألف، فهنا هذا هو الجار المراد هنا، فهذا حمل له على المعنى الاحتمال الضعيف، لكن لوجود هذا الدليل فهذا هو الذي يسمى بالمؤول أو التأويل.

قد يقول قائل من القرآن –مثلاً- هل يوجد مثال على ذلك؟ مثال على التأويل؟ نحضر لكم مثال مؤول وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء:24] اخفض لهما جناحك الذليل، وجناح الإنسان طرفه ويده، باب إضافة الموصوف إلى الصفة، يعني هذا عند أهل المجاز، نحن نقول هذا على ظاهره، طرف الإنسان فإذا الإنسان أراد أن يبطش رفع يده، وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ [الذاريات:47] الأيد غير الأيدي، ما هو جمع يد يعني بقوة هذا ليس بتأويل هذا معناه في اللغة، هذا غير صحيح هذا الأيد دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ [ص:17] يعني القوة، شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كان يتحدى الأشاعرة، يقول: آتوني بنص واحد من القرآن في نصوص الصفات طبعًا أُوِّلَ، فذهبوا وأمهلهم وقال: أنا أمهلكم في الواسطية قال لهم أمهلكم ثلاث سنوات اذهبوا وتعالوا، راحوا جابوا عالم الهند ابن الهندي هو أصولي قال فيه دليل فقال له شيخ الإسلام: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88]؟ قال: نعم، شيخ الإسلام سبقه وقال له: هل تقصد هذه؟ فهذه ليست من نصوص الصفات.

من القرآن: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82]، فالظلم ظاهره نكرة هنا في سياق النفي، يحمل على كل ظلم فحمل على معنى خاص وهو الشرك لدليل يمكن يقال هذا، لكن في غير نصوص الصفات، بعضهم يقول في قوله -تبارك وتعالى-: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ ظاهره أنه معهم وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ [المجادلة:7] أن المعية ذاتية، لكن كما قال الإمام أحمد -رحمه الله- أهل السنة يقولون المعية هنا بالعلم ما الدليل قالوا: الدليل موجود في نفس الآية أنَّه ابتدأها بالعلم وختمها بالعلم[12]، لا نطيل في هذا، قوله –تعالى-: وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ النكرة في سياق النفي تدل على العموم، فظاهره كل ظلم، فجاء دليل يبين أن الظلم هنا الذي فهمه الصحابة غير مراد، وأنه نوع خاص منه الذي هو الشرك الذي هو الظلم الأكبر.

يقول: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ [القلم:42] من فسرها جاء عن ابن عباس أن الساق: الكرب[13]، فالسَّاق يأتي في لغة العرب بمعنى الكرب، لكن بشرط أن يُثبت صفة الساق من الحديث فيكشف عن ساقه، فإذا أثبت الصفة يبقى هذا غاية ما يقال أنه من قبيل الخطأ في التفسير عند من يخالف فيه، وإلا فإن الكثيرين من أهل العلم يقول الآية يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ [القلم:42]، يعني الساق الذي هو الصفة، عرفتم المؤول؟.

الثامن: المفهوم موافقة ومخالفة، في صفة، وشرط، وغاية، وعدد.

عندنا المنطوق والمفهوم، المنطوق ما هو؟ ما دل عليه اللفظ في محل النطق: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة: 43] هذا منطوق يدل على وجوب الصلاة، ووجوب الزكاة، المفهوم: ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، يعني: فُهم، وهو ينقسم إلى قسمين: مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة، يعني: المسكوت عنه؛ يقال له: المفهوم، منه ما يوافق حكم المنطوق، ومنه ما يخالف حكم المنطوق، فيقول مفهوم الموافقة، مفهوم الموافقة ينقسم إلى قسمين: قسم يقال له: فحو الخطاب، وهو ما كان الحكم فيه من باب الأولى، يعني: أن المسكوت أولى من المنطوق، يعني: هو موافق له لكنه أولى مما ذكر فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء:23] الآن المنطوق ما هو النهي عن التأفيف، هذا المنطوق أليس كذلك؟ ما هو المسكوت عنه؟ الضرب الشتم القتل، أليس كذلك؟ فالمنطوق فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء:23]، المسكوت عنه هذه الأشياء، هذا المسكوت عنه لو قلنا –مثلاً-: القتل أو الضرب أو الشتم ما حكمه؟ يحرم من باب أولى، هذا مفهوم موافقة أو مفهوم مخالفة؟ موافقة، لماذا قلنا له مفهوم موافقة؟ لأنَّه يجري بنفس الاتجاه مع المنطوق، المنطوق في تحريم التأفيف؛ لأنه أذية، فهذا المسكوت عنه هو –أيضًا- في تحريم نوع أشد من الأذية وهو الضرب أو الشتم، فيسمى مفهوم موافقة؛ لأنه يوافق حكم المنطوق، مفهوم المخالفة بالعكس دائمًا اعكس القضية -كما سيأتي-، فمفهوم الموافقة منه ما هو أعلى -يعني من باب أولى- مثل: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء:23] وهو نوعان –أيضًا-: نوع يقطع به، ونوع مظنون؛ يقطع به مثل ماذا؟ فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء:23]، قطعًا الضرب من أولى.

لكن مظنون: إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ [الحجرات:6]، فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فإن جاء كافر؟ يقولون: من باب أولى -طبعًا المثال عندنا تحفظ عليه- لكن المقصود التوضيح، وإلا كلمة فاسق تشمل الكافر والعاصي، لكن عامة الأصوليين يمثلون بهذا المثال، فيقول الكافر من باب أولى، الكافر قد يكون عادلاً في دينه، يحرِّم دينه عليه الكذب، فيمتنع من الكذب، معنا المثال -كما قلت يشمل هذا وهذا- ولذلك ما يقال الكافر من باب أولى؛ لأن كلمة فاسق تشمل هذا وهذا.

نهى عن التضحية بالشاة العوراء، والعمياء؟ من باب أولى، لكن هل نقطع بهذا؟ لا، لماذا؟؛ لأن العمياء ترعى وهي رابضة، حيث يحضرون لها أحسن العلف ويضعونه بين يديها، فلا تحتاج أن تذهب إلى المرعى، أمَّا العوراء فإنها ترى نصف المرعى، وذلك من ضمن للهزال، وهذا العمى صار مظنة للسمن، وعندنا مفهوم موافقة مساوي الحكم المنطوق، مثل: النهي عن أكل مال اليتيم، وإتلاف مال اليتيم بغير الأكل هذا مفهوم موافقة، لكن هل هو من باب أولى أو مساوي؟ مساوي، هذا المساوي يسمونه لحن الخطاب، ومخالفة عرفنا المخالفة ما يخالف حكمه حكم المنطوق.

هذه الأنواع التي ذكرها؛ الصفة، والشرط، والغاية هل هذه تبعٌ لمفهوم الموافقة أو مفهوم المخالفة؟ المخالفة، أنواع مفهوم المخالفة، الداخلة تحت مفهوم المخالفة ليست على مستوى واحد في القوة، منها ما لا يحتج به في غاية الوهاء، ومنها ما هو قوي جدًا، يعني مفهوم –مثلاً- الحصر بلا وإلا، هذا قوي بقوة المنطوق، مفهوم الحصر يأتي بعده بإنما قوي، مفهوم الشرط، ومفهوم الصفة، أقوى من مفهوم العدد، مفهوم اللقب أضعفها، الآن انظر الأنواع التي ذكرها -أنواع مفهوم المخالفة- قال: "ومخالفة في صفة" يعني من أنواع مفهوم المخالفة: الصفة، مثل ماذا؟ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ [الحجرات:6] فاسقٌ صفة، لمفهوم المخالفة اعكس إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6] هذا المنطوق الأمر بالتبين إذا جاء فاسق بنبأ، المسكوت عنه ما هو؟ إن جاءك عدل فلا تتبين، لذلك قيل له: مفهوم المخالفة في صفة.

وشرط: وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:6] هذا المنطوق، المفهوم المسكوت عنه: إن لم يكن أولات حمل فلا نفقة، المطلقة البائن إما بخلع وإمَّا أن تكون طلقة ثالثة وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ [الطلاق:6]، فإن لم تكن من أولات حمل فلا نفقة لها، وهكذا المطلقة الرجعية إذا انتهت العدة وهي حامل، لكن هل هذا يمكن؟ أصلاً العدة لا تنتهي إلا بوضع الحمل، فهذا ما يرد.

المخالفة بصفة وشرط، وغاية: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ هذا المنطوق، المفهوم؟ فإذا نكحت زوجًا غيره حلت له.

"وعدد" في قوله: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثم لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً [النور:4] مفهوم العدد يعني لا أكثر من ذلك ولا أقل، هذا يسمى مفهوم العدد، وإلا موضوع المنطوق والمفهوم هذا يحتاج أكثر من درس، وهكذا الموضوعات الأخرى، لك أن تتصور هذه الأبواب.

التاسع والعاشر: المطلق والمقيد، وحكمه: حمل الأول على الثاني، ككفارة القتل، والظهار.

المطلق: ما دل على الحقيقة بلا قيد، مثل: تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فأي رقبة: ذكر، أنثى، كبير، صغير  يجزئ، والمقيد ما دل على الحقيقة بقيد تحرير رقبة مؤمنة، يقول: "وحكمه: حمل الأول على الثاني" يحمل المطلق على المقيد، "ككفارة القتل والظهار" كفارة القتل والظهار، ففي كفارة القتل ماذا قال الله ؟ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92]، فقيَّدها بالإيمان، في الظهار أطلق في الرقبة فلم يقيّدها بالإيمان، الآن في كفارة القتل الخطأ هل يجزىء أن يعتق رقبة غير مؤمنة؟ لا، قال: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، في كفارة القتل أطلق، فهل في كفارة الظهار يجزىء أن يعتق رقبة كافرة؟ تقول: لا، لماذا؟ يحمل المطلق على المقيد، فنقول: قيَّده هناك وكلام الشارع كنص واحد، فإذا ذكر القيد في الرقبة في موضع؛ فإنه يحمل عليه المطلق في الموضع الآخر هكذا، لكن هذا من حيث الإجمال، وإلا فالمطلق مع المقيد له أربع حالات: في بعضها يحمل المطلق على المقيد، وفي بعضها لا يحمل المطلق على المقيد، في بعضها يحمل بلا شك –مثل-: فيما إذا اتحد الحكم والسبب، وفي بعضها لا يحمل بلا شك –مثل-: فيما إذا اختلف الحكم والسبب، وفي بعضها تردد، وهما الصورتان في الوسط: اتحاد السبب واختلاف الحكم، اتحاد الحكم واختلاف السبب، ففي هذا المثال الذي عندنا السبب مختلف أو لا؟ هنا السبب القتل وهنا السبب الظهار، والحكم اتحد: وهو تحرير الرقبة، فجاء مقيدًا في موضع، فهنا هل نحمل المطلق على المقيد إذا اتحد الحكم واختلف السبب؟ ليس محل اتفاق بين أهل العلم، ولهذا فإن بعضهم يقول: يجزىء أن يعتق رقبة غير مؤمنة.

وهذا المختصر لا يناسب التَّطويل في شرح هذه الحالات، لكن يكفي الإشارة هنا أن تدرك أن قضية حمل المطلق على المقيد أنها ليست على إطلاقها، وأن له أربع حالات أحيانًا:

منها ما يحمل قطعًا، ومنها ما لا يحمل قطعًا، ومنها ما يبقى محل خلاف، هذا القدر إذا فهمته الآن يكفي، والعلم لا يؤخذ جملةً، تدرس أشياء في كتب أخرى في أصول الفقه، وتدرس من هنا في موضوعات تتعلق بالتفسير أو بالحديث، وتمر بك تفاصيل فيجتمع من هذا وهذا وحدة متكاملة، والأمثلة على هذا كثيرة، يقول: كفارة القتل والظهار.

وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ فهذا مطلق، لكن قيدته الآية الآخرى وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ [البقرة:217]، فحبوط الأعمال مقيد بالموت على الكفر.

وكل منسوخ فناسخه بعده، إلا آية العدة، والنسخ يكون للحكم والتلاوة ولأحدهما.

الناسخ والمنسوخ هذا الباب من الأبواب التي هي في غاية الأهمية في هذا الفن، ولا بد منه، ولا يجوز لأحد أن يتكلم في الأحكام وفي معان القرآن إلا ويعرف الناسخ والمنسوخ، والشواهد على هذا موجودة، المؤلفات في الناسخ والمنسوخ كثيرة قديمًا وحديثًا، ومن أشهر المؤلفات فيها، ومن أجلها: كتاب الناسخ والمنسوخ للنحاس، مطبوع في ثلاث مجلدات، كتاب مسند يعتبر من المراجع الأساسية في هذا الفن، وهناك كتاب لابن العربي في مجلدين مطبوع، اسمه: الناسخ والمنسوخ، هناك كتاب ثالث لمكي بن أبي طالب، اسمه: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه، وهناك –أيضًا- كتاب لأبي منصور البغدادي، اسمه: الناسخ والمنسوخ، لكنه لم يقتصر فيه على الناسخ والمنسوخ من القرآن، ومن الكتب –أيضًا- كتاب نواسخ القرآن لابن الجوزي مطبوع في مجلد كبير، ومن الكتب –أيضًا- في هذا: كتاب الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد القاسم بن سلام، فالأمهات في هذا الباب -الكتب الأساسية- يمكن أن نقول: كتاب النحاس، وكتاب أبي عبيد، وكتاب مكي بن أبي طالب "الايضاح"، فإن أردت أن تزيد يمكن أن يقال: كتاب ابن الجوزي، طبعًا هؤلاء يذكرون الأمثلة الكثيرة جدًا، ودعاوى النسخ كثيرة لأسباب؛ منها أن السلف كانوا يعبرون بالنسخ عن كل ما يرد على العام أو المطلق، أو ما يرد على النص عمومًا من بيان من تقييد وتخصيص، يقولون له نسخ، فضلاً عن الرفع، فكثرت دعاوى النسخ، والذي يثبت من النسخ هو قضايا قليلة جدًا، المنسوخ من القرآن الآيات المنسوخة قد لا تتجاوز أصابع اليدين إذا توسعنا، وأشهر ما قيل فيه بالنسخ لا يزيد على 21 آية، هي التي ذكرها السيوطي في الإتقان وموجودة نظمًا، -أيضًا- نظمها وعلق عليها الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، موجودة في آخر أضواء البيان، ومن أحسن من ناقش موضوع النسخ، ودعاوى الناس فيه، وأقوال -حتى الأديان الأخرى مثل اليهود والنصارى فضلاً عن الطوائف المنتسبة للإسلام- الزرقاني في كتاب: مناهل العرفان، تكلم عن الموضوع بكلام مفيد.

الآن الناسخ والمنسوخ، النسخ: يأتي بمعنى الإزالة، والإبطال فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ [الحج:52] ويأتي بمعنى يأتي بمعنى النقل مع بقاء الأصل مثل نسخ الكتاب، ويأتي بمعنى النقل بإطلاق مثل إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية:29] يعني كتابته، ويأتي بمعنى التحويل فمثل تناسخ المواريث وعقيدة التناسخ والتبديل وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ [النحل:101]، سور القرآن باعتبار الناسخ والمنسوخ ذكر بعضهم أنها على أربعة أنواع:

قسم فيه الناسخ والمنسوخ، مثل: سورة البقرة.

وقسم -يقولون-: فيه ناسخ دون منسوخ.

وقسم فيه منسوخ دون ناسخ.

وقسم لا ناسخ ولا منسوخ، وهذا كثير في الأجزاء الأخيرة من القرآن، يعني: سورة ق –مثلاً- سورة عمَّ، العصر، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، تبت، الخ هل فيها ناسخ ومنسوخ؟ لا، -على كل حال- يقول: كل منسوخ فناسخه بعده -يعني في القرآن- إلا آية العدة فإن الله قال في العدة الوفاة: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234] هذا في الموضع الأول، في الموضع الثاني قال: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240] فالآية الأولى ناسخة للآية الثانية، يعني: الآية الثانية بعدها في الترتيب فنسختها، بطبيعة الحال الآية الأولى نازلة بعد الآية الثانية قطعًا، لكن ترتيب الآيات توقيفي، بمعنى أنه متلقى عن رسول الله ﷺ فكان يقول لهم ضعوا هذه الآية في المكان الفلاني، فكوننا نرى الآية في ترتيب المصحف بعد لا يعني أنها نزلت بعدها.

يقول: "والنسخ يكون للحكم والتلاوة ولأحدهما" هذا أنواع النسخ:

نسخ الحكم والتلاوة، مثل: حديث عائشة -رضي الله عنها- كان فيما أنزل عشر رضعات مشبعات يحرمن فنسخن بخمس[14]، أليس كذلك؟ فهذا نسخ لفظًا وحكمًا.

ومنه ما نسخ لفظه دون حكمه مثل: "والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البته"، هذا الحكم ثابت.

ومنه ما نسخ الحكم دون اللفظ مثل: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240] مع أن بعض أهل العلم يقول: إنها لم تنسخ، شيخ الإسلام يقول: هذا استحباب وذاك وجوبًا، والراجح أنها منسوخة، وهذا قول الجمهور[15]، -على كل حال- هناك مسائل كثيرة -طبعًا- تتعلق بالنسخ، لكن يكفي هذا القدر فيما ذكره المؤلف.

الثالث عشر والرابع عشر: المعمول به مدة معينة، وما عمل به واحد؛ مثالهما آية النجوى لم يعمل بها غير علي بن أبي طالب وبقيت عشرة أيام، وقيل: ساعة.

هذا الموضوع له تعلق بالنسخ، هو من مكملات النسخ، هناك نسخ قبل التمكن من الامتثال، وهناك نسخ بعد التمكن وقبل الامتثال، وهناك نسخ بعد التمكن والامتثال، فنسخ قبل التمكن مثل: نسخ خمسين صلاة قبل أن يتمكن المكلفون من أداءها، وهناك نسخ بعد التمكن وقبل الامتثال، مثل: نسخ ذبح إسماعيل تمكن إبراهيم، لكن قبل أن يمتثل، يعني: قبل أن يتحقق الذبح، وهذا لا يترتب عليه حكم، لا يترتب عليه من ناحية عملية بالنسبة إلينا، كل ما عندنا فهو نسخ بعد الامتثال، لكن من مُلح العلم التي يذكرونها أن منه ما نسخ بعد مدة يسيرة، يعني: هنا يقول بعد عشرة أيام، لكن هناك من يقول بأقل من هذا بكثير، مثل آية النجوى: إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صدقة [المجادلة:12]، فهذه يقولون عمل بها علي  فقط؛ لأنها لم تطل مدة هذا الحكم فنسخ، يقول: "وقيل بقيت ساعة" فهذا من متعلقات موضوع النسخ.

ومنها: ما يرجع إلى المعاني المتعلقة بالألفاظ وهو ستة: الفصل، والوصل، مثال الأول: وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ [البقرة:15] مع الآية بعدها، والثاني: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ۝ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:14].

يقول: "ما يرجع للمعاني المتعلقة للألفاظ: الفصل، والوصل" الفصل يعني: ترك العطف، والوصل يعني: مع العطف مثال الأول -الذي هو الفصل ترك عطف-: وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ۝ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة:15] هنا ما قال: والله يستهزئ بهم، الثاني ليس من مقول الأول، يعني القائل للآية الثانية هو اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ يعني: هم ما قالوا: وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ، اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْليست من جملة مقولهم أو لا؟ هذا من كلام الله يرد عليهم، فلم يفصل بالواو، ما قال: يقولون هذا والله يستهزئ بهم، وإنما جاء موصولاً فكأنه من مقولهم، والواقع أنه من قول الله –تعالى- فهذا جاء مفصولاً.

يقول: "والثاني: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ۝ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:14]" فهنا جاء بالوصل، مع أنَّه من مقول قائلٍ واحد، فجاء بالوصل للمناسبة بينهما، ذكر نعيم هؤلاء، وذكر ما يقابله من العذاب والجحيم لهؤلاء.

الإيجاز، والإطناب، والمساواة، مثال الأول: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179]، والثاني: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ [الكهف:75]، والثالث: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر:43].

المقصود بالإيجاز والإطناب والمساواة، الإيجاز: أن يأتي اللفظ في غاية الاختصار والمعنى الذي تحته كبير، والإطناب: هو أن يأتي اللفظ طويل والمعنى قصير، والمساواة: أن يأتي اللفظ مساويًا للمعنى مكافئًا له، على قدر المعنى، -طبعًا- الأصل: إن الايجاز هو مقتضى الفصاحة بكلمات قليلة تؤدي معاني كثيرة -هذا الأصل-، لكنه أحيانًا تكون الفصاحة في الإطناب في موضع الإطناب، يعني: يكون موضعًا يحسن فيه الاسترسال، أمَّا بذكر أوصاف محبوبه أو نحو ذلك، وهذا في كلام الناس معروف، فيحسن الإطناب أحيانًا، وهذا تجدونه في تمدُّح الشعراء أحيانًا، يقول: مثال الأول -الذي هو الإيجاز-: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179] هنا حياة منكرة، وهذا التنكير يدل على التعظيم "لكم في القصاص حياة" هذه تحتها معاني كثيرة جدًا، والعلماء يقارنون بينها وبين المثل المعروف عند العرب: القتل أنفى للقتل، يقولون: القتل وهنا القصاص، فالقتل قد يكون بحقٍّ وقد لا يكون بحق، هنا قال قصاص، والقصاص يكون بالمثل تمامًا، مثل يقص الأثر، بينما القتل قد لا يكون، ويقولون: القتل أنفى للقتل، قد ينفي القتل، لكن تبقى الحياة مهدَّدة، وتبقى الحياة بائسة، وهنا: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179] وليس فقط ينتفي القتل، يذكر العلماء معاني وأشياء كبيرة تحت قوله –تعالى-: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179] وأقرأوا  ما كتبه الباقلان –مثلاً- في كتاب: إعجاز القرآن، نحو هذه القضية، ومقارنة هذا بالمثل المعروف عند العرب، فاللفظ قصير تحته معان كثيرة، مثل: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199] هذه جمعت الآداب كلها بعبارة موجزة.

الثاني -الذي هو الإطناب-: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا [الكهف:75]، كان بالإمكان أن يقول: قال لن تستطيع معي صبرًا، أو قال: قلت لن تستطيع معي صبرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا [الكهف:75]، طبعًا هذا الإطناب له دلالات بلاغية، -يعني مثلاً-: في المرة الأولى قال له لما خرق السفينة وسأله: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا[الكهف:75]، فإن هنا تدل على التأكيد، في الثَّانية قال: ألم أقل لك، هو لما سأل مرة ثانية، فاحتمله في الأولى فجاء الجواب أقوى في الثانية، قال: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ [الكهف:75] لاحظتم! فلها دلالات، فالإطناب هذا يعطي معاني ودلالات، وإن كانت غير ضرورية لفهم أصل المعنى، فيكون فصاحة وبلاغة في المواضع التي يؤدي فيها معاني، وكما هو الحال بالنسبة للقرآن.

والمساواة قال: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر:43] اللفظ على قدر المعنى بلا زيادة ولا نقصان.

السادس: القصر، ومثاله: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ [آل عمران:144].

السادس: القصر، هناك ذكر اثنين، ثم ذكر ثلاثة، ثم ذكر هذا السادس الذي هو القصر، ومثاله: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ [آل عمران:144]، هذا القصر، قصره على الرسالة، -طبعًا- قد يقول قائل: محمد -عليه الصلاة والسلام- ليس برسول فقط! بل هو زوج، وقائد، ومربي، ورجل، فهذا القصر له فائدة ما كانوا ينكرون كونه رجل، وأب، وزوج، وما أشبه ذلك، إنما جدالهم في قضية –مثلاً- الرسول، أو إذا كان ذلك –مثلاً- متوجهًا لأهل الإيمان، فمن أجل أن يقرر لهم أن مهمته هي الرسالة، وإلا فإنه سيموت كما مات غيره وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران:144]، فهو يؤدي هذه المهمة، ولكن ذلك لا ينفي عنه الموت.

ومن أنواع هذا العلم الأسماء فيه من أسماء الأنبياء خمسة وعشرون، والملائكة أربعة، وغيرهم: إبليس، وقارون، وطالوت، وجالوت، ولقمان، وتُبَّع، ومريم، وعمران، وهارون، وعزير، ومن الصحابة: زيد.

يقول: فيه من أسماء الأنبياء خمسة وعشرون، منهم؟  آدم ، نوح، إبراهيم، وموسى، وعيسى، وإسماعيل، وإسحاق، ويحيى، وزكريا، وإلياس، وهود، وصالح، وشعيب، ويونس، وسليمان، وداوود، واليسع، وذو الكفل، ويعقوب، ويوسف، وأيوب، وهارون، فهم خمسة وعشرون نبيًا، والملائكة يقول: أربعة، هو يريد: جبريل ، وميكال، وذكر: هاروت، وماروت، باعتبار أنهما ملائكة، وهذا ليس محل اتفاق، بعضهم يقول: إنهما ملكان، وأن لفظة ملَك تطلق على الملِك لغة فيها، وبعضهم يفسر الآية بطريقة أخرى، يقول: فيها تقديم وتأخير -ليس هذا موضعه-، لكن الكلام في الأسماء المذكورة، وهذا يسير ما يحتاج إلى الكثير -يعني تطوي-، لكن هناك ملائكة آخرين، مثل: مالك وَنَادَوْا يَا مَالِكُ [الزخرف:77]خازن النار، وبعضهم ذكر: الرعد وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ [الرعد: 13]، والنبي ﷺ قال: الرعد ملك من الملائكة[16]، الرعد صوته والبرق سوطه، فالرعد ملك من الملائكة، فالرعد يطلق –أحيانًا- يراد به الصوت، وأيضًا هناك ملك يسوق السحاب -موكل بالسحاب-، يقال له: الرعد، وذكر بعضهم السجل يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ [الأنبياء:104]، لكن هذا ما هو بصحيح؛ لأن ليس هذا اسم ملك، وإنما السجل يعني الذي يطوي الصحيفة أو الكتاب، وبعضهم ذكر عتيد: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، لكن هذه أوصاف وليست أسماء.

على كل حال، يقول: "وغيرهم" يعني: غير الملائكة، والأنبياء، "إبليس، وقارون، وطالوت، وجالوت، ولقمان، ومريم، وتبع، وعمران، وهارون" هارون: آخر غير النبي يَا أُخْتَ هَارُونَ [مريم:28]، "وعزير" وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ [التوبة:30] بعضهم يقول: نبي، ولا يثبت هذا، لكن آزر لم يذكره، "ومن الصحابة: زيد" -ذهب وهمي في قوله تعالى: أو كالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ [البقرة:259] قالوا: عزير، فظننت أنه ذكره، أخذه من هذا ولم يذكر لكن وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30]، صحيح.

الكنى: لم يكن فيه غير أبي لهب.

"لم يكن" يمكن: يكنى، ويمكن: يكون لم يكن، وهذا أحسن لم يكن فيه؛ يعني لم يوجد فيه، ويمكن لم يكن ماشية يصح هذا.

الألقاب: ذو القرنين، المسيح، فرعون، المبهمات، مؤمن من آل فرعون؛ حزاقيل.

هذا مأخوذ من الإسرائيليات، من هو مؤمن ال فرعون؟ يقول: حزاقيل، لكن إذا نظرتم في كتب التفسير تجد بعضهم يذكر أسماء أخرى، فلا يعوَّل على هذا، "المبهمات" ما المقصود بها؟ المبهمات: هي ما لم يسم من الأشخاص، أو المواضع –الأمكنة-، أو الحيوانات، النباتات، أيَّن كانت، يعني: الشجرة -مثلاً- التي كلم الله عندها موسى ما نوع هذه الشجرة؟ مثلاً الشجرة التي أكل منها آدم ما اسمها؟ يسمونها من المبهمات، وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى[القصص:20] ما اسم الرجل هذا؟ فهذا النوع فائدته قليلة، وإن صرح كثير ممن ألَّف فيه وكتب؛ كالسهيلي، بأنه مفيد، وغاية فائدته قليلة جدًا، قد تفيد أحيانًا في بيان منقبة، أو دفع تهمة، مثل: وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا -كما ذكرت في أول الدروس- اتهم مروان بهذا عبد الرحمن بن أبي بكر، فعائشة نفت ذلك، وأنها لم تنزل فيه.

موضوع المبهمات فيه مؤلفات متعدِّدة، من أشهرها: كتاب السهيلي، المعروف: بالتعريف والإعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء الأعلام، والسهيلي قد توفى في القرن السادس الهجري، 581 للهجرة، السهيلي تكلم على 294 آية فيها مبهمات، فجاء علماء واستدركوا عليه وذكروا أشياء أخرى، ويوجد كتاب اسمه: الإكمال والإتمام في صلة الإعلام بمحاسن الأعلام، لأبي عبد الله بن عسكر -هذا جاء بعد السهيلي- متوفى سنة 636 للهجرة، استدرك على السهيلي 479 موضعًا، يعني أكثر من الضعف، وجاء أبو عبد الله البلنسي المتوفى 782، فألَّف كتابًا في تفسير مبهمات القرآن، مطبوع باسم: تفسير مبهمات القرآن، وموضوع تحته عنوان صغير اسمه: صلة الجمع وعائد التذييل لموصول كتابَي الإعلام والتكميل، يعني هو البلنسي جاء لكتاب السهيلي ولكتاب ابن عسكر، فجمع بينهما الكتاب: الأصل والذيل -الذي هو الاستدراك- جمع بينهما، وزاد عليهما، وهو مطبوع في مجلدين كبيرين طبعة مغربية، فهذا يغنيك عن كتاب السهيلي، ويغنيك عن كتاب ابن عسكر، وهذه الكتب كلها موجودة، وابن جماعة –أيضًا- له كتاب جمع فيه بين كتاب السهيلي وبين كتاب ابن عسكر، سماه: غرر البيان لمبهمات القرآن، وهذا الكتاب مطبوع، وهو ملخص لكتاب آخر أظنه غير موجود، يعني إلى الآن لم يعثر عليه، جمع فيه بين الكتابين، فجاء ولخصه في غرر البيان -يعني ابن جماعة له كتابان-، من أشهر الكتب في هذا كتاب السيوطي اسمه: مفحمات الأقران في مبهمات القرآن، يقول: بأنه جمع كل ما يستطيع، وأن كتابه أكمل وأشمل من الكتب السابقة، موجود مطبوع ومتداول ومشهور، وهناك كتب أخرى -حسب علمي- غير مطبوعة، وهناك كتب مفقودة، وهناك كتب موجودة، لكنها مخطوطة -وعلى كل حال- أظن أن هذا النوع -البحث عن المبهمات- أنه قليل الفائدة، ينقل عن عكرمة أنه يقول: بقيت أربعة عشرة سنة أبحث عن الذي خرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله من هو؟ يقول: حتى ظفرت عليه[17] فما الفائدة؟ فتجد يتمحلون جاء رجل من أقصى المدينة ما اسم هذا الرجل؟ ما الفائدة من هذا؟ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ [المائدة:21]، ما اسم هذه الأرض؟ ما هي الأريحاء؟ وهكذا، وهناك أمثله كثيرة، ولو كان في ذلك فائدة لذكره الله لنا.

الرجل الذي في يس: حبيب بن موسى النجار، فتى موسى في الكهف: يوشع بن نون.

هذا –طبعًا- ثابتٌ في السُّنَّه وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ [الكهف:60] ثبت عن النبي ﷺ سماه يوشع بن نون[18].

الرجلان في المائدة: يوشع، وكالب.

طبعًا هذا لا يثبت قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا [المائدة:23].

أم موسى: يوحانذ.

"أم موسى: يوحانذ" -طبعًا- هذا من الإسرائيليات لا نعتمد عليه.

امرأة فرعون: آسية بنت مزاحم، العبد في الكهف: هو الخضر، الغلام: حيسور، الملك: هُدَدُ، العزير: أطفير أو فطيفير، امرأته: راعيل، وهي في القرآن كثيرة.

"امرأة فرعون" قال النبي ﷺ: ولم يكن من النساء سوى أربع[19] وذكر آسية، يعني: المبهمات كثيرة، لكن -طبعًا- أكثر هذه الأشياء التي يذكرونها هي مما تلقي عن بني إسرائيل، ولا يثبت، وقليلٌ الذي ورد فيه دليل، إمَّا من الكتاب وإما من السنة.

وبهذا نكون قد أنهينا هذا الكتاب، والحمد لله، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبة

نسأل الله أن يبارك لنا ولكم فيما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.

  1. من حديث أخرجه البخاري، كتاب الحدود، باب قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة 38]، وفي كم يقطع، رقم (64079)، ومسلم، كتاب الحدود، باب حد السرقة ونصابها، رقم (1684).
  2. أخرجه ابن ماحه، كتاب الصيد، باب صيد الحيتان والجراد، رقم (3218)، وصححه الألباني في سنن ابن ماجه، رقم (3218).
  3. أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب لا تنكح المرأة على عمتها، رقم (4820)،  ومسلم، كتاب النكاح، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح، رقم (1408).
  4. أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} [التوبة 5]، رقم (25)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ويقيموا الصلاة..، رقم (20).
  5. أخرجه أبو داود بلفظ: "ما قطع من البهيمة.."، كتاب الصيد، باب في صيد قطع منه قطعة، رقم (2860)، وصححه الألباني في سنن أبي داود، (2858).
  6. أخرجه أبو داود، كتاب الزكاة، باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني، رقم (1635)، وصححه الألباني في سنن أبي داود، رقم (1635).
  7. أخرجه البخاري، باب مسجد بيت المقدس، أبواب التطوع، رقم (1139). ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، رقم (825).
  8. أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، رقم (684).
  9. أخرجه الترمذي، كتاب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم باب ما جاء في الصلاة بعد العصر وبعد الصبح لمن يطوف، رقم (868)، وصححه الألباني في سنن الترمذي، رقم (868).
  10. أخرجه البخاري، كتاب الحيل، باب في الهبة والشفعة، رقم (6576).
  11. أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الشريك من شريكه، رقم (2099).
  12. تفسير ابن كثير، (8/ 42).
  13. تفسير ابن كثير، (8/ 199).
  14. أخرجه مسلم، كتاب الرضاع، باب التحريم بخمس رضعات، رقم (1452).
  15. انظر تفسير ابن كثير، (1/ 658- 659).
  16. أخرجه الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الرعد، رقم (3117)، وصححه الألباني في سنن الترمذي، رقم (3117).
  17. تفسير القرطبي، (5/ 348).
  18. أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الكهف، رقم (4448).
  19. أخرجه البخاري، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى {وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون - إلى قوله - وكانت من القانتين} [التحريم: 11- 12]، رقم (3230)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، رقم (2431).

مواد ذات صلة