السبت 21 / جمادى الأولى / 1446 - 23 / نوفمبر 2024
[4] من قوله: "عن إياس بن عامر.." إلى "«إني أحب ان أسمعه من غيري»"
تاريخ النشر: ١٦ / شعبان / ١٤٣٦
التحميل: 7904
مرات الإستماع: 5079

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

فاللهم اغفر لنا، ولشيخنا، وللحاضرين، والمستمعين.

قال الإمام الآجُري -رحمه الله تعالى:

عن إياس بن عامر أن عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لَهُ: "إِنَّكَ إِنْ بَقِيتَ فَسَيُقْرَأُ الْقُرْآنُ عَلَى ثَلاثَةِ أَصْنَافٍ: صِنْف للهِ تَعَالَى، وَصِنْف لِلدُّنْيَا، وَصِنْف لِلْجَدَلِ، فَمَنْ طَلَبَ بِهِ أَدْرَك"[1].

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: قَدْ ذَكَرْتُ أَخْلاقَ الصِّنْفِ الَّذِينَ قَرَءُوا الْقُرْآنَ يُرِيدُونَ اللهَ بِقِرَاءَتِهِمْ، وَأَنَا أَذْكُرُ الصِّنْفَيْنِ اللذين يريدان بقراءتهما الدُّنْيَا وَالْجَدَلَ، وَأَصِفُ أَخْلاقَهُمْ حَتَّى يَعْرِفَهَا مَنْ اتَّقَى اللهَ -جَلَّتْ عَظَمَتُه، فَيَحْذَرَهَا -إن شاء الله.

بَابُ: أَخْلاقِ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لا يُرِيدُ بِهِ اللهَ .

فَأَمَّا مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لِلدُّنْيَا وَلأَبْنَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّ مِنْ أَخْلاقِهِ: أَنْ يَكُونَ حَافِظاً لِحُرُوفِ الْقُرْآنِ، مُضَيِّعاً لِحُدُودِهِ، مُتَعَظِّماً فِي نَفْسِهِ، مُتَكَبِّراً عَلَى غَيْرِهِ، قَدْ اتَّخَذَ الْقُرْآنَ بِضَاعَةً يَتَأَكَّلُ بِهِ الأَغْنِيَاءَ، وَيَسْتَقْضِي بِهِ الْحَوَائِجَ، يُعَظِّمُ أَبْنَاءَ الدُّنْيَا، وَيُحَقِّرُ الْفُقَرَاءَ، إِنْ عَلَّمَ الْغَنِيّ رَفَقَ بِهِ طَمْعاً فِي دُنْيَاهُ، وَإِنْ عَلَّمَ الْفَقِيرَ زَجَرَهُ وَعَنَّفَهُ؛ لأَنَّهُ لا دُنْيَا لَهُ يَطْمَعُ فِيهَا، يستخدم بِهِ الْفُقَرَاءَ، وَيَتِيهُ بِهِ عَلَى الأَغْنِيَاءِ، إِنْ كَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ لِلْمُلُوكِ، وَيُصَلِّي بِهِمْ طَمعاً فِي دُنْيَاهُمْ، وَإِنْ سَأَلَهُ الْفُقَرَاءُ الصَّلاةَ بِهِمْ ثَقُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، لِقِلَّةِ الدُّنْيَا فِي أَيْدِيهِمْ، إِنَّمَا طَلَبُهُ الدُّنْيَا، حَيْثُ كَانَتْ رَبَضَ عِنْدَهَا.

يفخر عَلَى النَّاسِ بِالْقُرْآن، وَيَحْتَجُّ عَلَى مَنْ دُونَهَ فِي الْحِفْظِ بِفَضْلِ مَا مَعَهُ مِنْ القراءات، وَزِيَادَةِ الْمَعْرِفَةِ بالغرائب من القراءات الَّتِي لَوْ عَقَلَ لَعَلِمَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَلَّا يَقْرَأَ بِهَا، فَتَرَاهُ تَائِهاً مُتَكَبِّراً، كَثِير الْكَلامِ بِغَيْرِ تَمْييزٍ، يَعِيبُ كُلَّ مَنْ لَمْ يَحْفَظْ كَحِفْظِهِ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَحْفَظُ كَحِفْظِهِ طَلَبَ عَيْبَهُ، مُتَكَبِّراً فِي جِلْسَتِهِ، مُتَعَاظِماً فِي تَعْلِيمِهِ لِغَيْرِهِ، لَيْسَ لِلْخُشُوعِ فِي قَلْبِهِ مَوْضِعٌ، كَثِير الضَّحِكِ وَالْخَوْضِ فِيمَا لا يَعْنِيهِ، يَشْتَغِلُ عَمَّنْ يَأْخُذُ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ مَنْ جَالَسَهُ، هُوَ إِلَى اسْتِمَاعِ حَدِيثِ جَلِيسِهِ أَصْغَى مِنْهِ إِلَى اسْتِمَاعِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَمِعَ لَهُ، يُرِي أَنَّه لِمَا يَسْتَمِعُ حافظ، فَهُوَ إِلَى كَلامِ النَّاسِ أَشْهَى مِنْهِ إِلَى كَلامِ الرَّبِّ ، لا يَخْشَعُ عِنْدَ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ، وَلا يَبْكِي، وَلا يَحْزَنُ، وَلا يَأْخُذُ نَفْسَهُ بِالْفِكْرِ فِيمَا يُتْلَى عَلَيْهِ وَقَدْ نُدِبَ إِلَى ذَلِكَ، رَاغِبٌ فِي الدُّنْيَا، وَمَا قَرَّبَ مِنْهَا، لَهَا يَغْضَبُ وَيَرْضَى، إِنْ قَصَّرَ رَجُلٌ فِي حَقِّهِ، قَالَ: أَهْلُ الْقُرْآنِ لا يُقُصَّرُ فِي حُقُوقِهِمْ، وَأَهْلُ الْقُرْآنِ تُقْضَى حَوَائِجُهُمْ، يَسْتَقْضِي مِنْ الناَّسِ حَقَّ نَفْسِهِ، وَلا يَسْتَقْضِي مِنْ نَفْسِهِ ما للهِ عَلَيْهَا، يَغْضَبُ عَلَى غَيْرِهِ، زَعَمَ لِلَّهِ، وَلَا يَغْضَبُ عَلَى نَفْسِهِ لِلَّهِ، لَا يُبَالِي مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَ، مِنْ حَرَامٍ أَوْ مِنْ حَلَالٍ، قَدْ عَظُمَتِ الدُّنْيَا فِي قَلْبِهِ، إِنْ فَاتَهُ مِنْهَا شَيْءٌ لا يَحِلُّلَهُ أَخْذُهُ حَزِنَ عَلَى فَوْتِهِ، لا يَتَأَدَّبُ بَأَدَبِ الْقُرْآنِ، وَلا يَزْجُرُ نَفْسَهُ عَنْد الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، لاهٍ غَافِل عَمَّا يَتْلُو أَوْ يُتْلَى عَلَيْهِ.  

هِمَّتُهُ حِفْظُ الْحُرُوفِ، إِنْ أَخْطَأَ فِي حَرْفٍ سَاءَهُ ذَلِكَ؛ لِئَلا يَنْقُصَ جَاهُهُ عِنْدَ الْمَخْلُوقِينَ، فتنقص رُتْبَتُهُ عِنْدَهُمْ، فَتَرَاهُ مَحْزُوناً مَغْمُوماً بِذَلِكَ، وَمَا قَدْ ضَيَّعَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ تعالى مِمَّا أُمِرَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ أَوْ نُهي عَنْهُ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِهِ، أَخْلاقُهُ فِي كَثِيرِ مِنْ أُمُورِهِ أَخْلاقُ الْجُهَّالِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُوَن، لا يَأْخُذُ نَفْسَهُ بِالْعَمَلِ بِمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، إِذْ سَمِعَ اللهَ قال: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ طَلَبَ الْعِلْمِ لِمَعْرِفَةِ مَا نَهَى عَنْهُ الرَّسُولُ ﷺ فَيَنْتَهِيَ عَنْهُ.

قَلِيلُ النَّظَرِ فِي الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ ، كَثِيرُ النَّظَرِ فِي الْعِلْمِ الَّذِي يَتَزَيَّنُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا لِيُكْرِمُوهُ بِذَلِكَ، قَلِيلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ الَّذِي نَدَبَه اللهُ تعالى إَلَيْهِ ثُمَّ رسوله ﷺ؛ لِيَأْخُذَ الْحَلالَ بِعِلْمٍ، وَيَتْرُكَ الْحَرَامَ بِعِلْمٍ، لا يَرْغَبُ فِي مَعْرِفَةِ عِلْمِ النِّعَمِ، وَلا فِي عِلْمِ شُكْرِ الْمُنْعِم.

تِلاوَتُهُ لِلْقُرْآنِ تَدُلُّ عَلَى كِبْرٍ فِي نَفْسِهِ، وَتَزَيُّنٍ عِنْدَ السَّامِعِينَ مِنْهُ، لَيْسَ لَهُ خُشُوعٌ فَيَظْهَرُ عَلَى جَوَارِحِهِ إِذَا دَرَسَ الْقُرْآنَ أَوْ دَرَسَهُ عَلَيْهُ غَيْره، هِمَّتُهُ مَتى يَقْطَعُ، لَيْسَ هِمَّتُهُ مَتى يَفْهَمُ، لا يعتبر عِنْدَ التِّلاوَةِ بضرب أَمْثَالِ الْقُرْآنِ، وَلا يَقِفُ عِنْدَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، يَأْخُذُ نَفْسَهُ بِرِضَا الْمُخْلُوقِينَ، وَلا يُبَالِي بِسَخَطِ رَبِّ الْعَالِمِينَ.

يُحِبُّ أَنْ يُعْرَفَ بِكَثْرِةِ الدَّرْسِ، وَيُظْهِرُ خَتْمَهُ لِلْقُرْآنِ لِيَحْظَى عِنْدَهُمْ، قَدْ فَتَنَهُ حُسْنُ ثَنَاءِ مِنْ جَهِلَهُ، يَفْرَحُ بِمِدْحِ الْبَاطِلِ، وَأَعْمَالُهُ أَعْمَالُ أَهْلِ الْجَهْلِ، يَتَّبِعُ هَوَاهُ فيما تحب نَفْسُهُ، غَيْرُ مُتَصَفِّحٍ لِمَا زَجَرَهُ الْقُرْآنُ عَنْهُ، إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْرِئُ غَضِبَ عَلَى مَنْ قرأه عَلَى غَيْرِهِ، إِنْ ذُكِرَ عِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ بِالصَّلاحِ كَرِهَ ذَلِكَ، وَإِنْ ذُكِرَ عِنْدَهُ بِمَكْرُوهٍ سَرَّهُ ذَلِكَ، يَسْخَرُ بمن دُونَهُ، ويَهْمِزُ من فَوْقَهُ، يَتَتَبَّعُ عُيُوبَ أَهْلِ الْقُرْآنِ لِيَضَعَ مِنْهُمْ وَيَرْفَعَ مِنْ نَفْسَه، يَتَمَنَّى أَنْ يُخْطِئَ غَيْرُهُ، وَيَكُونَ هُوَ الْمُصِيب.

وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ فَقَدَ تَعَرَّضَ لِسَخَطِ مَوْلاهُ الْكَرِيْمِ، وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أن أَظْهَرَ عَلَى نَفْسِهِ شِعَارَ الصَّالِحِينَ بتلاوة الْقُرْآنِ، وَقَدْ ضَيَّعَ فِي الْبَاطِنِ مَا يَجِبُ للهِ، وَرَكِبَ مَا نَهَاهُ عَنْهُ مَوْلاهُ الْكَرِيْم، كُلُّ ذَلِكَ بِحُبِّ الرئاسة، وَالَمَيْلِ إِلَى الدُّنْيَا، قَدْ فَتَنَهُ الْعُجْبُ بِحِفْظِ الْقُرْآنِ، وَالإِشَارَة إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ، إِنْ مَرِضَ أَحَدُ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا أَوْ مُلُوكهَا فَسَأَلَهُ أَنْ يَخْتِمَ عَلَيْهِ سَارَعَ إِلَيْهِ، وَسُرَّ بِذَلِكَ، وَإِنْ مَرِضَ الْفَقِيرُ الْمَسْتُورُ فَسَألَهُ أَنْ يَخْتِمَ عَلَيْهِ ثَقُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ.

يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَيَتْلُوهُ بِلِسَانِهِ، وَقَدْ ضَيَّعَ الْكَثِيرَ مِنْ أَحْكَامِهِ، أَخْلاقُهُ أَخْلاقُ الْجُهَّالِ: إِنْ أَكَلَ فَبِغَيْرِ عِلْمٍ، وَإِنْ شَرِبَ فَبِغَيْرِ عِلْمٍ، وإن نام فبغير علم، وَإِنْ لَبِس فَبِغَيْرِ عِلْمٍ، وَإِنْ جَامَعَ أَهْلَهُ فَبِغَيرِ عِلْمٍ، وَإِنْ صَحِبَ أَقْوَاماً، أَوْ زَارَهُم، أَوْ سَلَّمَ عَلِيْهِم، أَوْ اسْتَأْذَنَ عَلِيْهِم فَجَمِيعُ ذَلِكَ يَجْرِي بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ.

وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَحْفَظُ جُزْءاً مِنْ الْقُرْآنِ مُطَالِبٌ لِنَفْسِهِ بِمَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِ مِنْ عِلْمِ أَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ، وإِنْ كَانَ لا يُؤْبَهُ لَهُ، وَلا يُشَارُ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ.

فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ أَخْلاقُهُ صَارَ فِتْنَةً لِكُلِّ مَفْتُونٍ؛ لأَنَّهُ إِذَا عَمِلَ بِالأَخْلاقِ الَّتِي لا تَحْسُنُ بِمِثْلِهِ اقْتَدَى بِهِ الْجُهَّالُ، فَإِذَا عِيبَ عَلَى الْجَاهِلِ قَالَ: فُلانٌ الْحَامِلُ لِكِتَابِ اللهِ تعالى فَعَلَ هَذَا فَنَحْنُ أَوْلَى أَنْ نَفْعَلَهُ، وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِعَظِيمٍ، وَثَبَتَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ،  وَلا عُذْرَ لَهُ إِلا أَنْ يَتُوبَ.

وَإِنَّمَا حَدَانِي عَلَى مَا بَيَّنْتُ مِنْ قَبِيحِ هَذِهِ الأَخْلاقِ نَصِيحَةً مِنِي لأَهْلِ الْقُرْآنِ، لِيَتَعَلَّقُوا بِالأَخْلاقِ الشَّرِيفَةِ، وَيَتَجَافَوا عَنْ الأَخْلاقِ الدَّنِيْئةِ، وَاللهُ يُوَفِّقُنَا وَإِيَّاهُمْ لِلرَّشَادِ.

وَاعْلَمُوا -رَحِمَنَا اللهُ وإيَّاكُمْ- أَنِّي قَدْ رَوَيْتُ فِيمَا ذَكَرْتُ أَخْبَاراً تَدُلُّ عَلَى مَا كَرِهْتُهُ لأَهْلِ الْقُرْآنِ، فَأَنَا أَذْكُرُ مِنْهَا مَا حَضَرَنِي، لَيَكُونَ النَّاظِرُ فِي كِتَابِنَا يَنْصَحُ نَفْسَه عِنْد تِلاوَتِهِ للْقُرْآنَ، فَيُلْزِمُ نَفْسَهُ الْوَاجِبَ، وَاللهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.

عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: "لَقَدْ أَتَى عَلَيْنَا حِينٌ وَمَا نَرَى أَنَّ أَحَداً يَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ يُرِيدُ بِهِ إِلا اللهَ تعالى، فَلَمَّا كَانَ هَهُنَا بِأَخَرَةٍ خَشِيتُ أَنَّ رِجَالاً يَتَعَلَّمُونَهُ يُرِيدُونَ بِهِ النَّاسَ وَمَا عِنْدَهُمْ، فَأَرِيدُوا اللهَ تَعَالَى بِقِرَاءتِكُم وَأَعْمَالِكُم، فَإِنَّا كُنَّا نَعْرِفُكُم إِذْ فِينَا رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَإِذْ يَنْزِلُ الْوَحْيُ، وَإِذْ يُنْبِئُنَا اللهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ مَضَى رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَانْقَطَعَ الْوَحْيُ، وَإِنَّمَا أَعْرِفُكُم بِمَا أَقُولُ: مَنْ أَعْلَنَ خَيْراً أَحْبَبْنَاهُ عَلَيْهِ، وَظَنَنَّا بِهِ خَيْراً، وَمَنْ أَظْهَرَ شَرًّا أَبْغَضْنَاهُ عَلَيْهِ، وَظَنَنَّا بِهِ شَرًّا، سَرَائِرُكُم فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ربكم .

فَإِذَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَدْ خَافَ عَلَى قَوْمٍ قَرَءوا الْقُرْآنَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بميلهم إِلَى الدُّنْيَا، فَمَا ظنك بِهِمُ الْيَوْمَ؟!.

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ نَقْتَرِئُ، إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: الْحَمْدُ للهِ، كِتَابُ اللهِ وَاحِدٌ، وَفِيكُمْ الأَخْيَارُ، وَفِيكُمْ الأَحْمَرُ وَالأَسْوَدُ، اقْرَءوا الْقُرْآنَ، اقْرَءوا قَبْلَ أَنْ يَأْتِي أَقْوَامٌ يَقْرَءونَهُ، يُقِيمُونَ حُرُوفَهُ، كَمَا يُقَامُ السَّهْمُ، لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيهِم، يَتَعَجَّلُونَ أَجْرَهُ، وَلا يَتَأَجَّلُونَهُ[2].

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، حاصل هذا الباب يذكر فيه الآجُري -رحمه الله- أن هذا الذي قد أخذ القرآن واشتغل بتعلمه، وإقرائه أنه مفتون في نفسه، قد ضيع حدوده، ولم يظهر عليه أثر القرآن، ثم هو يكون بعد ذلك أيضاً فتنة لغيره، فيكون ذلك سبباً لبعده عن ربه -تبارك وتعالى، وما ذكره في أول كلامه من كون هذا يأخذ الغرائب من القراءات التي لو عقل لعلم أنه يجب عليه أن لا يقرأ بها، المراد بذلك القراءات الشاذة، فهو يتتبع الغرائب، وقد يكون أخذه للقراءات المتواترة بل قد يكون أخذه للإجازات مع أن هذه من الأمور التي لا إشكال فيها ولا حرج، ولكن كما قال النبيﷺ: وإنّ مما أنبت الربيعُ ليَقتل حَبَطاً أو يُلم[3]، يعني: أو يُقارب، فمن الناس من يكون أخذه للإجازات في القراءة أو القراءات ما يكون سبباً لفتنة تقع في قلبه، فيرى لنفسه فضلاً على الناس، ويترفع بذلك، وهكذا أيضاً لربما يكون حفظه للقراءات فتنة له فيرى لنفسه فضلاً على غيره، فيترفع فيورثه ذلك زهواً وعُجباً وكبراً وتيهاً وما إلى ذلك، وقُل مثل ذلك أيضاً في العلوم النافعة، فإن ذلك قد يتضرر به بعض الناس ممن لا يأخذ ذلك من وجهه، فينبغي للمؤمن دائماً أن يلاحظ قلبه ونيته، وأن يكون مراده هو رضا الله -تبارك وتعالى- والدار الآخرة، وأن ينتفع بما تعلم، وما أخذ، وما قرأ، لا أن يكون ذلك سبباً لمزيد من الجفاء والبعد والإعراض، والجفاف، وطلب الدنيا، والتزين للناس بمثل ذلك فيكون مرائياً، مُسمِّعاً لا يظهر عليه شيء من أثر هذا العلم، أو أثر القرآن، فهذا هو المذموم.

ينبغي للمؤمن دائماً أن يلاحظ قلبه ونيته، وأن يكون مراده هو رضا الله -تبارك وتعالى- والدار الآخرة، وأن ينتفع بما تعلم، وما أخذ، وما قرأ، لا أن يكون ذلك سبباً لمزيد من الجفاء والبعد والإعراض، والجفاف، وطلب الدنيا، والتزين للناس بمثل ذلك فيكون مرائياً، مُسمِّعاً لا يظهر عليه شيء من أثر هذا العلم، أو أثر القرآن، فهذا هو المذموم.

فمن الناس من لا يزيده حفظه أو علمه إلا بُعداً من ربه -تبارك وتعالى، إما لفساد قصده، أو لفساد عمله، هذا إذا كان هذا العلم صحيحاً شريفاً، لكن من الناس من يصل إلى نتائج ونهايات في علمه غير صحيحة فيقع في انحرافات وبدع وضلالات.  

وما ذكره الآجُري -رحمه الله- من حديث سهل بن سعد لما خرج عليهم رسول الله ﷺ وقال لهم: اقرءوا القرآن، اقرءوا قبل أن يأتي أقوام يقرءونه يقيمون حروفه كما يقام السهم، يعني: في غاية الاستقامة في نطق الحرف وإخراجه من مخرجه كأنه قد خُلق لهذا، تخرج هذه الحروف بطريقة في غاية الدقة، ولكن إذا نظرت إلى الحال وجدت حالاً لا تُسعف، أبعد ما يكون عن القرآن، فمثل هذا لا ينفعه هذا الحذق، يقيمون حروفه كما يُقام السهم، السهم في غاية الاستقامة لا يحاوز تراقيهم، يتعجلون أجره ولا يتأجلونه، يعني: يطلبون به الدنيا، وقد جاء من حديث أبي وائل قال: "جاء رجل يقال له نَهيك بن سنان إلى عبد الله -يعني ابن مسعود ، فقال: يا أبا عبد الرحمن، كيف تقرأ هذا الحرف ألفاً تجده أم ياءً:  "من ماء غير آسِن" أو "من ماء غير ياسِن"؟، قال: فقال عبد الله: وكُلَّ القرآن قد أحصيتَ غير هذا؟، -يعني: ما بقي عليك إلا هذا؟- قال: فإني لأقرأ المفصل في ركعة، فقال ابن مسعود : هذًّا كهذِّ الشعر، إن قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع"[4]، إلى آخر ما قال.

وفي صحيح البخاري: أن أبا سعيد الخدري قال: "بينا نحن عند رسول الله ﷺ وهم يقْسِم -يعني: يقسم شيئاً، أتاه ذو الخويصرة -وهو رجل من بني تميم- فقال: يا رسول الله، اعدل"، هذا الرجل عند نفسه أنه يتمتع بصفات، عند نفسه لا يخشى في الله لومة لائم، وعند نفسه أنه محتسب، آمر بالمعروف ناهٍ عن المنكر، وعند نفسه أنه يقول الحق، ويقوم بما يجب في وجه كل أحد، هكذا في تصوره، فخاطب النبي ﷺ بقوله: اعدل، فقال النبي ﷺ: ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل؟[5]، قد خبتُ وخسرت إن لم أكن أعدل، هذا يوجه الخطاب للنبي ﷺ يقول: اعدل، يعني: أن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، هذا يوجه إلى النبي ﷺ، فقال عمر : يا رسول الله، ائذن لي فيه فأضرب عنقه، فقال: دعه، فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن -هذا هو الشاهد- لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، إلى آخر ما قال النبي ﷺ، هؤلاء يقرءون القرآن ويصلون هذه الصلاة يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وبوب البخاري -رحمه الله- قال: "باب قراءة الفاجر والمنافق وأصواتهم، وتلاوتهم لا تجاوز حناجرهم"[6].

فهؤلاء يقرءون القرآن قراءتهم لا تجاوز حناجرهم، ما المعنى؟، أن قراءة الفاجر والمنافق قيل: لا ترتفع إلى الله، فهي لا تجاوز حناجرهم، بمعنى لا تصل، لا تصعد إلى الله -تبارك وتعالى، ولا تزكو عنده ويحتمل أن يكون المراد بذلك أن هذه القراءة لا تصل إلى القلوب، بمعنى أنهم لا يفقهون القرآن، يقرءون القرآن لكن حظهم من القراءة هو مجرد التلاوة التي لا تجاوز التراقي، والتراقي للإنسان تَرقوتان وهما عظمان محيطان أو على جانبي العنق من المنكب إلى ثغرة النحر، هذه تَرقوة وهذه تَرقوة، فهو لا يجاوز تراقيهم، بمعنى أنه لا يصل إلى القلوب، فهم لا يعقلون عن الله، ولا يفقهون مراد الله -تبارك وتعالى، وهذا معنى صحيح، ولهذا كانوا يحتجون بالقرآن، احتجوا على عليٍّ وعلى الصحابة بآيات من القرآن، وقالوا: لا حكم إلا لله "إن الحكم إلا لله"، فكانوا يلقونهم بهذا، والذي قتل عليًّا حينما ضربه بالسيف كان يردد عليه هذه العبارة: "إن الحكم إلا لله، إن الحكم إلا لله"، - قبحه الله - يضربه بالسيف وهو داخل المسجد في جامع الكوفة، وقد اختبأ له في ناحية في المسجد فهجم عليه، وهو يردد هذه العبارة: إن الحكم إلا لله، إن الحكم إلا لله، وضربه على رأسه بالسيف ، وكان فرحاً مغتبطاً بذلك، حتى قيل: إنه قد جيء به ثم بعد ذلك قطعت يداه ورجلاه فلم يتكلم، فأرادوا أن يقطعوا لسانه فصاح فقيل له: قطعت يداك ورجلاك ولم تتكلم بكلمة، فقال: لساني أذكر الله به، قيل: إن لسانه قد أُخرج بكلوب -أبى أن يُخرجه- ثم سُحب فقُطع وهو يقرأ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ [العلق:1-2]، انظر هذا الجَلَد، إلى آخر لحظة، يقُطع لسانه وهو ينزف وهو يقرأ هذه الآيات، هو يتقرب إلى الله بهذا، هذا حينما تُورد عليه النصوص: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا [النساء:93]، وهو يسمع هذه الآيات يقول: نعم صحيح، أنا قتلت كافراً، عليٌّ عنده من رءوس الكفر، فمثل هذا لا يجدي معه إيراد الآيات والأحاديث ويخوف بالوعظ والتذكير، يقول: نعم أنا لا يمكن أن أعتدي على مسلم، ولما كلّمهم علي في النهروان، وكلّمهم أبو أيوب الأنصاري، ووعظهم وذكّرهم، وقالوا: أخرجوا لنا الذين قتلوا ابن خباب، فقالوا: كلنا قتلة، ولو ظفرنا بكم لقتلناكم، فأبوا وتداعوا إلى القتال، وهم يرددون: لا حكم إلا لله، لا حكم إلا لله، انظر إلى الأفهام والعقول، هؤلاء من أين تخرجوا؟!.

أين درسوا؟!.

أين تعلموا؟!.

هؤلاء قد فُتنوا، ولا يضاف ذلك إلى القرآن فيقال: العيب في القرآن، فهذا القرآن هو الذي خرّج الصحابة الأبرار الأطهار، ولا يقال: إن العيب في أصحاب رسول الله ﷺ، فأصحاب رسول الله ﷺ هم الذين فتحوا الدنيا، ونقلوا إلينا هذا الدين حتى صرنا ننعم بذلك، نقيًّا صافياً لا شوب فيه، وهم الذين فتحوا البلاد وفتحوا القلوب، وكان النصارى يقولون بأن هؤلاء خير من الحواريين أصحاب المسيح، لما فتحوا الشام كان النصارى يقولون: إن هؤلاء -يعني أصحاب النبي ﷺ أفضل من أصحاب المسيح؛ لما رأوا من نزاهتهم، وصدقهم، وصفائهم، وتقواهم وخوفهم من الله -تبارك وتعالى، ومباعدتهم للظلم والعدوان، فهذا القرآن وهؤلاء الصحابة، فلا يضاف مثل هؤلاء إلى أصحاب رسول الله ﷺ ولا إلى القرآن.

ولا يمكن أن يضاف ذلك أيضاً إلى علي أنه قد قصر؛ لأنه هو الخليفة في وقته، أن ذلك بسبب تقصير منه خرج هؤلاء، هؤلاء هم الذين قتلوه، وكانت جميع أعمالهم وكانت نكايتهم إنما هي في أهل الإسلام، وُجدوا في أنحاء من البلاد في نواحٍ من العراق وما يسمى الآن بإيران، وكذلك في اليمامة وفي غيرها، فكانوا يبعثون الغارات التي يسمونها بالغزوات تارة إلى مدينة رسول الله ﷺ وسبوا بنتاً لعثمان بن عفان ، وتارة يبعثون ذلك إلى نواحٍ أخرى في اليمن وفي غيرها، وعبر التاريخ منذ ذلك الحين لم يفتحوا بلداً واحداً، هذا معيار، إذا أردت أن تعرف حال الفرق المنحرفة انظر إلى التاريخ الطويل حتى لا تؤمل على اللاحق فيكفيك السابق عبر القرون المتطاولة، ما فتحوا بلداً واحداً، إنما كانت نكايتهم في أهل الإسلام عبر التاريخ الممتد، لم يُعرف أنهم فتحوا بلداً واحداً إنما هو الفتك بأهل الإسلام، فقد يغتر بعض من لا فقه له ولا معرفة ولا بصر بالتاريخ وبحال هؤلاء ويظن أن هؤلاء يمكن أن يرجِّي على أيديهم خيراً وفتحاً ونصراً، وقد يشاهد بعض المقاطع ونحو ذلك عبارات لبعض الساسة الغربيين وما يتخوفون من سقوط أوروبا؛ لو أنه تملك مثل هؤلاء ونحو ذلك، هذا كله كذب وهم أعرف الناس بهم، هذا كل كذب، فإذا سمعه من لا بصر له يظن أن هؤلاء يمكن أن يتحولوا إلى فاتحين يفتحون البلاد وتُفتح روما وما إلى ذلك ويتحقق وعد النبي ﷺ، لن يتحقق أبداً على يد هؤلاء.

وإنما هي النكاية بالأمة وتعويق مسيرتها، وهدم كل ما يمكن أن يبنيه أهل الصلاح والإصلاح من الدعاة والمجاهدين وغيرهم، "لا يجاوز تراقيهم"، فهذا يحتمل أن يكون بمعنى لا فقه لهم، لا يعقلون، ومحل العقل هو القلب.

ويحتمل أن يكون المراد أنه لا يتجاوز الأوتار الصوتية فهم يقرءونه مجرد قراءة لا تصل إلى القلوب، فلا يزدادون بذلك تأثراً وإيماناً وإخباتاً ويقيناً وما إلى ذلك وإنما قلوب قاسية جافة، يظهر أثر هذا الجفاف على تلك الوجوه التي تدل على حال تلك القلوب، أهل الإيمان وجوههم فيها من الإشراق، وإذا رأيته أحببته، وإذا سمعت كلامه أو رأيت فعاله ازددت حبًّا له، والله قال عن موسى : وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [طه:39]، قيل في معناه -وهو معنى مشهور وأحد المعنيين المشهورين: إنه لا يراه أحد إلا أحبه، وأما أهل الضلال وأهل البدع الغليظة فهؤلاء إذا رأيتهم عرفت أنهم لم يكونوا على هدى، أن هذه ليست بوجوه أهل الطاعة والخير والمعروف والقرآن.

وفي قوله: سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً [مريم:96]، قيل: المحبة في قلوب الخلق يلقيها الله في قلوبهم، أما أهل البدع والأهواء ونحو ذلك فإذا رآهم الناس انقبضت قلوبهم لشيء قد لا يدركونه ولا يعرفونه، فهذا "لا يجاوز تراقيهم"، فبعض أهل العلم قال: بمعنى لا تُرفع ولا تُقبل.

وبعضهم قال: بمعنى لا تنزل إلى القلب فيفقه.

وبعضهم يقول: لا تنزل إلى القلب فتحصل له زيادة الإيمان والإخبات واليقين، وما إلى ذلك من محبة الله وخوفه، ورجائه ومراقبته، إنما هو قلب جاف، يقرأ لكن لا تصل هذه القراءة إلى قلبه، ومن ثَم فهم لا يعملون بالقرآن، ولا يتأثرون به، ولا يزدادون به إيماناً، ولا تُخبت به قلوبهم، فهذه المعاني قريبة وصحيحة، فإذا كان لا يجاوز التراقي فمعنى ذلك أنه لا يرتفع، وكذلك أيضاً لا ينزل فيصل إلى القلوب فتتأثر به، أو يصل إلى القلوب فتعقل عن الله فيكون لهم فقه في ذلك كله.

انظر إلى الفرق بين هؤلاء، وسعيد بن جُبير وهو من علماء التابعين الذين تخرجوا على يد الصحابة ، الحجاج معروف ببطشه وعسفه، وقتل كثيراً من خيار الأمة من الصحابة فمن بعدهم، وحاصر الكعبة، وضربها بالمنجنيق، وقد تكلم بعض السلف في كفره، كفره بعضهم، ومع ذلك لما جيء بسعيد بن جُبير مخفوراً من مكة للحجاج وهو يعلم تماماً أنه سيقتل، وقد قال الإمام أحمد -رحمه الله: "إن الحجاج قد قتل سعيد بن جُبير -رحمه الله، وما على وجه الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه"[7]، فالذي جاء به من مكة رجل واحد من الشُّرط وسعيد بن جُبير معه غيره ممن جيء بهم للحجاج ليقتلهم، يعرفون هذه النتيجة، فدخل بعضهم على سعيد بن جُبير في حبسه لما جيء به إلى العراق، فقيل له: إنما هو رجل واحد، يعني: هذا الجندي، رجل واحد لو ربطتموه وتركتموه في البرية ومضيتم، فقال: سعيد بن جُبير: فمن يطعمه إذا جاع، ومن يسقيه إذا عطش؟، انظر: من يطعمه إذا جاع، ومن يسقيه إذا عطش؟، يأتي بهم مخفورين للقتل عند الحجاج ظلماً، وهذا هو الرد، فكيف بالذي يعدو على الناس ويقتل هذا ويضرب هذا، يطيش هنا وهناك، لا يأمن الناس شره وغوائله وغدره حتى في المساجد؟!، في بعض البلاد التي ابتُلي الناس فيها بما ابتلوا به لربما يُستهدف فرد واحد في المسجد شيخ قبلي أو شيخ عشيرة أو غير ذلك، فيُلقَى المسجد على من فيه يُنسف لقتل شخص واحد يوم الجمعة، المسجد مكتظ يُنسف المسجد بكامله من أجل شخص واحد، من أجل أن يُقتل واحد، يُنسف المسجد برُمته، مسجد لأهل السنة، أمّا هذا الذي يقول للنبي ﷺ: "اعدل"، ونحو ذلك فلا تعجبوا، وقد ذكر أحد من ذهب قديماً إلى بعض البلاد وشارك في القتال قبل ما يقرب من ثلاثين سنة، وبقي هناك مدة طويلة وتزوج، يقول عن بعض أصحاب الغلو هؤلاء: يتحدث عن تحريم ما أحل الله، والتحليل والتشريع ونحو ذلك، فيقول: من حرم ما أحل الله فهو كافر بإطلاق بلا تفصيل ولا يعذر أحداً، فقيل له: الله قال للنبي ﷺ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ [التحريم:1]-أعوذ بالله- فماذا قال؟ قال: نعم، هو قد كفر بهذا ثم تاب، حدثني بها من سمعها من هذا الرجل وناقشه، هذا الكلام قبل أكثر من عشرين سنة، يعني: سمعها منه قبل أكثر من عشرين سنة من الآن، فالشر وبوادر الشر، ونزغات الشيطان قديمة ليست جديدة، فلا يضاف ذلك إلى العلم الشرعي، أو إلى المناهج الدراسية، أو إلى العلماء أو الدعاة إلى الله أو نحو هذا، المناهج الدراسية، طيب الذي يدعو غير الله ويستغيث بغير الله سيقال: إن المناهج هي التي خرجت هذا، نحتاج إلى مزيد من تقرير التوحيد من أجل أن يعرف الناس الجادة الصحيحة فيوحدوا الله في العبادة والدعاء وما إلى ذلك، مناهج خرجت من يدعو غير الله ويستغيث بغير الله؟ هل يقال: إن المناهج هي التي تسببت في هذا؟

الجواب: لا، هؤلاء الذين يتخرجون ملاحدة من مواقع في النت يدخلونها ونحو هذا، ملاحدة لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، هل هذه المناهج الدراسية هي التي خرجتهم، فحينما يُلقَى الكلام على عواهنه هكذا، وكل يتكلم بما يحلو له ويوظف الأحداث؛ ليحقق ما يريد وما يصبوا إليه فهذا يقع في المناهج، وهذا يقع في العلماء، وهذا يقع في المسئولين، وهذا يقع في الدعاة إلى الله، هذا غير صحيح، لكن نسأل الله العافية وأن يجنبنا وإياكم مضلات الفتن.

والزموا غرز العلماء الربانيين، وما الناس -كما قال الإمام أحمد- بغير علمائهم؟، يقودهم من؟

يقودهم الغراب، فإذا لم يبقَ لهم أحد يرجعون إليه ولا كبير فإن الغربان هي التي تقودهم إلى الخرائب، وهذه هي النتيجة، وهذا هو الذي يهدف إليه الأشرار وقد لا يدركه بعض الصغار حينما تكثر الوقيعة في أهل العلم وبلغة شوارع تتعجب من أين خرج هؤلاء؟!، أين تربوا؟!، من أين لهم هذ اللغة التي لا تُعرف إلا عند أسوأ الناس الذين تربوا في حظائر -أعزكم الله-؟!، من أين جاءت هذه اللغة من السب والشتم والوقيعة؟!، هذه اللغة لا تُعرف عند أهل الإيمان، وما نشئوا عليها وما تربوا عليها، من أين وجدت؟ تملأ صفحات هذا الإعلام الجديد من وسائل التواصل!.

عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ قَدْ قَرَأَهُ عَبِيدٌ وَصِبْيَانٌ لا عِلْمَ لَهُمْ بِتَأْوِيلِهِ، وَلَمْ يَتَأوَّلُوا الأَمْرَ مِنْ أَوَّلِهِ، قَالَ اللهُ : كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ص:29]، وَمَا تَدَبُّرُ آيَاتِهِ إلا اتباعه وَاللهُ يَعْلَمُ.

أَمَا وَاللهِ مَا هُوَ بِحِفْظِ حُرُوفِهِ وَإِضَاعَةِ حُدُودِهِ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَقُولُ: قَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ، فَمَا أَسْقَطْتُ مِنْهُ حَرْفاً، وَقَدْ وَاللهِ أَسْقَطَهُ كُلَّهُ، مَا يُرَى لَهُ الْقُرْآنُ فِي خُلُقٍ وَلا عَمَلٍ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَقُولُ: إِنِّي لأَقْرَأُ السُّورَةَ فِي نَفَسٍ، وَاللهِ مَا هَؤلاءِ بِالْقُرَّاءِ، وَلا الْعُلَمَاءِ، وَلا الْحُكَمَاءِ، وَلا الْوَرَعَةِ، مَتى كَانَتْ الْقُرَّاءُ تَقُولُ مِثْلَ هَذَا؟ لا كَثَّرَ اللهُ فِي النَّاسِ مِثْلَ هَؤلاءِ.

وهذا تجده أحياناً يتداوله الناس للأسف في مقاطع على سبيل الإعجاب والتعجب، يقرأ الاستعاذة والبسملة والفاتحة وصدر سورة البقرة في نفس واحد، فهؤلاء ليسوا بالقراء ولا الورعة، ومثل هذا لا يُحمد ولا يُنشر، ولا يُفرح بمثل هؤلاء.

وهكذا أولئك الذين يقرءون ويتمايلون ويتضاحكون ويطربون؛ لكونهم يقيمون القراءة على أوزان من لحون أهل الفسق -كما سيأتي- ما يسمى بالمقامات، فتجد أنه إذا جاء بها في سورة في غاية الإحكام تمايلوا وأصبحوا يطربون وينظر بعضهم إلى بعض ويضحكون، وكنت أستمع إلى بعض المقاطع في آيات تُكسر الجبال، وكنت أعجب كيف يكون حال هؤلاء القراء الذين يقيمون القراءة بهذه الطريقة!، فقُدر لي أن أرى هذه المشاهد مصورة، وإذا بأشكال وصور لا تسر أبداً، حوله مجموعة أشبه ما يكونون باللصوص وقطاع الطرق، وقد اجتمعوا يتضاحكون هيئتهم لا تدل على ورع ولا صلاح ولا استقامة، فإذا أقام لهم هذه القراءة على هذه الأنماط والمقامات تمايلوا وتضاحكوا والتفت بعضهم إلى بعض يضحكون، وكنت أظن أن هؤلاء يبكون ويخشعون ويتأثرون وإذا بهم يطربون، أهكذا القرّاء؟! أهكذا كان أصحاب النبي ﷺ؟!.

فهذا الآجُري -رحمه الله- هو يعظ النفوس ويذكر بما ينبغي، ولذلك قد تجد الرجل يُتقن القراءة والقراءات ولربما قضى عمراً مديداً في القراءة والإقراء، ولكن لا لون ولا طعم ولا رائحة، ليس له وقع في القلوب ولا أثر، وإنما هو أشبه ما يكون عند الناس بآلة مجردة، فإذا رأوه لا يتأثرون بالنظر إليه، وإذا تكلم لا يجدون أثراً، وإذا قرأ لا يجدون أثراً لهذه القراءة، أشبه بالآلة، لا وقع في القلوب ولا هيبة ولا منزلة ولا مكانة، ليست المكانة مكانة في الدنيا وإنما أقصد محبة أهل الإيمان والهيبة التي يجعلها الله لأهل القرآن، لا ترى من ذلك شيئاً إطلاقاً، آلة مجردة، لماذا وهو على مدار العمر وهو يُقرئ ويُدرس وفي الحِلق، إلا من -رحمه الله-؟، السبب هو هذا، هو السر الذي يتحدث عنه الآجُري -رحمه الله.

عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللهِ : يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ [البقرة:121]، قَالَ: يَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلِهِ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: هَذِهِ الأَخْبَارُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ مِنْ أنَّ أَهْلَ الْقُرْآنِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أَخْلاقُهُمْ مُبَايِنَةً لأَخْلاقِ مَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ لَمْ يَعْلَمْ كَعِلْمِهِمْ، إِذَا نَزَلَتْ بِهِمْ الشَّدَائِدُ لَجَئوا إلَى اللهِ الْكَرِيْم فِيهَا، وَلَمْ يَلْجَئوا فيها إلَى مَخْلُوقٍ، وَكَانَ اللهُ أَسْبَقَ إِلَى قُلُوبِهِمْ، قَدْ تَأَدَّبُوا بِأَدَبِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَهُمْ أَعْلامٌ يُقْتَدَى بِفِعَالِهِمْ؛ لأَنَّهُمْ خَاصَّةُ اللهِ وَأَهْلهُ، أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22].

عن عبد الصمد بن يزيد قال: سمعت الْفُضَيْل بْنَ عِيَاضٍ يَقُولُ: يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَلَّا تكون لَهُ حَاجَة إِلَى أَحَدٍ مِنْ الْخَلْقِ، إِلَى الْخَلِيفَةِ فَمَنْ دُونَه، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ حَوَائِجُ الْخَلْقِ إِلَيْهِ.

قَالَ: وسَمِعْتُ الْفُضَيْلَ يَقُولُ: حَامِلُ الْقُرْآنِ حَامِلُ رَايَةِ الإِسْلامِ، لا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَلْغُو مَعَ مَنْ يَلْغُو، وَلا يَسْهُو مَعَ مَنْ يَسْهُو، وَلا يَلْهُو مَعَ مَنْ يَلْهُو.

قَالَ: وسمعت الْفضَيْل يقول: إِنَّمَا أُنزل الْقُرْآنُ لِيُعْمَلَ بِهِ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ قِرَاءَتَهُ عَملاً، أَي لِيُحِلُّوا حَلالَهُ، وَيُحَرِّمُوا حَرَامَهُ ، وَيَقِفُوا عِنْدَ مُتشَابِهِهِ.

كَتَبَ حُذَيْفَةُ الْمَرْعَشِيُّ إِلَى يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ: بَلَغَنِي أَنَّكَ بِعْتَ دِينَكَ بِحَبَّتَيْنِ، وَقَفْتَ عَلَى صَاحِبِ لَبَنٍ، فَقُلْتَ: بِكَمْ هَذَا؟، فَقَالَ: هُوَ لَكَ بِسُدْسٍ، فَقُلْت: لا، بِثُمُنٍ، فَقَالَ: هُوَ لَكَ، وَكَانَ يَعْرِفُكَ، اكْشِفْ عَنْ رَأْسِكَ قِنَاعَ الْغَافِلِينَ، وَانْتَبِهْ مِنْ رَقْدَةِ الموتى، وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ ثُمَّ آثَرَ الدُّنْيَا لَمْ آمَنْ أَنْ يَكُونَ بِآيَاتِ اللهِ مِنَ الْمُسْتَهْزِئِينَ.

عن أبُي الْمَلِيحِ قَالَ: كَانَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ يَقُولُ: لَوْ صَلَحَ أَهْلُ الْقُرْآنِ صَلَحَ النَّاسُ.

عن بشير بن أبي عمرو الخولاني أن الوليد بن قيس حَدَّثَه أنه سمع أبا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: سمعت رسول الله ﷺ يقول: يَكُونُ خَلْفٌ بَعْدَ سنين أَضَاعُوا الصَّلاةَ، وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا، ثُمَّ يَكُونُ خَلْفٌ يَقْرَءونَ الْقُرْآنَ لا يَعْدُو تَرَاقِيَهُمْ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ ثَلاثَةٌ: مُؤْمِنٌ، وَمُنَافِقٌ، وَفَاجِرٌ، فَقَالَ بَشِيرٌ: فَقُلْتُ لِلْوَلِيدِ: مَا هَؤُلاءِ الثَّلاثَةُ؟ فقَالَ: الْمُنَافِقُ كَافِرٌ بِه، وَالْفَاجِرُ يَتَأَكَّلُ بِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مُؤْمِنٌ بِهِ[8].

هذا الحديث: جاء عن الأوزاعي -رحمه الله- عن موسى بن سليمان عن القاسم بن مخيمرة في قوله: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ [مريم:59] قال: أضاعوا المواقيت، هكذا حمله جمع من السلف، وقد جاء ذلك عن ابن مسعود أن ذلك في هذه الآية ونظائرها يُحمل على حفظ المواقيت، وليس المقصود به ترك الصلاة بالكلية فذلك هو الكفر، وقد جاء هذا أيضاً عن مسروق بن الأجدع، وكذلك عن عمر بن عبد العزيز -رحم الله الجميع، أن إضاعتهم كانت بهذه المثابة.

والخَلْف "فخلف من بعدهم خَلْف"، خَلْف بفتح فإسكان -يعني للام- أن ذلك يكون غالباً في الاستعمال للخَلَف السيئ، وأمّا بفتحتين خَلَف فذلك يكون للخَلَف الصالح، هذا هو الغالب في الاستعمال، وقد يُعكس، لكنه قليل.

والخَلْف "فخلف من بعدهم خَلْف"، خَلْف بفتح فإسكان -يعني للام- أن ذلك يكون غالباً في الاستعمال للخَلَف السيئ، وأمّا بفتحتين خَلَف فذلك يكون للخَلَف الصالح، هذا هو الغالب في الاستعمال، وقد يُعكس، لكنه قليل.

عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: مَرَرْتُ أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ الحُصَيْن عَلَى رَجُلٍ يَقْرَأُ سُورَةَ يُوسُفَ، فَقَامَ عِمْرَانُ يَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ سَأَلَ، فَاسْتَرْجَعَ وَقَالَ: انْطَلِقْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلْيَسْأَلْ اللهَ بِهِ، فَإِنَّه سَيَأْتِي قَوْمٌ يَقْرَءونَ الْقُرْآنَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ بِهِ[9].

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: فِي هَذَا بَلاغٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ، فَاتَّقَى اللهَ ، وَأَجَلَّ الْقُرْآنَ وَصَانَهُ، وَبَاعَ مَا يَفْنَى بِمَا يَبْقَى، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ لِذَلِكَ.

ما ذكره هنا مما نقله عن حذيفة المرعشي وغيره أيضاً ستأتي آثار أخرى يذكرها المؤلف -رحمه الله- تتصل بهذا المعنى، يعني: التكسب بالقرآن، واتخاذ القرآن ذريعة لتحصيل الأموال، أو المنافع، أو المطالب الدنية، فيكون ممن يرتزق بالقرآن.

بَابُ: أَخْلاقِ الْمُقْرِئِ إِذَا جَلَسَ يُقْرِئُ ويُلَقِّن لله مَاذَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَخَلَّقَ بِهِ

يَنْبَغِي لِمَنْ عَلَّمَهُ اللهُ كِتَابَهُ، فَأَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ فِي الْمَسْجِدِ يُقْرِئ الْقُرْآنَ للهِ تعالى، يَغْتَنِمُ قَوْلَ النَّبيِّ ﷺ: خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ[10]، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مِنْ الأَخْلاقِ الشَّرِيفَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِهِ وَصِدْقِهِ، وَهُوَ أَنْ يَتَوَاضَعَ فِي نَفْسِهِ إِذَا جَلَسَ فِي مَجْلِسِهِ، وَلا يَتَعَاظَم فِي نَفْسِهِ، وَيَتَوَاضَعَ لِمَنْ يُلَقِّنُهُ الْقُرْآنَ ، وَيُقْبِل عَلَيْهِ إِقْبَالاً جَمِيلاً، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ يُلَقِّنُهُ مَا يَصْلُحُ لِمِثْلِهِ إِذَا كَانَ يَتَلَقَّنُ عَلَيْهِ الكبير والصغير، وَالْحَدَثُ، وَالْغَنِيُّ، وَالْفَقِيرُ.

فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُوفِّيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَيَعْتَقِدَ الإِنْصَافَ إِنْ كَانَ يُرِيدُ اللهَ بِتَلْقِينِهِ الْقُرْآنَ، ثُمَّ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْذَرَ عَلَى نَفْسِهِ التَّوَاضُعَ لِلْغَنِيِّ، وَالتكبر عَلَى الْفَقِيرِ، بَلْ يَكُونُ مُتَوَاضِعاً لِلْفَقِيرِ، مُقَرِّباً لِمَجْلِسِهِ، مُتَعَطِّفاً عَلَيْهِ، يَتَحَبَّبُ إِلَى الله بِذَلِكَ.

ويتأوَّلُ فِيهِ مَا أَدَّبَ اللهُ بِهِ نَبِيَّهُ ﷺ حَيْثُ أَمَرَهُ أَنْ يُقَرِّبَ الفقراء قال تعالى: وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ [الكهف:28]، إِذْ كَانَ قَوْمٌ أَرَادُوا الدُّنْيَا، فَأَحَبُّوا مِنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يُدْنِي منه مَجْلِسَهُمْ، وَأَنْ يَرْفَعَهُمْ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ، فَأَجَابَهُمْ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى مَا سألوا، لا لأَنَّهُ أَرَادَ الدُّنْيَا، وَلَكِنَّهُ يَتَأَلَفُهُمْ عَلَى الإِسْلامِ، فَأَرْشَدَ اللهُ نَبِيَّهُ ﷺ عَلَى أَشْرَفِ الأَخْلاقِ عِنْدَهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُقَرِّبَ الْفُقَرَاءَ، وَيَنْبَسِطَ إِلَيْهِمْ، وَيَصْبِرَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يُبَاعِدَ الأَغْنِيَاءَ الَّذِينَ يَمِيلُونَ إلَى الدُّنْيَا، فَفَعَلَ ﷺ.

وَهَذَا أَصْلٌ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ جَمِيعُ مَنْ جَلَسَ يُعَلِّمُ الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ، يتأدبُ بهِ، وَيُلْزِمُ نَفْسَهُ ذَلِكَ، إِنْ كَانَ يُرِيدُ اللهَ بِذَلِكَ.

وأَنَا أَذْكُرُ مَا فِيهِ؛ لِيَكُونَ النَّاظِرُ فِي كِتَابِنَا فَقِيهاً بِمَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللهِ -عزَّ وَجَلّ، يُقْرِئُ للهِ -عزَّ وَجَلّ، وَيَقْتَضِي ثَوَابَهُ مِنَ اللهِ لا مِن الْمَخْلُوقِينَ.

وَأُحِبُّ لَهُ إِذَا جَاءهُ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ حَدَثٍ أَوْ كَبِيرٍ أَنْ يَعْتَبِرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، قَبْلَ أَنْ يُلَقِّنَهُ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، يَعْتَبِرُهُ بِأَنْ يَعْرِفَ مَا مَعَهُ مِنَ الْحَمْدِ إِلَى مِقْدَارِ رُبْعِ سُبْعٍ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا يُؤَدِّي بِهِ صَلاتَهُ، وَيَصْلُحُ أَنْ يَؤُمَّ بِهِ فِي الصَّلَوَاتِ إِذَا احْتِيجَ إِلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ يُحْسِنُهُ، وَكَانَ تَعَلُّمُهُ فِي الْكُتَّابِ أَصْلَحَ مِنْ لِسَانِهِ، وقَوَّمَهُ، حَتَّى يَصْلُحَ أَنْ يُؤَدِّي بِهِ فَرَائِضَهُ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ فَيُلَقِّنُهُ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

وَأُحِبُّ لِمَنْ يُلَقِّنُ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْسِنَ الاسْتِمَاعَ إِلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَلا يَشْتَغِلَ عَنْهُ بِحَدِيثٍ وَلا غَيْرِهِ، فَبِالْحَرِيِّ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مَنْ يَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَكَذَا يَنْتَفِعُ هُوَ أَيْضاً، وَيَتَدَبَّرُ مَا يسمع مِنْ غَيْرِهِ، وَرَبُّمَا كَانَ سَمَاعُهُ لِلْقُرْآنِ مِنْ غَيْرِهِ له فِيهِ زِيَادَةُ مَنْفَعَةٍ، وَأَجْر عَظِيم، وَيَتَأَوَّل قَوْلَ اللهِ : وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204].

هنا في قوله في الإقراء والتعلم منذ البداية: أنه ينظر إلى حال من يريد القراءة عليه، فيبدأ معه بما هو أحوج إليه، فإذا كان هذا لا يحفظ يبدأ معه من قصار السور، ويقول هنا: إنه يكون ذلك إلى مقدار ربع سُبع، بهذا المقدار، وهذا يقارب الجزء إذا جُعل القرآن على أسباع، يعني أنه يُقسم إلى سبعة أقسام يُختم في سبعة أيام فإن مقدار ذلك رُبع السُّبع، يكون بمقدار جزء يزيد قليلاً، يعني: بمعنى أنه يشتغل معه بتحفيظه جزء عم، من أجل أن يصلي به؛ لأن هذا هو الأولى به والأحرى، وذلك من حسن التعليم.

فَإِذَا لَمْ يَتَحَدَّثْ مَعَ غَيْرِهِ، وَأَنْصَتَ إِلَيْهِ أَدْرَكَتْهُ الرَّحْمَةُ مِنَ اللهِ، وَكَانَ أَنْفَع لِلْقَارِئِ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبيُّ ﷺ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: اقْرَأْ عَلَيَّ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِيِ[11].

هنا قوله ﷺ: اقرأ عليّ، يقول: فقرأت عليه سورة النساء حتى إذا بلغت: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً [النساء:41]، فقال ﷺ: أمسك، فإذا عيناه تذرفان"، فهنا يؤخذ منه: أن عرض القرآن سنة، وكذلك أيضاً طلب القراءة من أحد من الناس أن يقرأ والآخر إن كان واحداً أو جماعة يستمعون أن ذلك سنة، فيحتمل ذلك أن يكون النبي ﷺ أراد أن يبين للأمة هذا التشريع، أن هذا من الأعمال المشروعة، ويحتمل أنه طلبه من ابن مسعود من أجل أن يتدبره وأن يتفهمه، وذلك أنه قد جرت العادة أن الذي يستمع يكون من ناحية أفرغ قلباً؛ لأنه لا يشتغل بإقامة الحروف وما إلى ذلك، فإن القلب يتبع هذا، ولهذا قال شيخ الإسلام -رحمه الله- لما تكلم على المبالغة في إقامة الحروف ذكر أن ذلك يكون سبباً لفوت التدبر والتفهم، والتأثر بالقرآن والخشوع، لماذا؟ لأن القارئ يتطلب ذلك، فهو يقيم هذه الحروف ويزن هذه الأحكام، والقلب يتبع ذلك ويشتغل به فيكون ذلك صارفاً له عن الخشوع، الخطيب قد يتحدث عن موضوع مؤثر عن القيامة والآخرة والجنة والنار وما أشبه ذلك، وهكذا المحاضر ونحو هذا، فإذا كان يتوقى اللحن ولم يستقم لسانه فإنّ تتبعه لذلك واحتياطه له يصرفه عن التأثر والخشوع، فيتكلم بكلام يخشع منه المتكلم أو السامع ولكن ذلك يذهب أدراج الرياح، والسبب أن قلبه يتبع الألفاظ والقوالب اللفظية، وهذا لا شك أنه يفوِّت أيضاً على السامعين؛ لأن المستمع للخطبة إنما هو تبع للخطيب، فإذا كان الخطيب لا يتحدث بحديث يخرج من قلبه ويعيش معه ويتأثر معه فإن المستمع -مهما كانت الألفاظ والقوالب اللفظية- لن يتأثر؛ لأنه تبع للخطيب، فالكلام الذي يخرج من القلوب يصل إلى القلوب، وأما الكلام الذي يصدر عن الألسن والقلوبُ تكون بعيدة عنه فإنه لا يصل إلى قلوب الناس، ولذلك قد يتكلم بعضهم بكلام ضعيف لربما فيه ركاكة بكلمتين أو نحو ذلك، ويتأثر فيها ويتأثر الناس.

وآخر يتكلم بكلام كثير وطويل وفي غاية الإتقان من ناحية القوالب اللفظية والموضوع مؤثر والناس لا يتأثرون، فالمستمع يكون أخلى قلباً من هذه الحيثية، وإن كان القارئ له مزية، الذي يقرأ نظراً فإن القلب يتبع البصر أيضاً فقد يكون ذلك سبباً للتشويش لمن لم يستقم لسانه بالقراءة فإنه يراعي ما يقرأ وينظر في الأحكام والمدود وما إلى ذلك، والحروف، فينصرف قلبه إليه، فلا يتأثر بالقراءة، ولكن من الناس من يكون ذلك سبباً لمزيد من الخشوع والتأثر؛ لأنه يجمع في ذلك بين ثلاثة أمور بين التلاوة باللسان والاستماع إذا كان يجهر، والنظر بالعين، فيكون أدعى إلى التركيز، فمأخذ المسألة يرجع إلى هذا، ولذلك في كلام أهل العلم: هل الأفضل أن يقرأ نظراً أو أن يقرأ في المصحف؟  

القراءة في المصحف أفضل في الجملة، ولكن ذلك يختلف باختلاف الناس، فإذا كان يخشع ويجد قلبه حال القراءة عن ظهر قلب فهذا أفضل في حقه، فالنبي ﷺ استمع من ابن مسعود فهذا يدل على مشروعية هذا الفعل، أن يطلب من غيره أن يقرأ عليه، كذلك أيضاً أن هذا قد يكون أدعى إلى التدبر، لو أن الناس إذا اجتمعوا وليس عندهم شيء فبدلاً من الخوض فيما لا يجدي ولا يعني طلبوا من أحدهم ويكون حسن القراءة جيد القراءة قالوا: اقرأ علينا من القرآن، ترق القلوب وتلين لكان خيراً لهم.

وكونه ﷺ حينما بلغ ابن مسعود : وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً [النساء:41]، بكى يحتمل أنه بكى ﷺ لعِظم هذا المقام، الشهادة على هذه الأمة.

ويحتمل أن ذلك باعتبار الآيات التي ذكرت قبله، ويحتمل أن يكون بمجموع ذلك، الله يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً [النساء:40]، مثل هذه الآيات، وهكذا: يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً [النساء:42]، هذه بعدها، وجاء في رواية: "أن النبي ﷺ قال له: حسبك[12]، فهذا يؤخذ منه أنه عند إرادة التوقف في القراءة يقال لمن يقرأ: حسبك، أو أمسك.

ويؤخذ منه أيضاً أن ذلك لا يدل على استثقال ولا زهد بالقراءة أو بالقرآن.

ولا يدل أيضاً على ملل وسآمة وإعراض، وإنما قد يعرض للإنسان ما يشغله فلا بأس أن يقول للقارئ: حسبك، أمسك، فلا يكون معيباً مذموماً بذلك أنه رغب عن القرآن، فالنبي ﷺ بفعله هذا قد شرع لنا مثل ذلك، وقد بوب عليه البخاري -رحمه الله- في الصحيح وقال: "باب قول المُقرئ للقارئ: حسبك"[13]، فهذا يدفع هذا الإشكال أو الاشتباه عمن يستمع إلى القرآن أو الحديث فيعرض له ما يشغله فيريد التوقف فيقول له: حسبك، ولا يكون ذلك من الزهد في المقروء والإعراض عنه، -والله أعلم.

  1. أخرجه يحيى الجرجاني في ترتيب الأمالي الخميسية للشجري (1/ 103)، برقم (395)، والدارمي في سننه، برقم (3372)، وقال محققه حسين سليم أسد الداراني: "إسناده صحيح".
  2. أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، برقم (2402)، والطبراني في الكبير، برقم (6021)، وإسناده ضعيف كما في المطالب العالية لابن حجر (13/ 591)، برقم (3266).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، برقم (6427)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا، برقم (1052).
  4.  أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب ترتيل القراءة، واجتناب الهذِّ وهو الإفراط في السرعة، وإباحة سورتين فأكثر في ركعة، برقم (822).
  5. أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم (3610).
  6.  صحيح البخاري (9/ 162).
  7. انظر: البداية والنهاية، لابن كثير (9/ 98).
  8. أخرجه أحمد في المسند، برقم (11340)، وقال محققوه: "إسناده حسن"، وابن حبان في صحيحه، برقم (755)، والحاكم في المستدرك، برقم (3416)، وقال: "هذا حديث صحيح رواته حجازيون وشاميون أثبات ولم يخرجاه"، وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (3034).
  9. أخرجه الترمذي، أبواب فضائل القرآن عن رسول الله ﷺ، برقم (2917)، وأحمد في المسند، برقم (19944)، وقال محققوه: "حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف خيثمة- وهو ابن أبي خيثمة، والحسن- وهو البصري- لم يسمع من عمران، محمد بن عبد الله: هو أبو أحمد الزبيري، وسفيان: هو الثوري"، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، برقم (6467).
  10.  أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، برقم (5027).
  11. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا [النساء:41]، (4583)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل استماع القرآن، وطلب القراءة من حافظه للاستماع والبكاء عند القراءة والتدبر، برقم (800).
  12. أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب قول المقرئ للقارئ: حسبك، برقم (5050).
  13. صحيح البخاري (6/ 196).

مواد ذات صلة