الثلاثاء 04 / ربيع الآخر / 1446 - 08 / أكتوبر 2024
بعض ما جاء عن السلف في كتاب عيادة المريض (1-6)
تاريخ النشر: ١٨ / شعبان / ١٤٣١
التحميل: 643
مرات الإستماع: 1298

الحمد لله، والصلاة، والسلام على رسول الله أما بعد:

فمن الآثار المنقولة عن السلف في كتاب عيادة المريض، واتباع الجنائز، وما جاء في عيادة المريض، جاء عن علي بن الحسين زين العابدين -رحمه الله- أنه قال: "إن الجسد إذا لم يمرض أشر، ولا خير في جسد يأشر"[1] بمعنى أن الجسد الذي لا يمرض يصيب صاحبه غالبا الأشر، والأشر هو البطر، والكبر.

الإنسان كما قال: الله -تبارك وتعالى- كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ۝ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى فإذا غفل الإنسان مع العافية، ولم يصبه المرض فإنه لربما يسترسل به الحال حتى يحصل له شيء من التعاظم، أو التعالي، والأشر، والبطر، وهذا مشاهد، فإذا انكسرت أنفسه بالمرض؛ عاد، وراجع نفسه، وعرف ضعفه، وعجزه، ونظر إلى الأصحاء، فرأى عالمًا آخر، فيكون ذلك سببًا لتراجعه، وعودته إلى صوابه غالبا، ومن الناس من لا تنكسر نفسه حتى في المرض -نسأل الله العافية- حتى في المرض، فيه من التيه، والكبر، والتعالي ما لا يقادر قدره، ولكن الغالب أن الإنسان تنكسر نفسه، إما بمرض عارض يحصل له، وإما إذا تتابعت عليه الأمراض، وأسباب الضعف مع تقادم العمر غالبا، فينكسر أيام الشباب، وأيام النشاط، والقوة لربما يكون فيه شيء من الاندفاع، والغرور، فيتتابع عليه الوهن، والضعف حتى تنكسر نفسه، فتلين عريكته بعض الشيء، وليس كل الناس هكذا.

بعض الناس تتابع أيضا عليه الأمراض، وكذا، ولكنه يبقى في هذا التيه، والكبر، ولا يرى الناس شيئًا، ولذلك قد تجد أحيانا بعض من يحتاج إلى حمل العصا مثلا من كبار السن، بعضهم يحمل ذلك، ولا يرى في ذلك غضاضة، وبعضهم لا، لا يمكن، ولربما تجد يمشي حوله، وخلفه، وبجانبه بعض ولده، أو نحو ذلك لضعفه يخشون أن يسقط في أي لحظة، ومع ذلك لا يمكن أن يحمل العصا، وبعضهم لا يمكن أن يصلي على كرسي؛ لئلا يرى به شيء من الضعف، لا زالت النفس شابة، ولا زال فيها شيء من سورة، وغرور الشباب، والعافية -والله المستعان-.

وفي فصل ما يدعى به للمريض: جاء عن يحيى بن سعد -رحمه الله- في مرضه الذي مات فيه أنه قال له أبو حفص الفلاس: "يعافيك الله إن شاء الله، فقال: أحبه إليّ أحبه إلى الله"[2].

بمعنى الأحب إلى الله من العافية، أو من المرض فيما يقدره لي هو الذي أحبه، وهذا من كمال الرضا، ولذلك الناس الذين يصابون بمصيبة قد تكون فاجعة، قد تكون المصيبة كبيرة جدا، فيحصل لبعض النفوس انهيار، وليس انكسار، قد لا يتمالك الإنسان، فيفقد صوابه بسبب هول المصيبة والصدمة، فيقال له: مثل هذا تدبيرك خير، أو تدبير الله فإذا قال: تدبير الله، فيقال: لو خيرت بين تدبير الله، وتدبيرك أنت ماذا تختار؟

تختار تدبير الله طيب هذا هو تدبير الله، فهل لك عنه رغبة؟

إذًا لماذا هذا الجزع، والتسخط، والانهيار، ويفقد الإنسان صوابه، ويولول، ويسقط أمام الناس في مقام عزاء، أو في مقبرة، أو غير ذلك؟

وكان أحمد بن حنبل -رحمه الله- إذا توضأ لا يدع من يستقي له، يعني لا يقبل من أحد أن يعينه في شأن الوضوء، يقول بعضهم: ربما اعتللت، فيأخذ قدحا فيه ماء، فيقرأ فيه، ثم يقول: اشرب منه، واغسل وجهك، ويديك، يعني يرقي له، ولا يحوجه إلى طلب ذلك؛ لأن السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب، ولا عذاب ذكر من أوصافهم أنهم لا يسترقون، فما يحوج الإنسان أهله، أو من حوله إلى طلب الرقية، فإن رأى به علة فعل ذلك من غير طلب، وذاك إذا أخذها من غير طلب فليس عليه إشكال، فلا يخرجه ذلك عن حد السبعين ألف.

وفي فصل ما يقوله من أيس من حياته ما جاء عن يونس قال: لما حضرت الحسن البصري الوفاة جعل يسترجع يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقام إليه ابنه، فقال: يا أبتِ قد غممتنا، فهل رأيت شيئا، يعني: حينما تقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، هل رأيت شيئا تكرهه؟ هل بدا لك من الله شيء؟ فقال: هي نفسي لم أصب بمثلها[3] يعني الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ فهو يقول: نفسي لم أصب بمثلها غير المصيبة بالمال، المصيبة بنفسه، فهو يسترجع لهذا السبب.

وجاء عن عمرو بن العاص أنه قال: عجبا لمن نزل به الموت، وعقله معه كيف لا يصفه، فلما نزل به الموت ذكره ابنه عبد الله بقوله قال: تقول عجبا لمن نزل به الموت، وهو في عقله كيف لا يصفه، صف لنا الموت قال: يا بني الموت أجل من أن يوصف، ولكني سأصف لك، أجدني كأن جبال رضوى على عنقي، وكأن في جوفي الشوك، وأجدني كأن نفسي يخرج من إبرة[4].

 وجاء عن مطرف بن عبد الله العامري قال: إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم فاطلبوا نعيما لا موت فيه[5] لأنهم إذا ذكروه أنه سيخرج من هذه الفرش الوثيرة، والقصور المنيفة إلى ملحودة جدرانها غبر إذا تذكر فذلك ينغص عليه هذا النعيم، يعني هي مسألة وقت فقط، مؤقتا بأحضان هذه الفرش، ثم بعد ذلك عما قريب أقرب الناس إليه حتى بدون وسادة، ولا حصاة، ولا لبن.

وجاء عن ابن مهدي قال: مرض سفيان الثوري بالبطن، يعني أصابه داء البطن، فتوضأ تلك الليلة ستين مرة حتى إذا عاين الأمر نزل عن فراشه فوضع خده بالأرض، وقال يا عبد الرحمن ما أشد الموت يقول لما مات غمضته وجاء الناس في جوف الليل، وعلموا[6].  

وفي فصل جواز قول المريض أنا وجع، أو شديد الجوع إلى آخره على غير سبيل التسخط جاء عن الفضيل بن عياض -رحمه الله- أنه قال: في مرضه مسني الضر، وأنت أرحم الراحمين[7].

وكان الإمام أحمد كما يقول ابنه صالح إذا دعا له رجل قال: يعني الإمام أحمد ليس يحرز الرجل المؤمن إلا حفرته، الأعمال بخواتيمها[8] وقال في مرضه أخرج كتاب عبد الله بن إدريس، فقال اقرأ علي حديث ليث إن طاووسا كان يكره الأنين في المرض، فما سمعت لأبي أنينا حتى مات، يعني كان يكره الأنين في المرض[9] طاووس بن كيسان يقول: إنه يُكتب يعني مما يكتبه الملك مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ فيكتب الملك حتى الأنين[10] يقول فما أَنَّ أبي حتى مات، مع أن الآنين يصدر من الإنسان من غير إرادة أحيانا لشدة الألم، وشدة الوجع.

وفي فصل تلقين المحتضر لا إله إلا الله: لما اشتكى أبو بكرة الثقفي، وعرض عليه بنوه أن يأتوه بطبيب، فأبى فلما نزل به الموت قال: أين طبيبكم ليردها إن كان صادقا[11] فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ۝ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ۝ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ وقيل إنه دخل على حكيم بن حزام عند الموت، وهو يقول لا إله إلا الله، كنت أخشاك، وأنا اليوم أرجوك[12].

وقالت أم هاشم الطائية: رأيت عبد الله بن بسر يتوضأ، فخرجت نفسه يعني وهو يتوضأ[13] خاتمة حسنة.

وجاء عن علقمة أنه أوصى قال: إذا حضرت وفاتي فأجلسوا عندي من يلقنني لا إله إلا الله، وأسرعوا بي إلى حفرتي، ولا تنعوني إلى الناس، فإني أخاف أن يكون ذلك نعيا كنعي الجاهلية[14] تلقين المحتضر أمر مشروع، وذكرت صفته من قبل، والإسراع به أمر مشروع، دل عليه الحديث، وقد سبق، ومسألة النعي إخبار الناس من أجل الصلاة عليه هذا لا إشكال فيه، يعني ترسل رسائل جوال في بعض البيئات يعلم في المساجد، يعني أئمة المساجد يقولوا للناس: ترى فيه جنازة صلاة العشاء فيه جنازة، اليوم صلاة العصر في المسجد الفلاني، يعلمون الناس، من أجل أن الناس يذهبون، ويصلون عليه، هذا لا إشكال فيه، وليس ذلك من نعي الجاهلية، إنما نعي الجاهلية ما يكون بذكر المآثر، وما كان على سبيل الفخر، والتباهي، وما أشبه ذلك.

وجاء عن أبي بكر بن عياش قال: اجتمع في جنازة أبي رجاء العطاردي الحسن البصري، والفرزدق فقال الفرزدق يا أبا سعيد يقول الناس اجتمع في هذه الجنازة خير الناس، وشرهم، الفرزدق طبعا شاعر شعر غزل، ومجون اجتمع خير الناس، وشرهم فقال الحسن: لستُ بخير الناس، ولستَ بشرهم، ولكن ما أعددت لهذا اليوم يا أبا فراس؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ثم انصرف، وقال:

ألم تر أن الناس مات كبيرهم وقد كان قبل البعث بعث محمد
ولم يغن عنه عيش سبعين حجة وستين لما بات غير موسد
إلى حفرة غبراء يكره وردها سوى أنها مثوى وضيع وسيد
ولو كان طول العمر يخلد واحدا ويدفع عنه عيب عمر عمرد
لكان الذي راحوا به يحملونه مقيما ولكن ليس حي بمخلد
نروح ونغدو والحتوف أمامنا يضعن بنا حتف الردى كل مرصد[15]

والله المستعان.

وجاء عن بكار بن محمد قال: سقط ابن عون، وأصيبة رجله، فتعلل، ومات، يقول: فحضرت وفاته، فكان حين قبض يذكر الله تعالى حتى غرغر[16] -والله المستعان-.

وجاء عن إسماعيل بن عمر قال: دخلنا على ورقاء بن عمر، وهو في الموت، فجعل يهلل، ويكبر، ويذكر الله، وقال لابنه: اكفني رد السلام على هؤلاء، لا يشغلوني عن ربي  [17].

وقال الفضل بن ذكين: مات مجاهد، وهو ساجد بمكة في سنة اثنتين ومائة[18].

وجاء عن محمد بن فضيل البزار قال: كان لمحمد بن كعب جلساء من أعلم الناس بالتفسير، وكانوا مجتمعين في مسجد الربذة، فأصابتهم زلزلة فسقط عليهم المسجد، فماتوا جميعا تحته[19].

وقال عمر بن عبد العزيز عند موته: أجلسوني فأجلسوه فقال: "أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت -قال: ذلك ثلاثا- ولكن لا إله إلا الله، ثم أحدَّ النظر، وقال: إني لأرى حَضَرَةً ما هم بإنس ولا جن، ثم قبض[20] يعني رأى الملائكة، والإنسان قد يكشف له عند الاحتضار، ويرى ذلك.

وقال نوح بن حبيب: كان أبو بشر اليشكري ساجدا خلف المقام حين مات -رحمه الله-[21].

نسأل الله أن يحسن لنا، ولكم الخاتمة، وأن يغفر لنا، ولوالدينا، ولإخواننا المسلمين.  

  1. انظر: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم (3/134).
  2. أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، برقم (9650).
  3. انظر: سير أعلام النبلاء (4/587).
  4. انظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد (4/196).
  5. انظر: صفوة الصفوة، لابن الجوزي (2/132).
  6. انظر: سير أعلام النبلاء (7/278).
  7. انظر: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم (8/109).
  8. انظر: الكتاب: العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، لابن الوزير (4/309).
  9. انظر: عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، لابن القيم (271).
  10. انظر: تفسير ابن كثير (7/399).
  11. انظر: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، لابن الجوزي (5/248).
  12. انظر: تاريخ الإسلام، للذهبي (2/484).
  13. انظر: سير أعلام النبلاء (3/432).
  14. انظر: تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلها من الأماثل لابن عساكر (41/187).
  15. انظر: سير أعلام النبلاء (4/256،255).
  16. انظر: المصدر السابق (6/371).
  17. انظر: الكتاب: تسلية أهل المصائب، للمنبجي (27).
  18. انظر: صفوة الصفوة، لابن الجوزي (1/ 414).
  19. انظر: سير أعلام النبلاء (5/66).
  20. انظر: المجالسة وجواهر العلم، للدينوري (6/55).
  21. انظر: تاريخ الإسلام، للذهبي (3/387).

مواد ذات صلة