الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
بعض ما جاء عن السلف في كتاب عيادة المريض (4-6)
تاريخ النشر: ٠٩ / شوّال / ١٤٣١
التحميل: 748
مرات الإستماع: 2191

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

ففي أبواب الجنائز، والمرضى مما ورد عن السلف في تكثير المصلين على الجنازة ما جاء عن عبد الرحمن بن يزيد قال: جاء مؤذن بموت العباس بقباء على حمار، يعني: العباس بن عبد المطلب عم النبي ﷺ ومؤذن: يعني مُعْلِم يعلم الناس، جاء من المدينة إلى قباء على حمار، فاستقبل قرى الأنصار حتى انتهى إلى السافلة، وحشد الناس، فلما أتي به إلى موضع الجنائز تضايق يعني: من الزحام، فقدموا به إلى البقيع يقول: فما رأيت مثل ذلك الخروج قط، فما يقدر أحد يدنو إلى سريره، وازدحموا عند اللحد، فبعث عثمان الشرطة يضربون الناس عن بني هاشم، حتى خلص بنو هاشم، فنزلوا في حفرته، ورأيت على سريره برد حبرة قد تقطع من زحامهم[1].

ولهذا عم النبي ﷺ وقرابتهم من بني هاشم هم الذين يريدون وضعه في قبره، فما استطاعوا الدنو من جنازته من كثرة الناس، ويمكن أن يؤخذ من هذا أنه يجوز إخبار الناس عن الميت إذا مات من أجل أن يصلوا عليه كما يفعل في بعض النواحي، حيث يذكر ذلك أئمة المساجد يقولون مثلا: في صلاة العصر جنازة في المسجد الفلاني، فيذهب الناس، ويصلون عليه، وبعضهم يذهب، ويصلي عليه في المقبرة.

فهذا لا إشكال فيه، وليس ذلك من النعي المذموم، فهذا من أجل تحصيل معنى شرعي، وهو تكثير المصلين على الجنازة، وإن كان كرهه بعض السلف، لكن بعضهم فعله، فهذه جنازة العباس عم النبي ﷺ.

ثم أيضًا كثرة الناس إلى هذا الحد، هذا لا يعهد في أيامنا هذه، لا يكاد يوجد، اليوم إذا صلى عليه مئات ذكر هذا على أنه من المشاهد العظيمة، وأن هذا الحشد الكبير اجتمعوا على جنازته، وما إلى ذلك مع أن وسائل الاتصال في السابق كانت شبه معدومة، ووسائل المواصلات ضعيفة جدا.

يعني جاء على حمار ليخبر أهل قباء أما اليوم رسائل الجوال، وغير ذلك من وسائل الاتصال، ومع ذلك الحضور، حضور الجنائز، ولو كان الرجل من أهل الفضل والعلم لا يكون كثيرا، مقارنة بالسابق حينما تنظر في هذا الباب، وما جاء من شهود الجنائز، جنائز العلماء مثلا تجد أنه لا مقارنة إطلاقا.

ولما ماتت عائشة -رضي الله عنها- في الليلة السابعة عشرة من شهر رمضان بعد الوتر "فأمرت أن تدفن من ليلتها"[2].

وهذا لا إشكال فيه، وما جاء من النهي عن الدفن ليلا فذلك لعلة، وهو من أجل تحسين وتجويد الغسل والكفن، واليوم مثل هذه الأمور حاصلة بما يوجد من وسائل الكهرباء، والإضاءة، وما أشبه ذلك، فالغسل والتكفين تغسيل الميت وتكفينه لا يختلف الأمر فيه في الليل أو في النهار، ما يختلف، سواء، ولذلك يجوز الدفن ليلا كما يجوز نهارا، لا إشكال في هذا، وأبو بكر دفن ليلاً.

يقول: فاجتمع الأنصار وحضروا فلم ير ليلة أكثر ناسا منها، نزل أهل العوالي، فدفنت بالبقيع -رضي الله عنها- وأرضاها، ولكن مثل مطرف بن عبد الله العامري أخو يزيد أوصى ألا يؤذن بجنازته أحد[3] يعني كأنه رأى أن ذلك من قبيل النعي المحرم، أو خاف ذلك.

ولما مات الحسن البصري كانت جنازته مشهودة صلوا عليه بعد صلاة الجمعة بالبصرة، فشيعه الخلق، وازدحموا حتى إن صلاة العصر لم تقم في الجامع[4] لا زال الناس في المقبرة من بعد صلاة الجمعة.

ولما مات طاووس بن كيسان من التابعين ما استطاع الناس أن يصلوا عليه لكثرة الجمع، وكان هذا في مكة، أو في منى في أيام الحج، حتى بعث الخليفة هشام بن عبد الملك بالحرس، وكان ممن يحمل جنازته عبد الله بن الحسن بن الحسن، وكان واضعا السرير على كاهله، فسقطت قلنسوة كانت عليه، ومزق رداؤه من خلفه[5] يعني من كثرة الناس، والازدحام فما زايله إلى القبر.

ودخل الضحاك بن قيس الكوفة فرأى جنازة أبي إسحاق السبيعي -رحمه الله- وهذا من أئمة السنة من الحفاظ، فلما رأى كثرة الناس قال: كان فيهم ربانيا[6].

ويقول عبد الوهاب الوراق: ما بلغنا أن جمعا في الجاهلية ولا الإسلام يعني كمن شهدوا جنازة الإمام أحمد، يقول: حتى بلغنا أن الموضع مسح، وحرز على الصحيح فإذا هم نحو من ألف ألف يعني: مليون[7].

وهذا لا يخلو من مبالغة، لكن إذا قال: مليون قل مائة ألف، مائة ألف، ليس بالشيء السهل، تعرفون جنازة في هذا العصر حضرها مائة ألف، بل تعرفون جنازة حضرها عشرة آلاف، فيقول: بلغنا أن الموضع مسح طبعا ما يعدون الأفراد يمسح الموضع كم يقال هذا مثلا ثلاثمئة متر في خمسمئة متر، المتر كم يقف فيه إنسان فيحسبونها بهذه الطريقة، وهذه طريقة معروفة إلى اليوم إذا قالوا في وسائل الإعلام بأنه حضر في المكان الفلاني، أو حضر الحدث الفلاني، أو كذا عشرة آلاف، أو مائة ألف، أو كذا بناء على ماذا؟

يحسبونها بالمساحة، ثم هم يعرفون المتر كم يسع للوقوف، ثم يقولون حضر عشرة آلاف، حضر أقل، أكثر، يقول: وحزرنا من يعني جاء عند القبور، يعني في المقبرة، فكانوا ستين ألف امرأة، قد يكون فيه مبالغة، لكن ستين ألف امرأة؟

قل ألف امرأة قل ستة آلاف امرأة، بل ستين ألف امرأة، ستة ألف امرأة قليل؟

ما هو بقليل، طبعا مسألة مجيء النساء إلى القبور، أو إلى المقبرة مسألة فيها خلاف معروف بين أهل العلم، فمنهم من يرى أن ذلك لا بأس به، وإنما اللعن خاص بزوارات القبور يعني التي تكثر الزيارة، يقول: وفتح الناس أبواب المنازل، يعني: في بغداد ينادون من أراد الوضوء.

يقول أحمد بن نصر النيسابوري: قيل لي: صلى على محمد بن أسلم ألف ألف إنسان[8] أيضا هذا عدد كبير جدا ألف ألف يعني مليون، لكن يقول الذهبي: هذا ليس بممكن الوقوع، ولاسيما أنه إنما علموا بموته في الليل، وصلي عليه بعد الفجر، فالله أعلم[9]. لكن خذ عشر هذا العدد، لو أخذت عشره تقول: مائة ألف.

ويقول محمد بن عبد الله بن الشخير يذكر أحد العلماء الزهاد النساك بأنه صلى عليه يوم مات نحو من ثلاثمئة ألف إنسان، أو أكثر[10].

وفي جنازة الجنيد الزاهد المعروف يقولون: بأن الذين صلوا عليه نحو ستين ألفا، وما زالوا ينتابون قبره في كل يوم نحو الشهر[11].

وهذا أيضا السلفي ينقل عن علي بن الأيسر العكبري يقول: لم أر أكثر خلقا من جنازة أبي منصور الخياط حتى رآها يهودي فاهتال لها، وأسلم[12].

وهذا أيضا السمعاني يقول: صلي على ابن عبد الله محمد بن الفضل بكرة، وما وصلوا به إلى المقبرة إلا بعد الظهر من الزحام[13].

يعني مثل هذه لا تكون مبالغة غالبا إذا قال: لك ما صلوا إلا الظهر، أو ما وصلنا إلا بعد الظهر، أو أن الناس ما صلوا العصر في المسجد الجامع بعد صلاة الجمعة، لا زالوا في المقبرة، لا يقال: أن مثل هذا مبالغة، المبالغة قد تكون في الأرقام، لكن مثل هذا يدل على كثرة الناس، والحرص على حضور الجنائز مع ضعف وسائل الإعلام -كما سبق- وقلة الناس آنذاك، الناس ما هو مثل اليوم، اليوم تعد الناس في المدينة الواحدة لربما بالملايين، سكان الرياض كم يصل عددهم؟

أكثر من أربعة ملايين، أليس كذلك؟

فالناس كثروا بخلاف السابق كانت الآفات والأمراض والأوبئة مثل -نسأل الله العافية للجميع- الطاعون، يأتي، فيموت عامة أهل البيت، كما حصل في بلاد الشام، وفي العراق، وفي غيرها، فكما يصف الحافظ ابن كثير وغيره ممن ذكر ذلك، فكانت تغلق البيوت على أهلها لكثرة الموتى، ولا يوجد من يقوم بالدفن حتى إنهم لا يرون في الأسواق إلا الواحد بعد الواحد، ويرون الطرقات قد خلت من الناس، ويستوحش من ينظر، أو يمر، أو يجتاز بها -والله المستعان-.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.

  1. انظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد (4/24).
  2. أخرجه الحاكم في مستدركه، برقم (6717).
  3. انظر: صفوة الصفوة، لابن الجوزي (2/132).
  4. انظر: سير أعلام النبلاء (4/587).
  5. انظر: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لابن خلكان (2/509).
  6. انظر: تاريخ دمشق، لابن عساكر (46/234).
  7. انظر: تاريخ الإسلام، للذهبي (5/1063).
  8. انظر: تذكرة الحفاظ، للذهبي (2/88-89).
  9. انظر: سير أعلام النبلاء (9/545).
  10. انظر: تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي (11/136).
  11. انظر: المصدر السابق (8/168).
  12. انظر: سير أعلام النبلاء (19/223).
  13. انظر: المصدر السابق (19/619).

مواد ذات صلة