الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
(10) حديث أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي رضي الله عنه من اقتطع حق امرئ مسلم
تاريخ النشر: ١١ / جمادى الأولى / ١٤٢٧
التحميل: 524
مرات الإستماع: 1342

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

ففي باب تحريم الظلم أورد المصنف -رحمه الله- حديث أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي، الأنصاري -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- وقد صحب النبي ﷺ صحبة لم تطل على قول بعض أهل العلم، حيث إنه استشهد في أُحد كما ذكره بعضهم، وقيل غير ذلك، وأما روايته عن رسول الله ﷺ فإنها لم تتجاوز ثلاثة أحاديث، وذكر بعضهم حديثين، أخرج الإمام مسلم -رحمه الله- حديثا واحدا منها، وهو هذا الحديث، ولم يخرج له البخاري.

يقول: بأن النبي ﷺ قال: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه... اقتطع، يعني: أخذ بغير حق، حق امرئ مسلم ما قال: مال امرئ مسلم؛ ليكون ذلك أعم في المعنى، فيدخل فيه المال، أخذ ماله بغير حق، ويدخل في كونه بغير حق أيضا يدخل فيه أخذه مكاشرة من غير وجه، ويدخل فيه أيضًا أخذه بتأويل فاسد بعيد، كل ذلك بغير حق من اقتطع حق امرئ مسلم يدخل فيه المال، ويدخل فيه أيضا غير المال كالذي يقتطعه من عرضه مثلاً، وكذلك أيضا ما يقتطعه من الحقوق بالأيمان الكاذبة؛ ليسقط نفقة واجبة، أو حقًا من الحقوق كالمبيت، والقسم للزوجة مثلا، كأن يزور عليها كلاما، وأن يشهد عليها شهودا أنها قنعت، ورضيت بكذا وكذا منه، وأسقطت كذا وكذا مثلاً، أو غير ذلك مما قد يقع من الحقوق في الأموال، وفي غير الأموال، فيدخل في ذلك أعراض المسلمين، ويدخل فيه أموالهم، ويدخل فيه أيضًا سائر الحقوق المعنوية، وغير المعنوية.

من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه... وعبر هنا باليمين؛ لأنها محل الأخذ غالبا، وإلا فإذا اقتطع ذلك بلسانه، أو اقتطع ذلك بطريق من الطرق، عن طريق جاهه، عن طريق وسائط يعرفهم توصلوا إلى هذا المطلوب، كل ذلك داخل فيه.

وذكر المسلم هنا لا يعني بمفهوم المخالفة أن حق غير المسلم، وماله كلأ مباح، لا، بل دلت الأدلة الأخرى على أن ذلك يحرم أيضًا، يحرم عرضه، ويحرم ماله، ويحرم تضييع حقوقه، إن كان غير حربي، يعني: يدخل فيه أصناف الكفار الثلاثة، الرابع الحربي يخرج منه، يدخل فيه المعاهد، والذمي، والمستأمن لكنه لا ينطبق عليهم هذا الحديث من جهة ما ذكر من الجزاء فقط؛ لأن ذلك إلى الله -تبارك وتعالى- وقد ذكر ذلك في شأن المسلم، فقد أوجب الله له النار -نسأل الله العافية- وحرم عليه الجنة، وهذا من نصوص الوعيد، من أهل العلم كالإمام أحمد -رحمه الله- من يجريه على ظاهره؛ لئلا تزول المهابة، والمقصود منه الزجر، ولكن إذا كان ذلك يلتبس على أحد، بحيث يظن أن من فعل شيئا من هذه الذنوب أنه يكفر كفرًا مخرجا من الملة؛ لأنه لا يخلد في النار إلا الكفار، فهنا يحتاج هذا إلى بيان، يقال: هذا من نصوص الوعيد، وله محمل، وذلك أنه قد لا ينطبق ذلك على الشخص المعين لمصائب مكفرة، أو حسنات ماحية، أو شفاعة، أو نحو ذلك، وقد يتوب منه قبل أن يموت.

ثم أيضًا أنه تحرم عليه الجنة، وتجب له النار حتى يستوفى ذلك الحق منه، هكذا، وليس معنى ذلك أنه يخلد في النار، أو أنه يخرج من الدين، والمقصود أن هذا أمر عظيم هذا الحديث جيء به؛ لتعظيم حرمات المسلمين، وحقوقهم؛ لئلا يتعدى عليها أحد، وقد يتوهم متوهم أن هذا في الأمور الكبار، ولهذا قال رجل، وإن كان يسيرا يا رسول الله، ولو كان شيئا قليلاً؛ لأن الحديث عام، نكرة في سياق الشرط.

من اقتطع حق امرئ مسلم... حق أي حق قل، أو كثر، فقال رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ فقال: وإن قضيبا من أراك[1] يعني: ولو كان عودا من سواك، فكيف إذا كان أعظم من ذلك؟

أخذ منه مئات الألوف، أو أخذ منه أرضًا، أو دارا، أو أخذ منه ذهبا وفضة، أو نحو لك، فأين هذا من عود الأراك؟

فالمقصود أن هذه أشياء عظيمة، ينبغي للإنسان أن يراعيها قبل أن يأتي يوم لا درهم فيه ولا دينار، يتحلل، ويتخلص من حقوق المسلمين، ولا يجترئ على شيء منها، فالأمر عظيم هذا والله أعلم.

  1. أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار، برقم (137).

مواد ذات صلة