الخميس 09 / شوّال / 1445 - 18 / أبريل 2024
(1) حديث ابن عمر رضي الله عنهما لو أن الناس
تاريخ النشر: ٢٤ / شوّال / ١٤٣١
التحميل: 501
مرات الإستماع: 976

الحمد لله، والصلاة، والسلام على رسول الله أما بعد:

ففي كتاب آداب السفر هذا باب استحباب طلب الرفقة، وتأميرهم على أنفسهم واحدا يطيعونه؛ استحباب طلب الرفقة: الحركات الثلاث على الراء، والمقصود الصحبة، وقيل لهم ذلك؛ لأنه يحصل الارتفاق بهم، فالإنسان لا يستغني -لاسيما في السفر- عن بني جنسه، وهنا يستحب أن يطلب الرفقة، بمعنى: أنه لا يسافر وحده، ثم إذا طلب الرفقة، فإنه يستحب له أن يطلب الأخيار من أهل الصلاح والدين، الذين يذكرونه إذا نسي، ويعينونه على أمر دينه ودنياه.

ومن أجل ألا يحصل له التأذي بهم إن كانوا ممن لا يتخلق بالأخلاق الكريمة الفاضلة، فإن السفر قطعة من العذاب، فإذا اجتمع معه أيضًا عناء آخر، بسبب رفقاء سوء، فإن ذلك يتضاعف عليه، وهو أمر معلوم، لا يخفى.

يقول: وتأميرهم، يعني: يستحب أن يؤمروا على أنفسهم واحدا يطيعونه، كما جاء الأمر به في الحديث عن رسول الله ﷺ تأميرهم على أنفسهم، يعني: يجعلون أميرا يطيعونه، وهذا الأمير يكون فيه من الأوصاف ما يتحقق به المطلوب، ما يتحقق به المقصود في مصالحهم في السفر، يعني: ليس تأمير الأمير مجرد سنة هكذا، يقول الناس، نفعله امتثالاً دون أن يكون له معنى بحقيقة الأمر، وواقع الحال، لا، ليس هذا المقصود، وليس المقصود بذلك المجاملة، كأن يجاملوا أحدهم، وهو لا يصلح لمثل هذا، إما لضعفه، وإما لفرط غضبه مثلاً، أو لشدة اندفاعه، فهو أخرق لا يحسن التصرف، صاحب عجلة، وإسراع في الأمور، ومبادرة من غير روية، فمثل هذا لا يصلح أن يكون أميرًا، وإنما يؤمرون عليهم من يحصل به المقصود من تحقيق مصالحهم، ومثل هذا يكون فيه من العقل، والرزانة، والديانة، وحسن النظر في الأمور، ما يتحقق به مقصود الشارع، ولا يبقى الناس هكذا، حتى في السفر، وهذا يدل على كمال دين الإسلام.

في الجاهلية كان الناس فوضى، كل واحد أمير نفسه، وكانوا يأنفون من أن يتأمر عليهم أحد من الناس، فوضى، القوي يأكل الضعيف، ولا يخضع أحد لأحد جاء الإسلام، ونظمهم أحسن التنظيم، وجعلهم في حال مدنيتهم يتبعون أميرًا، وسلطانا تقوم به مصالح الدين، ومصالح الدنيا، فإن ذلك هو مقصود الإمارة، والولاية، شرعا كما قال: شيخ الإسلام ابن تيمية إنما يقام السلطان من أجل إقامة دين الناس، وحفظ الدين، والذود عنه، ومن أجل أيضا حفظ الدنيا، والمال العام، ومصالح الناس لئلا تضيع، وتنفرط هذا هو المقصود من إقامة الولايات شرعا[1].

فهنا يقول: وتأميرهم على أنفسهم واحدا يطيعونه، لو بقوا هكذا ما أمروا عليهم واحدا، فإنه كما نشاهد أحيانا كل واحد له رأي، هم ثلاثة، هذا يقول: ننزل، وهذا يقول: نرتحل، وهذا يقول: ننزل هنا، وذا يقول ننزل: هناك، وكل واحد له رأي، وهذا غير صحيح، ويحصل بسببه مفاسد، وتفوت مصالح، ولربما وقع بينهم خلاف، وخصومة.

ثم ذكر حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده[2] رواه البخاري.

لو يعلم الناس ما في الوحدة يعني: الانفراد في السفر، ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده كان احترزوا.

وهناك أمور نحن نعلمها مثل أن الذي ينفرد في السفر تفوته مصالح دينية، كصلاة الجماعة، ما معه أحد يصلي معه جماعة، فيصلي وحده مثلا، وتفوته أيضًا مصالح دنيوية، فلو حصل له شيء، لو تعطل، لو مرض، لو لدغ ما وجد أحدا يسعفه، وهذا شيء مشاهد.

الرجل أحيانا ينزل يصلي لربما لدغ بمجرد ما يضع قدمه من السيارة، هذا يحصل، ثم بعد ذلك يبدأ في حال لا يستطيع أن يتحرك، ولا ينتقل، ولا يقود سيارته، يغشى عليه، فإذا كان معه آخر أعانه، وعرف حاله، ولو أنه مات أقل الأمور أن يعرف لماذا مات، وجد ميت في السيارة، بماذا مات، ما الذي أصابه، إذا كان له وصية يوصي، إذا كان يحتاج إلى تمريض مرضه، إذا كان يحتاج إلى إسعاف أسعفه، أما إذا بقي وحده، فإن ذلك يفوت.

وهناك أمور أخرى، يعني هذه الأشياء قد يقول قائل نحن نعرفها، ويمكن أن نتلافاها، فنصلي مع الناس في مساجد، في المحطات مثلاً، ويمكن أن نتلافاها بالاتصال عن طريق الهاتف، يمكن أن نتلافاها بأمور من هذا القبيل.

لكن هنا النبي ﷺ يقول: لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده[3] فيدل على أن هناك أمور أخرى خافية على الناس، مثل ماذا؟ وخصصه بالليل، لماذا بالليل؟

لأنه قد يموت في النهار، قد يمرض في النهار، فهذه المصالح صلاة الجماعة في النهار، لكن ما الذي يكون في الليل؟

الذي يظهر -والله أعلم- أن هناك أمور خفية، لا يراها الناس، ولا يطلعون عليها، لكن الذي نعرفه ابتداء هو أن الليل وقت انتشار الشياطين، شياطين الإنس، وشياطين الجن، وانتشار الهوام، والدواب، والسباع، فهذا كله ينتشر في الليل، ولهذا جاء في الاستعاذة في سورة الفلق قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ۝ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ۝ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ.

والغاسق قيل: هو القمر، وقيل هو الليل، والمعنى يرجع إلى شيء واحد؛ لأن القمر يطلع في الليل، فإذا طلع القمر معناها أنك في الليل، وإذا كنت في الليل من شر غاسق إذا وقب، سواء قلت القمر، أو الليل معنى هذا وقت انتشار المجرمين، ووقت انتشار اللصوص، ووقت انتشار الوحوش، ووقت انتشار الشياطين، ينتشرون في الظلام، ويكثرون.

ولهذا أمر النبي ﷺ بإمساك الصبيان في وقت المغرب، يعني: عند غروب الشمس، أو بعد الغروب حتى تذهب في العشاء، أو كما جاء عنه ﷺ فهذا وقت الانتشار.

طيب هم ينتشرون فقط المغرب، ويرجعون إلى أماكنهم؟

لا، هذا وقت الانتشار، فيكونون في حال من الاندفاع، فيمكن أن يتخطفوا هؤلاء الصبيان، لكنهم بعد ذلك ينتشرون بصورة انسيابية، فهنا يقول: ما سار، طيب هل السفر الآن على الخطوط هذه، وهي ملأى بالسيارات، والناس الذين يذهبون، ويجيئون، هل يقال: إنه ينطبق عليه.

نقول: أما إذا كان الناس يسيرون متحدين، يعني: كل واحد في سيارة، وهم رفقة، فهذا ليس مما ينطبق عليه الحديث، بمعنى أن هؤلاء مع بعضهم، ولو كان في سيارة لوحده، لكنهم مع بعض رفقة، فهذا لا إشكال فيه، يمشي مع اثنين كل واحد معه سيارة، أو أكثر.

طيب إذا كان يسير في هذه الطرقات اليوم، نقول: إن كان ذلك خاليا كبعض الطرق، فينطبق عليه هذا الحديث ما سار راكب بليل وحده.  

فإذا كان الطريق حيا، السيارات متواردة عليه بكثرة، لا تنقطع، كأنها عقد، فهل ينطبق عليه مثل هذا؟

الله أعلم، يحتمل، لكن ذلك أخف من الانفراد المطلق، كالذي يمشي في طريق وحده ما فيه ناس، فمثل هذا لو حصل له شيء على الأقل سيجد في المارة في الناس من قد يسعفه، من يقف عنده، من كذا، لو احتاج إلى شيء، لو تعطل، نعم فسيجد في الناس، يعني: هؤلاء يمكن أن يكونوا أشبه بقافلة رافقهم الإنسان، وسار معهم، وهو لا يعرفهم أرأيتم لو أن قافلة تمشي في صحراء في كذا، فجاء راكب، والتحق بهم، وهو لا يعرفهم، لكنه سايرهم، هل يقال: إنه يسير وحده؟

الجواب: لا، فهذه الطرق إذا كانت مليئة بالسيارات، ونحو ذلك، فمثل هذا لا يقال: إنه يسير وحده، ولكن الأفضل أن يكون معه من يرافقه، يركب معه، أو يسير معه، ويتعاهده، فذلك آمن على الإنسان -كما هو مشاهد-.

يعني بعض الناس يعرض له أمور، ولا يستطيع أن يوقف الناس، أحس بشيء، صار عنده هبوط، صار عنده إغماء، الناس يظنون السيارة ما فيها أحد، أو يظنونه نائمًا تعب في الطريق، ونام، ووجد من لدغ، وهو يريد أن يصلي المغرب نازل يصلي، فلدغ، وجلس في السيارة، وهو بين اليقظة، والإغماء، ولا يدري ماذا يصنع، كيف يعرف هؤلاء المارة أن هذا الإنسان ملدوغ، ولو مات ما شعر به أحد، ولا علم به أحد، فأقول مثل هذه الأشياء تراعى.

بقي أحاديث في الباب كنت أريد أن آتي عليها، لكن لا أريد أن أطيل عليكم، فأسأل الله أن يفقهنا وإياكم في الدين، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه.

  1. انظر: الفتاوى الكبرى (5/123).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب السير وحده، برقم (2998).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب السير وحده، برقم (2998).

مواد ذات صلة