الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
(151) الأذكار بعد السلام من الصلاة "وقفات مع سورة الإخلاص"
تاريخ النشر: ٠٤ / رجب / ١٤٣٥
التحميل: 2496
مرات الإستماع: 2089

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،

من الأذكار التي تُقال بعد الصَّلاة: ما جاء في حديث عقبة بن عامر قال: "أمرني رسولُ الله ﷺ أن أقرأ بالمعوذات دُبر كل صلاةٍ"[1].

وفي لفظٍ: قال: "أمرني رسولُ الله ﷺ أن أقرأ بالمعوذتين في دُبر كل صلاةٍ"[2].

هذا الحديث أخرجه أبو داود[3]، وسكت عنه، وعرفنا أنَّ ما سكت عنه فهو صالحٌ للاحتجاج عنده.

والترمذي، وقال الترمذي: حسنٌ غريبٌ[4]. والنَّسائي[5].

وقد صححه الحافظُ ابن حجر[6]، ومن المعاصرين: الشيخ ناصر الدِّين الألباني[7]، وحسَّنه أيضًا الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحم الله الجميع.

يقول: "أمرني رسولُ الله ﷺ"، الأصل أنَّ الأمر للوجوب، كما هو معلومٌ، لكنَّه هنا لا يُحمل على الوجوب، ولا أعلم قائلاً بالوجوب، وإنما ذلك للنَّدْبِ.

وفي الرِّواية الأولى قال: "أن أقرأ بالمعوذات"، بصيغة الجمع، وفي الرِّواية الثانية قال: "بالمعوذتين" بالتَّثنية، ومعلومٌ أنَّ المعوّذات إنما هما: سورة الفلق، وسورة الناس، فهما في الأصل سورتان، فما وجه الجمع؟

فهذا يمكن أن يُجاب عنه -والله أعلم- باعتبار أنَّ أقلّ الجمع اثنان، وهذا مذهبٌ معروفٌ عند بعض أهل العلم، وبه قال الإمامُ مالك -رحمه الله.

وعلى هذا مشى صاحبُ "المراقي"، وهو من المالكيَّة، حيث قال:

أَقَلُّ مَعْنَى الْجَمْعِ في الْمُشْتَهِرِ الِاثْنَانِ في رَأْيِ الإِمَامِ الْحِمْيَرِي[8]

يعني: الإمام مالك بن أنس .

ويدلّ على أنَّ أقلَّ الجمع اثنان -مع أنَّه خلاف قول الجمهور- أدلّة:

منها: قوله -تبارك وتعالى-: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11] في المواريث، آية النِّساء، ومعلومٌ أنَّ حجبَ النُّقصان إنما يحصل بوجود أخوين فأكثر، يعني: الأم لها الثلث من ميراث الولد، فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ، فيحصل حجبُها من الثلث إلى السدس بوجود أخوين فأكثر، وهنا قال: إِخْوَةٌ بصيغة الجمع.

وكذلك أيضًا في قوله -تبارك وتعالى-: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197]، وعلى قول كثيرٍ من أهل العلم: إنَّ أشهر الحجِّ هي: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجّة، يعني: شهرين وعشرة أيام، فقال: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ، فيحتجّون بمثل هذه الأدلّة على أنَّ أقلَّ الجمع اثنان.

فهنا المعوّذتان سورتان، فصحَّ أن يُعبّر عنها بالمعوّذات، باعتبار أنَّ ذلك جمعٌ على هذا الاعتبار، هذا يحتمل.

ويحتمل أن يكون ذلك باعتبار دخول سورة الإخلاص مع هذه السُّور، حيث تُقرأ بعد الصَّلاة، وكذلك عند النوم، فعبّر عن الجميع بالمعوّذات من باب التَّغليب، كما يُقال: "العُمران" لأبي بكر وعمر، و"القمران" للشمس والقمر، ونحو ذلك، فهذا من باب التَّغليب.

أو أنَّه عبَّر بالجمع باعتبار أنَّ هاتين السّورتين قد اشتملتا على كثيرٍ مما يُستعاذ منه: مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ۝ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ۝ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ۝ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:2- 5]، هذه أربعةٌ في سورة الفلق، وفي سورة الناس قال: الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [الناس:4]، فمجموع ما في هاتين السُّورتين خمسة أشياء، فقيل: "المعوّذات" باعتبار هذه الأمور التي يُستعاذ منها، فهي كثيرة، لا سيّما أنَّ قوله: مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ينتظم جميع الشُّرور، كما سيأتي إيضاحه، إن شاء الله تعالى.

وقد جاء تفسير المعوّذات كما يقول الحافظُ ابن حجر -رحمه الله-: "يقرأ بالمعوّذات –أيّ: السّور الثلاث-، وذكر سورةَ الإخلاص معهما تغليبًا؛ لما اشتملت عليه من صفة الرَّب"[9].

قوله: "دُبر كل صلاةٍ"، عرفنا أنَّ دُبر الصَّلاة يحتمل: أن يكون قبل السَّلام في آخرها، بعد التَّشهد والصَّلاة على النبي ﷺ، ويحتمل: أن يكون بعد السَّلام، والمراد به قطعًا هنا ما يكون بعد السَّلام، إذا انصرف من صلاته، بعد خروجه منها.

فتكرار قراءة هذه السّور ثلاث مرات، وطلب الشَّارع، والأمر بذلك بعد كل صلاةٍ، وعند النوم؛ يدلّ على أنَّ هذا الأمر له أهمية بالغة، فبعض أهل العلم، كالقاضي عياض -رحمه الله- يقول: "وتخصيصه الرُّقَى بالمعوّذات في هذه الأحاديث لعمومها الاستعاذة من أكثر المكروهات: من شرِّ السَّواحر النَّفاثات، وشرِّ الحاسدين، والشَّيطان ووسوسته، ومن شرِّ شرار الناس، وشرِّ كلِّ ما خلق، وشرِّ ما جمعه الليلُ من المكاره والطَّوارق"[10].

فكلّ هذه الشُّرور يُستعاذ بالله منها، فالإنسان هذه الشُّرور عن يمينه وشماله، ومن أمامه، ومن خلفه، وفي كل ناحيةٍ، فما الحافظُ من ذلك؟ وكثيرٌ من هذه الشُّرور خفيَّة، قد لا يراها، لا سيّما أنَّ كثيرًا من ذلك مما تُغطّيه ظلمةُ الليل، أو ينتشر في الليل، سواء كان مما يُرى: كشِرار الناس والسِّباع والهوامّ والدَّواب، أو كان ذلك مما لا يراه: كالشَّياطين، فإنَّهم ينتشرون مع غروب الشمس، ويعيثون فسادًا؛ ولهذا أمر النبيُّ ﷺ بإمساك الصِّبيان حتى تذهب فحمةُ العشاء؛ بحيث يذهب ذلك الظلامُ المختلط بالضِّياء، ويتمحض الظَّلام، فهذا وقت انتشارٍ بالنسبة إليهم، فقد يتخطَّفون هؤلاء الصِّبيان، ونحو ذلك.

فالله -تبارك وتعالى- في السّورة الأولى من المعوّذتين، وهي: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق] أي: قل قولاً جازمًا به، مُعتقدًا له، عارفًا بمعناه.

ولاحظ أنَّ هذه السُّور والتَّعوّذات تُؤثِّر بحسب قوة قلب تاليها، كما تُؤثر هذه الأذكار -بإذن الله - بحسب ما يقوم بالقلب.

وكذلك الرُّقَى، فليس لأحدٍ مزيّةٌ في الرُّقَى؛ أنَّ فلانًا بعينه يرقي النِّساء، ونحو ذلك، وإنما الإنسان يرقي نفسَه، ويرقيه مَن حوله، ولكن ينبغي أن تكون الرُّقيةُ صادرةً من قلبٍ ثابتٍ مُتيقِّنٍ، فهذا يكون له أقوى التَّأثير، وكما قيل: السَّيف بضاربه، وهذا السَّيف الصَّارم الضَّارب قد يكون بيدٍ ضعيفةٍ فلا يقطع، وقد يكون بيدٍ قويَّةٍ فيكون صارمًا يبتر ما أتى عليه، فهذا أمرٌ معلومٌ.

كذلك وجود المحلّ القابل، فالمرقيّ إذا كان يقول: نجرّب. أو يقول: ما شفنا شيئًا. أو يقول: الأطباء عجزوا. أو نحو ذلك مما يدلّ على قلّة اليقين وضعفه، فهنا يضعف الأثرُ.

وكذلك أيضًا المرقيّ به، فإذا كان المرقيّ به هو القرآن فلا شكَّ أنَّه يُؤثر غاية التَّأثير، ويتفاوت في تأثيره؛ ولذلك فإنَّ هذه المعوّذات من أقوى ما يُرقى به، فتأثير هذه المعوّذات أعظم وأقوى وأبلغ من تأثير سورة: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد] مثلاً، مع أنها جميعًا كلام الله ، ولكن في الرُّقى يكون ذلك مُتفاوتًا في التَّأثير.

فالقواقل الأربع: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص] وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق] وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس] وقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ مع الفاتحة، مع آية الكرسي، مع آخر آيتين من البقرة، إذا قُرئت من قلبٍ مُتيقنٍ، ووجد المحلَّ القابل؛ فهذا لا يكاد يتخلَّف معه البُرء بإذن الله ، والله قال: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ [الإسراء:82]، والدَّواء يُصيب ويُخطئ، ولكن الشِّفاء لا يتخلَّف معه البُرء، وهنا قال: مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، فينبغي أن نستحضر مثل هذه المعاني، وهذا شيءٌ مُشاهدٌ، ولكن اليقين هو الذي يُضعفه أو يُقويه.

فهنا قُلْ يعني: قولاً جازمًا، مُعتقدًا له، عارفًا بمعناه، هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يعني: قد انحصرت فيه الأحديّة، كما يقول الشيخُ عبدالرحمن بن سعدي -رحمه الله-: فهو الأحد المنفرد بالكمال[11].

وعرفنا من قبل أنَّ الأحد والواحد معناهما واحدٌ، إلا أنَّهما يفترقان من جهة الاستعمال في اللغة من بعض الوجوه، وإلا في الأصل أنَّ الأحدَ والواحدَ معناهما واحدٌ، وهو الذي له الأسماء الحسنى، والصِّفات العُليا الكاملة، والأفعال المقدّسة، الذي لا نظيرَ له، ولا مثيلَ، واحدٌ لا شريكَ له في إلهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته.

هذا هو التوحيد الذي يمحو جميع العلائق والأدران، وكلّ ما يمكن أن يُؤثّر على إيمان العبد من الوساوس والخواطر السَّيئة، وما إلى ذلك.

اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:2] الذي يُصمد إليه في الحوائج، وتتوجّه إليه الخلائق بحاجاتها وفقرها ومسكنتها، فأهل العالم العلوي والسُّفلي مُفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجَهم، ويرغبون إليه في مهاماتهم؛ لأنَّه الكامل في أوصافه، العليم الذي كمل في علمه، الحليم الذي كمل في حلمه، الرَّحيم الذي كمل في رحمته، والقدير الذي كمل في قُدرته، وسعت رحمتُه كل شيءٍ، وهكذا في سائر صفاته: اللَّهُ الصَّمَدُ ۝ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:2، 3]؛ لكمال غناه، فوجوده ليس بمُفتقرٍ إلى موجودٍ، أو إلى سببٍ، وهو أيضًا لم يلد، فالذي يلد يكون ناقصًا، وإنما يحتاج الإنسانُ إلى الولد لأنَّه فقيرٌ، ضعيفٌ، مُحتاجٌ، فيحتاج إلى مَن يُكمل وجوده، وإلى مَن يُعينه في حوائجه وملمّاته، وما إلى ذلك.

فالله هو الغني الغنى الكامل، لا يحتاج إلى الولد، الولد في حقِّ المخلوقين كمالٌ، ولكنَّه كمالٌ نسبيٌّ، أمَّا في حقِّ الخالق -تبارك وتعالى- فهو نقصٌ؛ ولذلك تنزَّه الله -تبارك وتعالى- عنه، فـاللَّهُ أَحَدٌ ردٌّ على جميع طوائف أهل الإشراك من المشركين واليهود والنَّصارى، و لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ردٌّ على خصوص الذين نسبوا إلى الله الولد، كبعض طوائف المشركين الذين قالوا: الملائكة بنات الله، واليهود الذين قالوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30]، والنَّصارى الذين قالوا: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30].

لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۝ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3-4] ليس له نظيرٌ، ولا مثيلٌ، ولا عديلٌ في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله.

فهذه السُّورة -سورة الإخلاص- هي مُشتملة على توحيد الأسماء والصِّفات، الذي يُسمّونه بتوحيد المعرفة والإثبات، وتوحيد المعرفة والإثبات يشتمل على توحيد الأسماء والصِّفات، وتوحيد الربوبية، يعني: أن تُثبت لله -تبارك وتعالى- أوصاف الكمال، وأسماء الكمال، هذا توحيد الأسماء والصِّفات، وأن تُثبت أنَّه الرب الواحد، ربّ كل شيءٍ ومليكه، هذا توحيد الربوبية، وأنَّه الخالق، الرَّازق ... إلى آخره، إذا وحَّدتَه بأفعاله فقلتَ: لا خالقَ إلا الله، لا رازقَ إلا الله، لا مُحيي إلا الله، لا مُميتَ إلا الله، لا نافعَ إلا الله، لا ضارَّ إلا الله. هذا توحيد الربوبية.

أمَّا توحيد الإلهية فهذا موجودٌ في سورة "الكافرون": قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ۝ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، لا أعبد الآن، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ الآن، وَلَا أَنَا عَابِدٌ في المستقبل لن أتحوّل إلى معبوداتكم ودينكم، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ۝ وَلَا أَنْتُمْ [الكافرون:1-5] في المستقبل تتحوَّلون إلى عبادتي ومعبودي تعبدونه وتُوحِّدونه، فالأوّلان في الحاضر، والآخران في المستقبل.

فهذه سورة "الكافرون" هي في توحيد الإلهية؛ ولهذا تُقرأ في السُّنة الراتبة بعد المغرب في الركعة الأولى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وفي الركعة الثانية: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وكذلك في سُنة صلاة الفجر القبليَّة الراتبة، وكذلك أيضًا خلف المقام بعد الطَّواف، فهذا كلّه تمحيضٌ لتوحيد ربِّ العالمين -جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه-.

فهذه السُّورة يُقال لها: سورة الإخلاص، هي من جهةٍ كما يقول بعضُ أهل العلم: أخلصها اللهُ لنفسه، فلم يذكر فيها شيئًا يتعلق بغيره، فيها صفاته، ولم يذكر فيها الأحكام الفقهيّة: من الطَّهارة والنِّكاح والصَّلاة، وما إلى ذلك، ولم يذكر فيها أحدًا من الأنبياء والمرسلين، وإنما في صفة الربِّ المعبود ، مخلصة في هذا، أو أنَّ ذلك باعتبار أنها مُحققة للإخلاص، فالذي يقرأها يكمل إخلاصه لربِّه -تبارك وتعالى-، فهي مُخْلَصة ومُخلِّصة، تخلّص قائلها من الشِّرك.

وقد بيَّن النبيُّ ﷺ أنها تعدل ثلثَ القرآن، والعلماء -رحمهم الله- تكلَّموا على توجيه هذا، فبعضهم قال: باعتبار أنَّ القرآنَ يشتمل:

أولاً: على التوحيد، وهذه فيه.

والثاني: الأحكام.

والثالث: القصص والأنفال.

قالوا: هذه ثلاثة أشياء، فهذه السُّورة فيها الثلث.

ولكن مَن قرأها ثلاث مرات لا يُقال: كأنَّه قرأ ختمةً كاملةً، ولو نذر أن يقرأ ختمةً، فإنَّه لا يُجزئه أن يقرأ سورةَ الإخلاص ثلاث مرات، ألا ترون أنَّ ما سبق من ذكر التوحيد، وذكر كلمة التوحيد: لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير[12]، مَن قالها عشر مرات، أو قالها مئة مرة؛ كمَن أعتق عدّة رقابٍ، كما ذكر النبي ﷺ، لكن لو أنَّ أحدًا عليه عتق رقبةٍ، فهل يقول ذلك فيُجزئه عن العتق؟

الجواب: لا.

ولو أنَّ أحدًا نذر أن يعتق رقبةً، فقالها، فإنَّ ذلك لا يُجزئه، ولكن هذا في الثَّواب والأجر، لا في الفعل، وفرقٌ بين المعادلة في الأجر، وبين الإجزاء في الكفَّارة، أو نحو ذلك.

هذا ما يتعلّق بسورة الإخلاص، والكلام لا شكَّ فيها يطول، ولو أردنا أن نسترسل مع معانيها وما فيها من الهدايات، ولكن ليس هذا موضعه، وإنما يُبيّن الكلام بقدر ما يتَّفق مع هذه المجالس في شرح الأذكار.

والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه أبو داود: تفريع أبواب الوتر، بابٌ في الاستغفار، برقم (1523)، وصححه الألباني.
  2. أخرجه الترمذي: أبواب فضائل القرآن، باب ما جاء في المعوذتين، برقم (2903)، وصححه الألباني.
  3. أخرجه أبو داود: تفريع أبواب الوتر، بابٌ في الاستغفار، برقم (1523)، وصححه الألباني.
  4. أخرجه الترمذي: أبواب فضائل القرآن، باب ما جاء في المعوذتين، برقم (2903)، وصححه الألباني.
  5. أخرجه النسائي: كتاب السَّهو، باب الأمر بقراءة المعوذات بعد التَّسليم من الصَّلاة، برقم (1336)، وصححه الألباني.
  6. "نتائج الأفكار" لابن حجر (2/290).
  7. "السلسلة الصحيحة" (1514)، و"صحيح أبي داود" (1363)، والتَّعليق على ابن خُزيمة (755).
  8. متن "مراقي السعود لمبتغي الرقي والصعود في أصول الفقه" (ص21).
  9. "فتح الباري" لابن حجر (9/62).
  10. "إكمال المعلم شرح صحيح مسلم" للقاضي عياض (7/50).
  11. "تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن" (ص937).
  12. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، برقم (3293)، ومسلم: كتاب الذكر والدُّعاء والتوبة، باب فضل التهليل والتَّسبيح والدُّعاء، برقم (2691).

مواد ذات صلة