الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،
في هذه الليلة -أيّها الأحبّة- نتحدَّث عن شرح ما جاء في التَّشهد مما يُقال من الذِّكر والتَّحيات.
من ذلك ما جاء عن ابن مسعودٍ قال: كنا إذا كنا مع النبي ﷺ في الصَّلاة قلنا: السَّلام على الله من عباده، السَّلام على فلان وفلان. فقال النبي ﷺ: لا تقولوا: السَّلام على الله، فإنَّ الله هو السَّلام، ولكن قولوا: التَّحيات لله، والصَّلوات والطَّيبات، السلام عليك أيُّها النبي ورحمة الله وبركاته، السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين، فإنَّكم إذا قلتُم أصاب كلّ عبدٍ في السَّماء، أو بين السَّماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، ثم يتخير من الدُّعاء أعجبه إليه، فيدعو[1].
وفي لفظٍ: كنا إذا صلينا خلف النبي ﷺ قلنا: السَّلام على جبريل وميكائيل، السَّلام على فلان وفلان. فالتفت إلينا رسولُ الله ﷺ فقال: إنَّ الله هو السَّلام، فإذا صلَّى أحدُكم فليقل: التَّحيات لله، والصَّلوات والطَّيبات، السَّلام عليك أيُّها النبي ورحمة الله وبركاته، السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين، فإنَّكم إذا قلتُموها أصابت كلّ عبدٍ لله صالحٍ في السَّماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله[2].
فهذه إحدى الصِّيغ الواردة المشهورة في التَّشهد: حديث ابن مسعودٍ ، وهو مُخرَّجٌ في "الصَّحيحين"، والصِّيغ الواردة في التَّشهدات مُتعددة كما هو معروفٌ، فما ثبت عن رسول الله ﷺ منها فإنَّه للمُسلم والمصلِّي أن يتخيَّر منه، يمكن أن يأتي بهذا، أو بهذا، أو بهذا.
كانوا قبل أن يُعلِّمهم النبيُّ ﷺ ذلك يقولون: السَّلام على الله من عباده. وهذا يمكن أن يستدلّ به مَن يقول بأنَّ الأذكار الواردة في الصَّلاة لا يجب التزام ما ورد فيها؛ لأنَّهم كانوا يقولون ذلك من عند أنفسهم.
لكن يمكن أن يُجاب عن هذا: أنَّ ذلك قبل أن يُعلِّمهم النبيُّ ﷺ التَّشهد.
ويمكن أن يُجاب عن هذا على قول الجمهور.
على كل حالٍ، يقول: كنا إذا كنا مع النبي ﷺ في الصَّلاة قلنا: السَّلام على الله من عباده. "السَّلام" هذا اسمٌ من أسماء الله -تبارك وتعالى-، وكذلك أيضًا هو مُتضمّنٌ للدُّعاء بالسَّلامة؛ يعني: هذا وجهٌ في تفسيره يجمع بين القولين المشهورين.
حينما نقول: "السَّلام عليكم"، هل نحن نقول: إنَّ اسمَ الله: السَّلام عليكم، أو أن ندعو لك بالسَّلامة؟ هذا الاسم يتضمّن هذا المعنى: السَّلامة.
فهؤلاء يقولون: السَّلام على الله، والله هو السَّلام، ولا تطلب له السَّلامة؛ لأنَّه سالـمٌ من كل عيبٍ ونقصٍ، وهو الذي يسلم عباده من الآفات، إنما الذي يحتاج إلى طلب السَّلامة والدُّعاء له بالسَّلامة هو العبد الضَّعيف.
فكانوا يقولون: السَّلام على الله. كأنَّهم يطلبون له السَّلامة من الشُّرور والآفات، وإنما يُطلب ذلك منه، لا له، فهو الغني الكامل الغنى، المنَزَّه عن كلِّ عيبٍ ونقصٍ، وهو الذي يمنح السَّلامة ويُعطيها، فكيف تُطلب له وهو السَّلام؟! فكيف يُقال: السَّلام على الله، ومنه السَّلام؟!
اللهم أنت السَّلام، ومنك السَّلام[3] فهو الذي يسلم عباده، وهو الذي يسلم عليهم: سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58].
فهنا سمعهم النبيُّ ﷺ يقولون هذا، ويقولون: السَّلام على جبريل، السلام على ميكائيل، السلام على فلان، يُسلِّمون على هؤلاء الملائكة، ويُسلِّمون على غيرهم، والأنبياء والرسل -عليهم الصَّلاة والسَّلام-.
فهنا كانوا يقولون ذلك عِوَضًا عن التَّحيات، فلمَّا انصرف النبيُّ ﷺ من صلاته أقبل عليهم بوجهه، والإمام إذا انصرف من الصَّلاة أقبل على المأمومين بوجهه، كما كان يفعل النبيُّ ﷺ، فقال: لا تقولوا: السلام على الله. والسَّبب في ذلك هو ما ذكرتُ؛ إذا كان هو السَّلام، فكيف يُقال: السلام على الله؟! وإذا كان هو السَّالم من كل عيبٍ ونقصٍ، فكيف تُطلب له السَّلامة، ويدعو له بها، وهو المدعو في كل الحالات، والعباد هم الفُقراء المحتاجون إلى تسليمه -تبارك وتعالى-، وإنما السَّالم منهم مَن سلَّمه الله ؟!
فقال لهم النبيُّ ﷺ: فإذا جلس أحدُكم في الصَّلاة فليقل[4]، هذا أمرٌ، والأمر يقتضي الوجوب، فهذا يدل على أن التَّشهد واجبٌ.
التَّحيات لله التَّحيات جمع تحيَّةٍ، يقولون: من حيَّا فلانًا؛ إذا دعا له عند مُلاقاته، وهم يقولون عادةً: حيَّاك الله؛ أي: أبقاك الله، فهو دعاءٌ له بالحياة، دعاءٌ له بطول البقاء، بطول الحياة، ثم صارت التَّحيةُ تُقال لما يُقال عند اللِّقاء بإطلاقٍ، كقولهم: كيف أصبحتَ؟ كيف أمسيتَ؟
وأشرف ذلك وأكمله ما شرعه لنا ربُّنا -تبارك وتعالى- أن نقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فهذه تحية الإسلام، وهي تحية أهل الجنَّة، وهي تحية الربِّ -تبارك وتعالى- لعباده، فما يُقال في أول اللِّقاء يُقال له: تحيَّة، وإن كان أصل ذلك فيما ذكره بعضُ أهل العلم أنَّهم كانوا يقولون: حيَّاك الله، وما إلى ذلك من العبارات: حيَّاك وبَيَّاك، والدُّعاء بالحياة وطول الحياة لا يكون في مصلحة الإنسان في كل الأحوال، وإنما إذا كان ذلك على حالٍ صالحةٍ، وعلى حياةٍ لها معنًى، وإلا فهذه الحياة إن خلت من ذلك فلا قيمةَ لها، كما في قول بعضهم فيما ذكرتُه سابقًا
ألا موتٌ يُباع فأشتريه |
فهذا العيش مما لا خيرَ فيه |
فلا رحم المهيمن رأسَ حُرٍّ | تصدَّق بالوفاة على أخيه[5] |
هذا يتمنى الموت.
وقول الآخر:
المرء يرغب فِي الحياة | وطول عيشٍ قد يضرّه |
تفنى بشاشتُه ويبقى | بعد حلو العيش مرّه |
وتسوؤه الأيام حتى | ما يرى شيئًا يسرّه[6] |
إذًا أصل التَّحية من هذا: دعاءٌ بالبقاء والحياة، حيَّا، يُحيي، تحيَّة؛ ولهذا فسَّرها بعضُ أهل العلم بالبقاء الدَّائم لله -تبارك وتعالى-: "التَّحيات لله"، البقاء الدَّائم لله وحده، وليس ذلك لأحدٍ سواه، وهذا يرجع إلى أنَّ أصلَ معنى "التَّحيات"، و"التَّحية" أنَّ أصلَ ذلك من قولهم: حيَّاك الله، الدُّعاء بالحياة، أنَّ ذلك مأخوذٌ من هذا، ومن هنا ذهب الأزهري صاحب "تهذيب اللغة" إلى تفسيره بهذا: البقاء الدَّائم[7].
والتَّحية والحياة أصلهما واحدٌ في اللُّغة بالاتِّفاق، باتِّفاق أهل العلم من أهل اللغة وغيرهم، وفسّرت بهذا: بالبقاء الدَّائم، وبعضهم كأنَّه نظر إلى أنَّ ذلك كان يُقال -أعني: التَّحايا- بين يدي الملوك، ومن هنا قال جمعٌ من أهل العلم بأنَّ معنى ذلك "التَّحيات لله": الملك لله، وهذا هو المشهور في تفسير التَّحيات، وعليه حمل بعضُهم قولَ الشَّاعر:
من كلِّ ما نال الفتى | قد نلتُه إلا التَّحية[8] |
يعني: كلّ ما يمكن أن يُنال قد نلته، إلا التَّحية، يعني: الملك لم أنله، هذا على تفسيره بالملك، كما يقول أبو علي الفارسي، مع أنَّ بعضَهم حمل ذلك: إلا التَّحية؛ يعني: إلا البقاء الدَّائم، المستمرّ، الذي لا فوتَ ولا موتَ بعده، يقول: كلّ اللَّذات والمطالب حصلتها إلا التَّحية؛ يعني: البقاء، فيكون من الأول.
وبعض أهل العلم فسَّر التَّحية بالتَّعظيم، وكأنَّ هؤلاء نظروا إلى أنَّ ذلك يُقال مُرادًا به التَّعظيم؛ ولهذا قال هؤلاء بأنَّ التَّحية هي العظمة، وأنَّ التَّحية هي التَّعظيم، فكل لفظٍ يدل على التَّعظيم فهو تحيَّة، الألفاظ التي يُقصد بها التَّعظيم والتَّكريم، وما إلى ذلك، وبهذا فسَّره بعضُ أهل العلم، ومن المعاصرين ممن فسَّره بهذا الشيخ محمد الصَّالح العثيمين -رحمه الله-: أنَّ ما يُقال للتَّعظيم[9].
ومن أهل العلم -وهذا هو الرابع- مَن قال: المراد بالتَّحية، "التَّحيات" جمع تحيةٍ، والمراد بها السَّلامة من الآفات، وجميع العيوب والنَّقائص، التَّحيات لله، فهو تنزيهٌ له من الآفات والعيوب والنَّقائص، وهذا قال به خالد بن يزيد[10].
وبعضهم -وهو الخامس- قالوا: التَّحيات هي العبادات القولية لله -تبارك وتعالى-؛ لأنَّ التَّحية هي قولٌ يُقال. فحملوها على العبادات القولية، وهذا بمعنى قول مَن قال بأنَّ أعزَّ الألفاظ التي تدلّ على الملك والعظمة وكل عبادةٍ قوليَّةٍ فهي لله -تبارك وتعالى-، فهي داخلةٌ في ذلك، حملوها على العبادات القولية.
وسيأتي أنَّ هؤلاء حملوا الصَّلوات على معنى يُناسِب هذا، وذلك أنَّ بعضَهم يقولون: بأنها العبادات البدنيَّة -وسيأتي ذكره-، والطَّيبات: العبادات المالية؛ يعني: جعلوها على هذه الأقسام الثلاثة: التَّحيات عبادات قوليَّة لله، والصَّلوات عبادات بدنية، والطَّيبات عبادات مالية.
لكن هذا التَّفصيل وهذا التَّفريق لا دليلَ عليه، فهذا حاصل أقوالهم.
ومن أهل العلم مَن حاول أن يجمع بعض ذلك في عبارةٍ تنتظم كثيرًا من هذه المعاني، قالوا: التَّحيات يعني: جميع التَّعظيمات لله -تبارك وتعالى- ملكًا، وخلقًا، وتقديرًا، يعني: جميع ما يعظم به -تبارك وتعالى- بالتَّكبير، والتَّبجيل، والتَّسبيح، وكلّ ما فيه وصفٌ له بالرفعة وبالعلو فهو داخلٌ في هذه التَّعظيمات التي يعظم بها، ويحيا بها، فهو داخلٌ في قوله: التَّحيات لله، التَّحيات: كان الناسُ يقولون بين يدي الملوك عبارات، الله أحقُّ بالتَّحيات.
ولاحظوا هنا أنَّ التَّحيات جاءت بصيغة الجمع: التَّحيات لله، ما وجه الجمع هنا؟
بعض أهل العلم يقولون: لأنَّه كان في الأرض ملوك يُحيَّون بتحيَّاتٍ مختلفةٍ، فبعضهم يُقال له: أبيت اللعن، وبعضهم يُقال له: أسلم كثيرًا، وبعضهم يُقال له: أنعم صباحًا، وبعضهم يُقال له: عش ألف سنةٍ؛ يعني: يحيا بهذا، فعلَّمنا النبيُّ ﷺ أن نقول: التَّحيات، يعني: الألفاظ التي تدلّ على الملك، والبقاء، والسَّلامة من الآفات، وما يُراد به التَّعظيم، والإجلال، والإكبار، والإكرام، كلّ ذلك يُوجَّه لله -جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه-، كما قال بذلك جمعٌ من أهل العلم: كابن قُتيبة[11]، والخطَّابي[12]، وهذا معنًى حسنٌ، فكان الجمعُ لاختلاف أنواعها، الأنواع مختلفة، وأمَّا الأفراد فلا حدَّ لها مما يُقال في حقِّ الله -تبارك وتعالى- من وجوه التَّعظيم، والتَّنزيه، والتَّقديس، والتَّسبيح، والإجلال، وما إلى ذلك.
وهنا التَّحيات (أل) هذه تكون للجنس؛ جنس التَّحيات التي يُراد بها التَّعظيم والإجلال، وما إلى ذلك، كلّها مُستحقّة لله -تبارك وتعالى-؛ ولهذا كانت اللامُ في قوله: (لله) تُفيد الاستحقاق.
وبعضهم عبَّر عن ذلك بالاختصاص، وبعضهم ذكرهما معًا، قال: الاستحقاق والاختصاص.
والفرق بين الاستحقاق، والاختصاص، والملك: أنَّك إذا أضفتَ ذاتًا إلى ذاتٍ من شأنها أن تملك: السَّاعة لزيدٍ؛ فهذا للملك، السيارة لزيدٍ؛ فهذا للملك، فإذا أضفتَ ذاتًا لذاتٍ ليس من شأنها أن تملك: المفتاح للسيارة؛ فهذا للاختصاص، المفتاح للباب؛ فهذا للاختصاص، وإذا أضفتَ معنًى إلى ذاتٍ: الحمد لله؛ فهذا للاستحقاق، الحمد مُستحقٌّ لله. هذا الفرق بين هذه اللامات، أو الفرق بين هذه المعاني الثلاثة للام.
فهنا: الحمد لله، التَّحيات لله؛ أي: مُستحقّة له -تبارك وتعالى-، فلا يستحقّ التَّحيات على الإطلاق إلا الله، ومن ثم قال بعضُ أهل العلم بأنَّه لا أحد يُحيَّا على الإطلاق إلا الله -تبارك وتعالى-، لكن إذا حيَّا إنسانٌ إنسانًا على سبيل الخصوص، فلا بأسَ في ذلك.
طيب، إذا قال لغيره: "تحيتي إليك"، فما الحكم؟
لا بأسَ بهذا، لك مني تحيّة، لكن قد ينظر إلى أنَّ تحيةً هنا مُفرد مُضاف إلى المعرفة: ياء المتكلم، تحيَّتي إليك، وهذا يُفيد العموم، هو بمعنى قول: تحيَّاتي إليك، فهل مثل هذا فيه إشكال؟
كنتُ أجد حرجًا من هذا، ثم تأمَّلتُه، وراجعتُ فيه كلام أهل العلم: التَّحيات لله؛ أي: مُستحقّة لله -تبارك وتعالى-، لا أحد يستحقّ جميع التَّحيات إلا الله، لكن إذا قال الإنسانُ: تحيَّاتي إليك، تحيَّاتي لك، لا أستطيع أن أجزم أنَّ هذا مما يكون ممنوعًا في الألفاظ، فمثل هذا قد يُقال بأنَّه لا إشكالَ فيه.
وقد يُنظر إلى كون التَّحيات جميعًا لله ، فيكون ذلك مما يدخله الحرج، في "معجم المناهي اللفظية" تجدون مثل هذه العبارات: تحياتي لفلان.
الشيخ بكر أبو زيد -رحمه الله- يقول: هنا لأبي طالب محمد بن علي، المنعوت بـ"المهذب"، المتوفى سنة 642، رسالة باسم "شرح لفظ التَّحيات"، جاء فيها ما نصّه: فأمَّا لفظ "التَّحيات" مجموعًا، فلم أسمع في كتابٍ من كتب العربية أنَّه جُمع إلا في جلوس الصَّلوات.
يقول: إذًا لا يجوز إطلاق ذلك لغير مَن له الخلق والأمر، وهو الله تعالى؛ لأنَّ الملك كلّه بيد الله، وقد نطق بذلك الكتابُ العزيز: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران:26] الآية.
يقول: والذي سطره أهلُ اللغة إنما يُعبرون عن التَّحية الواحدة، ولم ينتهوا لجمعه دون إفراده. إلى آخر ما قاله[13]، هكذا نقل عنه، ثم ذكر المصدر في الهامش، وأشار إلى أنَّ مثل هذا قد لا يُوافق عليه.
وفي فتاوى اللجنة الدَّائمة: تقبَّلوا تحيَّاتي، أنَّ هذا لا بأسَ به[14].
وفي فتاوى الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- مجموعة من الفتاوى يُسأل فيها عن: تحيَّتي إليك، لك تحيَّاتي، تقبَّل تحيَّاتي، وما أشبه ذلك؛ أنَّ هذا لا بأسَ به[15]، مع أنَّه يقول: لا أحدَ يُحيَّا على الإطلاق إلا الله -تبارك وتعالى-، بخلاف ما إذا حيَّا إنسانٌ آخر على سبيل الخصوص، فلا بأسَ بذلك[16].
فهو يقول: لو قلتَ مثلًا: لك تحيَّاتي، أو لك تحيَّاتنا، أو مع التَّحية، فلا بأسَ به، لكن التَّحيات على سبيل العموم والكمال لا تكون إلا لله .
التَّحيات، فهنا (أل) هذه تُفيد الاستغراق؛ جميع التَّحيات لله .
وقد يقول قائلٌ: وهل ربنا -تبارك وتعالى- بحاجةٍ إلى أن نُحييه؟
أجاب عن هذا الشيخ محمد الصَّالح العثيمين -رحمه الله- بأنَّ ذلك -كما هو معلومٌ- لا يفتقر إليه ربنا ، ولكن هو أهلٌ للتَّعظيم؛ فنُعظِّمه، ونتعبَّد ونتقرَّب بذلك، فذلك مما يفتقر إليه العبدُ، والله يقول: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر:7].
هذا ما يتعلَّق بالتَّحيات[17].
وقبل أن نتجاوزها: تنتشر رسائل في وسائل الاتِّصال الجديدة، وللأسف يسأل الناسُ عنها كثيرًا، ويُروجونها، ويُرسلونها: هل تعلم أنَّ التَّحيات اسم طائرٍ في الجنة على شجرةٍ يُقال لها: الطَّيبات، بجانب نهرٍ يُقال له: الصَّلوات؟ فإذا قال العبدُ: التَّحيات لله، والصَّلوات الطَّيبات؛ نزل الطائرُ عن تلك الشَّجرة، فغرس في ذلك النَّهر، ونفض ريشه على جانب النهر، فكل قطرةٍ وقعت منه خُلق منها ملكٌ يستغفر لقائلها إلى يوم القيامة.
هذه تتكرر، ولا أُحصي كم مرة أرسل سائلون يسألون عنها، وتتعجب: كيف تروج على الناس مثل هذه الأكاذيب؟! وكأني بأحد هؤلاء الكذبة من الأفَّاكين يختلق هذا الاختلاق، وينشره على ضعاف العقول، ثم بعد ذلك ينشرونه وينقلونه: هل تعلم؟ وهل تعلم؟
فهذا كلّه كذبٌ، لا أساسَ له إطلاقًا، ولا يصحّ الالتفات إليه بحالٍ من الأحوال.
انتهى الوقت، وأكمل -إن شاء الله تعالى- في الليلة الآتية.
أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هُداةً مُهتدين.
- أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب ما يتخيّر من الدعاء بعد التَّشهد وليس بواجبٍ، برقم (835).
- أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب التَّشهد في الآخرة، برقم (831).
- أخرجه مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، باب استحباب الذكر بعد الصَّلاة وبيان صفته، برقم (591).
- أخرجه البخاري: كتاب الاستئذان، باب: السلام اسمٌ من أسماء الله تعالى، برقم (6230).
- انظر: "المنتحل" للثعالبي (1/150).
- انظر: "الأمالي" للقالي (2/8).
- انظر: "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" للأزهري (ص64).
- انظر: "الشعر والشعراء" للدينوري (1/367).
- انظر: الشرح الصوتي لـ"زاد المستقنع" لابن عثيمين (1/1238).
- انظر: شرح سنن النَّسائي المسمّى "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" للإثيوبي (14/97).
- انظر: "غريب الحديث" لابن قتيبة (1/168).
- انظر: "معالم السنن" للخطابي (1/312).
- انظر: "معجم المناهي اللفظية وفوائد في الألفاظ" لبكر أبي زيد (ص185).
- انظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" المجموعة الأولى (26/361).
- انظر: "مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين" (3/70).
- انظر: الشرح الصوتي لـ"زاد المستقنع" لابن عثيمين (1/1238).
- انظر: الشرح الصوتي لـ"زاد المستقنع" لابن عثيمين (1/1238).