الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
(198) أذكار النوم " يقرأ (الم) تنزيل السجدة، وتبارك الذي بيده الملك "
تاريخ النشر: ٢٦ / شوّال / ١٤٣٥
التحميل: 1986
مرات الإستماع: 3237

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،

نواصل الحديث في الكلام على الأذكار التي تُقال قبل النوم، ومن ذلك: ما جاء عن جابر بن عبدالله : أنَّ رسولَ الله ﷺ كان لا ينام حتى يقرأ: الم ۝ تَنْزِيلُ [السجدة]، وتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك].

هذا الحديث أخرجه الترمذي[1]، وأحمد[2]، والنَّسائي في "سننه الكبرى"[3]، وفي "عمل اليوم والليلة"[4]، كما أخرجه الحاكم[5]، والطَّبراني في "الأوسط"[6]، وفي "الدعاء"[7].

وقال عنه الحاكمُ: صحيحٌ على شرط مسلمٍ[8]. ووافقه الذَّهبي، وقال الحافظُ ابن حجر -رحمه الله-: فيه صفوان، لم يُخرج مسلمٌ لصفوان، ولا هو معروف[9]. يعني: حينما قال الحاكمُ ووافقه الذَّهبي: بأنَّه على شرط مسلمٍ. قال الحافظُ ابن حجر مُستدركًا: بأنَّ صفوان هو أحد رُواته، ليس من رجال مسلمٍ، وليس بمعروفٍ، وصفوان هذا هو صفوان بن عبدالله بن صفوان، القُرشي، المكي. وقال عنه بعضُ أهل العلم: بأنَّه ثقة، وأنَّه معروفٌ.

والشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله- صحح هذا الحديث[10]، وكذلك أيضًا الشيخ شُعيب الأرناؤوط[11].

هنا في هذا الحديث: "الم، وتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ" هذا يدلّ على المواظبة، وأنَّه لا يدع ذلك في الليلة، وإن كان قوله: "كان لا ينام حتى يقرأ" يحتمل أن يكون المعنى: أنَّه إذا دخل وقتُ النوم لا ينام حتى يقرأهما، بمعنى: أنَّ ذلك يكون من الأذكار التي تكون عند النوم بهذا الاعتبار، "كان لا ينام حتى يقرأ" بمعنى: أنه يُواظِب على ذلك إذا أراد النوم، فاللَّفظ يحتمل هذا.

ويحتمل أن يكون المرادُ: "كان لا ينام حتى يقرأهما" يعني: أنَّه لا ينام مطلقًا حتى يقرأهما، يعني: لا يُراعي وقت النوم، فيُمكن أن يقرأ بعد العشاء مثلاً، وينام بعد ذلك بساعةٍ، أو ساعتين، أو أكثر، المهم أنَّه لا ينام حتى يقرأهما، فيكون ذلك من أذكار الليلة، وليس من أذكار النوم بهذا الاعتبار على هذا التَّفسير، فهذا يحتمل، وهذا يحتمل، المهم أنَّه ما كان يدع قراءتهما في كل ليلةٍ.

والحافظ ابن حجر -رحمه الله- يقول مُفسِّرًا لهذه الجملة: "لا ينام" أي: لا يُريد النوم إذا دخل وقته[12]. يعني: ليُفيد ما قرره الأئمةُ أنَّه يُسنّ قراءة هاتين السُّورتين مع سُورٍ أخرى كل ليلةٍ قبل النوم.

قال: ويُؤيده حديث النَّسائي في الثانية[13]. يعني: سورة "تبارك" مَن قرأها كل ليلةٍ منعه اللهُ بها من عذاب القبر[14]، وهذا الحديثُ الوارد في سورة تبارك في قراءتها كل ليلةٍ جاء من حديث ابن مسعودٍ -رضي الله تعالى عنه-، وحسَّنه الشيخ ناصر الدين الألباني[15].

فهذا على كل حالٍ يحتمل، لكن ينبغي أن يحرص المسلمُ على قراءة هاتين السُّورتين، فلا ينام حتى يقرأهما، سواء قلنا: إنَّ ذلك يكون عند إرادة النوم، أو يكون ذلك في ليلته -والله تعالى أعلم- على كلام الحافظ ابن حجر -رحمه الله- وكثيرٍ من أهل العلم: أنَّهم فهموا أنَّ المراد أنَّ ذلك يكون عند إرادة النوم.

وأمَّا الحديث الوارد الخاصّ في "تبارك": بأنَّ مَن قرأها كل ليلةٍ منعه اللهُ من عذاب القبر، فهذا لا يختصّ بإرادة النوم، بمعنى: أنَّه يمكن أن يقرأها بعد العشاء، ويمكن أن يجعلها في صلاته في الليل قبل أن ينام، ويمكن أن يكون ذلك بعد الاستيقاظ: كأن يكون الإنسانُ ينام أول الليل، ثم يستيقظ في مُنتصف الليل فيُصلِّي، فيجعل ذلك في صلاته، أو خارج الصَّلاة، أعني: قراءة تبارك، لكن في هذا الحديث: "كان لا ينام"، إذًا هي مما يُقال قبل النوم، فلو أنَّه أطلق باعتبار أنَّه كان يقرأهما في كل ليلةٍ؛ لفهم منه أنَّ ذلك لا يرتبط بالنوم، فيكون من أذكار الليلة، لكن حينما قيَّده بهذا القيد: "كان لا ينام" فُهِمَ منه -والله تعالى أعلم- أنَّ المرادَ أنَّ ذلك يكون عند إرادة النوم، يقرأ هاتين السُّورتين، ولو أنَّه جعل ذلك في صلاته قبل النوم، يعني: كأن يُصلِّي ركعتين قبل أن ينام مثلاً، فقرأ فيهما؛ فإنَّ هذا يصدق عليه أنَّه قرأهما عند إرادة النوم، ولا إشكالَ في هذا، ولا شكَّ أنَّ قراءةَ القرآن في الصَّلاة أفضل من قراءته خارج الصَّلاة.

ولو تأمّلنا في السُّورتين: سورة السَّجدة، وسورة الملك في الجامع المشترك، وكذلك سورة الدَّهر التي تُقرأ في الركعة الثانية في صلاة الفجر من يوم الجمعة؛ نجد أنَّ هناك قواسم مُشتركة بين هذه السُّور الثلاثة، وكذلك أيضًا سورة الكهف التي تُقرأ في كل جمعةٍ، وفي ليلة الجمعة، كما صحَّ ذلك في بعض الأحاديث؛ فإنَّ سورةَ الكهف يمكن أن يقرأها المسلمُ ليلة الجمعة، أو في يوم الجمعة.

فهذه السور نجد الحديثَ فيها عن اليوم الآخر بصورةٍ واضحةٍ؛ ففي سورة الكهف تجد فيها من دلائل القُدرة على البعث، وأصحاب الكهف من أظهر الأدلة على قُدرة الله على إحياء الموتى بعدما بقوا هذه المدّة، وأنَّ الله -تبارك وتعالى- قد: خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2]، وفيها من دلائل القُدرة، وخلق السَّماوات، وما إلى ذلك، وفيها أيضًا الحديث عن اليوم الآخر.

وكذلك أيضًا سورة الدَّهر فيها حديثٌ عن دلائل القُدرة، وفيها حديثٌ أيضًا عن اليوم الآخر، ومعلومٌ أنَّ القيامة تقوم في يوم الجمعة، فالحاجة داعية إلى التَّذكير بهذا اليوم، وكأنَّ ذلك هو السَّبب -والله تعالى أعلم- لشرع قراءة هذه السور الثلاث في الفجر: السَّجدة، والدَّهر، وفي يوم الجمعة وفي ليلتها قراءة سورة الكهف؛ لاشتمالها على الحديث عن الآخرة، وقُدرة الله ، وعلى إحياء الموتى والبعث.

وفيما يتعلَّق هنا بقراءة الملك والسَّجدة كذلك يحتاج المؤمنُ أن يُذكِّر نفسَه بهذه المعاني، وأنَّ هناك آخرة، والله -تبارك وتعالى- سيُعيد الخلقَ من جديدٍ بعد أن يتوفَّاهم أجمعين، ويصيرون إليه، ويُجازيهم على أعمالهم؛ فعندئذٍ يصير أهلُ السَّعادة إلى الجنة، وأهل الشَّقاء إلى النار.

حينما يتذكّر المؤمنُ كل ليلةٍ هذا المعنى، فلا شكَّ أنَّ ذلك يدعوه إلى الاستقامة على صراط الله المستقيم، فلا يعوج، ولا تحصل له غفلة عمَّا خُلق من أجله، فإنَّ الله -تبارك وتعالى- خلقه من أجل عبادته، فلا يغفل وينغمس في الشَّهوات واللَّذات، وينسى ما أوجده الله من أجله.

هذا كلّه تُذكّره به هذه السّور الكريمة، فإذا استحضر المؤمنُ هذا، وواظب عليه، وله قلبٌ حيٌّ وقَّادٌ؛ فإنَّ الغفلةَ لا سبيلَ لها إلى قلبه بحالٍ من الأحوال، فهو حيُّ القلب دائمًا، يَقِظٌ، وليس ممن قال الله فيه: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف:28].

أكتفي بهذا، فالحديث الذي بعده فيه طولٌ، فإذا ابتدأتُه يحتاج إلى قسمه إلى ليلتين، فأجعل ذلك في ليلةٍ واحدةٍ.

وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا هُداةً مُهتدين.

اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دُنيانا.

والله أعلم، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

  1. أخرجه الترمذي في "سننه" ت. شاكر: أبواب فضائل القرآن، باب ما جاء في فضل سورة الملك، برقم (2892).
  2. أخرجه أحمد في "المسند" ط. الرسالة، برقم (14659).
  3. أخرجه النَّسائي في "السنن الكبرى"، برقم (10477).
  4. "عمل اليوم والليلة" للنَّسائي (ص431) (706).
  5. أخرجه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين"، برقم (3545).
  6. "المعجم الأوسط"، برقم (1483).
  7. "الدعاء" للطبراني، برقم (269).
  8. "المستدرك على الصحيحين" (2/446).
  9. "إتحاف المهرة" لابن حجر (3/155).
  10. "صحيح الجامع"، برقم (4873).
  11. في تعليقه على "مسند أحمد" ط. الرسالة (23/26).
  12. نقله عنه في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (4/1482).
  13. نقله عنه في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (4/1482).
  14. أخرجه النَّسائي في "السنن الكبرى"، برقم (10547).
  15. في "صحيح الترغيب والترهيب" (2/91).

مواد ذات صلة