السبت 21 / جمادى الأولى / 1446 - 23 / نوفمبر 2024
(202) ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم " ينفث عن يساره " " يستعيذ بالله من الشيطان ومن شر ما رأى " " لا يحدث بها أحداً " " يتحول عن جنبه الذي كان عليه "
تاريخ النشر: ١٣ / ذو القعدة / ١٤٣٥
التحميل: 2021
مرات الإستماع: 1679

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،

نُواصل الحديث -أيّها الأحبّة- عمَّا ورد من الأذكار التي تُقال عند النوم، فمن ذلك: ما جاء عن أبي سلمة ابن عبدالرحمن، قال: كنتُ أرى الرُّؤيا أُعْرَى منها، غير أني لا أُزَمَّل، حتى لقيتُ أبا قتادة، فذكرتُ ذلك له، فقال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: الرُّؤيا من الله، والحلم من الشَّيطان، فإذا حلم أحدُكم حلمًا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثًا، وليتعوَّذ بالله من شرِّها؛ فإنَّها لن تضرَّه[1]. أخرجه البخاريُّ ومسلم.

أبو سلمة ابن عبدالرحمن من التَّابعين، أبو سلمة ابن عبدالرحمن بن عوف، يقول: "كنتُ أرى الرؤيا أُعْرَى منها"، "أُعْرَى" يعني: أُحَمّ، يعني: تُصيبه الحمَّى لخوفه، يُقال: "عُرِيَ الرجلُ" إذا أصابه عُرى، وهو الرِّعدة؛ ينتفض كالمحموم، فإنَّ مَن أصابته الحمَّى إذا اشتدَّ به ذلك فإنَّه تحصل له رعدة، يرتعد جسده وأطرافه.

فهنا يقول: "أُعْرَى منها"، يعني: أنه يرتعد من شدَّة الخوف. وفي روايةٍ: "تُمرضني"[2].

وهنا يقول: "غير أني لا أُزَمَّل"، يعني: لا أُغطَّى، وهو لفٌّ كالمحموم، المحموم يقول: زمِّلوني، يُزَمَّل: يُغَطَّى؛ لأنَّه يجد بردًا شديدًا وينتفض.

وكلنا يعرف ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حينما رأى الملكَ على صورته الحقيقيَّة في غار حِراء، فرجع ترجف بوادرُه، يرتعد، ويقول: زمِّلوني، زمِّلوني[3]، يعني: دثِّروني.

فهذا يقع للإنسان في حال الخوف الشَّديد، فيكون كالمحموم، ويقع للمحموم -يقع للمريض-، فإذا عظم الخوفُ فإنَّ الإنسان يفقد السَّيطرة -نسأل الله العافية- على جسده؛ فيحصل منه مثل هذا: لا يستطيع الوقوف، ولا يستطيع التَّصرف، ولا يستطيع تشخيص البصر إلى ما يُريد أن يُصوِّب بصره إليه، وإنما يكون بصرُه شاخصًا؛ لشدّة الخوف، وترعد فرائصُه، فهذا كما جاء في الحديث أيضًا في الرَّجلين اللَّذين جيء بهما إلى النبي ﷺ وهو في مسجد الخيف، لم يُصليا مع النبي ﷺ وأصحابه، ترعد فرائصُهما[4]؛ وذلك أنَّ هذه المواضع -اللحم الذي يكون في الظَّهر، في أعلاه- تضطرب وترتعد من شدّة الخوف.

فالمقصود هنا أنَّه يقول: "غير أني لا أُزَمَّل"، يعني: ما وصل هذا إلى حدِّ التَّدثير والتَّغطية.

"حتى لقيتُ أبا قتادة"، يعني: من أصحاب النبي ﷺ، "فذكرتُ ذلك له"، هذا يحمل عبئًا كبيرًا، وهمًّا عظيمًا بسبب ما يراه مما يكرهه، حتى يبلغ به ذلك إلى هذا الحدِّ؛ يمرض، فقال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ.

وفي روايةٍ أخرى: "أنَّه أخبره أنَّه يجد" أيضًا مثل ذلك؛ أنَّه يرى الرُّؤيا، وأنها تُمرضه، فذكر ذلك للنبيِّ ﷺ.

هنا يقول: فسمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: الرُّؤيا من الله، والحلم من الشَّيطان، الرؤيا -بالقصر- تختصّ غالبًا بما يراه الإنسانُ في منامه من الأمور المحبوبة، هكذا، وفي لفظٍ جاء تقييده بالصَّالحة: الرُّؤيا من الله، قال: الرؤيا الصَّالحة من الله، وهذا يحتمل أن يكون قوله: "الصَّالحة" من قبيل الصِّفة الكاشفة، إذا قلنا: إنَّ الرؤيا تختصُّ بما يكون من الله، وبما يسرّ؛ فتكون الصَّالحةُ تحصيل حاصلٍ، يُقال لها: صفةٌ كاشفةٌ، مثلما تقول: جاءني رجلٌ ذكرٌ، وامرأةٌ أنثى، وهي صفةٌ كاشفةٌ، بخلاف قولك: جاءتني امرأةٌ أعجميَّة، وجاءني رجلٌ طويلٌ. فهذا تكون الصِّفةُ فيه مُقيَّدة، فيحتمل لو قيل: بأنَّ الرُّؤيا لا تكون إلا فيما يسرّ، هي التي يُقال لها: رؤيا، وأنها هي التي تكون من الله.

فهنا تكون تلك الرِّواية: الرؤيا الصَّالحة أنَّ الصَّالحة صفة كاشفة، وإذا قيل: بأنَّ ذلك يكون غالبًا، يعني: يُقال لها: رؤيا فيما يسرّ، إذا كانت فيما يسرّ، فإذا قيل: "الصَّالحة" فهي صفة مُقيّدة؛ لأنَّ الرؤيا تكون صالحةً، وتكون غير صالحةٍ، ولا يلزم أن تكون من الله -تبارك وتعالى-؛ فإنَّ السَّيئة أخبر النبيُّ ﷺ أنَّها من الشَّيطان.

وبعض أهل العلم يقولون: الرُّؤيا هكذا –يعني: بالقصر- كالبُشرى، هي التي تُرى في المنام، والرؤية هي التي تكون في العين. هكذا فرَّق بعضُ أهل العلم بينهما: "رؤية" ما يراه بعينه، "رؤيا" ما يراه بمنامه.

وبعضهم أثبته بالمد: رؤيا، يعني: ما يراه في المنام.

الرُّؤيا من الله يعني: كما جاء عن النبي ﷺ: الرُّؤيا الصَّالحة جزءٌ من ستة وأربعين جزءًا من النُّبوة[5]، وما وجه ذلك؟

قال بعضُ أهل العلم: إنَّ مدَّة النبوة –يعني: الوحي- كانت في ثلاثٍ وعشرين سنةً، وكانت الرؤيا الصَّالحة كما في حديث عائشة ستة أشهر، فالسّتة أشهر من ثلاثة وعشرين سنة يُساوي كم؟ واحد على ستٍّ وأربعين، قسمت السنة على قسمين، يعني: ثلاثة وعشرين ضرب اثنين، ستة أشهر، نصف السنة، ثلاثة وعشرين ضرب اثنين يُساوي ستة وأربعين، فالرؤيا الصَّالحة جزءٌ منها يُساوي ستة أشهر، فهو واحدٌ على ستٍّ وأربعين.

هكذا فسَّر بعضُ أهل العلم قولَ النبي ﷺ بأنَّ الرُّؤيا الصَّالحة جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءًا من النبوة.

فقوله: من الله بمعنى: أنها نوعٌ من أنواع الوحي، والنبي ﷺ أخبر أنَّه لم يبقَ من الوحي إلا الرؤيا الصَّالحة يراها المؤمنُ، أو تُرى له[6]، وأخبر ﷺ أنَّ رؤيا المؤمن في آخر الزمان لا تكاد تُخطئ[7]، وهذا -والله أعلم- كما قال بعضُ أهل العلم -كشيخ الإسلام ابن تيمية[8] رحمه الله-: لبُعد العهد -يعني: من النبوة- وذلك أنَّ الناس بحاجةٍ إلى تثبيتٍ وتأييدٍ، فتصدق رُؤاهم.

كما قال شيخُ الإسلام أيضًا بأنَّ الكرامات تكون في المتأخرين أكثر مما وقع لأصحاب النبي ﷺ، لا لأنَّهم أفضل –يعني: المتأخرين-، وإنما لأنهم بحاجةٍ إلى تثبيتٍ، فيقع لهم من الكرامات ما لا يقع لأصحاب النبي ﷺ.

فالرؤيا الصَّالحة من الله، فهي جزءٌ من النبوة، جزءٌ من الوحي، و"الحلُم"، ويُقال: الحلْم -بإسكان اللام أيضًا.

الحلم هو: ما يراه النَّائم في نومه من الخيالات والأمور التي لا حقيقةَ لها: قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ، ما قالوا: أضغاث رُؤًى، قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ [يوسف:44].

فالرؤيا والحلم عبارة عمَّا يراه النَّائم في نومه، ولكن الغالب -كما سبق- أنَّ الرُّؤيا تُقال لما يراه من الخير؛ الشَّيء الحسن، والحلم غلب إطلاقه على ما يُكره مما يراه الإنسانُ في نومه، هكذا ذكر جمعٌ من أهل العلم، كصاحب "النِّهاية"[9]، وغيره، فهذا فرقٌ بينهما، وقد يُطلق على ذلك جميعًا: رؤيا، فيُقال: رؤيا سيئة، وقد يُطلق على ذلك جميعًا أنَّه حلم؛ ولذلك فإنَّ بعض أهل العلم -كابن الجوزي[10]- قال: بأنَّ الرؤيا والحلم شيءٌ واحدٌ، يقول: "لكن صاحب الشَّرع خصَّ الخيرَ باسم: الرؤيا، والشرَّ باسم: الحلم"، يعني: في اللُّغة المعنى واحد: ما يراه النَّائم، ولكن شرعًا جاء التَّعبيرُ عن هذا بالرؤيا، والتَّعبير عن الآخر بالحلم، كما نرى في هذا الحديث: الرُّؤيا من الله، والحلم من الشَّيطان.

ففرقٌ في الاستعمال؛ استعمل الرُّؤيا فيما كان من الله، والحلم فيما كان من الشَّيطان، أضافها إلى الشَّيطان بأي اعتبارٍ؟

بعض أهل العلم يقول: أضافها إليه باعتبار أنَّها مُوافقة لمراده في المكروه، فهو يُريد الشَّر بالإنسان، لا يُريد به خيرًا، فهي من الشَّيطان.

ويحتمل معنًى آخر، وأظنّه أقرب -والله أعلم-: أنَّ ذلك مما يُلقيه الشَّيطانُ ويُصوِّره للنَّائم، فإنَّ الشيطانَ له مُلابسات مع الإنسان في حال نومه ويقظته، فيُريه أشياء في المنام لا حقيقةَ لها ليحزن، فهذا كما قال الله : إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ [المجادلة:10]، فمعنى الآية: إنما النَّجوى من الشَّيطان، بمعنى: أنها من تسويله وإملائه وتزيينه، فهي مما يدعو إليه: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ.

فهنا يقول: والحلم من الشَّيطان، في روايةٍ: فإن رأى أحدُكم ما يُحبّ فلا يُحدِّث[11]، وفي روايةٍ: فإن رأى أحدُكم ما يُحبّ فليحمد الله[12]، فهذا خيرٌ قد امتنَّ الله عليه به.

فإذا جمعت هذه الألفاظ الصَّحيحة فإنَّ ذلك ينتج عنه أن يكون الأدبُ في مثل هذا المقام في الرؤيا الصَّالحة: أن يحمد الله، وألا يُحدِّث بها إلا مَن يُحبّ، يعني: من أهل الصَّلاح، والخير، والفضل، أولئك الذين يحملونها على المحامل الطَّيبة، يقول النبي ﷺ: إذا رأى في منامه ما يُحبّ فليحمد الله عليها، كما في بعض الألفاظ أيضًا: وليُحدِّث بها، ولا يُحدِّث بها إلا مَن يُحبّ[13]، فهذا من آدابها.

وإذا رأى الرؤيا الأخرى؛ الذي هو الحلم -الرُّؤيا السَّيئة-، الحلم من الشَّيطان: فإذا حلم أحدُكم حلمًا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثًا، وليتعوّذ بالله من شرِّها؛ فإنها لن تضرَّه، الآن ينفث عن يساره ثلاثًا.

وفي لفظٍ عند مسلمٍ: فليبصق على يساره حين يهبّ من نومه[14]، يحتمل أن يكون يهبّ من نومه أنَّه إذا استيقظ فزعًا من هذه الرؤيا حينما ينتبه؛ لأنَّه لا يستطيع أن يبصق على يساره ثلاثًا وهو نائم، وإنما إذا حصلت له يقظة: حين يهبّ، وهنا: فليبصق ثلاث مراتٍ، وفي روايةٍ: فليتفل عن يساره ثلاثًا[15]، وأيضًا في روايةٍ: فلينفث عن يساره ثلاثًا[16]، فذكر النَّفث، والبصق، والتَّفل، أكثر الرِّوايات: فلينفث.

بعض أهل العلم يقول: الثلاث بمعنًى واحدٍ، لا فرق، وقد ذكرنا من قبل أنَّ ذلك يتفاوت، وقلنا: بأنَّ النفخَ هو إخراج الهواء من الفم بدفعٍ، يدفعه، والنَّفث يكون بإخراج الهواء مع شيءٍ من الريق، هذا النَّفث، ويكون بعد ذلك، فوق ذلك التَّفل: يتفل، فهذا يخرج معه ريقٌ أكثر، ثم بعد ذلك أعلاه البزق، وهو تفلٌ وزيادة، فيكون مُرتَّبًا هكذا: البزق، ثم التَّفل، ثم النَّفث، ثم النَّفخ.

النَّفخ هنا لم يرد في الرُّؤيا، وإنما النَّفث، يعني: إذا فعل ذلك حينما يتفل، بعضُ أهل العلم يقول: تحقيرًا للشَّيطان، وكراهةً للرؤيا، والإنسان إذا استعاذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم ولو كان في الصَّلاة فإنَّه يتفل على يساره ثلاثًا حال الاستعاذة، فهذا له تعلُّقٌ بالاستعاذة، فإنها تكون بقولٍ وفعلٍ؛ القول بالصِّيغة، وقد مضى الكلامُ على الصيغ، وبالنسبة للفعل: أن يتفل، فهذا أبلغ، أو ينفث: ينفخ مع ريقٍ، أو يبزق، وحينما يُقال: إنَّه يبزق، أو نحو ذلك، فإنَّه يكون يتلفت إلى يساره، وبمنديلٍ يبزق به، أو نحو ذلك، أو بسلَّةٍ، أو بشيءٍ من هذا القبيل.

ثم أمره أن يتعوَّذ بالله، هنا أمره بالتَّعوذ، مع أنها لا حقيقةَ لها، هي خيالات من الشَّيطان؛ ليتخلص من تأثيرها النَّفسي، وما تُوقعه من وساوس وحزن وأوهام فذلك من كيد الشَّيطان به، فيحتاج إلى الاستعاذة.

والإنسان إذا استرسل مع مثل هذه الخواطر التي يُلقيها الشيطانُ فإنَّ هذه الرُّؤى تُمرضه، بل تفتك به، وكثيرٌ من الناس للأسف تتحوّل حياتهم رأسًا على عقبٍ، ما به بأسٌ، فيرى رؤيا، ثم يسأل مُعبِّرًا، ثم بعد ذلك يُعبِّر له بتعبيرٍ سيئٍ؛ فيبقى هذا الإنسانُ إن قيل له: مسحور، تشنَّج، وإذا قيل له: إنَّك ستموت، أوصِ. بدأ يشعر ببرودةٍ بأطرافه، وتنميل، وأشياء، ومشاعر، وقد يتكرر عليه هذا مرارًا ولا يعتبر، حتى إني أقول لبعضهم: كم مرة وقع لك مثل هذا؟ فيقول: كثير. في كل مرةٍ يُوقن الموت، ويبكي، نقول: لم تمت ولا مرة من هذه المرات، فاجعل هذا من هذا القبيل. فيفيق يقول: هاه! نعم، ممكن، هلا تذكرت هذا المعنى: كم مرة يتلاعب بك الشَّيطانُ، ويُريك أنَّك قد بلغتَ الأجل، ولم تبلغ؟!

فهذه الرُّؤى، والاشتغال بتلك الرؤى السَّيئة، وسؤال المعبِّرين، أو مُشاهدة القنوات التي يخرج بها بعضُ هؤلاء؛ فهؤلاء يُفسدون حياةَ الناس، أعني: هؤلاء الذين يخرجون في القنوات؛ لأنَّ كلَّ رؤيا لها مُلابسات مُعينة، وهناك رؤى من الشَّيطان، أحلام من الشَّيطان، فيجلس الناسُ ويستمعون له، ويُعبِّر رؤيا مُشابهة لما شاهد هو، أو رأى قبل مدةٍ، فيقول له: أنت مسحور، أو أنت بك كذا، أو بك مسّ أنت، أو هذا الميت الذي مات لكم، يذكر أشياء سيئة مما يتَّصل بمصيره؛ فيبقى هذا الإنسانُ في حالٍ من الحسرات، فلا يهنأ بعيشٍ، ولا يطيب له مقام -نسأل الله العافية-.

فكم من أحوالٍ وأوجاعٍ وأوصابٍ وعللٍ قد حلَّت بأقوامٍ بسبب هذه الأمور، يُعبِّرها له، أو يُعبِّر لغيره فيقول: هذا مثلما وقع لي. فهذا خطيرٌ، ولا ينبغي أبدًا أن نلتفت إلى مثل هذه البرامج التي في القنوات.

وبعض هؤلاء الذين يُعبِّرون كذبة، وقد أخبرتني إحدى النِّساء: أنَّ زوجَها دجَّال من الدَّجاجلة، تسأل تقول: ما العمل؟ تقول: يُمثل على النِّساء أنَّه يُعبِّر الرُّؤَى، وينشر رقمَه في تويتر، وفي وسائل التواصل، وتتَّصل عليه النِّساء، ويسألنه، ويتلاعب بهنَّ، ثم بعد ذلك -نسأل الله العافية- لا تسأل عن فتنته لهنَّ، وهذه يعرض عليها الزَّواج، وربما يُفسِّر لها بتعبيرات تحملها على القبول بالتَّزوج منه، مثل هذا خطيرٌ.

نحن لا نتعلَّق بالرُّؤى، غاية ما هنالك أنَّ هذه الرؤى مُبشرات، والرؤيا لا يُبنى عليها حكمٌ شرعًا، رؤياك هذه ليست برؤيا إبراهيم ، رؤيا نبيٍّ، أو رؤيا يوسف ، الرؤيا تُصيب وتُخطئ، وهذا المعبِّر يُصيب ويُخطئ، الخطأ إذا رأينا رؤيا أن نتمسَّك بأيدينا كلِّها على أنَّ هذه الرؤيا حقٌّ، ولا بدّ أن نبحث لها عن تفسيرٍ، وإذا قيل لنا تفسيرٌ لا يُعجبنا بقيت تأكل وتشرب معنا هذه الرؤيا! هذا غلطٌ، هذا لا يليق بحالٍ من الأحوال.

علَّمنا النبيُّ ﷺ كيف نصنع، ونستعيذ، والحافظ ابن حجر[17] -رحمه الله- صحح أثرًا في صفة الاستعاذة إذا رأى ما يكره؛ أن يقول: "أعوذ بما عاذت به ملائكةُ الله ورسلُه من شرِّ رؤياي هذه أن يُصيبني منها ما أكره في ديني أو دُنياي"[18]، هذا صححه الحافظُ ابن حجر، ولو أنَّه قال: "أعوذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم" فإنَّ ذلك يُجزئه إن شاء الله، يقول: يستعيذ من شرِّها؛ من شرِّ تلك الرؤيا الفاسدة، يتفل عن يساره كراهةً لها، وتحقيرًا للشَّيطان.

خصَّ اليسار لأنَّه للأمور المكروهة والمستقذرة، ويكون هذا التَّفلُ ثلاثًا للمُبالغة.

قال: فإنَّها لن تضرَّه، يعني: الرؤيا المكروهة، فجعل الله هذا الصَّنيع من التَّفل والاستعاذة سببًا لدفع شرِّها، أو أنَّها مدفوعة الشَّر، لكن ليقطع الوساوس والخواطر السَّيئة، يقطع الطريق على الشَّيطان؛ فلا يصل إلى مطلوبه منه، هذا يحتمل أيضًا.

فإنَّها لن تضرَّه، لاحظ جاء بـ"لن"، وجاء بـ"إنَّ" التي تدلّ على التوكيد، بعد هذا ما الذي يحتاج إليه الإنسانُ أكثر من هذا التَّطمين ممن لا ينطق عن الهوى: فإنها لن تضرَّه؟! إذن ارتاح، لا داعي لمثل هذا الاشتغال.

والبعض قد يقرأ بعض الكتب في التَّعبير، يقول: إذا رأيتَ كذا معناه كذا، وإذا رأيتَ كذا معناه كذا، هذا ليس دائمًا، يعني: على سبيل المثال رؤية الحيَّة ماذا تعني؟

بعضهم يقول: هذا حاسدٌ مثلاً، أو ماذا؟ الواقع أنَّ الحيةَ تختلف بحسب لونها، وبحسب هيئتها، وبحسب الرَّائي، فقد تكون حياةً جديدةً، وقد رأى بعضُهم حيةً بصفةٍ مُعينةٍ ضخمة، فعُبِّرت له بحياةٍ جديدةٍ، وفعلاً بعد أيامٍ كانت حياةً جديدةً، وكان يظنّ أنها شيءٌ آخر؛ كان يظنّ أنها حاسدٌ.

وفي حديث أبي سعيدٍ الخدري في الصَّحيح، عن النبي ﷺ: إذا رأى أحدُكم الرُّؤيا يُحبُّها فإنَّها من الله؛ فليحمد الله عليها، وليُحدِّث بها، وجاء تقييده هناك: يُحدِّث مَن يُحبّ، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما -بأسلوب الحصر- هي من الشَّيطان؛ فليستعذ بالله من شرِّها، ولا يذكرها لأحدٍ، فإنَّها لن تضرَّه[19]، انتهى.

إذن اطمئن، أي شيءٍ تراه رؤيا سيئة اتفل على يسارك ثلاث مرات، وقل: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، وبعد ذلك انسَ الموضوع.

نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هُداةً مُهتدين.

والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

  1. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الطب، باب النَّفث في الرقية، برقم (5747)، ومسلم: بداية كتاب الرؤيا، برقم (2261).
  2. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب التعبير، باب إذا رأى ما يكره فلا يُخبر بها ولا يذكرها، برقم (7044)، ومسلم: كتاب الرؤيا، برقم (2261).
  3. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟، برقم (4)، وكتاب التعبير، باب أول ما بُدِئَ به رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرُّؤيا الصَّالحة، برقم (6982)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، برقم (160).
  4. أخرجه أبو داود: كتاب الصَّلاة، باب فيمَن صلَّى في منزله ثم أدرك الجماعة؛ يُصلِّي معهم، برقم (575)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"، برقم (590).
  5. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب التَّعبير، باب الرؤيا الصَّالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، برقم (6989)، ومسلم: كتاب الرؤيا، برقم (2263).
  6. أخرجه ابن حبان في "صحيحه"، برقم (6045)، وصححه الألباني في "التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان" (8/425)، برقم (6013).
  7. أخرجه الترمذي: أبواب الرؤيا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب ما جاء في رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- الميزان والدَّلو، برقم (2291)، وأحمد في "المسند"، برقم (7642)، وقال مُحققوه: "إسناده صحيحٌ على شرط الشَّيخين".
  8. انظر: "الصفدية" (1/235)، و"مختصر الفتاوى المصرية" (ص561).
  9. "النهاية في غريب الحديث والأثر" (1/434).
  10. "غريب الحديث" لابن الجوزي (1/239).
  11. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب التَّعبير، باب إذا رأى ما يكره فلا يُخبر بها ولا يذكرها، برقم (7044)، ومسلم: كتاب الرؤيا، برقم (2261).
  12. أخرجه الدَّارمي في "سننه"، برقم (2188)، وصححه مُحققه حسين سليم أسد الدَّاراني.
  13. أخرجه مسلم: كتاب الرؤيا، برقم (2261).
  14. أخرجه مسلم: كتاب الرؤيا، برقم (2261-2262).
  15. أخرجه مسلم: كتاب الرؤيا، برقم (2261).
  16. أخرجه مسلم: كتاب الرؤيا، برقم (2261).
  17. "فتح الباري" لابن حجر (12/371).
  18. أخرجه معمر بن راشد في "جامعه"، برقم (20359)، والبيهقي في "شعب الإيمان"، برقم (4437).
  19. أخرجه البخاري: كتاب التعبير، باب إذا رأى ما يكره فلا يُخبر بها ولا يذكرها، برقم (7045).

مواد ذات صلة