الجمعة 10 / شوّال / 1445 - 19 / أبريل 2024
(263) دعاء المتزوج وشراء الدابة
تاريخ النشر: ٢٢ / صفر / ١٤٣٦
التحميل: 1847
مرات الإستماع: 1566

الحمد لله، والصَّلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد: هذا باب "دعاء المتزوج وشراء الدَّابة"، وأورد فيه المؤلفُ حديثًا، وهو حديث عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما-، عن النبي ﷺ أنَّه قال: إذا تزوّج أحدُكم امرأةً، أو اشترى خادمًا؛ فليقل: اللهم إني أسألك خيرَها وخيرَ ما جبلتَها عليه، وأعوذ بك من شرِّها، ومن شرِّ ما جبلتَها عليه، وإذا اشترى بعيرًا فليأخذ بذروة سنامه، وليقل مثل ذلك.

أخرجه أبو داود[1]، وابن ماجه[2]، وهذا الحديث سكت عنه أبو داود، وصحح إسناده الإمامُ النووي[3]، كما صححه أيضًا الشيخ ناصر الدين الألباني في بعض كُتبه، وحسَّنه في بعضها[4].

قوله ﷺ: إذا تزوّج أحدُكم امرأةً، أو إذا اشترى خادمًا؛ فليقل، إذا تزوّج هذا مُعلَّق على شرطٍ، فيقوله إذا وقع له ذلك، إذا تزوّج، يعني: إذا تزوّج امرأةً أولى، أو ثانية، أو ثالثة، أو رابعة؛ فإنَّه يقول ذلك، أو اشترى خادمًا، أو اشترى دابَّةً، يقول ذلك بهذه المناسبات.

يقول: اللهم إني أسألك خيرها يعني: يا الله، اللهم إني أسألك خيرها، الخير كلّه بيد الله -تبارك وتعالى-، ومن ثم فإنه ينبغي اللجوء إليه بسؤال الخير، والبركة، والتَّوفيق، والسَّداد، وما إلى ذلك، فأوائل مثل هذه الأمور لها ما بعدها، فإنَّ الرجل إذا تزوَّج امرأةً؛ فهذه تكون أمَّ ولده، وأعظم العِشرة ما يكون بين الزوجين، فيحصل له بمُعاشرتها من أنواع المنافع، والمسارّ، والمحابّ، وقد يحصل له خلاف ذلك، ومن ثم فهو بحاجةٍ إلى اللجوء إلى الله -تبارك وتعالى-.

ولذلك من الخطأ الفاحش الكبير: أن يفتتح الناسُ مبدأ ذلك، أن يجعلوه بمعصية الله -تبارك وتعالى-، هذا غلطٌ، الإنسان يُرجِّي ألطاف الله -تبارك وتعالى-، وأن يُوفّقه، وأن يُسدده، وأن يرزقه قرّة عينٍ، ثم بعد ذلك في ليلة الزواج أنواع المنكرات: يُؤتى بالمغنّين، أو المغنيات، وكذلك أنواع المنكرات في تلك الليلة، وتضييع الأموال، والتَّبذير، والإسراف، والتَّصوير بأنواعه.

أصبحت هذه ثقافة للأسف، ومَن يُنكرها يكون ذلك محلّ الاستغراب، وهذا –للأسف- حينما يسكت الناسُ عن إنكار المنكر، تأتي للزواج، ثم تُفاجأ أنَّ من هؤلاء مَن يطلب أن يصور معك، يريد أن يضع ذلك في بعض وسائل التَّواصل، وهذا أمرٌ يتكرر، ولربما في الأسبوع الواحد أكثر من مرة، يأتيك بكل جرأةٍ، ويقول: ممكن تقف معي نتصور مع بعضٍ؟ أريد أن أضعها في وسائل التَّواصل.

فالمقصود -أيها الأحبة- أنَّ الإنسان يبدأ بدايةً صحيحةً، وصحة المقدّمات مُؤذن بصحة النتائج والعواقب بإذن الله -تبارك وتعالى-، فإنَّ المبادئ إذا كانت مُعوجةً جاءت النتائج معوجةً.

وكذلك أيضًا ما يفعله بعضُهم من السَّفر إلى بلادٍ يظهر فيها المنكر ويُعلن بأي اسمٍ كانت، يعني: حتى لو قيل: بلاد إسلامية، إذا كانت لا تُطبق شرع الله -تبارك وتعالى-، وتظهر فيها أنواع المنكرات وتُعلن، ولا يستطيع أن ينكر، ويذهب إليها برجله، ويُسافر آلاف الأميال حتى يصل إليها، ويرى ما لا يحلّ رؤيته في المطارات، وفي كل مكانٍ، وفي أماكن النّزه، يرى أنواع المنكرات التي لا قبلَ له بها، ولا يستطيع أن يُغير شيئًا، ولا أن يُنكره، هو الذي سافر إليه، وجاء إليه.

والإنسان لا يجوز أن يقصد مواضع المنكر، وأماكن المنكر، وهي لو كانت كرمية حجرٍ بالنسبة إليه، قريبة جدًّا، يجب عليه أن يبتعد عنها، فكيف يُسافر ويقصد الأماكن التي تظهر فيها أنواع المنكرات؟! وكيف يكون لهذا الإنسان بالٌ وسعةٌ في الخلق والصّدر، وهو يُشاهد المعاصي تظهر، والمنكرات تُعلن؟!

هذا المكان لا يستطيع أن يعيش فيه إطلاقًا، يضيق صدره وينقبض، ويريد الفرارَ منه بأقرب لحظةٍ، فكيف هذا يضحك بملء فيه، ويأكل، ويأنس، ويمرح، ويأخذ هذه المرأة التي ربما ما رأت شيئًا من ذلك في حياتها، نشأت على السّتر والصيانة، ثم بعد ذلك ترى ما لا قبلَ لها به، وهو يرى أيضًا ما لا قبلَ له به؟! ولربما رأى ما يُزهده فيها، وفي عشرٍ من أمثالها؛ من حيث الهيئة، والصُّورة، والقوام، والشَّكل، ولكنَّهم لا يعقلون، لو كانوا يعقلون هذا المعنى ما ذهبت معه، وما طاوعته؛ لأنَّه يرى شيئًا، وترى شيئًا لا يمكن أن تُدركه؛ لأنَّ هؤلاء كأنما خُلقوا للدنيا، أعني: أولئك كأنما خُلقوا للدنيا، فهي مُبتغاهم، وغايتهم، بينما المؤمن ليس كذلك، المؤمن يعيش لغايةٍ كبرى: من عبادة الله، وطاعته، أمَّا هؤلاء فلا يقفون عند شيءٍ، وعمليات التَّجميل تعمل في كل جزءٍ من أجزائهم، وفي غاية إظهار المفاتن والزينة، والتَّبرج، ونحو هذا، فيرى ما لا يمكن لامرأته أن تُجاريه، وأن تتصنع له بعُشر معشاره، هذا لو كان من ناحية العقل المعيشي، بصرف النَّظر عن الشَّرع وحكم الشَّرع، العقل المعيشي.

هذا الرجل قد انبهر؛ يتلفت يمنةً ويسرةً، ويرى أشياء، فيرثي لحاله وحظِّه، وما مُني به، مُقارنةً بهؤلاء الذين يُشاهد ويرى، فهذا غير صحيحٍ، كيف الإنسانُ يُؤمّل، وكيف المرأةُ تُؤمّل أن يُؤْدَم بينهما، وأن يكون هناك وفاقٌ، والتئامٌ، وهم يبدؤون بالمعصية؟! ومعصية من أي نوعٍ؟ من النوع الذي يُزهده فيها، فيرجع وقد تغير عليها، ورأى محاسنَها مساوئ، وغاب عنه أنها نشأت في عفافٍ، وسترٍ، وصيانةٍ، وأنَّ هذه امرأة طيبة، مُؤمنة، صالحة، تقيّة، خيرٌ له من ملء الأرض من أولئك المتبرجات، ولكن نسأل الله الهدايةَ للجميع.

المقصود: أنه يقول منذ البداية، يلجأ إلى الله: اللهم إني أسألك خيرها، خير هذه المرأة مما يتَّصل بأخلاقها، وحُسن مُعاشرتها، وحفظها لزوجها، وصيانتها لبيتها، ولولدها، ونجابة الولد، وما يكون ناشئًا عن هذه المرأة مما يتَّصل بحقوقه، وما يصل إلى مَن يحتفّ به من أهلٍ، ونحو ذلك، فهذه المرأة قد تكون مصدرًا لكل خيرٍ؛ قد تكون سببًا لحفظ ماله، وقد تكون سببًا لإتلاف ماله، امرأة متلافة، لا يقع في يدها شيء إلا أتلفته.

وكذلك قد تكون هذه المرأة سببًا لصلة رحمٍ، وحُسن برٍّ، وإحسانٍ إلى والديه، وقد تكون سببًا للقطيعة؛ فتحول بينه وبين أهله وقرابته؛ فيقطعهم، ويصرم حبال الودِّ معهم من أجل إرضائها.

هنا اللهم إني أسألك خيرها، خير هذه المرأة: أن تكون حافظةً لفرجها، تصون فراشَه، ونحو ذلك.

وخيرَ ما جبلتَها عليه الجبلة يعني: الخلقة، يعني: ما فطرتَها عليه، وطبعتَها عليه، فالإنسان يُطبع على الصَّلاح، يُطبع على الخير، يُطبع على أخلاقٍ فاضلةٍ، فأشجّ عبد القيس حينما قال له النبيُّ ﷺ: إنَّ فيك خصلتين يُحبّهما الله: الحلم، والأناة، سأل النبيَّ ﷺ: هل هذا شيء جبله اللهُ عليه، أو أنَّه تخلَّق به هو؟؛ لأنَّ الأخلاقَ منها ما هو مُكتسبٌ، ومنها ما هو مجبولٌ، فقال: بل شيءٌ جبلك اللهُ عليه، فقال: الحمد لله الذي جبلني على ما يُحبّ[5].

فهذه المرأة تُوجد فيها أخلاق حسنة جُبلت عليها: صفات حميدة، فطرة طيبة، وتوجد فيها أيضًا نفس أمَّارة، ويوجد فيها هوًى.

من الناس مَن يُجبل على العين، هكذا، كأنَّه خُلِقَ لهذا، لا يكاد يرى شيئًا إلا أعطبه، وبعضهم يحكي عن نفسه هذا.

وقد سمعتُ هذا من بعض الرِّجال، ومن بعض النِّساء، يقولون: ماذا نصنع بأنفسنا؟! لا تكاد تقع عينُه على شيءٍ إلا أتى عليه -نسأل الله العافية-، هذا من الشَّر.

من شرِّها وشرِّ ما جبلتَها عليه فيسأل خيرها، قد تكون هذه المرأةُ من النوع الذي يحمل الأحقادَ في قلبه، والضَّغائن، فتتحامل عليه، ولربما أورثته الهموم، والأمراض، والكآبة، والضّيق، والضَّغط، والسّكر، ويتصرم العمر ويمضي وهو على حسراتٍ، تُصبّحه بها، وتُمسّيه.

أعوذ بك من شرِّها وشرِّ ما جبلتَها عليه، أسألك خيرَها وخيرَ ما جبلتَها عليه فيسأل ربَّه هذا: يستعيذ من الشُّرور، ويسأل ربَّه الخير؛ فيكون بذلك مسلمًا من الآفات، محصلاً لما يُؤمّله ويطلبه، فإنَّ الإنسان -أيها الأحبة- إنما تزوج ليسعد، تزوج من أجل أن يحصل حياةً أفضل مما كان عليه، كان عند أبيه وعند أمِّه مُنعمًا، فهو يطلب حياةً أفضل وأكمل، ثم بعد ذلك تتحول الحالُ إلى أضداد ذلك، هذا أمرٌ غير مطلوبٍ إطلاقًا، ولا مرغوب لأحدٍ.

وهكذا المرأة إنما تتزوج لتسعد، هي بين أبوين يدفعان عنها الأذى، ويفديانها بالأنفس والمهج، ثم بعد ذلك تذهب إلى زوجٍ، فقد تكون مع هذا الزوج في حالٍ من الضيق، والألم، والحسرة.

ولذلك أقول: القاعدة -أيّها الأحبّة- لمن تزوّج، أو سيتزوج: إن لم تستطع أن تنقل هذه المرأة إلى حالٍ أفضل وأكمل وأسعد مما كانت عليه عند أهلها، فقد كانت تُؤمّل ذلك، فأحسنت الظنَّ بك، وقبلت، فإن لم تستطع، فلا أقلّ من أن تُبقيها في حالٍ كما كانت عند أهلها، أمَّا العكس: أن تكون إلى انحدارٍ، وهبوطٍ، وتراجعٍ فهذا غير مقبولٍ، ولم تتزوج المرأةُ لهذا.

ونقول للنِّساء كذلك: هذا الرجل اختارك على نساء العالمين، إحسان الظنّ بك أنَّكِ تُحققين مطالبه، وتُحققين له السَّعادة، فإن لم تستطيعي أن تجعليه أسعد مما كان عند أبويه، فلا أقلّ من أن تجعليه بنفس المستوى من السَّعادة، أقل شيءٍ، أمَّا أن تتحول حياتُه إلى نكدٍ وكبدٍ، ثم ينصح غير المتزوجين دائمًا: إياكم أن تتورَّطوا بالزواج. بناءً على ماذا يقول هذا؟ بناءً على هذا النَّكد الذي يلقاه من هذه المرأة، بخلاف بعضهم.

من طرائف بعض الظُّرفاء: سألته حينما تزوّج، ودعوتُ له، فقلتُ له: منذ متى تتمنى أنَّك قد تزوَّجت؟ قال: قبل أن أُولد. طبعًا هذا لا يُعقل، لكن هذا يُعبر عن غبطته بهذه المرأة وسعادته، قال: قبل أن أُولد.

بينما نسمع آخر يُوصي العزَّاب وغير المتزوجين: إياك أن تتورط فتتزوج. هو يُعبر عن حالٍ يعيشها، ويُكابدها، يُصبحها، ويُمسيها:

أطوف ما أطوف ثم آوي إلى بيتٍ قعيدته لكاع[6]

فعلى كل حالٍ، هو يسأل ربَّه هذا، ويستعيذ، إذًا مبدأ الحياة -أيها الأحبة- الصَّحيح أن تبدأ بطاعة الله، والتَّضرع إليه، وصدق اللجوء إليه، لا أن تبدأ بالمعصية، ثم ننتظر التَّوفيق، وننتظر حُسن الصِّلة، والعِشرة، والحياة الكريمة، المسددة، الطّيبة، تطلب من الله التَّوفيق، وتبدأ بمعصيته! تقول: يا ربّ، وفّقني، هذا أمرٌ غير معقولٍ، الإنسان يستحي من مثل هذا.

فهذا الحديث يدلّ على مشروعية التَّعوذ بالله والالتجاء إليه في مثل هذا المقام.

وكذلك إذا اشترى بعيرًا فليأخذ بذروة سنامه، يعني: أعلى السّنام، عبَّر هنا بالبعير؛ لأنَّ البعير يشمل الذكر والأنثى، فالنَّاقة يُقال لها: بعير، والجمل يُقال له: بعير، فالبعير مثل الإنسان، الإنسان: رجل وامرأة، البعير: الناقة والجمل، لكن لو قال: الجمل؛ لكان ذلك يتوجّه إلى الذكر خاصَّةً.

فهنا: إذا اشترى بعيرًا يعني: يشمل النَّوعين، فليأخذ يعني: حينما يُريد أن يدعو، بذروة سنامه بأعلى السَّنام.

قال بعضُ أهل العلم: يضع اليدَ اليُمنى؛ لأنَّها في مثل هذه المقامات تُقدّم، ثم بعد ذلك يدعو بمثل هذا الدُّعاء: اللهم إني أسألك، إن كانت ناقةً قال: خيرَها وخير ما جبلتَها عليه، وأعوذ بك من شرِّها وشرِّ ما جبلتَها عليه، وإذا كان جملاً: اللهم إني أسألك خيرَه وخيرَ ما جبلتَه عليه، وهكذا يقول.

وكذلك إذا ملك خادمًا فإنَّه يقول ذلك.

ولاحظوا هنا أنَّه ذكر البعير: إذا اشترى بعيرًا، وهنا يمكن أن يُقال: إنَّ ذلك يشمل البعير وسائر الدَّواب، يعني: لو اشترى فرسًا فكذلك، لو اشترى حمارًا، أو بغلاً، لو اشترى سيارةً؛ فإنَّ المقصود مُتحقق بهذا -والله تعالى أعلم-، وهذا باعتبار أنَّ المقصود الملاءمة، وتحقيق ما كان يُؤمّله من هذه الدَّابة مثلاً، ويندفع عنه الشَّر الذي يُحاذره.

وأمَّا ما ذكره بعضُ أهل العلم باعتبار أنَّ ذلك يقوله في البعير خاصةً، باعتبار أنَّ الإبل جاء أنها خُلقت من الجنِّ، وكذلك أنَّ الجنَّ تتبعها، وكذلك هي في معاطنها، فلا يُصلَّى في معاطن الإبل، وأُمرنا بالوضوء من أكل لحمها.

قال شيخُ الإسلام: بأنَّ العلة في ذلك ما فيها من هذه الطَّبيعة؛ حيث خُلقت من الجنِّ، فهي فيها هذه الحرارة، والجنّ خُلقوا من النار، من مارجٍ من نارٍ، فإدمان أكل لحوم الإبل يُورث شيئًا من طباعها: من الجفاء، والشدّة، والغلظة، ونحو ذلك، والنَّار يُناسبها الماء، فأُمرنا بالوضوء بعد أكل لحم الإبل؛ ليُخفف ذلك أثرَها.

هكذا قال شيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-[7].

وبعض أهل العلم يذكر غيرَ هذا، لكن هذه تُسمّى: علّة مُستنبطة، يعني: ليست علّة نصيّة، لم ينصّ عليها النبيُّ ﷺ: أنَّ الوضوء من أجل كذا، لكن العلماء يستنبطون، وقد تكون هذه العلّة صحيحةً، أو غير صحيحةٍ.

وقد ذكر الحافظُ ابن عبدالبرّ -رحمه الله- أنَّ ذلك لا يختصّ بالإبل -كما ذكرتُ-، وإنما يُقال في عموم الحيوان الذي يشتريه؛ لأنَّه يطلب البركة، وهذا من الخير المرغوب فيه، وذكر هذا الاحتمال الآخر مما يتعلّق بالإبل، وأنها خُلقت من الجنِّ، لكنَّه حمل خلقَها: أنها خُلقت من الجنِّ، أعني: ابن عبدالبرِّ -رحمه الله- حافظ المغرب، حمل ذلك على معنى التَّشبيه بحدة الجنِّ وصولتهم، يعني: لا في أصل خلقها، يعني: بمعنى أنَّ الجنَّ فيهم صولة، وفيهم حدّة، وفيهم طيش وخفّة، والإبل فيها مثل هذا، فهي تثور، ولربما يحصل لها هيجان، وتُؤذي مَن في معاطنها، ونحو ذلك، ومُلابستها يحصل بسببها من طباعها وأخلاقها: من الجفاء، والرّعونات، والغلظة، والفظاظة، كما ذكر النبيُّ ﷺ بأنَّ الغلظة في الفدادين من ربيعة ومضر، وذكر الذين يتبعون أذنابَ الإبل[8]، فهذه الإبل لها صولة إذا هاجت.

فابن عبدالبرِّ يقول: هذا معنى كونها خُلقت من الجنِّ، يعني: هناك نوعٌ من المشابهة، والله تعالى أعلم[9].

هذا ما يتعلق بهذا الحديث، ويُقال أيضًا ذلك فيمَن اشترى سيارةً، لكن هل يضع يدَه -بالنسبة للسيارة- على مقدّمها كالمرأة، يضع يدَه على ناصيتها، والنَّاصية هي مقدّم الشيء، لكن بالنسبة للمرأة يُلاحظ أنَّ هذا أعلى جزءٍ فيها، لكن بالنسبة للإبل: هل ناصية البعير مثلاً هي أعلى شيءٍ فيه، أو السّنام؟ الأصل أنَّ السَّنام هو أعلى جزءٍ فيها، فيضع يدَه على ذلك، ففي السَّيارة هل يضع يدَه على مقدّمها، أو يضع يدَه على أعلاها؟ فإذا قستَه على الدَّابة -باعتبار أنها دابَّة- تقول: يضع يدَه على أعلاها، وإذا قستَه على المرأة تقول: يضع يدَه على ناصيتها، وإلحاقها بالدَّابة أقرب وأولى.

والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

 

  1. أخرجه أبو داود في "سننه": كتاب النكاح، بابٌ في جامع النكاح، برقم (2160)، وقال مُحققه: حسن.
  2. أخرجه ابنُ ماجه في "سننه": كتاب التجارات، باب شراء الرقيق، برقم (2252)، وقال مُحققه: حسن.
  3. انظر: "الأذكار" للنووي (ص284).
  4. انظر: "مشكاة المصابيح" للألباني، برقم (2446).
  5. أخرجه أبو داود في "سننه": كتاب الأدب، بابٌ في قبلة الرجل، برقم (5225)، وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (ص219).
  6. انظر: "الأوائل" للعسكري (ص160).
  7. انظر: "القواعد النورانية" لابن تيمية (ص27).
  8. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق، باب خير مال المسلم غنمٌ يتبع بها شعف الجبال، برقم (3302)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان فيه، ورجحان أهل اليمن فيه، برقم (51).
  9. انظر: "الاستذكار" لابن عبدالبرِّ (5/538).

مواد ذات صلة