الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
(268) الدعاء لمن قال غفر الله لك والدعاء لمن صنع إليك معروفا
تاريخ النشر: ٠٣ / ربيع الأوّل / ١٤٣٦
التحميل: 1876
مرات الإستماع: 1506

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،

هذا باب "الدعاء لمن قال: غفر الله لك"، وذكر فيه حديثَ عبدالله بن سرجس ، قال: أتيتُ رسولَ الله ﷺ فأكلتُ من طعامه، فقلتُ: غفر اللهُ لك يا رسول الله، قال: ولك.

الراوي عن عبدالله بن سرجس هو عاصم الأحول، يقول: قلتُ، أو قاله غيره -غير الراوي عنه-، قال له رجلٌ -هذا يحتمل-: استغفر لك؟ قال: نعم، ولكم، فقال: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19][1]، فالنبي ﷺ يستغفر لأُمَّته.

في روايةٍ لمسلمٍ قال: رأيتُ النبيَّ ﷺ وأكلتُ معه خبزًا ولحمًا. أو قال: ثريدًا. قال: فقلتُ له. يعني: الرَّاوي يسأل عبدالله بن سرجس : استغفر لك النبيُّ ﷺ؟ قال: نعم، ولك. ثم تلا هذه الآية: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ.

قال: ثم درتُ خلفه -خلف النبي ﷺ- فنظرتُ إلى خاتم النُّبوة بين كتفيه، عند ناغض كتفه اليُسرى، جُمعًا، عليه خيلان كأمثال الثَّآليل[2].

هذا الحديث أخرجه الإمامُ مسلم في "صحيحه"، ورواه أحمد[3] وغيره.

قوله هنا للنبي ﷺ: "غفر اللهُ لك يا رسول الله"، وهنا أكل مع النبي ﷺ، كما في رواية مسلم.

قول الإنسان للنبي ﷺ: "غفر الله لك" لا شيء فيه؛ لأنَّ الله -تبارك وتعالى- قال: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، والنبي ﷺ قد غُفر له ما تقدّم من ذنبه، وما تأخَّر[4]، وقد يكون ذلك مبناه على جملةٍ من الأمور:

منها: استغفار المؤمنين، واستغفار النبي ﷺ لنفسه، وهكذا يكون هذا الاستغفارُ لرسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- رفعةً له في الدَّرجات، ويكون أيضًا قُربةً للمُستغفر، والله -تبارك وتعالى- يقول: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، اللهم صلِّ وسلِّم عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فصلاة الملائكة على العبد بمعنى: الاستغفار، وقوله هنا -وهو الشاهد- حينما قال للنبي ﷺ: "غفر الله لك يا رسول الله"، فقال النبي ﷺ: ولك، فإذا قيل لك: غفر اللهُ لك؛ فيكون الجوابُ: ولك، وليس في هذا ما يكون مُوجِبًا للنُّفور، فإنَّ من الناس مَن يظنّ أنه إنما يُوجّه للمُخطئ والمسيء والمذنب، ونحو ذلك، بينما هو دعاء له بالمغفرة، فيكون الردُّ هكذا: ولك.

وفي الرِّواية الأخرى يقول: أكلتُ معه خبزًا ولحمًا. أو قال: ثريدًا. والخبز واللَّحم هو الثَّريد، إذا خُلط فذلك هو الثَّريد، لكن الرَّاوي شكَّ: هل عبَّر بالثريد، أو قال: أكلتُ خبزًا ولحمًا؟

قوله: "ثم درتُ خلفه، فنظرتُ إلى خاتم النبوة بين كتفيه، عند ناغض كتفه اليُسرى"، يعني: كأنَّه يميل إلى ناحية الشِّمال، وناغض الكتف يعني: أعلى الكتف الأيسر، وبعضُهم يقول: العظم الرَّقيق الذي يكون على طرف الكتف. وبعضهم يقول: هو الجزء أو النَّاحية التي تتحرك، أو تظهر عند الحركة، فقيل له: ناغض لتحرّكه، إذا تحرَّك الإنسانُ يتحرّك ناحية من كتفه، فهذا هو النَّاغض.

فالمقصود أنَّ خاتم النبوة في ظهره ﷺ في الأعلى، إلى ناحية الكتف الأيسر.

يقول: "جمعًا، عليه خيلان"، يعني: أنَّ صورته -صورة هذا الخاتم- بهذه الهيئة: "جمعًا"، والجمع يُقال للكفِّ إذا قُبضت أصابعها، فهو بهذه الصُّورة، يعني: أنَّ هيئته وشكله ليس بهذا الحجم، لا، وإنما بهذه الصُّورة: "جمعًا".

"عليه خيلان كأمثال الثَّآليل"، والخيلان: جمع خال، وهي الشَّامة في الجسد، معروفة، والثَّآليل: هي حُبيبات تكون على ظاهر الجلد، لا تخفى.

فالحاصل أنَّ مَن قيل له: غفر الله لك؛ فإنَّ جوابه يكون: ولك.

الحديث الآخر في الباب الذي بعده، وهو باب "الدُّعاء لمن صنع إليك معروفًا"، ذكر فيه أيضًا حديثًا واحدًا، وهو حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ الله ﷺ: مَن صُنع إليه معروفٌ، فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا؛ فقد أبلغ في الثَّناء.

هذا الحديث أخرجه الترمذي، وقال: حسنٌ، جيدٌ، غريبٌ[5].

والحافظ ابن حجر -رحمه الله- أشار إلى أنَّه حسنٌ[6].

وقال المنذري: إسناده صحيحٌ، أو حسنٌ، أو ما قاربهما[7].

وصححه جماعةٌ: كالسيوطي[8]، ومن المعاصرين الشيخ ناصر الدين الألباني[9]، والشيخ عبدالعزيز بن باز -رحم الله الجميع.

وقال الإمام البُخاري -رحمه الله- في "العلل الكبير": مُنكر[10].

على كل حالٍ، قوله ﷺ: مَن صُنع إليه معروفٌ يعني: أُحسن إليه بعطاءٍ مادّيٍّ: من هبةٍ، وهديةٍ، ونحو ذلك، طعام، كسوة، أو جلب مصلحةٍ، أو دفع مضرَّةٍ؛ كأن يكون ذلك بشفاعةٍ، أو غيرها، وهكذا المعروف المعنوي: كالتَّعليم، ونحو ذلك، فهذا كلّه من المعروف، يعني: أيّ معروفٍ، سواء كان حسيًّا، أم معنويًّا، مَن أسدى إليك معروفًا: مَن صُنع إليه معروفٌ، فالمعروف يشمل الإحسان.

مَن أُحسن إليه، فكافأه بهذا القول: جزاك الله خيرًا، فقد أبلغ في الثَّناء، "أبلغ في الثناء" يعني: أنَّه بلغ فيه مبلغًا عظيمًا، فهذا قد وكّل جزاءه على ربِّه -تبارك وتعالى-، والله يجزي مَن أحسن عملاً، "جزاك الله خيرًا" أي: خير الجزاء، أو أعطاك خيرًا من خيري الدنيا والآخرة، والتَّنكير هنا للتَّعظيم: "جزاك الله خيرًا"، أي: عظيمًا، كثيرًا، فهذا يكون قد بالغ في أداء الشُّكر، وذلك أنَّه اعترف بالتَّقصير، عاجز عن ردِّ هذا الإحسان والمكافأة، وهو أيضًا عاجزٌ عن الثَّناء عليه، ففوَّض جزاءه إلى ربِّه -تبارك وتعالى- ليجزيه الجزاء الأكمل والأوفى.

ولهذا قال بعضُهم: إذا قصرت يداكَ بالمكافأة، فليطل لسانك بالشُّكر والدُّعاء بالجزاء الأوفى: أسأل الله أن يجزيك خيرًا، جزاك الله عني خيرًا، ونحو ذلك من العبارات، فتكون قد بالغت في الثَّناء على ذلك المسدِي إليك معروفًا، وجازيتَه بجزاءٍ حسنٍ، وأحلتَه إلى ربٍّ كريمٍ يجزي المحسنين، ويزيدهم في الجزاء، ويُضاعف ذلك لهم، فهو شكورٌ ، وإذا جازى الله  العبدَ الجزاء الحسن فلا تسأل عن حاله بعد ذلك، وما يلحقه من خيري الدنيا والآخرة.

فهذا الحديث فيه مشروعية الدُّعاء لمن فعل إليك معروفًا، سواء كان حسيًّا، أم معنويًّا، وهذا من كمال هذه الشَّريعة فيما يتَّصل بالتَّعامل مع الناس، ومُراعاة المشاعر، والردّ الجميل، والاعتراف بالإحسان، ونحو هذا مما يمكن أن يدلّ عليه هذا الموضع.

والنبي ﷺ قد أمر أُمَّته بالمكافأة على صنائع المعروف: مَن صنع إليكم معروفًا فكافئوه[11]، كافئوه سواء كان مسلمًا أم كافرًا، يُكافأ بالمثل بهديةٍ ونحوها، لكن المكافأة تكون بحسب الحال، قد لا تستطيع أن تُكافئه لقلّة ذات اليد، أو لأنَّه أعطاك شيئًا لا تستطيع أن تردّ مثله، أو أن يكون مثل هذا لا يُردّ عليه، كالعُظماء، ونحو ذلك من الناس، فلا يمكن أن تأتي وتُقدّم له هديةً في مقابل هديته، فإنَّه قد يرى ذلك إزراءً به.

فمثل هذه الأمور على كل حالٍ لا تخفى، وتُراعى، لكن من الناس مَن يمكن أن يُكافأ بالدُّعاء، ولا يقبل أن تُكافئه بمالٍ، أو عطيَّةٍ، ونحو ذلك، ومن ثم فإنَّه يُدْعَى له.

يقول النبي ﷺ: فادعوا له، فإن لم تجدوا ما تُكافئوه فادعوا له حتى تروا أنَّكم قد كافأتموه[12]، تقول: جزاك الله خيرًا، ويمكن أن يُزاد على هذا في الدُّعاء.

وانظر إلى فهم أهل العلم، وإلى نظرهم في مثل هذا الباب، ينقل الإمامُ أحمد -رحمه الله- عن وهب بن مُنبه: أنَّ ترك المكافأة من التَّطفيف[13]: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ۝ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ۝ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:1-3]، هو يأخذ ويستقبل دائمًا هدايا، وإحسان الناس، وعطايا، وهبات، ولا تسمع كلمة!

الرجل قد تُحسِن إليه امرأتُه -لا نذهب بعيدًا- تتعب، وتقضي نهارًا طويلاً في صنع الطَّعام، وتتزين، وتُهيئ الدار، وتُربي الصِّغار، وتقوم على حاجاته وشؤونه، وتتعب، بعض النساء تقول: منذ تزوّجتُه ما سمعتُ كلمةً واحدةً، ما سمعتُ كلمةً واحدةً تدلّ على مشاعر. يقول لها: جزاكِ الله خيرًا، هذا اللباس جميلٌ، أشكركِ على هذا الاهتمام، البيت نظيف، البيت مُرتَّبٌ، الأولاد في حالٍ مرضيةٍ، هذا الطَّعام جيد، تعبتِ في صنعه. أبدًا، لسان الحال: حقٌّ واجبٌ، وإن لم ينطق به.

وكذلك أيضًا المرأة مع زوجها: قد يكون هذا الرجلُ يُحسِن إليها، ويُعطيها المالَ وما تحتاج إليه، ويتعاهدها بصنائع المعروف، ويذهب بها إلى الحجِّ، وتحجّ، ويصبر، ويتحمّل؛ لأنَّ الرجل إذا حجَّ مع امرأةٍ يحتاج أن يُراعي أوقات الذَّهاب، والانصراف، والمجيء، والرَّمي، وغير ذلك؛ لأنَّه يحمل همًّا، يخشى أن تمرض، وأن تتعب، المرأة ضعيفة، يخشى أن يحصل لها من العذر ما يعوقها عن أداء النُّسك، ونحو هذا، هو لا يطمئنّ إلا إذا ركبت في الطَّائرة في العودة، وربطت الحزام؛ شعر بالاطمئنان، أمَّا قبل ذلك فالرجل يشعر بالقلق دائمًا؛ تخوُّفًا وتحسُّبًا أن ينالها مكروهٌ: أن تمرض، أن يحصل لها ما يعوقها، ويذهب بها، ويطوف بها المشاعر، ويُراعيها في الأوقات، ويتأخّر في الانصراف والرجوع من أجل ألا تطوف في الزحام، وألا ترمي في الزِّحام، ولربما رمى ليلاً من أجلها، ويذهب بها، ويرجع، لا يسمع كلمةً واحدةً! ما تقول له: جزاكَ الله خيرًا، أحسنتَ، ما قصّرتَ. كأنَّه لم يفعل شيئًا، لسان الحال: حقٌّ واجبٌ، هل هذا يليق؟!

وهكذا يذهب بها في المواسم: في العمرة في رمضان، أو في غير رمضان، أو في الإجازات، يذهب بها هنا وهناك، يُنزهها، ويذهب بها إلى المدينة، أو نحو ذلك، ويذهب ويقضي معها أسبوعًا، أو أقلّ، أو أكثر، ويرجع، لا يسمع منذ خرج من بيته إلى أن رجع، إلى أن يبقى إلى يوم القيامة، ما يسمع كلمةً واحدةً! تقول له: أشكركَ على هذا، جزاكَ الله خيرًا، أحسنتَ، أحسن اللهُ إليك. أبدًا، كأنَّ شيئًا لم يكن.

هذا ما يصحّ، هذا من التَّطفيف، كلمة لا تضرّ، كلامٌ ليس له ثمنٌ، يعجز الإنسانُ أن يقول كلمةً يُعبّر فيها عن مشاعر حسنةٍ، مشاعر طيبة، فهذا من الجفاء، هذا من قلّة المعروف، الإنسان الكريم الحرّ إذا أحسن إليه أحدٌ أدنى إحسانٍ؛ أسره طول العمر، يشعر أنَّه يُطوقه هذا الإحسان في عنقه، لا يستطيع أن ينظر إليه، لا ينساها له أبدًا، والبعض مهما يقدّم له كأنَّ شيئًا لم يكن، لسان الحال: حقٌّ واجبٌ.

قد تتابع الهدايا على شخصٍ، إنسان من عادته أن يُهدي الناسَ، فيُعطي كثيرين، هو لا ينتظر منهم جزاءً، ولا شكورًا، هذا هو الواجب، لكن من الناس مهما يكون من الإحسان إليه فإنَّك لا تسمع منه كلمةً واحدةً تدلّ على شعورٍ حسنٍ، يأخذ ولا يتكلم، ما تسمع كلمةَ: جزاك الله خيرًا، مع أنَّ الإنسان لا ينتظر هذا.

وقد ذكرتُ في بعض المناسبات كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في التَّعليق على قوله -تبارك وتعالى-: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان:9]، شيخ الإسلام يقول: مَن أحسن إلى الناس وهو ينتظر منهم الثَّناء أو الدُّعاء؛ فليس ممن ذكر الله ووصف: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا[14].

الذي يريد منهم وينتظر الثَّناء وإلا يقطع الإحسان، أو يغضب، أو يتضايق، أو يقع في نفسه تجاههم، أو يطلب منهم بوسيلةٍ أو بأخرى، قد يكون هذا الإنسانُ يتبرع لمؤسسات خيرية، أو غير ذلك، ثم بعد ذلك يطلب منهم، يقول: تضعون اسمنا على المشروع، تضعون اسمنا على ورقة الإعلان للمُحاضرة، أو للبرنامج، أو المخيم، أو المكتب التَّعاوني، أو غير ذلك، ضع اسمي: فلان ابن فلان. هذا ما يجوز، أو أنَّه يطلب منهم أن يُعطوه شيئًا: يُعطوه درعًا، فيضعه في المكتب، أو على الأقلّ أن يكتبوا له خطابًا يشكرونه فيه، ولربما طلب صراحةً، مباشرةً، أو مَن عنده ممن يحتفّ به: مدير المكتب، أو غير ذلك: اكتبوا لنا خطابَ شكرٍ. هؤلاء ليسوا كما قال الله: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا، فلا تنتظر من الناس شيئًا.

ولهذا عائشة -رضي الله عنها- كانت إذا بعثت الجاريةَ أو نحو ذلك تقول: "انظروا ما يقولون"، إذا بعثتهم بشيءٍ: طعامٍ، أو نحو ذلك، "انظروا ما يقولون، فقولوا لهم مثلما قالوا"، يعني: إذا قالوا: جزاكم الله خيرًا، قولوا: بل أنتم جزاكم الله خيرًا؛ من أجل ألا نكون قد كُوفئنا على هذا، إنما نريد ما عند الله -تبارك وتعالى-[15].

والإمام أحمد -رحمه الله- قال في رجلٍ له على رجلٍ معروف وأيادٍ، قال: ما أحسن أن يُخبر بفعاله ليشكره الناس ويدعون له[16].

قال النبي ﷺ: مَن لا يشكر الناسَ لا يشكر الله[17]، هذا بالمقابل، الإنسان لا يكون مُتبلد الحسّ، إذا صُنع إليه المعروف يذكر هذا، لا سيما ممن عُرف بالعمل الجليل، والإحسان الكثير، أنَّ هذا يُذكر، يقول: هذا الرجل يُحسن إلى الناس، هذا الرجل أحسن إليَّ، أو نحو ذلك، والله -تبارك وتعالى- يُحبّ أن يُشكر ويُحمد، والنبي ﷺ أحبَّ الشُّكر.

والحافظ ابن القيم -رحمه الله- في "زاد المعاد" يقول: كان النبيُّ ﷺ يدعو لمن تقرَّب إليه بما يُحبّ، وبما يُناسب؛ يعني: يدعو للشَّخص بما يُناسبه، بما يصلح لمثله، يقول: فلمَّا وضع له ابنُ عباسٍ وضوءَه قال: اللهم فقهه في الدِّين، وعلِّمه التَّأويل[18].

هذا شابٌّ صغيرٌ، فتى في غاية الذَّكاء والحذق: اللهم فقهه في الدِّين، وعلِّمه التَّأويل، فيُمكن أن يُدْعَى بمثل هذا، أو بغيره.

وإذا كان الإنسان مريضًا يُدْعَى له بالشِّفاء، وإذا كان هذا الإنسانُ ربما يُعاني من أمرٍ من الأمور، يُدْعَى له به، كأن يكون هذا الإنسانُ مثلاً ما يُرزق بالذّرية؛ فيُدْعَى له بالذّرية، تكون هذه المرأة ما تُرزق بالذّرية؛ يُدْعَى لها بذلك، وهكذا مع كلٍّ بما يُناسبه -والله تعالى أعلم.

انظروا إلى عظمة هذه الشَّريعة، نسأل الله أن يُحيينا عليها، وأن يُميتنا عليها، وأن يُحْسِن لنا وإياكم العاقبةَ في الأمور كلِّها.

والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

  1. أخرجه النَّسائي في "عمل اليوم والليلة": باب النَّهي عن أن يُقال للمُنافق: سيدنا، برقم (10054)، وصححه الألباني في "مختصر الشمائل"، برقم (20).
  2. أخرجه مسلم: كتاب الفضائل، باب إثبات خاتم النبوة، وصفته، ومحلّه من جسده -صلى الله عليه وسلم-، برقم (2346).
  3. أخرجه أحمد في "مسنده"، برقم (20778)، وقال مُحققه: إسناده صحيحٌ على شرط مسلم.
  4. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [الفتح:2]، برقم (4836)، ومسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، برقم (2819).
  5. أخرجه الترمذي في "سننه": أبواب البرِّ والصِّلة، باب ما جاء في المتشبع بما لم يُعطه، برقم (2035).
  6. انظر: "إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة" لابن حجر، برقم (154)، و"بلوغ المرام من أدلة الأحكام" لابن حجر، برقم (1383).
  7. انظر: "الترغيب والترهيب من الحديث الشريف" للمُنذري، برقم (1434).
  8. انظر: "الفتح الكبير في ضمِّ الزيادة إلى الجامع الصَّغير" للسيوطي (3/200).
  9. انظر: "مشكاة المصابيح"، برقم (3024).
  10. انظر: "فيض القدير شرح الجامع الصغير" للمناوي (6/172).
  11. أخرجه أبو داود في "سننه": كتاب الزكاة، باب عطيّة مَن سأل بالله، برقم (1672)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح"، برقم (1943).
  12. أخرجه أبو داود في "سننه": كتاب الزكاة، باب عطيّة مَن سأل بالله، برقم (1672)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح"، برقم (1943).
  13. انظر: "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" لأبي نعيم (4/58).
  14. انظر: "بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية" لابن تيمية (1/527)، و"الحسنة والسيئة" لابن تيمية (ص91).
  15. أخرجه ابن السُّني في "عمل اليوم والليلة": باب ما يردّ المهدي إذا دُعِيَ له، برقم (278)، وقال الألباني في "تخريج الكلم الطيب": إسناده جيد، برقم (239).
  16. انظر: "الآداب الشرعية والمنح المرعية" لابن مفلح (1/314).
  17. أخرجه أبو داود في "سننه": كتاب الأدب، بابٌ في شُكر المعروف، برقم (4811)، وصححه الألباني في "التعليقات الحسان"، برقم (3398).
  18. انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (2/424)، والحديث أخرجه أحمد في "مسنده"، برقم (2397)، وصححه الألباني في "التعليقات الحسان"، برقم (7015).

مواد ذات صلة