الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
(3) من قوله تزاحم عدد المصالح يقدم الأعلى من المصالح - إلى قوله وكل محظور مع الضرورة بقدر ما تحتاجه الضرورة
تاريخ النشر: ٠٦ / ذو القعدة / ١٤٣١
التحميل: 2496
مرات الإستماع: 4648

بسم الله الرحمن الرحيم

القواعد الفقهية لابن سعدي

(3) من قوله: فإنْ تزاحم عددُ المصالحِ... إلى قوله: بقدر ما تحتاجه الضرورة

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

قال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله تعالى- في منظومة القواعد الفقهية:

فإنْ تَزَاحَمْ عدَدُ المصالحِ *** يُقَدَّمُ الأعلى من المصالحِ

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذه قاعدة صحيحة، ونص عبارة المؤلف فيها في كتابه الآخر "القواعد الجامعة": "إذا تزاحمت المصالح قُدم الأعلى منها"، فنقدم الواجب على المستحب، والراجح من حيث المصلحة على المرجوح.

فالجزء الآخر هو تفصيل لها، وشرح وتوضيح، وإلا فالقاعدة هي: "إذا تزاحمت المصالح قدم الأعلى"، فهذه القاعدة لا شك في صحتها، وذلك أنه لا يمكن إلا فعل أحد الأمرين إما هذا وإما هذا، فلا شك أنه يقدم ما مصلحته أعلى وأعظم، إذا أمكن الجمع بين هذه المصالح فإنه هو المتعين، لكن إذا لم يمكن واضطررنا فلم نجد إلا فعل أحد المصلحتين، وإهدار الأخرى فإننا عند ذلك نرتكب أو نقدم على المصلحة الأعظم، ونهدر المصلحة الأقل.

فالتزاحم والتعارض بين المصالح إما أن يكون التعارض بين واجب وواجب، وهذا الواجب إما أن يكون عينيًّا مثلاً: لو أنه نذر أن يصوم اليوم الفلاني بالتاريخ الإفرنجي مثلاً، فلما نظر في التقويم وجد أنه يوافق الرابع من رمضان، فهذا صوم نذر واجب أوجبه على نفسه، ويجب عليه ابتداءً بإيجاب الشارع في هذا اليوم لكونه من رمضان

 

التزاحم والتعارض بين المصالح إما أن يكون التعارض بين واجب وواجب، وهذا الواجب إما أن يكون عينيًّا مثلاً: لو أنه نذر أن يصوم اليوم الفلاني بالتاريخ الإفرنجي مثلاً، فلما نظر في التقويم وجد أنه يوافق الرابع من رمضان، فهذا صوم نذر واجب أوجبه على نفسه، ويجب عليه ابتداءً بإيجاب الشارع في هذا اليوم لكونه من رمضان

 

، فهنا تزاحم أمران، فهل يكفي هنا أن نقول: صيامك اليوم الرابع من رمضان يمكن أن تجمع معه بالنية صوم يوم النذر؟

الجواب: لا يمكن، هذا نذر قد أوجبه على نفسه، إلزام المكلف نفسه طاعة لم تجب عليه ابتداءً، وهذا أوجبه الشارع عليه ابتداءً، فما هو الأثبت النذر أو رمضان؟

رمضان أثبت وآكد وأعظم، فيقال لهذا الإنسان: صم رمضان هذا اليوم، ثم تصوم بعد ذلك هذا اليوم الذي هو النذر.

هذا الآن تعارض بين فرض عين، وفرض عين، لكن هذا واجب بالنذر وهذا واجب ابتداءً بإيجاب الشارع.

وقد يتزاحم فرض عين مع فرض عين، كلاهما ألزم به الشارع وابتدأ المكلف به، يعني ليس بنذر، صلاة مفروضة مع صلاة مفروضة، الآن هذا الإنسان نام عن صلاة الظهر وما أفاق إلا في وقتٍ قبل غروب الشمس يكفي لصلاة أربع ركعات، فهنا الترتيب مطلوب في الصلوات، فهل نقول: صلِّ الظهر ثم صلِّ العصر بعد غروب الشمس؟

فهنا تزاحمت المصالح: الترتيب -وهو واجب-، وصلاة الظهر -وهي فرض- مع صلاة العصر التي سيخرج وقتها، فماذا يقدم؟

نقول: صلِّ الظهر وإن خرج وقت العصر، فيكون كلاهما قد وقع قضاءً، صليت الظهر في وقت العصر، وصليت العصر في وقت المغرب؟

نقول: لا، صلِّ العصر في الوقت، فتكون قد صليتها؛ لأن (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر)([1])، صلِّ العصر، وطالما الظهر فائتة أصلاً وخرج وقتها فتصلى بعد غروب الشمس، وهنا تركنا الواجب الآخر الذي هو الترتيب؛ لتزاحم المصالح.

فلاحظ هذا فرض عين، وهذا فرض عين وجب عليه ابتداءً بإيجاب الشارع، وذاك فرض عين وفرض عين وجب ابتداءً، وجب بإلزام المكلف نفسه كما في المثال الأول.

وقد يكون التزاحم بين فرض كفاية وفرض عين، الآن هذا الإنسان دخل في المسجد قبل غروب الشمس بوقت لا يكفي إلا لركعة واحدة لربما، ووجد جنازة سيصلى عليها، صلاة الجنازة ما حكمها؟ فرض كفاية، فماذا نقول له؟ صلِّ العصر التي لم تصلها بعدُ أو صلِّ الجنازة؟

نقول له: صل العصر وليس الجنازة حتى لا يخرج وقت العصر، ففرض العين مقدم على فرض الكفاية، مع أن بعض أهل العلم يقولون: إن فرض الكفاية أفضل من فرض العين؛ لأنه قام به عن نفسه وعن الأمة، أسقط عنهم التبعة.

وبعض أهل العلم يقولون: لا، فرض العين آكد وأعظم؛ لأن الله افترضه على جميع المكلفين، وهذا لفضله وجلالته، ولو قارنا بين الصلاة المكتوبة هذه التي صليناها، وبين مِثل صلاة الجنازة فلا شك أن صلاة الظهر أفضل وأعظم من صلاة الجنازة، فهذا تزاحم بين فرض عين وفرض كفاية، فرض العين أفضل وأجلّ وأعظم، فتزاحمت هذه المصالح.

كذلك لو أنه ازدحمت عنده مصالح متعدية، ومصالح قاصرة، مصلحة قاصرة ومصلحة متعدية، هذا الإنسان يمكن أن يقرأ كتاباً في هذه الساعة، ويمكن أن يصلي ركعات، ولكنّ أحداً من الناس بحاجة إليه أن يذهب به إلى المستشفى أن يقضي له حاجة أو نحو ذلك، فهذا نفع متعدٍّ، أو أن يعلِّم في هذه الساعة بدلا من أن يقرأ فيها،أيهما أفضل؟ تزاحمت المصالح، ما عنده إلا ساعة هو يريد أن يقرأ في هذه الساعة، أو أن يعلِّم فيها، فماذا نقول؟،ماذا نقدم؟

نقول: نقدم المصلحة المتعدية على المصلحة القاصرة؛ لأن جنس الحسنات المتعدية أفضل عند الله من الحسنات القاصرة.

ولكن هذا ليس على إطلاقه؛ لأن صلاة الفريضة مثلاً قاصرة، وهي أعظم وأفضل من أنه يذهب يوصل فلانًا إلى مكان، أو نحو ذلك، إلا في حالة الضرورة إذا كان لا يفضي به ذلك إلى تضييع الصلاة، فالضرورات لها أحكام، لكن في الحالات العادية لا شك أن بعض العبادات القاصرة أفضل من المتعدية، لكن نحن نقول: في العموم جنس العبادة المتعدية أفضل من جنس العبادة القاصرة، لماذا؟

لأن نفعها يتعدى إلى الآخرين، ولهذا لو قال الإنسان مثلاً: أنا أريد في هذا الوقت أن أجلس وأحاسب نفسي وأهذبها على طاعة الله، وما إلى ذلك، أو أني أجلس وأعلم أبناء المسلمين، وأحثهم على فعل الصالحات، وأنهاهم عن المنكرات؟،أو إنسان يقول: أنا أريد أن أقرأ وأستفيد من وقتي، ولكن حولي منكرات، فهل أنكر هذه المنكرات، وأعتني بذلك؟ ماذا أصنع؟

نقول له: المصلحة المتعدية لا شك أفضل من القاصرة، لكن حاول أن توفق بينهما.

هذا من حيث جنس العبادة.

وقد يكون التعارض بين فرض ومستحب، الآن كثير من الناس يسألون: إذا جاء يوم عاشوراء أو يوم عرفة خاصة النساء تقول: عليّ قضاء هل أصوم عرفة تطوعاً ثم أصوم القضاء بعد ذلك بحسب التيسير أو أجعل هذا اليوم الذي صمته على سبيل القضاء؟ فماذا نقول؟

نقول: الأصل أن يسعى الإنسان لإبراء ذمته، فيصوم بنية القضاء لا بنية التطوع؛ لأنه إذا ازدحم واجب ونفل قدم الواجب؛ لأنه لازم للمكلف بخلاف التطوع.

وقد يكون التزاحم بين مستحب ومستحب، ولا شك أن هذا كثير يقع في حياة الناس اليومية: أيهما يقدم الاشتغال بصلاة النوافل أو طلب العلم؟ هذا إنسان يقول: أنا لا أجد لطلب العلم والقراءة إلا الليل، فأيهما أفضل أشغل الليل بالصلاة أو أشغل الليل في مدارسة طلب العلم؟ فماذا نقول له؟

نقول له: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة، فكونك تجلس تطلب العلم أفضل مما لو كنت في صلاة نافلة، لكن طلب العلم أو صلاة الفريضة؟، يطلب العلم حتى يفوته الفرض؟

نقول: لا.

وهكذا الإنسان في النفقات الواجبة، يسأل يقول: هل أطلب العلم أو أنني أسعى على قوت عيالي؟، لا يجد القوت الضروري إلا بهذا السعي، وهو لا يجده إلا بكلفة، يشتغل سائر اليوم أو أوقاتَ -على الأقل- وجودِ الدروس وما إلى ذلك حتى يحصِّل مبلغاً لا يكاد يكفيه لتحصيل حاجته الضرورية، فماذا يقال له؟

نقول له: لا تضيع من تعول، لكن تعلّم ما يلزمك تعلمه، الفرض عليك، وما زاد على ذلك فهو ليس بواجب على جميع المسلمين، وإنما هو فضيلة، وفرض كفاية على الأمة أن تحفظ هذا العلم، لكن لا يجب على الجميع، بينما النفقة على العيال واجبة، وهكذا.

وهناك بعض التفاصيل في بعض الحالات، لكن هذا جملة ما يمكن أن يقال على تزاحم المصالح والمفاسد.

وهناك أشياء أخرى أيضاً يمكن أن نرجح بها بين المصالح غير الفرضية وغير التعدي؛ مثل: ما يتعلق -كما يقال- بفرض الوقت، أو بمستحب الوقت، الآن لو أن الناس أصابتهم مجاعة فأيهما أفضل طباعة الكتب بهذا المال أو إطعام الجوعى هؤلاء الهلكى؟

إطعام الجوعى، إطعام الطعام.

لو أنه وقعت آفة مرض ومات الكثير من الناس، وبقيت أرامل نساء كثير ليس لهن من يعولهن، وقد يضطررن إلى ما لا يليق، فأيهما أفضل كفالة هؤلاء الأرامل، أو بذل هذه الأموال في جهاد الطلب للكفار؟ أيهما أولى؟

كفالة هؤلاء الأرامل.

الناس الذين يأتون ويقولون: نحن نريد مساعدة، عليه دين كبير قد أرهقه، أيهما أولى أن ندفع هذا المال لهذا الإنسان أو ندفعه لمدين آخر في الحبس قد حرم منه أهله وعياله، ولا يستطيع أن يتقلب في الأرض ليحصّل شيئاً يسدد به هذا الدين فهو محبوس؟ فمن الأولى أن ندفع له المال؟

المحبوس أولى من الطليق، وهكذا في أمثلة كثيرة تمر بنا في أبواب مختلفة، هذه لا تختص بباب معين "إذا تزاحمت المصالح نقدم الأعلى منها"، وهذا كثير، الناس دائماً يسألون يقول: أنا لا أستطيع أن أوفق إما أن أشتغل بطلب العلم، وإما أن أشتغل بعمل آخر، مثل الأعمال الإغاثية، والقيام على الفقراء والأرامل، وما إلى ذلك، ماذا نقول له؟.

ننظر حسب الحالة الموجودة، إذا كان يوجد من يكفي في هذه المجالات، نقول له: اطلب العلم، خاصة إذا كان فيه أهلية، وإذا غلب على ظننا أن هذا الإنسان لا يصلح لطلب العلم مثلاً مع أنه في عبادة شريفة لكن من الناس من يفسده العلم أحياناً؛ لأنه يتعلم أشياء ويبدأ يخرج بتأويلات، ويحسن التبرير لنفسه لارتكاب مالا يليق، بعدما طلب العلم صار يتقن الحيل، والمخارج، وصار يبرر لنفسه أشياء بعدما كان يتحرج منها، يفعل أشياء مما لا يليق ويقول: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ النجم:32، فيقول: تقبيل المرأة الأجنبية، ونحو ذلك من ضم ونحوه، هذا من اللمم، يتوب الإنسان، وليس هذا من الموبقات، هذه مشكلة، هذا الذي أوصلك إليه هذا العلم بدلا من أن يورثك الورع والخوف من الله؟!.

يقرأ أثراً: أن ابن عمر كان يشرب ماشيا([2])، بعدما كان يجلس ويأكل، وإذا شرب جلس، بعدما سمع هذا الأثر صار لا يبالي، يشرب وهو يمشي، ويأكل وهو يمشي، وجاهز الرد عنده مباشرة، بعدما سمع هذا الأثر قبل ليلة أو ليلتين، فمن الناس من يفسده العلم؛ لأنه لم يأخذه أخذاً صحيحاً، وهذا كثير، ورأيت نماذج وأمثلة حتى إنك أحياناً تقول: "ليتك ثم ليتك ما عرفت"، فمثل هذا يُصرف إلى شيء آخر ينشغل به؛ لأن العلم قد يورثه بعض الأشياء والإشكالات، ولربما حتى الشُّبه، يدرس أشياء لا تصلح لمثله، ثم يبدأ يتشكك، لماذا يختلفون هذا الاختلاف؟ لماذا؟ أليس القرآن حقًّا؟! أليست السنة حقًّا؟! لماذا اختلفوا في عامة المسائل؟ ويبدأ تقع عنده أمور قد لا يدرك بعض الأشياء التي تخرجه منها، تحتاج أن تشرح له شرحاً طويلاً لماذا اختلف هؤلاء العلماء؟

فيضيق صدره بهذه الأشياء، بل بعضهم لربما ابتعد تماماً عن الخير وأهل الخير، قال: هؤلاء تبين لي أن عندهم اختلافات، وعندهم، وعندهم، لما حضرت في بعض الدروس والمجالس، وما إلى ذلك.

فالحاصل: أنه يُنظر في حال الإنسان وما يصلح له، فيُوجه إلى الأنفع بالنسبة إليه، هذا في حال تزاحم المصالح.

وأحياناً تكون الاعتبارات راجعة إلى المكان، أحياناً إلى الزمان، أحياناً إلى الحال، أحياناً إلى الشخص، مثلاً الإقامة في مكة والمدينة لا شك أنها أمر جيد، وأمر حسن، لكن لو كانت إقامته في مكة أو في المدينة تشغل قلبه، بحيث إنه لا يرتاح، الله فاوت بين الناس، فلا يستطيع أن يعبد ربه وهو مستريح لو أنه سكن في مكة أو سكن في المدينة، بينما إذا رجع وسكن في قريته يستريح ويعبد الله على راحة وطمأنينة، فما هو الأفضل في حق هذا الإنسان المعين؟.

الأفضل ألا يسكن في مكة، وإنما الأفضل له أن يسكن في المكان الذي يستطيع أن يعبد الله فيه وهو مطمئن، هذا الأفضل في حقه.

الأفضل في العبادات ما هو الأفضل مطلقاً؟

الأحسن -كما قال شيخ الإسلام، والشاطبي- أنه لا يحكم بحكم عام، فيقال: الأفضل مطلقاً في العبادات هو الجهاد، أو يقال: الأفضل في العبادات مطلقاً هو الحج المبرور، والأدلة متفاوتة في هذا، وهذا التفاوت يدل على أن القضية لها مأخذ آخر، فإذا كان وقت الجهاد فالأفضل هو الجهاد، وإذا كان وقت الحج فالأفضل هو الحج، وإذا كان الوقت وقت الصلاة نادى المنادي للصلاة، فأفضل العمل هو الصلاة، وإذا جاء رمضان فأفضل العمل هو صيام رمضان، وقيام ليله، وقراءة القرآن فيه، وهكذا.

قراءة القرآن أو الذكر أيهما أفضل؟

نقول: يختلف، الأصل القرآن، لكن هذا يختلف.

يوم الجمعة نقول: اقرأ سورة الكهف، وأكثر من الصلاة على النبي ﷺ.

أيهما أفضل أن أشغل يوم الجمعة بقراءة القرآن في سائر نهاره وليلته، أو أصلي علي النبي ﷺ أقول: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وأردد ذلك؟.

فنقول: الأفضل أن تصلي على النبي ﷺ، لماذا؟

لأنه تزاحم مستحبان، فالألصق بالعبادة هو الأولى، وهذا أحد الاعتبارات التي نرجح بها بين المصالح المتزاحمة.

وكذلك في المفاسد -كما سيأتي-: الطواف قرب الكعبة أفضل، لكن إذا كان الطواف قرب الكعبة يؤدي به إلى مزاحمة النساء، فما الأفضل في حقه؟، أن يطوف من بعيد.

ومن الأمثلة: الصلاة في سطح الحرم أو الصلاة أمام الكعبة في الصحن أيهما أفضل؟ لا شك أنه أمام الكعبة في الصحن أفضل، كلما اقترب من الكعبة فهو أفضل، لكن هذا الإنسان يقول: أنا لا أستطيع أن أصلي هناك وخاصة التراويح لشدة الزحام، يأتي أناس ويزحمونني في هذه الركعات الكثيرة، ولا أستطيع أن أطمئن ولا أخشع، لكن إذا صليت في السطح أصلي في غاية الخشوع والطمأنينة، فما هو الأفضل في حقي؟

نقول: صلِّ في السطح، هذا الأفضل في حقك أنت، وهكذا.

فهذا في الكثير من الأشياء يتفاوت، يُنظر إلى حال الشخص، وينظر إلى الزمان وإلى المكان، قد يكون هذا العمل أفضل في هذا البلد، لكن في البلد الفلاني سقيا الماء أفضل، في هذا البلد نقول: وزعوا الكتب، علموا الناس، وفي البلد الآخر نقول: احفروا الآبار، وأطعموا الطعام، وما إلى ذلك، هذا إذا تزاحمت هذه الأمور، وكلما كان الشيء بالعبادة أعلق كلما كان مقدماً على غيره، مثل ما ذكرنا الآن مراعاة المكان ومراعاة الخشوع في الصلاة، المكان: القرب من الكعبة، والخشوع أيهما أعلق مراعاة المكان أو مراعاة الخشوع؟ مراعاة الخشوع؛ لأنه بالعبادة أعلق، فيقدم هذا على هذا.

الصلاة في المسجد الأصل أن الإنسان يصلي بالمسجد القريب من بيته، لكن لو كان لا يخشع ولا يطمئن إلا في مسجد أبعد، فما هو الأفضل في حقه؟

أن يصلي في المسجد الأبعد، وهكذا.

وضده تَزاحُمُ المفاسدِ *** يُرْتَكَبُ الأدنى من المفاسدِ

عبارة المؤلف -رحمه الله- في كتابه الآخر هي قوله: "إذا تزاحمت المفاسد واضطر إلى فعل أحدها قدم الأخف منها"، ويمكن أن نلخص القاعدة فنقول: "إذا تزاحمت المفاسد قدم الأخف"، ويمكن أن نعبر بعبارة أخرى نقول: "يرتكب أخف الضررين في سبيل دفع أعلاهما"، وهذا كالذي قبله في تزاحم المصالح ينظر فيه إلى الاعتبارات المختلفة، كما أننا ننظر في المصالح إلى الحال والزمان والمكان والشخص، وما إلى ذلك، وننظر إلى المراتب التي ذكرناها في الدرس الماضي، هذه المصالح منها ما يتعلق بضروريٍّ، ومنها ما يتعلق بحاجيٍّ، ومنها ما يتعلق بتحسينيٍّ، فماذا نصنع في تزاحم المصالح؟

نقدم الأعلى منها.

وكذلك في المفاسد نعكس القضية، لابد من ارتكاب واحد من المفسدتين، فماذا نصنع؟

نقول: نرتكب الأخف من الضررين في سبيل دفع أعلاهما، وأمثلته لا تحصى، ونراعي فيه الأمور السابقة، الآن هناك بعض الأمثلة مشتبهة، وفيها خلاف بين أهل العلم، هذا إنسان مُحرِم وجد صيداً وهو مضطر سيموت إن لم يأكل، ووجد ميتة، فما الذي يقدم الميتة أو أكل الصيد؟

بعض العلماء قالوا: يأكل الميتة؛ لأن الميتة محرمة على العموم، والصيد تحريمه به أعلق، إنما يحرم على المُحرِم، وهذا مُحرِم فماذا نقدم؟

نقدم في الدفع أكل الصيد، هكذا قال بعض أهل العلم، قالوا: يأكل من الميتة ولا يأكل من الصيد.

وبعضهم قال غير ذلك، والمقصود توضيح القاعدة، لا مناقشة الأمثلة.

والشأنُ لا يُعترَض المثالُ *** إذ قد كفى الفرضُ والاحتمالُ([3]).

الأمثلة يقصد بها توضيح القواعد فقط، لا تقرير القواعد، إنما تقرر القواعد بالأدلة، فهذا مثال، وهناك أمثلة أخرى  كثيرة جدًّا.

الآن هذا الإنسان أسلم حديثاً نحن لا نستطيع أن نعلمه كل شرائع الإسلام في لحظة، ولا يستطيع هو أن يتقبل هذا أو أن يفهمه، هذا رجل رئيس منظمة من منظمات حقوق الإنسان، جاء وقال: أنا أريد الإسلام، أنا معجب بالإسلام، أريد أن أسلم.

قلنا له: نعلمك الإسلام، فعلمناه الإسلام، لا نستطيع أن نعلمه كل الإسلام، لكن هناك أشياء تقدم على أشياء، نعلمه التوحيد، الفرائض، الصلاة، مثل ما جاء في حديث معاذ: (فأخبِرْهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبِرْهم أن الله فرض عليهم زكاة من أموالهم وترد على فقرائهم)([4])، وهكذا..، بهذا التدرج، هذه الفرائض، لكن هذا الإنسان يلبس خاتمًا من ذهب، ومعلق قلادة، ويحلق رأسه بطريقة القزع، وأمواله تأتيه من مصدر حرام، وزوجته بوذية، لا يجوز أن يبقى مع البوذية، ليست كتابية حتى نقول: فيه مخرج، ثم بدأ هو يوجه لنا أسئلة: المرأة عندكم هل هي مثل الرجل سواء بسواء؟ فجاء واحد وقال: لا، كيف؟! المساواة ظلم في الكثير من الأحيان، المرأة لها نصف الميراث، ونصف دية الرجل، والطلاق بيد الرجل، والقوامة للرجل، فهذا الإنسان إذا سمع هذه الأشياء ماذا سيفعل؟، قلت له: اترك عملك، وأزل الخاتم الذي عليك، والقلادة التي عليك، وطلق زوجتك، وأنت غير مختون تذهب الآن تختتن بأقرب مركز صحي، هو لن يحتمل هذا، وبعض الأشياء لن يحتملها عقله، وبالتالي نحن نرتكب أخف الضررين، ما هو أخف الضررين؟.  

أن هذا الإنسان لا يرتد، هذا ضرر أعظم، ويبقى بعض الأشياء لا نعلمها له الآن، نعلمها له في حينها، فلا ننكر عليه جميع هذه المنكرات، وإنما نبدأ معه بالأهم.

إنّ اللبيبَ إذا بدا من جسمه *** مرضان مختلفان داوى الأخطرا

لكن لا يكون ذلك على سبيل الاشتراط، لو أنه قال: أنا أريد أن أسلم بشرط أن لا أصلي ولا أزكي مثلاً، أو تسمحون لي بالزنا، هذه مسألة تكلم عليها أهل العلم كالشوكاني وغيره، وحديث وفد ثقيف لما اشترطوا هل قبل منهم النبي ﷺ؟ لم يقبل منهم -عليه الصلاة والسلام-([5]).

لكن نحن ابتداءً هل نأمر الإنسان وننهاه بهذه الأشياء أو نؤجل؟

ومثل ذلك الإنسان المهتدي الجديد هو مسلم لكن لما نظرنا إذا ثوبه طويل، ويلبس خاتمًا من ذهب، ويحلق القزع، ويعمل في بنك ربوي، ومتشبه بالنساء أو بالكفار في لباسه، وأشياء كثيرة عنده من الملاحظات، هل نقول: تعال -بارك الله فيك- نملِ عليك قائمة بالمحظورات التي نراها عليك الآن، ثم أخبرنا ما الذي يجري في بيتك حتى نملي عليك قائمة المحظورات؟.

الجواب: لا، إنما نبدأ معه بالأهم، وما يدخل تحت طوقه من الناحية العملية، وما يدخل تحت طوقه من ناحية الفهم، من الناس من لا يفهم بعض الأمور ولا يمكن أن يدركها عقله، مثل إنسان كرس حياته كلها في دراسة مناهج منحرفة في حقوق الإنسان، وتقول له: المرأة لها نصف الميراث، لن يفهم هذا، من المسائل ما جوابه السكوت كما قال شيخ الإسلام، ولهذا كما يقول شيخ الإسلام: إن ترك هذه الأمور دون نكير على هذا المهتدي الجديد، أو المسلم الجديد لا يعد ذلك من الإقرار على المنكر، وإنما هو من باب التدرج، وهذه طريقة الرسل في الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى-، لسنا مطالبين لأول وهلة أن نعرض كل شيء أمام هذا الإنسان، وإنما نعرض له ما يطيقه من الناحية العملية، وناحية الفهم، فنتدرج معه هذا التدرج، إذا تزاحمت المفاسد ارتكبنا الأخف، ودفعنا الأعظم.

الدعوة إلى الله لابد من تبليغها إلى الآفاق، من أراد أن يدعو فعلاً فلابد أن تقع بعض المفاسد، ما هذه المفاسد؟

سيقصر في حق أهله بعض التقصير، سينشغل عنهم، سيقصر في تلاوة القرآن، في العبادة، وما إلى ذلك، ماذا نقول؟.

يرتكب الأخف من الضررين في سبيل دفع الأعلى، يبقى الناس جهلة؟!، يبقى الناس بعيدين عن الله -؟!.

الخروج في القنوات الفضائية، من الناس من لا يرى الخروج، فهذا اجتهاد، ومن الناس من يرى الخروج هذا اجتهاد، فهذا الاجتهاد قد ينفع الله به، وهذا الاجتهاد قد ينفع الله به، وهي مسألة اجتهادية، تقدر فيها مسألة المصالح والمفاسد، قاعدة: "درء المفاسد مقدمة على جلب المصالح" صحيحة، لكن ينظر في المرتبة، إذا لم يخرج بعضهم فإلى ماذا سيؤدي هذا؟

سيؤدي إلى أن يتسلق الجهلة الذين يفتون الناس بالرخص، ويحللون للناس ما حرم الله، والناس أدمنوا مشاهدة هذه الفضائيات، فيضيع الدين، وتكثر الانحرافات، وتُبرَّر للناس انحرافاتهم، تقع مفسدة عظيمة.  

التصوير مفسدة، لكن نقول: يرتكب الأخف -التصوير-، وخروجه في هذه القناة مع ما فيه من الشر لكن يرتكب الأخف من الضررين في سبيل دفع أعلاهما.

وهذا في حال الحاجة التي تنزّل منزلة الضرورة، أو في حالة ضرورة، نقول: "الضرورة تقدر بقدرها"، ويراعى فيها جملة من الأمور، يخرج بالأخف فساداً، وما إلى ذلك، ما يخرج بالمنغمسة في الفساد.

وقل مثل ذلك في أمور كثيرة في حياة الناس.

الدخول في البرلمان من رأى أنه قادح في أصل التوحيد فهنا لا يجوز له الدخول فيه، لكن من رأى أن ذلك لا يقدح في أصل التوحيد، وأنه مفسدة في البلاد التي تحكم بالقوانين، لكن يُدفع به مفاسد كثيرة عامة عن الناس، فماذا يقال؟، هؤلاء الذين يدخلون في هذه الأماكن أو من يفتونهم بهذا يبنونه على قاعدة تزاحم المفاسد، أنا لا أقصد الآن تقرير الأمثلة، أو إقرار هذا الشيء أو ذاك، لا أقصد هذا، وإنما أقصد توضيح القاعدة، ما مأخذ هؤلاء في فعل هذا الشيء؟، وما مأخذ هؤلاء في الشيء الآخر؟  

مأخذهم هو هذا، تزاحم المفاسد، يرتكب الأخف في سبيل دفع الأعلى.

قد أختلف معك فيما هو الأخف وما هو الأعلى، لكن مأخذ المسألة هو هذا.

وأما الاختلاف فيما هو الأخف وما هو الأعلى مع أننا نتفق مع القاعدة فهذا الذي يسمونه بـ"تحقيق المناط".

أمثلة أخرى على ارتكاب أخف الضررين: الآن إنسان يذهب إلى الدعوة إلى الله في بلاد كثيرة يحصل مفاسد، لكن لو لم يسافر تحصل مفاسد.

المنصرون يعملون ليل نهار، والدعاة إلى الله يجلسون بحجة أنه لا يريد أن يسافر؛ لأنه يرى في المطارات نساء متبرجات، ويرى شيئًا من العري في تلك البلاد، والطائرات عندهم والمطارات فيها موسيقى صاخبة أو هادئة لا يخلو، فهو يمشي في هذا المطار ويجلس ويقوم، وفي الطائرة ساعة وساعتان وثلاث والموسيقى فوق رأسه، ماذا نقول؟ نقول: لا يسافر يجلس وتبقى الدعوة، وتتعطل، للبيت رب يحميه، ويبقى الناس جهلة؟!.

نقول: لا، يرتكب الأخف من الضررين في سبيل دفع أعلاهما، سافر وهذه المفسدة أقل من مفسدة ترك هؤلاء المسلمين فريسة للمنصرين، نذهب إليهم ونعلمهم، ونتقي الله قدر المستطاع، لكن إذا ذهبنا الضرورة تقدر بقدرها لا نتوسع، لا نذهب إلى أماكن أخرى لسنا بحاجة إليها كالذهاب مثلاً إلى مطاعم عن الذهاب إليها مندوحة، أو إلى أسواق عن الذهاب إليها مندوحة، تعج فيها هذه المنكرات والموسيقى، وما إلى ذلك، فهنا أين المفسدة والمصلحة؟

مثلاً: إذا أكره الآن على القتل أو يُقتل ماذا يفعل؟

نقول: هذه النفس التي أكرهت على قتلها نفس معصومة، لست أنت أحق بالبقاء منها، فلا يجوز لك أن تقدم على قتله في سبيل استبقاء مهجتك، لا يجوز لك أن تقدم على هذا، والإكراه هنا ليس بعذر، وليس هذا من باب ارتكاب أخف الضررين، تقول: هذا الإنسان الآخر يموت، وأنا الذي أحيا، من باب ارتكاب أخف الضررين، هذا خطأ، هذا غير صحيح.

لكن لو أنه كان التفاوت بين ضروريات وحاجيات وتحسينيات، الضروريات خمس مرتّبة، فهذه امرأة أكرهت على الزنا أو تقتل، فماذا يقال؟.

يجوز لها أن تمكن من نفسها إذا غلب على الظن أن القتل يحصل، ما هو مجرد وهم أو توقع، وإنما إذا تيقنت فعلاً أنه سيقتلها، أو غلب ذلك على الظن يجوز أن تمكن من نفسها، ولو امتنعت فماتت فهي شهيدة -بإذن الله؛ لأن: (من قُتل دون عرضه فهو شهيد)([6])، لكن ذلك رخصة لها، لكن لو أنها أكرهت على الكفر بالله، ما هو باللسان، وإنما تدخل في الكفر، تصير كافرة؟.

نقول: لا، الدين والإيمان أهم من إبقاء النفس، فلا يجوز لها أن تكفر، لكن لو بمجرد النطق باللسان الله يقول: إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ النحل:106.

ومِنْ قواعدِ الشَّريعةِ التَّيسيرُ *** في كُلِّ أمرٍ نَابَهُ تَعْسِيرُ

نص عبارة المؤلف في كتابه الآخر: "المشقة تجلب التيسير"، وجميع رخص الشريعة وتخفيفاتها متفرعة عن هذا الأصل.

والجملة الثانية زائدة، وإلا فالقاعدة: "المشقة تجلب التيسير"، وبعض العلماء يعبرون بعبارة أخرى، يقولون: "إذا ضاق الأمر اتسع"، "ضاق" يعني لحقت المشقة "اتسع" بالتيسير والتسهيل، والنصوص على هذا كثيرة جدًّا.

النصوص التي فيها ذكر رفع الحرج عن الأمة والتخفيف كلها دليل على هذه القاعدة؛ كقوله -تبارك وتعالى-: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا البقرة:286، وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا المؤمنون:62، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا الطلاق:7.

وكذلك في قوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ الحـج: 78.

وكقوله -تبارك وتعالى-: يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ النساء:28، يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ البقرة:185، و فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن:16، وقوله: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ الأعراف:157.

وقول النبي ﷺ أيضاً: (وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)([7]).

وحينما سئل: أي الأديان أحب إلى الله؟ قال: (الحنيفية السمحة)([8]).

وكذلك في حديث ابن عباس: قال ﷺ: (إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره) كرره -عليه الصلاة والسلام- مرتين([9]).

وكذلك حديث: (إن الدين يسر)([10]).

وحديث: (يسروا ولا تعسروا)([11]).

وحديث: (إن الله وضع عن المسافر الصوم، وشطْر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم)([12]).

إذن القاعدة: "المشقة تجلب التيسير"، "إذا ضاق الأمر اتسع".

المشقة التي تجلب التيسير هل هي مطلقة بمعنى أيّ مشقة تجلب التيسير، أو هناك تفصيل للمشقات؟.

ليست كل مشقة تجلب التيسير، المشقة أنواع، هناك مشقة خارجة عن طوق المكلف، والله قال: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا البقرة: 286، لم يكلفنا مالا نطيق ابتداءً، بمعنى لا يوجد في تكليف الشريعة أشياء لا يطيقها الإنسان، الإنسان ما كُلف بأن يطير في الهواء مثلاً، فلا يوجد في الشريعة تكليف بما لا يطاق ابتداءً على جنس المكلفين، لا أحد يطيقه، ولا يوجد فيها أيضاً تكليف بما لا يطاق على آحاد المكلفين.

فجنس التكليف الذي لا يطاق كالطيران في الهواء لا يوجد في الشريعة، وهناك تكليف بما لا يطاق على آحاد المكلفين لقيام العارض، مثلاً إنسان مُقعَد نقول: يجب أن تقوم في الصلاة، كيف يجب أن تقوم في الصلاة؟ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا البقرة:286، فهذا تكليف ما لا يطاق على آحاد المكلفين، لماذا؟ لقيام العارض، وهو أن هذا الإنسان مُقعَد، وإلا فالأصل أن الإنسان يستطيع القيام، فهذا لا يوجد في الشريعة إطلاقاً.

فالحاصل: أن المشقات التي تلحق الناس إما لأن جنس العبادة لا يطيقها المكلف أصلاً ابتداءً، وهذا لا يوجد في الشريعة، أو هذا النوع لا يستطيعه بعض المكلفين لقيام عارض، فالله لا يكلفهم بهذا، من لا يستطيع القيام في الصلاة فإنه يصلي قاعداً، ولم يستطع أن يصلي قاعداً فإنه يصلي على جنب، وهكذا.

القسم الثالث: لا يستطاع إلا بكلفة كبيرة، ومشقة عظيمة، تؤدي به إما إلى الهلاك، أو إلى زيادة المرض، أو إلى تأخير البرء، أو إلى طول المرض، بحيث إن هذا الإنسان يحصل له ضرر معتبر، هذا الإنسان يعاني من مرض في رجليه، نقول له: صلِّ قائماً، يقول: أنا أستطيع أن أصلي قائماً، لكنني أجد من العناء والعنت والألم ما لا يتصور، فماذا نقول لهذا الإنسان؟

نقول له: "المشقة تجلب التيسير"، صلِّ قاعداً، مع أنه يستطيع أن يصلي قائمًا.

هذا الإنسان أجرى عملية في عينه، وقال له الطبيب: لا تسجد، ولا تركع، وإنما بالإيماء، هل هذا الإنسان يعجز حقيقة عن السجود والركوع؟

لا يعجز، يستطيع أن يسجد ويحصل الذي يحصل؛ لكنه يؤدي إلى زيادة المرض، أو تأخير البرء، أو عطب العضو، ذهاب البصر مثلاً، فماذا نقول لهذا الإنسان؟

نقول: "المشقة تجلب التيسير" تسجد وتركع إيماءً.

و ستأتي قاعدة أخرى: "من عجز عن بعض العبادة وقدر على بعضها"، ليس معناها: أنه يصلي على كرسي، قلنا: إنك لا تستطيع أن تركع وتسجد، لكن القيام ما شأنه وهو ركن؟ لماذا لا تقوم في الصلاة؟

فبعض العامة يتوسع في ذلك فيصلي على كرسي والمشكلة في العين، فما شأن الرِّجل في موضوع الجلوس والقيام؟

فإذن، إذا كانت العبادة مقدورة للمكلف لكنها تؤدي إلى زيادة المرض، وتأخير البرء، عطب العضو، الهلاك، الألم الشديد، فماذا نقول له؟

نقول له: "المشقة تجلب التيسير".

أحد الأشخاص يسأل: أريد أن أذهب إلى العمرة ورجله تؤلمه، ويضع عليها هذا اللباس الذي يضعه مثله في هذه الحال، وهو من جنس المخيط، يقول: أنا أستطيع أن أطوف وأسعى بدون هذا، لكن سأعاني كثيراً؟، فماذا نقول له؟.

نقول له: ضعه وليس عليك شيء، وهكذا.

فإذن المشقة التي يكون فيها الفعل مقدورًا للمكلف لكن مع عناء شديد، وحصول ضرر معتبر بأحد هذه الأشياء التي ذكرناها، فنقول: "المشقة تجلب التيسير".

قسم آخر من المشقات يحصل بسبب المداومة على الفعل لا بفعله مرة، فهذا لم يكلفنا الله به، مشقة زائدة، مثل الوصال بالصوم، هذا لم يكلفنا الله به، ما جاءت الشريعة به، أو صيام الدهر لم يكلفنا الله به، وإنما العبادات محدودة يطيقها المكلف، فلم يكلفنا الله عبادة بهذه الصفة وإن كان الحد المحدود منها مطاقًا للمكلف لا يلحق به مشقة عظيمة، هذا من المشقات.

من المشقات ما لا يعتبر، ما هي المشقة التي لا تعتبر؟

المشقة المعتادة إما لعارض يسير، وإما لأن ذلك أصلاً مصاحب للعبادة، ولا تخلو منه، عارض يسير: إنسان فيه وجع ضرس، أو فيه شيء من الصداع، ورمضان، ماذا نقول له؟

اليوم تفطر لأن سنك يؤلمك، أو تعاني من شيء من الصداع يسير فتفطر في رمضان، أو جُرح أصبعه جراحة عادية، فيقول: أنا الآن مصاب، فهل نقول لهذا الإنسان: يجوز لك الفطر؟

الجواب: لا، المشقة المعتادة التي تكون مع العبادة، الصوم مشقة خاصة في الحر الشديد، ولربما يصيبه شيء من الصداع والخمول والتعب والإرهاق، وما إلى ذلك، فماذا يفعل هذا الإنسان؟

نقول: هذه مشقة معتادة، لا يجوز لك معها هذا الفطر في رمضان.

وكذلك أيضا لو أن الإنسان يصلي والمشقة معتادة، الصلاة، الطهارة، الوضوء، لا نقول: لا يجب عليك حضور الجماعة؛ لأنك والله تعاني من أثر يسير في رجلك، لكن لو كان لا يصل إلى المسجد إلا بكلفة عظيمة ومشقة فإنه يجوز، يرخص له أن يصلي في بيته.

وكذلك لو كان استعمال الماء في البرد الشديد، وليس عنده ما يسخن به الماء، يلحق به ضرر في الغسل الواجب، أو في الوضوء، نقول له: تيمم، الله ما جعل علينا في الدين من حرج، لكن لو كانت البرودة ليست شديدة ولا تلحق به الضرر؟ نقول له: اغتسل.

حرارة الماء في الصيف: يقول: أنا أعاني من شدة حر الماء في صلاة الظهر والعصر؟

نقول: هذه مشقة محتملة، فيجب عليك أن تتوضأ.

المريض الذي يستطيع أن يصلي في الوقت ويتطهر بالماء مع شيء من المشقة، نقول: يجب عليك أن تتوضأ وتصلي في الوقت.

لكن لو أنه لا يستطيع ذلك إلا بكلفة شديدة، فماذا نقول له؟

نقول له: اجمع بين الصلاتين، فإذا كنت لا تستطيع الوصول إلى الماء تتيمم وتصلي، لا تستطيع استقبال القبلة صلِّ ولو إلى غير القبلة، ما تستطيع أن تصلي قائماً صلٍّ قاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب، فإن لم تستطع على جنب فعلى حسب ما يمكنك من إيماء بالرأس، أو نحو ذلك، لكن لا تترك الصلاة، "المشقة تجلب التيسير".

فإذا المشقة التي تكون معتادة مع العبادة لا تعتبر؛ لأنها مصاحبة لها، مشقة الجوع في الصوم الجوع المعتاد، واستعمال الماء البارد في الشتاء الذي لا يفضي به إلى الضرر، وليس فيه مشقة عظيمة، هذا لا إشكال فيه.

كذلك أيضاً من المشقات: مشقة التكليف، كما يقول الشاطبي: " الشريعة ركبت على خلاف داعية الهوى في النفس"([13])، فكون الإنسان غير مكلف -في بحبوحة- لا شك أنه أيسر له، ولهذا سميت الشرائع والأعمال التي تعبدنا الله بها: تكاليف، لما فيها من الكلفة، فبقاء الإنسان مع هواه لا شك أنه يستريح فيه، لكن التكليف يخرجه عن داعية الهوى لاسيما أنه ركب على خلاف الهوى، فهذا فيه كلفة، لكن هذه الكلفة غير معتبرة، نقول: يجب عليك أن تأتي بهذه العبادة.

إذن ما هو ضابط المشقة المعتبرة؟

هي المشقة التي تفضي به إلى التلف أو إلى تأخر البرء وزيادة المرض، أو إلى الضرر المعتبر، وليس أي مشقة.

والتخفيف الذي تورثه المشقة أنواع:

تارة الجمع بين الصلاتين للمريض والمسافر.

وكذلك أيضاً في بعض الحالات التي قد لا يصلح أن تقال لعموم الناس، لكن في حالات يجوز فيها الجمع من غير سفر ولا مرض، حالات تحصل للإنسان تَعرض له يُفتى فيها الإنسان المعين بأنه يجوز له أن يجمع بين الصلاتين وهو غير مسافر ولا مريض، حتى لا يتلاعب الناس بهذه الأمور.

وكذلك أيضاً من ألوان التخفيف غير الجمع: تغيير صورة العبادة بإسقاط بعض الأركان مثل: صلاة الخوف، تغيرت فيها صفة الصلاة.

وكذلك أيضاً صلاة المريض أن يصلي مثلاً بالإيماء لا سجود ولا ركوع، ولربما لا قيام، فمثل هذا الإنسان سقطت عنه بعض الأركان، فهذا تخفيف.

التخفيف تارة يكون باختصار العبادة كالقصر في الصلاة، تارة يكون إلى بدل كالفطر في رمضان للعاجز دائماً عن الصوم إلى الإطعام، وأيضاً لمن يستطيع الصوم فيصوم في وقت آخر إذا عرض له المرض أو السفر المبيح للفطر، فتارة إلى البدل، وتارة إلى الجمع، وتارة بتغيير صورة العبادة: إسقاط بعض الأركان، اختصار العبادة مثل: القصر، فالتخفيف أنواع، وتارة بالإسقاط بالكلية، العاجز عن الحج يسقط عنه الحج: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً آل عمران:97.

الآن هذا الإنسان إما أن يكون عاجزاً بنفسه أيضاً، وإما أن يكون عاجزاً عن الآلة التي يتمكن فيها من العبادة، هذه من ألوان العجز وصوره، عاجز بنفسه مثل: هذا الإنسان الذي لا يستطيع الحج لمرضه الدائم، أو لكبر سنه، لا يثبت على الراحلة، أو نحو ذلك، هذا عاجز، وقد يكون عاجزاً عن الوسيلة التي توصله إلى الحج: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً الراحلة، والنفقة التي توصله إلى هناك.

فالحاصل: أن مثل هذا الإنسان لا يحكم عليه بحكم واحد، إنسان عاجز عن الحج نقول: يسقط عنك بإطلاق؟ هو عاجز بنفسه لكن ليس بعاجز عن الوسيلة، عنده مال، غني، فماذا نقول له؟

نقول: حجِّجْ بمالك عنك، ما برأنا ساحته تماماً، عاجز بنفسه ولكنه قادر على الوسيلة للحج، فمثل هذا نقول: حجِّجْ بمالك.

إنسان آخر قادر ببدنه، ولكنه عاجز عن الوسيلة إلى الحج الموصلة إليه، فماذا نقول لهذا الإنسان؟

نقول له: إن كان يمكنك الحج من غير حاجة إلى الراحلة مثل أهل مكة، أو من حولها فيحج، وإذا كان حجه يتوقف على الراحلة وما إلى ذلك -النفقة-، فمثل هذا نقول له: هذا يسقط عنك.

فمثل هذه الأشياء تعتبر وتراعى، والتخفيف أنواع، وهذا كله من يسر هذه الشريعة، وبهذا نعرف أن المشقات منها ما هي كبيرة، ومنها ما هي صغيرة، ومنها ما هي متوسطة، يُنظر إلي أي شيء أقرب، إلى أي الطرفين أقرب إلى هذا أو إلى هذا.

من الأمثلة على ذلك: المسح على النعلين عند الحاجة، إنسان يلبس نوعًا من النعال يصعب نزعه لسبب أو لآخر، إما لطريقة لبسه، أو لأن في رجله جراحًا، أو نحو ذلك، يصعب معها نزع هذا النعل مثلاً، فماذا يصنع؟ نقول: تمسح على النعلين؛ لأن "المشقة تجلب التيسير".

الموالاة في الوضوء واجبة.

وحد الموالاة: ألا يقطع ذلك بما يطول عرفاً.

بعض الفقهاء يقيدون: أن لا يجف العضو، وهذا لا ينضبط؛ لأنه في الهواء في الحر، في البرد قد يجف بوقت سريع، لكن يقال: الفصل لا يطول عرفاً.

لكن لو أنه انقطع لمصلحة تتعلق بالوضوء، إنسان يتوضأ ثم توقف الماء الذي يتوضأ منه، توضأ نصف الأعضاء، أو بقي القدم؟، ماذا يصنع؟.

نقول له: اذهب ابحث عن ماء آخر.

طيب: أين الماء الآخر؟، لربما في المسجد.

اذهب إلى المسجد.

الوضوء صحيح؟

نقول: الوضوء صحيح.

ما بقي إلا القدم، وجفت الأعضاء، وصار له عشر دقائق منذ أن توضأ في الأعضاء الأولى؟

نقول: "المشقة تجلب التيسير"، وهذا عذر معتبر.

يتوضأ ثم انتهى هذا الكأس -مسافر أو انتهى الكأس-، يحتاج أن يذهب ليشتري.

نقول له: اذهب واشترِ وكمل هذا الوضوء.

صوم الكفارة الذي يجب فيه التتابع، صيام الشهرين المتتابعين إذا مرض، المرأة إذا حاضت، ماذا يصنع؟

نقول له: تفطر ثم بعد ذلك تواصل، ولا تبدأ من جديد؛ لأن: "المشقة تجلب التيسير".

هل نقول له: صم وإن كنت مريضاً حتى لا تقطع الصوم؟

نقول: لا، يجوز لك أن تفطر مع هذا المرض الذي يصح معه الفطر.

الجبيرة هل يشترط أن توضع على طهارة مثل الخف؟ الآن هذه حالة طوارئ، الآن هذا الإنسان صار له حادث وكذا كيف نوضئه أولا من أجل أن نضع عليه جبيرة؟ توضئ ماذا؟

دع الرجال الآن ينقذونه، انكسر، هو الآن في مشغلة؛ فهو غير متذكر وضوءًا، ولا هو وقت صلاة، فوُضعت له الجبيرة، نقول: اخلعها حتى تغسل ما تحت العضو؟

الجواب: لا، "المشقة تجلب التيسير"، فلا يشترط في هذا الجبيرة أن تكون على طهارة.

وكذلك لا يشترط فيها المدة؛ لأن "المشقة تجلب التيسير".

وهل يُكتفى في اللفائف والجبائر أن تكون على موضع العلة فقط؟، وما زاد فما حكمه؟

إن كانت الزيادة لمصلحة كأن تمسك هذه الجبيرة أو اللفافة فلا بأس؛ لأنه يلحق الإنسان مشقة حينما لا يضع ذلك إلا على موضع العلة.

وقل مثل ذلك فيما وسعه الشارع في صلاة النافلة في السفر، الفريضة محدودة، تنزل من الراحلة وتصلي وتستقبل القبلة، إذا كنت في حال الحرب أو نحو ذلك تصلي كيفما اتفق، أو الإنسان الهارب من عدو يلاحقه أو سبع أو نحو ذلك يصلي الفريضة كيفما اتفق، لكن في أمن، وليس هناك رفقة يخاف فواتهم -يريد أن يلحق بهم-، فهنا نقول له: انزل وصلِّ واستقبل القبلة في الفرض، فهو محدود، لكن النوافل لو قلنا له: يجب أن تنزل وإلا ما تصلي نوافل، فكيف يقوم الليل؟ وكيف يصلي في النهار نوافل؟

نقول: صلِّ من غير استقبال على الراحلة كيفما اتفق، ولا تُطالَب لا بقيام ولا بركوع ولا بسجود، وإنما بالإيماء، فهذا من التخفيف، لماذا؟ "المشقة تجلب التيسير".

من صور هذه المسألة: كثير من النساء تسأل تقول: إنها كانت تحيض وكانت تجهل أن الصيام يُقضَى، ومضى عليها عشرون سنة، ماذا نقول لها؟ نقول لها: تقضين السنوات الماضية؟

بعض الفقهاء يقولون: نعم.

والأقرب: أنها لا تقضي ذلك، وهو اختيار الشيخ تقي الدين -رحمه الله-؛ لأن الأدلة دلت على هذا، و"المشقة تجلب التيسير".

المرأة التي أخبرت النبي ﷺ أنها تستحاض وتترك الصوم والصلاة، ما قال لها: اقضي ما سبق.

معاوية السُّلمي حينما عطس، وقال: الحمد لله، ثم قال: واثكل أمَّيَّاه، ما بالكم تنظرون إليّ؟([14]) يتلفت ويتكلم في الصلاة وما إلى ذلك، هذا ما شأنه؟ ما قال له النبي ﷺ: تعيد كل الصلوات الماضية لأنك تتكلم وتتلفت، وإنما علّمه.

المسيء صلاته أمره أن يعيد الصلاة التي في الوقت([15])، لكن ما قال: أنت طول عمرك تصلي بهذه الطريقة يجب عليك أن تقضي كل الصلوات، تعيدها؛ لأنه كان جاهلاً، وهكذا.

فلا يطالب هذا الجاهل في الصلوات التي مضت أن يعيد ذلك.

وكذلك من الأمثلة: لو أن إنسانًا تعطل في السفر، وعنده صبية ونساء، أو امرأة، ويخاف عليهم لو ذهب يتوضأ، هو يرى محطة بنزين لربما تبعد عنه مسافة كيلوين، ويخاف إذا ذهب على قدميه أن يصيب هؤلاء مكروه، يخاف عليهم، وليس عنده ماء، ماذا نقول له مع أنه يستطيع الوصول إلى الماء في الوقت، وفي أول الوقت؟، نقول له: تيمم وصلِّ عندهم.

إنسان في البلد والمؤذن يؤذن صلاة الجماعة، بل صلاة الجمعة، وهو في مكان لا يأمن فيه على عرضه، يخشى إذا خرج، أو لا يأمن على نفسه، فماذا يصنع؟

نقول: تسقط عنك الجمعة والجماعة، إذا كان لا يأمن على نفسه، لا يأمن على عرضه، لا يأمن على ماله، بلد تنتشر فيها السرقات، مجرد ما يخرج الإنسان بيتُه يسرق، نقول له: يسقط عنك حضور هذه الصلاة وتصلي في بيتك.

طهارة ماء الرجل، لماذا ماء الرجل طاهر؟

من تيسير الشريعة؛ لأنه لا يمكن، يصعب جدًّا التنزه من ذلك، فهو كما قال بعض أهل العلم: هو من طوّافي الثياب والفُرش، من طوّافي الثياب والفرش، مثل: الهرة رُخص في الماء الذي تشرب منه أو الإناء الذي تلغ فيه، قال النبي ﷺ: إنها من الطوّافين([16])، يصعب التحرز من الهرة، فالتحرز من هذا أصعب من التحرز من الهرة، بل يمكن التحرز من البصاق ونحوه أكثر من التحرز من مثل هذا، فكان ذلك طاهراً تخفيفاً على المكلفين.

هذه نماذج من الأمثلة.

وليس واجبٌ بلا اقْتدارِ *** ولا مُحَرَّمٌ مع اضطرارِ

هذه القاعدة عبر عنها المؤلف -رحمه الله- في كتابه الآخر بقوله: "الوجوب يتعلق بالاستطاعة، فلا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة".

العبارة هنا في النظم أدق من العبارة التي في النثر لماذا؟ ما الفرق بين العبارتين؟

الفرق في كلمة: الوجوب، وكلمة: واجب.

في القواعد الجامعة قال: "لا وجوب"، وفي هذا النظم قال: "لا واجب".

وأي العبارتين أدق؟

"واجب".

في القواعد الأصولية يمكن أن نقول: الوجوب؛ لأن القواعد الأصولية تتعلق بخطاب الشارع، بالمكلفين، بالأدلة.

فالوجوب يتعلق بخطاب الشارع، بإيجاب الشارع، بينما الواجب هو الحكم التكليفي نفسه، فهنا حينما نتكلم عن القواعد الفقهية، الكلام على القواعد الفقهية يتعلق بالأحكام العملية، فنقول: واجب.

فالحاصل: أن القاعدة هذه يمكن أن نعبر عنها بعبارة مختصرة: "لا واجب مع العجز".

والجملة الأخرى منها لأنهما قاعدتان ليست قاعدة واحدة، ويمكن أن تعتبرها قاعدة واحدة بتركيب الطرفين، إذا أردنا أن نعبر عن الجزء الآخر بعبارة معتادة عند العلماء، ومعروفة ومألوفة، نقول: "الضرورات تبيح المحظورات".

إذن الجزء الأول عبرنا عنه: "لا واجب مع العجز".

والجزء الثاني: "الضرورات تبيح المحظورات".

هذه القواعد هل لها علاقة بالقاعدة السابقة: "المشقة تجلب التيسير"؟

نعم، هي متفرعة عنها، وداخلة تحتها "المشقة تجلب التيسير"، فيسقط الوجوب مع العجز، وإذا حصلت الضرورة ارتكبنا المحظور، بناءً على أن "المشقة تجلب التيسير".

ما الأدلة على هذه القاعدة؟

يمكن أن نستدل بالأدلة السابقة التي تدل على يسر الشريعة وسهولتها، ورفع الحرج عن المكلفين، فالله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن:16، وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً آل عمران:97، والنبي ﷺ يقول: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)([17])، وحديث عمران بن حصين: (صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)([18]).

إذن لا واجب مع العجز، وما ذكرته في شرح القاعدة السابقة والأمثلة التي عليها يكفي لتوضيح تلك القاعدة، عاجز عن القيام يصلي قاعداً، عاجز عن الصيام يفطر، سواء كان هذا العجز عجزاً كليًّا لا يستطيع أن يصوم أبداً، أو عجزاً مؤقتًا، مريض اليوم ثم يستطيع أن يصوم في وقت آخر، وهذا العجز قد يكون عجزاً حسيًّا أو عجزاً حكميًّا، العجز الحسي مثل: المُقعد لا يستطيع أن يقوم، والعجز الحكمي يستطيع أن يقوم لكن بكلفة ومشقة كبيرة، فهذا في حكم العاجز حسًّا، يوجد مانع يمنعه من ذلك، فهو عاجز حكمًا، وإن لم يكن بعاجز حسًّا، فالعجز إما أن يكون حكميًّا، وإما أن يكون حسيًّا، مثلما نقول في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: العجز الحسي مثل: لو أن الإنسان هذا لا يستطيع أن يتكلم أصلاً، هو أبكم، فلا يستطيع أن ينكر على هذا الإنسان باللسان.

والعاجز الحكمي يستطيع أن يتكلم وأن ينكر عليه لكنه يلحقه ضرر معتبر لو فعل، فيسقط عنه الوجوب، مثل: الجهاد في سبيل الله إذا كان فرض عين إما على جميع الأمة أو على معين، فهذا الإنسان إذا كان عاجزًا عجزًا حسيًّا، كان مُقعدًا، لا يستطيع أن يجاهد، فماذا يصنع؟

 

العاجز الحكمي يستطيع أن يتكلم وأن ينكر عليه لكنه يلحقه ضرر معتبر لو فعل، فيسقط عنه الوجوب، مثل: الجهاد في سبيل الله إذا كان فرض عين إما على جميع الأمة أو على معين، فهذا الإنسان إذا كان عاجزًا عجزًا حسيًّا، كان مُقعدًا، لا يستطيع أن يجاهد، فماذا يصنع؟

 

نقول: يسقط عنه.

أو عاجز عجزاً حكميًّا، لا يستطيع؛ لأنه يلحقه ضرر معتبر، فنقول: هذا عجز حكمي.

والعجز -كما سبق- إما أن يكون بالبدن، وإما أن يكون عن الآلة التي يتوصل بها أو بوسيلتها أو بواسطتها إلى المطلوب، إما أن يكون عاجزًا عن هذا وهذا في الوقت نفسه، وإما عن هذا أو عن الآخر، مثل: الحج، عاجز ببدنه قادر بماله، أو قادر ببدنه عاجز بماله، أو عاجز ببدنه وماله، إنسان مقعد وفقير.

فقاعدة: "الضرورات تبيح المحظورات" كثيراً ما يحتج بها العامة، فهل هي على إطلاقها؟ كل ضرورة تبيح المحظور، أو أنه يراعى فيها بعض الأشياء؟.

تذكر دائماً أبواب الترجيح في مراتب شرائع الدين: ضرورات وحاجيات وتحسينيات، والضرورات على خمس مراتب، فـ"الضرورات تبيح المحظورات" الآن هل هي على إطلاقها؟

الجواب: ليست على إطلاقها.

هذا الإنسان مريض ويريد أن يذهب إلى الكهنة والسحرة والعرافين والمشعوذين، ويقول: إذا حلت الضرورة حل المحظور، كما يقول العامة في كثير من الأحيان.

نقول له: الآن أنت تطلب شفاء البدن في سبيل بذل الدين؛ لأن من جاء إلى هؤلاء العرافين فصدقهم فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ([19]).

فالحاصل: هذا الإنسان الآن هل يذهب إلى السحرة والعرافين؟

الجواب: لا.

هل هذه ضرورة؟

نقول: هذه الضرورة لا تبيح المحظور؛ لأن الضرر الذي تريد أن ترتكبه -هذا المحظور- يتعلق بدرجة أعلى في الدين، في سبيل حفظ مرتبة أدنى وهي النفس، فحفظ الدين أعظم من حفظ النفس، فلا يجوز لك أن تقدم على هذا العمل.

لكن متى تكون الضرورات مبيحة للمحظورات؟

إذا كانت مساوية لها بالمرتبة أو أدنى منها، فهنا نقول: "الضرورات تبيح المحظورات".

وهذا أمثلته كثيرة جدًّا، من الأمثلة على هذا النوع: إذا اضطر الإنسان إلى أكل الميتة، ماذا يصنع؟

يأكل من الميتة.

لو أنه غُص ولم يجد إلا خمراً ليدفع الغصة؟

نقول: "الضرورات تبيح المحظورات".

أصيب بمرض احتاج إلى عملية في موضع يحتاج إلى إبانة العورة فيه، فهنا نقول: "الضرورات تبيح المحظورات".

وقد لا تكون ضرورة تماماً، لكن ليست عملية تجميلية، لكنها حاجة، فهنا قاعدة أخرى: "الحاجة تنزل منزلة الضرورة"، المرأة حينما يطببها الرجل نقول: على أي شيء؟ هل هناك عذر معتبر في هذا؟ فنقول: "الضرورات تبيح المحظورات"، و"الحاجة تنزل منزلة الضرورة" في حال عدم وجود الطبيبة.

حينما نقول: "الضرورات تبيح المحظورات" أخْذُ مال الغير لو أن إنسانًا أشرف على الهلاك وجد مالا لمعصوم هل له أن يأكل منه من غير إذنه؟

الجواب: نعم، ليقيم صلبه، ويحفظ مهجته "الضرورات تبيح المحظورات".

السكنى في بلاد الكفار لا تجوز، محرمة، لكن لو إنسان اضطر إلى هذا، ما وجد مكانًا إلا بلاد الكفار، نقول: "الضرورات تبيح المحظورات".

لو كان ذلك لحاجةٍ ومصلحةٍ للمسلمين، نقول: "الحاجة تنزل منزلة الضرورة"، وهكذا.

فهي متفرعة أيضاً على قاعدة: "المشقة تجلب التيسير".

القاعدة التي بعدها مباشرة تتعلق بها، وهي قيد ضروري لها.

وكلُّ محظورٍ مع الضرورةْ *** بقَدْرِ ما تحتاجه الضرورةْ

هذه قيد للقاعدة السابقة، والعلماء يعبرون عنها عادة بقولهم: "الضرورات تقدر بقدرها".

القاعدة السابقة: "الضرورات تبيح المحظورات"، هل إذا أباحت المحظورات يبقى الباب على مصراعيه؟

الجواب: لا، "الضرورة تقدر بقدرها"، والدليل: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ الأنعام: 145، فهنا يكون ذلك مغتفراً في حقه، فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ المائدة:3 أي: مائلاً إليه؛ فإنه يكون بذلك مرخصًا له بارتكاب هذا المحظور بهذا القيد: غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ، فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ المائدة: 3، فهذا الإنسان مضطر الآن للميتة أو مضطر ما وجد إلا خنزيرًا، هل يأكل من هذا الخنزير؟ ما وجد أي شيء إنما وجد لحم خنزير، وجد إنسانًا مارًّا ومعه لحم خنزير قال: أنا أعطيك.

فنقول: "الضرورات تبيح المحظورات"، لكن "الضرورات تقدر بقدرها"، فماذا يصنع بهذا اللحم؟ هل يجلس يصنع منه ألوان المشويات والمقليات، وما إلى ذلك، يتفنن به ويتلذذ؟

الجواب: لا.

هذا الإنسان اضطر سيموت من العطش، فوجد خمراً، نقول له: يجوز لك أن تشرب لتدفع عن نفسك الهلاك، قال: انتظروا، دعوني أحضر كأسًا من نوع خاص، وأجلس في مكان عنده ماء.

فنقول: هذا ما هو حال مضطر، يشربها بنشوة وفرح واعتزاز وانبساط وسرور.

التصاوير حرام، لكن قد يضطر الإنسان إليها، فهل معنى هذا أنه يتوسع؟، وإذا أراد أن يذهب إلى المصور هذا يلبس غير اللباس الذي يلبسه، ويتزين، ويقف أمام المرآة فترة ينظر؟

نقول: لا، الأصل أن تذهب بهيئتك الطبيعية العادية، مضطر، حتى لا يظهر من فعلك أنك مستروح لهذه المعصية، وفرحٌ بها، ومسرور، وإنما تفعلها وأنت كاره.

"الضرورات تقدر بقدرها" لو الإنسان فيهعلة في موضع من العورة في الفخذ، هل معنى هذا أنه يحتاج إلى أن يكشف العورة كلها؟

لا، وإنما فقط هذا المكان.

لو أن امرأة عندها علة في العين وما وجدت طبيبة، نقول: تذهب إلى الطبيب تكشف عن وجهها؟

لا، تكشف عن العين فقط؛ لأنها موضع العلة "الضرورات تقدر بقدرها".

وكذلك لو أن هذا الإنسان اضطر إلى أخذ مال من معصوم، فماذا يصنع؟ نقول: يتوسع فيه؟

لا، يأخذ بقدر ما يقيم صلبه.

مسألة الناس -الأموال- لا تجوز إلا في حال الاضطرار، لا تحل المسألة إلا للثلاثة الذين ذكرهم النبي ﷺ الرجل الذي نزلت به مصيبة -آفة- اجتاحت ماله، والرجل الذي تحمل حَمالة..([20]).

فالحاصل: أن هذا يأخذ بقدر ما يكفي لرفع هذه العلة العارضة فقط، وما يتوسع يجلس طول عمره يسأل الناس، وإنما يأخذ بالقدر الذي يرتفع فيه عن هذا الضر والجائحة، ما يستمرئ هذه القضية، ويتخذها مهنة، وإنما يأخذ بالقدر الذي يكفيه، يقول: أنا ما عندي طعام لعيالي، أعطاك إنسان عشرة، تكفيك، وكثيرة، ما في داعٍ أن تجلس أكثر.

هذه الأمور يجب أن تراعى.

إذن "الضرورات تقدر بقدرها".



[1]- أخرجه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب من أدرك من الفجر ركعة، برقم (579)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة، برقم (608).

[2]- أخرجه مالك في الموطأ، برقم (3425)، تحقيق الأعظمي.

[3]- نشر البنود شرح مراقي السعود (2/244)، ط الرباط.

[4]- أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة، برقم (1458).

[5]- أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده، باب أحاديث أبي موسى الأشعري -رحمه الله-، باب وما أسند عن عثمان بن أبي العاص، برقم (981)، وقال الألباني: "إسناده ضعيف" كما في ضعيف أبي داود، برقم (529).

[6]- أخرجه أبو داود، كتاب السنة، باب في قتال اللصوص، برقم (4772)، والترمذي، كتاب أبواب الديات عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد، برقم (1421)، والنسائي، كتاب تحريم الدم، باب من قاتل دون دينه، برقم (4095)، وأحمد، برقم (1652)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (3529)، وفي صحيح الترغيب والترهيب، برقم (1411) بلفظ: "ومن قتل دون أهله فهو شهيد".

[7]- أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله ﷺ، برقم (7288)، ومسلم كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، وفي الفضائل باب توقيره ﷺ وترك إكثار سؤاله مما لا ضرورة إليه، برقم (1337).

[8]- أخرجه أحمد في المسند، برقم (2107)، وقال محققوه: "صحيح لغيره"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (160)، وفي السلسلة الصحيحة، برقم (881).

[9]- أخرجه أحمد في المسند، برقم (15936)، وقال محققوه: "إسناده حسن"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (3309).

[10]- أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب الدين يسر، برقم (39).

[11]- أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب ما كان النبي ﷺ يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا، برقم (69)، ومسلم كتاب الجهاد والسير، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير، برقم (1734).

[12]- أخرجه الترمذي، كتاب أبواب الصوم عن رسول الله ﷺ باب ما جاء في الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع، برقم (715)، والنسائي، كتاب الصيام، ذكر اختلاف معاوية بن سلام وعلي بن المبارك في هذا الحديث، برقم (2275).

[13]- انظر: الموافقات (2/ 94)، و(2/ 209)، و(2/ 291).

[14]- أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحته، برقم (537).

[15]- أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها، في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت، برقم (757)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، برقم (397).

[16]- أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب سؤر الهرة، برقم (75)، والترمذي، أبواب الطهارة عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في سؤر الهرة، برقم (92)، والنسائي، كتاب الطهارة، باب سؤر الهرة، برقم (68)، وابن ماجه، أبواب الطهارة وسننها، باب الوضوء بسؤر الهرة والرخصة في ذلك، برقم (367)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (3437).

[17]- أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله ﷺ، برقم (7288)، ومسلم، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، وفي الفضائل باب توقيره ﷺ وترك إكثار سؤاله مما لا ضرورة إليه، برقم (1337).

[18]- أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب إذا لم يطق قاعدًا صلى على جنب، برقم (1117).

[19]- أخرجه الترمذي، كتاب أبواب الطهارة عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض، برقم (135)، وابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب النهي عن إتيان الحائض، برقم (639).

[20]- أخرجه مسلم، كتاب الكسوف، باب من تحل له المسألة، برقم (1044).

مواد ذات صلة