الأحد 20 / جمادى الآخرة / 1446 - 22 / ديسمبر 2024
06- الحسبة، المظالم المشتركة، المعارج. (القواعد 89-105)
تاريخ النشر: ٢٤ / ذو القعدة / ١٤٣٢
التحميل: 6051
مرات الإستماع: 3359

الحمد لله، والصلاة، والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

قال الشيخ -رحمه الله-:

لا بد من العلم بالمعروف، والمنكر، والتمييز بينهما، ولا بد من العلم بحال المأمور، والمنهي، ومن الصلاح أن يأتي بالأمر، والنهي بالصراط المستقيم، وهو أقرب الطرق إلى حصول المقصود، ولا بد في ذلك من الرفق، ولا بد أيضًا أن يكون حليمًا، صبورًا على الأذى؛ فإنه لا بد أن يحصل له أذى، فإن لم يحلم، ويصبر كان ما يُفسد أكثر مما يُصلح، فلا بد من هذه الثلاثة: العلم، والرفق، والصبر.

العلم قبل الأمر، والنهي، والرفق معه، والصبر بعده، وإن كان كل من الثلاثة مُستصحَبًا في هذه الأحوال.

الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي -رحمه الله- ينقل من رسالة الحسبة، يقول: لا بد من العلم بالمعروف، والمنكر، والتمييز بينهما، ولا بد من العلم بحال المأمور، والمنهي، لا بد من العلم بالمعروف، والمنكر؛ من أجل أنه إن لم يكن له علم بذلك؛ فقد ينهى عن بعض المعروف، وقد يأمر بما هو منكر، ومن ثَمّ فإنه لا يكون بذلك آمرًا بالمعروف، أو ناهيًا عن المنكر؛ ولهذا فإن من يأمر، وينهى من غير علم؛ فإنه يفسد أكثر مما يصلح، فلا بد من العلم بما جاء به الرسول ﷺ.

كذلك العلم بحال المأمور، والمنهي؛ لأن الشيء قد لا يكون منكرًا في بعض الاعتبارات، وقد يكون منكرًا في نفسه، ولكنه بالنظر إلى فاعله لا يكون فاعله مقارفًا لمنكر، فالجاهل جهلًا يعذر به مثله، والمخطئ، والناسي، وما أشبه ذلك، مثل هؤلاء حينما يفعل ما هو منكر في نفس الأمر لكنه معذور، فلو أن أحدًا -مثلًا- أكل، أو شرب في نهار رمضان، وهو صائم، لكنه نسي صومه، فهنا لا بد من معرفة حال هذا الإنسان قبل أن نُقدم على الإنكار نحتاج أن نعلمه، وأن نذكره، لا يجوز السكوت؛ لكن انتهاك حرمة الصوم هذا أمر يجب إنكاره، لكن قد يكون من صدر منه غير مقارف لمنكر، فهو بالنسبة إليه معذور، لكن يجب الإنكار هنا.

وقد يكون متأولًا، أو جاهلًا كالذي يأكل، ويشرب مثلًا إلى الإسفار، ويبني ذلك على أنه معنى التبيّن حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة: 187] وربما يكون قرأ بعض الآثار المنقولة عن السلف في هذا الباب، فبادر، وعمل بما فهم من بعضها، فمثل هذا يحتاج أن يُعلَّم، ذاك يحتاج أن يُذكَّر، هذا يحتاج إلى أن يُعلَّم.

وقل مثل ذلك قد يكون الإنسان معذورًا من جهة أنه مخطئ، أراد شيئًا فوقع في شيء آخر؛ فلا يكون بذلك مقارفًا لمنكر، وإن كان يجب بيان ذلك له.

وقد يكون له قناعة، واعتقاد في هذا الشيء، كأن يكون من طلاب العلم، من أهل العلم، يكون عالمًا؛ ولهذا فرّق الإمام أحمد -رحمه الله- في مسألة الركبة مثلًا هل هي عورة، أو ليست بعورة[1] فيها خلاف، فإظهارها، وانكشافها، وكذلك في الصلاة إذا انكشفت هل يقال: إن صلاته صحيحة، أو غير صحيحة؟ فإن كان المحتسب يعتقد أن ذلك من العورة؛ فإنه ينظر إلى حال المأمور، والمنهي، فإن كان من أهل العلم، والنظر؛ فإن المذاكرة تتجه في هذا المقام، هذا مقام مذاكرة، ليس مقام إنكار، يقول له: غطِّ ركبتك، صلاتك غير صحيحة، أعد الصلاة، يقول له: تعال أعلمك حدود العورة، وأعلمك متى تصح الصلاة، ومتى لا تصح الصلاة.

ومن الطرائف ما يذكر عن الشيخ ابن قاسم -رحمه الله- أنه أراد دخول الرياض -وهذا مذكور في ترجمته- فلقيه بعض المحتسبين ممن كان يُعرف في ذلك الوقت بالإخوان، لهم احتساب، وبذل في هذا الباب، فكانوا على مدخل من مداخل الرياض، فلما جاء بدأوا يسألونه، فقال: أنا أريد أن أسأل، هل دخلتم في الدين؟ أو أن الدين دخل فيكم؟

فتحيروا فيه، ما عرفوا الجواب، وعرفوا أن الرجل من أهل العلم، فأعرضوا عنه.

فالمقصود أنه يفرق في مثل هذه الحالات، لا بد من معرفة حال المأمور، والمنهي، هل له اجتهاد؟ أو أهل العلم ممن يسوغ له النظر في مثل هذا، والمسائل المختلف فيها متى تنكر، ومتى لا تنكر، ويعرف نوع المسائل الواقعة، المسائل الاجتهادية لا إنكار فيها، وهذه لها ضوابط، وذلك كأن تكون المسألة وردت فيها أدلة تقابلت، مثل: مسألة الاستقبال، والاستدبار حال قضاء الحاجة، أو يكون ورد فيها دليل خفي مأخذه، مثل: لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة[2] أو أنه لم يرد فيها دليل أصلاً، وإنما مرجع ذلك إلى الاجتهاد، وهذا كثير في المسائل الجزئية.

فهذه المسائل الاجتهادية لا ينكر فيها، وما وراء ذلك من المسائل الخلافية؛ فإنه ينظر في حال من وقع ذلك منه، فقد ينكر، وقد تتجه المذاكرة إن كان المحتسب أهلاً للمذاكرة، أما إن كان لا علم له، ولا بصر أصلًا فإنه يتوقف، لا بد من العلم بحال المأمور، والمنهي.

قال: ومن الصلاح أن يأتي بالأمر، والنهي؛ لأنه كان يتحدث عن الصلاح، وأن الله أثنى على المصلحين، وأن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر هو من الإصلاح، وأنه ينبغي النظر في مراعاة المصالح، والمفاسد، فهو يقول هنا: من الصلاح أن يأتي به على الصراط المستقيم.

ثم قال: لا بد في ذلك من الرفق، ولا بد أن يكون حليمًا، صبورًا، كل هذا من الصراط المستقيم، أن يعرف المعروف، والمنكر، وأن يعرف حال المأمور، والمنهي، وأن يتحلى هو بما يجب؛ حتى لا يخرج بذلك عن الحد الصحيح الذي ينبغي عليه أن يسلكه، وأن يلزمه، فذكر الحلم، فهذا يقابله الغضب، فإذا كان يغضب لكل شيء في غير مقامات الغضب، النبي ﷺ غضب في بعض المواقف، لكن هذا يغضب على كل أحد، كل من وقع في منكر غضب عليه، وعامله بمقتضى الغضب، فمثل هذا لا يصح، لا بد من الحلم، ولا بد من الصبر؛ فإنه لا بد أن يحصل له أذى، فإن لم يصبر، ولم يحصل منه حلم ؛كان ما يُفسد أكثر مما يُصلح، لا بد من العلم، والرفق، والصبر.

قال: العلم قبل الأمر، والنهي، والرفق معه، والصبر بعده. والواقع أن هذه الأشياء متلازمة؛ ولهذا قال بعده: وإن كان كل من الثلاثة مُستصحَبًا في هذه الأحوال، فمثلًا هو يحتاج إلى الرفق في مبدئه، فيتلطف، وينظر في المدخل الصحيح الذي يصل فيه إلى مطلوبه، وحينما يأمر، أو ينهى يحتاج إلى رفق، وبعده يحتاج أيضًا إلى رفق، فقد يصدر منه أشياء، أو من المأمور والمنهي أشياء، فينفرط صبره.

كذلك في الصبر، يحتاج إلى أن يصبر أولًا في لزوم الطريق الصحيح، وأن يصبر أثناء الأمر والنهي، فلا يخرج عن الحد الشرعي، وأن يصبر بعده على ما يحصل، أو ما قد يحصل له من الأذى؛ ولهذا قال الله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلهمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125] "بالحكمة" فالباء هنا تفيد المصاحبة، يعني: مستصحبًا الحكمة، والموعظة الحسنة، فيكون ذلك قبله، وفي أثنائه، وبعده؛ ولهذا جاء بها: بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ أي: وبالموعظة الحسنة، فالحكمة، والموعظة الحسنة لا تفارقه، وأما المجادلة فلما كانت عارضة، وليست الأصل تغيرت الصيغة، قال: وَجَادِلهمْ لم يقل: وبالمجادلة، أو والمجادلة بالتي هي أحسن، فهي حالة عارضة.

فهذا كله مما يُحتاج إليه، وإلا يكون هذا الإنسان لربما يدخل في أشياء ما كان ينبغي الدخول فيها من المهاترات، ولربما تتحول القضية إلى نوع من الانتصار للنفس، وقد يُخذل بسبب ذلك، وقد يتخلف مقصوده من الأمر والنهي، والاحتساب، فلا ينتفع المقابل بذلك.

وهذا لا يعني بالضرورة أن المقصود هو الأمر والنهي المباشر الذي يكون في السوق لامرأة متبرجة، أو لإنسان يقارف معصية، فالموضوع أوسع من هذا، يعني نحن نقول مثلاً: هذا الداعية، أو المحاور، أو الذي يخرج في قناة فضائية، أو الذي يؤسس قناة فضائية، أو يصدر أشرطة، أو نحو ذلك يمكن أن يتكلم هذا مع بعض الطوائف، أو أن يرد عليهم، أو أن يبين فساد ما هم عليه، أو نحو ذلك بأسلوب ينفرهم منه غاية النفور، والله يقول: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلهمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُه وهنا لا بد من هذه الأمور: رفق، وحلم، وعلم، وصبر، ومن أنفع ما يكون للإنسان أن يحدد هدفًا في هذه الأشياء كلها، فإذا وضع قناة فضائية، أو موقعًا في النت، أو صار يكتب، ويؤلف يضع الهدف تخاطب من؟

مَن الفئة المستهدفة؟ ما هو الهدف الذي تريد الوصول إليه؟

إن كنت تريد الوصول إلى هدايتهم، وتخاطب فئة طلبة العلم، أو العوام هنا يتغير الأسلوب، وكذلك أيضًا اللغة التي يتكلم بها هذا الإنسان من حيث الشدة، والعنف، والشناعة، ونحو ذلك، تأتي بالحجج، والأدلة، والكلام المقنع بعيداً عن الإقذاع، وعبارات التشفي، والكلمات الجارحة التي تصدهم عما تدعوهم إليه، فهذا ينبغي أن يراعى، ونحن في كثير من الأحيان ننطلق من غير أهداف، فنأتي بكل شيء، فتجد هذه الحجج، والردود، والمناقشات، وبيان الحق أحيانًا محملًا بكثير من العبارات التي تصد هؤلاء عن قبول ما نأمرهم به، أو ننهاهم عنه.

وهذا تجده حتى في خطيب الجمعة حينما يخاطب الناس، ويوجه الخطاب إليهم أنتم كذا، وأنتم كذا، وأنتم كذا، ويكاد الواحد يضع أصبعيه في أذنيه من ثقل ما يسمع، كان ينبغي أن يتلطف، ويقول: نحن أيها الأحبة، نحن أيها الإخوان، نحن لا نطيق عذاب الله، نحن مقصرون، نحن واقعون في كثير من الخلل، والتقصير في حق الله أو الجراءة عليه، لكن يقول: أنتم تجترئون على الله، أنتم تعصونه جهارًا نهارًا، وأنتم لا تخرجون زكاة أموالكم، وأنتم كذا، وأنتم كذا، فهذا الكلام يثقل على سامعيه.

قال -رحمه الله-:

ومن المعلوم بما أرانا الله في الآفاق، وفي أنفسنا من آياته، وبما شهد به في كتابه: أن المعاصي سبب المصائب، فسيئات المصائب، والجزاء من جنس سيئات الأعمال، وأن الطاعة سبب النعمة، فإحسان العمل سبب لإحسان الله.

من المعلوم بما أرانا الله في الآفاق، وفي أنفسنا، يعني: فيما نراه من حولنا، وفيما نراه في أنفسنا، ما يقع للواحد منا، من آياته، وبما شهد به في كتابه أن المعاصي سبب المصائب؛ لأن الله يقول: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: 30] فالمصائب هي بما كسبت أيدينا: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء: 79] فهذا أصل عام، وما يحصل للناس من النقص العام، أو ما يحصل لبعضهم من النقص في أنفسهم، وفي أموالهم، أو غير ذلك إنما هو بسبب ذنوبهم، ولكن العبد إذا كثرت جناياته؛ فإنه قد لا يبصر ذلك، ولا يتبينه، غفلة عنه، نسأل الله العافية.

أما إذا كان الإنسان صاحب تقوى، ومراقبة لله وحفظ لجوارحه، وخطرات قلبه، وما إلى ذلك، فإنه يرى ذلك عيانًا، المعصية مباشرة، يعرف أنها سبب لما وقع له من البلاء، أو المصيبة، أو الضرر، أو الحرمان، إما حرمان دنيا، وإما حرمان عمل من أعمال الآخرة، كأن تفوته الصلاة، أو يفوته ورده من القرآن، أو يحصل له أمر يكرهه، والله المستعان.

فهذه كلها مصائب، فيقول: فسيئات المصائب، والجزاء من سيئات الأعمال، وأن الطاعة سبب النعمة، فإحسان العمل سبب لإحسان الله، وقوله: والجزاء من جنس سيئات الأعمال، كلمة "من جنس" ليست موجودة في كتاب الحسبة، لشيخ الإسلام، فيكون الكلام كالتالي: "أن المعاصي سبب المصائب، فسيئات المصائب، والجزاء من سيئات الأعمال". يعني: أن الإنسان يلقى غبّ ذلك، هذا من سيئات الأعمال، من مقارفات الإنسان السيئة، يلقى جزاء ذلك فيما يقع له من المكروه أيًّا كان نوعه، وأن الطاعة سبب النعمة، فإحسان العمل سبب لإحسان الله، فالطاعة تكون سببًا للتوفيق إلى طاعة أخرى، وتكون سببًا لفتوح من العلم، والخير، والعمل، والجزاء المعجل في الدنيا من ملذات يجدها الإنسان، ويسعد بها، ويهنأ بها في دنياه، بالإضافة إلى ما يجده من السرور، والانشراح، واللذة، والسعادة، "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة"[3].

فهذا كله من نتائج الأعمال الطيبة الصالحة، فإحسان العمل سبب لإحسان الله، والله -تبارك وتعالى- يقول: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل: 97] وهذه الحياة الطيبة في الدنيا، وتكون أيضًا في الآخرة، وليس المقصود بالحياة الطيبة أنه يعيش في رغد، ونعيم مادي، ليس هذا هو المراد، وإنما ما قاله شيخ الإسلام: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة".

والنفس تحتاج إلى مجاهدة حتى يصل إلى هذا، ويجد طعمه؛ فإن الإنسان في الغالب لا يجده إلا في حالتين، وربما يجد ذلك عارضًا في بعض حالاته، لكن يجده في أول توبته، في أول إقباله، يجد لذة، وسرورًا، وانشراحًا؛ لأنه انتقل من حال إلى حال أخرى، فيجد لذة الإيمان، والسرور بمعرفة الله وما إلى ذلك، ثم بعد ذلك يطول عليه العهد، ويحصل له نوع قسوة في قلبه، وغفلة، فيحتاج إلى صبر، ومجاهدة، فإذا وطن نفسه على الطاعة، وصبر عن المعصية، وداوم على الذكر فإنه يحصل له من اللذة، والانشراح، والسرور ما لا يُقادَر قدره، ولهذا بعضهم يقول: "كابدت الصلاة عشرين سنة، وتلذذت بها عشرين سنة"[4].

ولذلك انظر في أمثلة يسيرة، فالإنسان في رمضان حينما يمر عليه وقت من الشهر، وترتاض نفسه على العبادة والقيام، والصيام، فإذا كان في آخر الشهر لربما يحزن لفراقه، ويجد وحشة حال انسلاخه، والسبب أن نفسه كانت تعيش في جنة، في روضة، فاستوحش بعد مفارقتها، الذين لهم اجتهاد في العبادة، والطاعة، وما إلى ذلك سائر العام هم بهذه الحال، الذي اعتاد على طلب العلم لربما يجد من السرور، ونسيان الهموم ما يتمنى أن أهله، ومن يحب أنهم يجدون ذلك، لكن من لم يعتد يشعر أنه كأنه على مَلّة، بل بعضهم لا تطيق نفسه أن يخطو في هذا المجال، ولا أن يقصده، أو يتعنى له، إطلاقًا؛ لأنه لا يطيق ذلك، فالنفس تحتاج إلى مجاهدة، لا يمكن أن يصل الإنسان إلا بالمجاهدات.

قال -رحمه الله-:

أسباب الضلال والغي: البدع في الدين، والفجور في الدنيا، وهي مشتركة تعم جميع بني آدم؛ لما فيهم من الظلم، والجهل.

أسباب الضلال، والغي، يعني: أن الانحراف على نوعين: إما أن يكون بسبب الشهوات، وهذا هو الفجور، والغي، وإما أن يكون ذلك بسبب الشبهات، وهذا يكون في البدع بأنواعها، سواء كانت مما يتصل بالأمور العلمية، أو الاعتقاد، أو كان ذلك مما يتصل بالأمور العملية، فهذا لون من الانحراف، فالانحراف إما هذا، وإما هذا، فهذه أسباب الغي، ولكلٍّ أسبابه، ودوافعه، فهذه البدع لماذا تظهر؟ لماذا نجد من الناس من هو قُحَمة في البدع، يسرع إليها، ويتهافتون، وتجد ذلك ينتشر انتشار النار في الهشيم عبر وسائط اليوم، ورسائل الجوال، وغير ذلك، وإذا جاءت السنة لربما تجد تباطؤاً، وتثاقلًا أحيانًا لدى بعضنا؟ فهذا يحتاج الإنسان أن يلاحظه.

وأما قضية الشهوات، والانحراف بسبب الشهوات، فهذا أظهر من أن يشرح، فهذه مشتركة، تعم جميع بني آدم لما فيهم من الظلم، والجهل، فهو إنما يتجاوز الحد بظلمه إِنه كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب: 72] لكونه يعرف حدود الله ولكنه اجترأ عليها، فهذا ظلم، وإما بجهله، وذلك بأنه وقع في ذلك من غير علم، ويمكن أن يلحق بهذا الجهل أيضًا ما يحصل من الغشاوة على البصيرة بسبب غلبة الشهوة، أو النفس الغضبية، فيقع فيما حرم الله عليه، وذلك جهل منه، جرأة على الله : مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ [الأنعام: 54] ولهذا قالوا: كل من عصى الله؛ فهو جاهل، وسيأتي في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في بعض كتبه الأخرى ما يبين ذلك؛ ولهذا الله قال: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر: 28] لأنهم عرفوه معرفة بأسمائه، وصفاته، وما يليق به، وعرفوا حدوده التي رسمها، ومن ثَمّ لزموا هذا.

هذه جاءت باختصار، وتصرف، الشيخ ابن سعدي -رحمه الله- اختصر فيها، وتصرف في العبارة.

قال -رحمه الله-:

أمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه اشتراك في أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق، وإن لم تشترك في إثم؛ ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة، وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة، وإن كانت مسلمة.

أمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه اشتراك في أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق، وإن لم تشترك في إثم؛ ولهذا يقال كما ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- بأن الدنيا تدوم مع العدل، والكفر[5] هذا الإثم يشير إليه، يعني: قد لا تكون الدولة على ما ينبغي من ملازمة حدود الله وطاعته، وترك معصيته، قد تكون كافرة، أو قد تكون عندها مخالفات، وآثام إلى آخره، لكنها تتوخى العدل بين الناس في الأمور التي يشتركون فيها.

يقولون: الدنيا تدوم مع العدل، والكفر، ولا تدوم مع الظلم، والإسلام، هذا كلام شيخ الإسلام في هذا الموضع حتى يتبين لك المراد؛ ولهذا جاء في الحديث: ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخر له في الآخرة مثل: البغي، وقطيعة الرحم[6] فإن صاحبه يصرع، ولو كان مسلماً.

والمقصود أنه يقول: إذا وُجد حالتان: حالة من التدين، ولكن مع ترك العدل، وحالة من ضعف التدين مع إقامة العدل، فإن مقومات البقاء لدى الثاني أعظم من مقومات البقاء لدى الأول، وذلك لا يختص بالدول، بل حتى في الأفراد، والمؤسسات، مدير المدرسة، الإنسان مع أولاده، وفي بيته، مع عماله، مع الناس عمومًا، فقد يكون فيه تدين، ولكنه ظالم، يظلم هؤلاء المرؤوسين، ويضيع حقوقهم، فمثل هذا قد يقصمه الله .

آخر قد يكون ضعيفًا في التدين، ومفرطًا، صاحب ذنوب، ومعاصٍ، ولكنه على الجادة، صفحته بيضاء من جهة إعطاء الحقوق، وتوفية الناس حقوقهم، لا يظلم أحداً منهم، ويتعامل معهم بالعدل بالقسطاس المستقيم، فهذا مقومات البقاء عنده أعظم من الأول؛ وذلك أن دين هذا الأول يرجع إليه، صلاته ترجع إليه، عبادته ترجع إليه، لكن ظلمه للآخرين، أو العدل معهم هذا هو المتعدي الذي قد تنزل بسببه العقوبة؛ ولهذا قالوا: إن الله قد ينصر الدولة الكافرة إذا كانت عادلة على الدولة المسلمة إذا كانت ظالمة، أو يخذل الظالمة، ولو كانت مسلمة، فلا بد من العدل مع القريب، والبعيد.

ومن الناس من يعدل في حال من سكون النفس، وطمأنينتها، ورضاها، ولكنه مع خصومه، ومن يشنؤهم، ويبغضهم يجور في حكمه، وقد لا يكون له سلطة، فلا يصل إليهم، ولكنه يظلم في حكمه عليهم بقوله، والله يقول: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا [الأنعام: 152] قال: وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ [الأعراف: 85] وهذا تجده في الصعلوك الذي لا يملك شيئًًا، لكنه إذا تكلم فلسان من حديد، يسلق به الناس سلقًا، فمن يحبهم يرفعهم، ومن يبغضهم يبخسهم، فهذا من الظلم.

قال -رحمه الله-:

الباغي يُصرع في الدنيا، وإن كان مغفورًا له، مرحومًا في الآخرة.

هذا كما سبق، وهو تابع لما قبله، وقد رأيتم مِن فعل الله ببعض من بغى، وطغى، وتجبر ما هو آية، وعبرة، لا يقوم مقامها ألف خطبة، ولو أنفقت ما في الأرض جميعًا حتى تبين للناس حقيقة كهذه تتجلى للصغير، والكبير، والقريب، والبعيد، والمسلم، والكافر يراها كل أحد لما استطعت أن تصل إلى ما رأينا، وشاهدنا، وشاهد الناس جميعاً، لطالما قيل للناس: إن الله ليملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته[7]، وقد رأينا هذا رأي العين، وأن الدنيا لا يُغتر بها، وأنه لا يغتر بها إلا الجاهل، وقصة قارون لما خرج على قومه في زينته، ومن تمنوا حاله، ثم بعد ذلك من يتمنى الحال التي صار إليها قارون آنذاك، وما حصل لأمثاله اليوم؟

فهذه المعاني التي يقررها الله في القرآن، ومصارع الظالمين نشاهد بعضها في هذه الأيام، المؤمن يعتبر، ولا يغتر، ويرجع إلى نفسه، وينظر في حاله، وظلمه، وما يحصل منه من التعدي على من تحت يده، وليس بالضرورة أن يكون مُرّأسًا على أمة، إنما على من تحت يده، فإن كان ظالماً معهم لا يقبل قول قائل، ولا عذل عاذل، فكيف إذا كان له رئاسة عظيمة؟ والله المستعان.

وأرى بعض الكتابات واضح أنها من أميين، لا يحسنون الاملاء، يعلقون في بعض المنتديات، ويتفلسفون، ويتكلمون بكلام لا يصلح أن يقال، ويحكمون على أشياء لم يعرفوا حقائقها، وهم لم يتكلفوا شيئًا، ولم يعانوا شيئًا، ويطلقون الأحكام بالنسبة للشريعة، وحكم الشريعة في كذا، وأن هذا يخالف الشريعة، أو أن هذا يوافقها كذبا على الله كقول بعضهم: الأسير لا يجوز قتله مثلا، من أين لهم هذا؟ هذه شريعة الأمم، محكمة الجنايات الدولية، وما أشبه ذلك، ليست هذه شريعة الله فالنبي ﷺ قتل عقبة بن أبي معيط في السفراء، مقفله من بدر، وقتل ﷺ من أسارى بدر النضر بن الحارث في واقعة معروفة، مشهورة، قتلوا صبرًا، وقال له عقبة بن أبي معيط أأقتل بين قريش صبرًا، يعني يقدم للسيف، وتضرب عنقه، وكذلك أيضا شاور النبي ﷺ في الأسرى، فقال له عمر ما قال[8] ونزلت الآيات.

كذلك أيضا ما حصل في فتح مكة، وأن النبي ﷺ أهدر دم رجال، قال: ولو وجدوا متعلقين بأستار الكعبة[9] أو كما قال -عليه الصلاة والسلام- فالإنسان لا يتكلم الا بعلم، والأمي ينبغي أن يعرف قدره، وهذه التعليقات التي فيها ركاكة، وضعف في الإملاء، وضعف في حتى التعبير للأسف تقرأها في المنتديات، وتعليقات، وفلسفات، لا تمت إلى علم، ولا تدل على الأقل مستوى في المعرفة حتى الثقافة لدى الكاتب، ما يعرف يكتب، ويتكلم في المسائل الكبار، فالله المستعان.

قال -رحمه الله-:

يؤمر المؤمنون أن يقابلوا السيئات بضدها من الحسنات، كما يقابل الطبيب المرض بضده، فيؤمر المؤمن بأن يصلح نفسه، وذلك بشيئين: بفعل الحسنات، وترك السيئات، مع وجود ما ينفي الحسنات، ويقتضي السيئات، وهذه أربعة أنواع، ويؤمر أيضًا بإصلاح غيره بهذه الأنواع الأربعة، بحسب قدرته، وإمكانه كما قال تعالى: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:1-2]. إلى آخرها

هو يتحدث عن طريق الإصلاح، كيف يكون الإصلاح؟

النفس أمارة بالسوء، والشيطان يدعوه إلى المعصية، والمنكر، والله يقول: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ [آل عمران: 14]، فكيف يكون الإصلاح؟

قال: المؤمن مأمور أن يقابل السيئات بضدها من الحسنات كما يقابل الطبيب المرض بضده، فيصلح نفسه، فالصلاح، والأعمال الطيبة التي يحبها الله مقصودة لذاتها، وهي التي يحصل بها عمارة القلوب، وإقامة العبودية، وأما ترك السيئات، فهو من باب التخلي؛ لأجل أن يكون المحل قابلًا، فيستكثر الإنسان من العمل الصالح الذي يُرضي به ربه، ويحصل له بذلك الزكاء، زكاء النفوس بفعل الطاعات، وترك المعاصي، الذي هو تخلية المحل.

يقول: يؤمر بأن يصلح نفسه، وذلك بشيئين: بفعل الحسنات، وترك السيئات. هذا هو الإصلاح، فإن هذه السيئات هي بمنزلة الدَّغل في الزرع، كما ذكر شيخ الإسلام في موضع آخر، فتؤثر عليه، وقد تفسده، فلا بد إذن من تجنبها، والمبادرة إلى التوبة مع الإقبال على الله وفعل الطاعة، ولهذا ذكرت في الكلام على التوبة في الاعمال القلبية كلاما في غاية الأهمية لابن القيم -رحمه الله- في التوبة: أن التائب من الذنوب توبة نصوحًا هو الذي يحصل منه إقبال على الله، لاسيما الجرائم العظام، الذنوب الكبار[10] قد يقول: أنا تبت من هذا الذنب، لكن لا يُرى من هذا الإنسان حال من الصلاح، والإقبال على الله، والعبادة، والاستقامة، فمثل هذا توبته ليست كما ينبغي، فلا بد من العمل، ولا بد من الإقبال على الله.

قال: مع وجود ما ينفي الحسنات، ويقتضي السيئات، وهذه أربعة أنواع، والذي ينفي الحسنات، ويقتضي السيئات: ما ذكرت لكم من وجود هذه النوازع التي في النفس، فتبقى المجاهدة مستمرة، تبقى المدافعة، فيكون الإنسان في حال من المدافعة، ومن ثَمّ فإنه إذا آثر -حصل له الإيثار- خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ۝ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات: 40-41] فهو صراع بين عسكرين.

وقد تكلم الشيخ عبد الرحمن المعلمي في كتابه "التنكيل" فيما أُفرد منه القائد، أو الجزء الذي قيل له: "القائد إلى تصحيح العقائد" هو سماه بهذا، فذكر النوازع الموجودة في النفس، وفي الخارج التي تدعوه إلى المعصية، والنوازع الموجودة في النفس، وفي الخارج التي تدعوه إلى الطاعة، ثم كيف صار هذا الصراع محتدمًا، وأن العاقبة، والعبرة بالإيثار، فإن آثر محبوبات الله على مشتهيات النفس، ومطلوبها فإنه يكون ممن استقام سيره على الصراط المستقيم، ويراجع كلامه هناك[11] لأنه يطول ذكر مثل هذه الأشياء، لربما تصل إلى سبعة في هذا الفريق، وسبعة في هذا الفريق، تبدأ من أعماق النفس.

ويؤمر أيضًا بإصلاح غيره بهذه الأنواع الأربعة بحسب قدرته، وإمكانه كما قال تعالى: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر: 1-2] أن نكثِّر الخير في المجتمع، وأن نقلل الشر، هذه خلاصة دعوة الرسل: تكثير المعروف، وتقليل المنكر، لا نستطيع أن نقضي على المنكر، ونوازعه بالكلية، لا يمكن، ولا نستطيع أن نحول الناس إلى ملائكة، ولا يوجد في الدنيا مصلحة خالصة، ولا مفسده خالصة، والله يقول: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ [البقرة:251] هذه سنته في المدافعة، فإذا عُرف هذا فإن الإنسان لا يبتئس، ولا يخطئ في الوقت نفسه، فيخرج عن الطريق، ويبحث عن طريق آخر يتجشمه، ولا يحصل به الإصلاح، وإنما يكون ذلك إما بسبب قلة العلم، أو بسبب ضعف، وقلة الصبر، وإذا تأملت؛ وجدت كثيرًا من الشطط إنما هو بسبب هذا، أو هذا، والله المستعان.

قال -رحمه الله-:

ولا يمكن للعبد أن يصبر إن لم يكن له ما يطمئن به، ويتنعم به، ويغتذي به، وهو اليقين.

هذه تابعة لما قبلها في كلام الشيخ -رحمه الله- هنا يقول: لا بد من الصبر، الصبر على الطاعة وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر: 3] الصبر عن المعصية، الصبر على أقدار الله المؤلمة، الصبر في ضبط النفس في حال الأمر، والنهي، والاحتساب، وما إلى ذلك.

يقول: لا يمكن للعبد أن يصبر إن لم يكن له ما يطمئن به، ويتنعم به، ويغتذي به؛ لأن الصبر له حرارة، وفيه ضيق، حبس للنفس عن مطلوباتها، تريد أن تنفس بالغضب، أو أن هذا الإنسان يريد أن يُنفس بالشهوة، كأن يميل إلى هذا، فيجور في الحكم، أو غير ذلك مما يتصل بالشهوات، فلا بد له حتى يصبر من دافع، والدافع الذي يغذي الصبر، وينميه، ويقويه في نفسه هو اليقين بوعد الله فلا يتشكك، ولا يتزعزع، واليقين بما أعد الله للمتقين، والصابرين، فيكون بذلك ملازمًا للصراط المستقيم، فلا يخرج عنه، وكذلك أيضًا اليقين بالطريق التي يسلكها، وأن هذه الطريقة الصحيحة، لا يكون عنده فيها نوع تردد، فإذا ضعف يقينه حصل منه الخلل؛ ولذلك تجد الناس يعلمون مثلًا أن الجنة حق، والنار حق -أعني المسلمين- ولكن ما الذي يجعل الكثيرين يعرضون عن هذا، ويشتغل بما يكون سببًا لعذاب الله وغضبه؟

هو ضعف اليقين، الله حينما يدعونا إلى الإنفاق، ويحصل منا انقباض، وبخل، وشح، ونحن نعلم أن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَالله يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261] نعلم هذا، ولكن إذا جاء الإنسان يتصدق، فإن النفس قد تضعف؛ لضعف اليقين.

يعلم أن الله يراه، وهو يريد أن يواقع المعصية، ومع ذلك يفعل؛ لضعف اليقين، لكن لو أنه علم أن أحدًا من الناس يراه، ولو كان أصغر الناس؛ فإنه لا يجرؤ عليها، وما ذاك إلا لضعف يقينه، فلا بد من شيء يغتذي به؛ من أجل أن يحصل له هذا الصبر، وهو اليقين.

معاوية لما قام على المنبر، وقال: "من يرى أن له حقًّا في هذا الأمر -يعني الخلافة- فليُخرج إليّ قرنه، فنحن أحق به منه، ومن أبيه..." هذا الكلام في ظاهره ربما يفهم منه أنه موجه لبعض الحضور "منه، ومن أبيه" فابن عمر كان جالسًا أمامه، وهو يصلح للخلافة، وهو أحد النفر الذين جعلهم عمر في الشورى، فحل عبد الله بن عمر حبوته، وأراد أن يتكلم، ويقول: "أحق به منك من قاتلك، وأباك على الإسلام"[12] رد قوي، يقول: فتذكرت ما عند الله، فسكن، وأعرض، ترك الرد.

فالإنسان قد يسمع ما يكره، وقد يرى ما يستفزه في حال الاحتساب، وقد يُبهت بما لم يكن منه أصلًا، فإذا كان عنده يقين تذكر ما عند الله فأسعفه ذلك، فتحلى بالصبر، ولو كان فيه حرارة، ولو كان الشيطان ينخسه، وينزغه، ويقول له: تُستضعف، جدار قصير، يجترئ الناس عليك وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف: 200] وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى: 43] هذا يحتاج إلى يقين ثابت راسخ، يرجو ما عند الله.

فالإنسان قد يعفو، ويصفح، ويتجاوز في تعامله مع الناس كلهم، إذا كان عنده يقين، أما إذا لم يكن عنده يقين؛ فكل شيء يستفزه؛ لأنه لا يرجو عائدة، والله المستعان.

قال -رحمه الله-:

القضايا التي يتفق عليها بنو آدم لا تكون إلا حقًّا كاتفاقهم على مدح الصدق، والعدل، وذم الكذب، والظلم.

يتفق عليها بنو آدم جميعًا، لا يمكن أن يتفق المسلم، والكافر على مدح العدل، وذم الظلم، ومدح الصدق، وذم الكذب، ويكون ذلك باطلًا، لا يمكن، ويكفي أن تدرك هذا المعنى في هذه الأمة دون غيرها، أنها لا تجتمع على ضلالة، فكيف باجتماع الخلق جميعاً المسلم، والكافر على أمر من الأمور؟ لا يمكن، القضايا التي يتفق عليها بنو آدم، وإلا فإن الأمر أدنى من ذلك لا يحتاج إلى أن يكون الآدميون جميعًا يتفقون، بل اجتماع هذه الأمة، لا تجتمع على ضلالة، بل قال النبي ﷺ: أنتم شهداء الله في أرضه [13] ولهذا يرى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مسألة الشهادة لأحد بالجنة ممن لم يشهد الله له -المسألة فيها كلامٌ معروف- ولم يشهد له رسوله ﷺ شيخ الإسلام يرى أن من استفاضت في الناس خيريته، وصلاحه، وتقواه؛ فإنه يشهد له بالجنة مثل: الحسن، وابن سيرين، وأمثال هؤلاء من الأئمة الكبار الذين شهدت لهم الأمة بالخيرية، هذا رأي شيخ الإسلام في هذه المسألة[14]

والمسألة فيها كلام معروف؛ لأن كثيرًا من أهل السنة يقولون: لا يُشهد لمعين بالجنة، ولا بالنار إلا من شهد الله له، شيخ الإسلام يرى أنه يستثنى من هذا بعض الناس، من استفاض، ويحتج بمثل: أنتم شهداء الله في أرضه[15].

فإذا وُضع القبول له كما في الحديث: إذا أحب الله عبدًا نادى جبريل إلى آخره حتى يوضع له القبول في الأرض[16] وهذا لا يكون للأشرار؛ ولهذا بعض الناس هذه الأيام جاءتني رسالة بالأمس خطأ، وإن نُقلت عن بعض طلبة العلم: أن من أعظم مكر الله بالعبد أن الناس يقولون له: نحبك في الله، والله يبغضه، أنا أقول: هذا لا يكون، يمكن أن يخطئ واحد، أو اثنان، ويغترون به، لكن أن يستفيض هذا في الناس، ويحبونه في الله كما قال الله عن موسى -عليه الصلاة والسلام- في أحد المعنيين وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [طه: 39] لا يراه أحد إلا أحبه، ثم يقال: هذا قد يكون من مكر الله به، وأن قولهم له لربما يكون استدراجًا، هذا لا يكون، فإن القلوب لها بصر كما أن الرأس له بصر، وبصر القلب غير بصر العين، ولا يمكن أن تقبل القلوب محبة حقيقية صادقة، ويجعل القبول لأحد، وهو ليس كما ينبغي، أبداً، هذا لا يكون، ولذلك تجد من الناس من قد يكون له أعمال كثيرة جدًّا، ولكن القلوب تشنؤه، وقد يكون في ظاهره من أهل الصلاح، ولكن الناس لا يحتملونه، ولا سماع كلامه، وهذا أمر مشاهد، ولا تكاد تجد من يقول له: أحبك في الله، بل لربما يستغرب لو سمع هذا، لو قاله أحد.

فمثل هذه الرسائل التي لربما تنتشر بيننا، ونرسلها، قد لا تكون دقيقة، قد لا تكون صحيحة، فقبل أن ننشر نحتاج أن ننظر في هذا المعنى هل هو صحيح، أو لا.

ومن رسالة: "المظالم المُشْتَرَكَة".

المظالم المشتركة، يعني: التي تكون مشتركة بين طائفة من الناس، مثلاً: لو وضعت ضريبة على الأراضي البيضاء كما يطالب بعض الكتاب اليوم، هذا لا يجوز، بهذه الصفة، بهذه الطريقة، هذا من الظلم، هذه من المظالم المشتركة.

هؤلاء عندهم أرض بيضاء، يريدون أن يجعلوها مخططاً، واشترك فيها مجموعة، لو أن ذلك فُرض عليهم، فسعى بعضهم في الخلاص من هذا، فوضع نصيبه على شركائه، فزادت حصتهم في الضريبة، هذا لا يجوز.

هذه قافلة فيها أموال للتجار، فتعرضت لقطاع الطريق، أو لمن يظلمهم، ويأخذ منهم، فجاء من يدير هذه القافلة، وافتدى ذلك بمال، أعطاهم مليونًا، وقيمة ما في هذه القافلة مثلاً مائة مليون، فأعطى هؤلاء مليونًا من أجل أن يدفع شرهم، من الذي يتحمل هذا؟ يوزع على هؤلاء بحسب حصصهم، وليس لأحد منهم أن يعترض، ويقول: لم نفوضك بهذا، من أمرك؟ هذا تصرف فضولي، نقول: لا، لم يكن أمامه إلا هذا، أو اجتياح المال، فلا بد من مخرج، فهذه من المظالم المشتركة، فيرجع إليهم بحصصهم، كلٌّ بحسب النسبة، فيعطونه، وقل مثل ذلك في صور، وأمثلة كثيرة تأتي في بعض ما ذكره الشيخ -رحمه الله- هذا معنى المظالم المشتركة.

لو وضع على أهل بلد ضريبة، أو على قبيلة ضريبة، أو على حي ضريبة من الضرائب، لكن بعضهم يعرف من يخلصه من هذه الضريبة، ويعفيه عنها، فإن كان ذلك مجرد إسقاط؛ فلا إشكال، لكن لو كان نصيبه؛ لأن النتيجة في النهاية محسوبة بالعدد سيُزاد في حصص هؤلاء، فهنا نقول: لا يجوز، هذا من الظلم، فيكون ظالمًا لهم.

قال -رحمه الله-:

المشتركون في الأموال، والحقوق زيادتها لهم، ونقصها عليهم بقدر أملاكهم، وحقوقهم، وعليهم التزام العدل فيما يؤخذ منهم بغير حق، كما عليهم التزام العدل فيما يؤخذ منهم بحق، فإن الكُلَف التي تؤخذ بغير حق من الشركاء بسبب نفوسهم، وأموالهم، هي بمنزلة غيرها بالنسبة إليهم، وإنما يختلف حالها بالنسبة إلى الأخذ.

يقول: المشتركون في الأموال، والحقوق زيادتها لهم، ونقصها عليهم بقدر أملاكهم، يعني كما أنهم يشتركون في الغنم كذلك يشتركون في الغرم، فعليهم التزام العدل فيما يؤخذ منهم بغير حق، وكذا فيما يؤخذ عليهم بحق.

ما يؤخذ عليهم بحق مثل: لو أخذ منهم زكاة؛ فإن ذلك يرجع إليهم بحسب أموالهم، وقدرها، لو أنه أخذ منهم بسبب أعمال صحيحة، كأجور نقل، أو حماية، كانوا يحتاجون إلى حراسة مثلاً لهذه الأموال، أو كانوا يحتاجون إلى عمال للتنزيل، وغير ذلك، فاستأجر عمالًا، أو حسب ذلك عليهم باعتبار أنه قام به آخرون، أو نحو ذلك، ففي هذه الحال يرجع عليهم ذلك بحسب حصصهم.

قال: فإن الكُلف التي تؤخذ بغير حق من الشركاء بسبب نفوسهم، وأموالهم. بسبب نفوسهم لو قيل: على كل رأس من هذه القبيلة أن يدفع كذا، ضريبة على كل واحد، وطُولب رئيس القبيلة، أو الناحية، أو البلد بأن يدفع هذا، وهذا وُجد في بعض الأوقات، فلما يطالب هؤلاء بسبب نفوسهم أن يقال: على كل واحد كذا، فيتخلص بعضهم لكونه يعرف أحدًا من الناس يمكن أن يخلصه، ونحو ذلك؛ فإنه لا يجوز أن يرجع أثر ذلك على البقية، فيزاد عليهم، أو بسبب أموالهم كذلك، كون هذه الأموال كما سبق، فلا يتخلص، ويتحمل أثرَ ذلك شركاؤه، ويكونون هم الذين يدفعون الثمن، فهذا غير صحيح.

قال: هي بمنزلة غيرها بالنسبة إليهم، وإنما يختلف حالها بالنسبة إلى الأخذ، فقد يكون أخذًا بحق، وقد يكون أخذاً بباطل، هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.

بمعنى: أنهم هم مطالبون فلا يأثمون بدفعها إذا كانت بباطل؛ لأنهم لا يستطيعون التخلص من هذا، فلا يقال: إنهم مشتركون في هذا الإثم، قد أعانوا عليه، فإذا كان ليس لهم طريق إلى الخلاص فإنه يرجع ذلك إليهم كلٌّ بحسبه، قد يكون أخذًا بحق، وقد يكون بباطل، يختلف حالها بالنسبة إلى الأخذ، أما بالنسبة لهم فعليهم العدل فيما بينهم، بصرف النظر عن هذا الآخذ، هذا يرجع إليه إن كان بحق؛ فلا إشكال، وإن كان بباطل فعليه وزره.

قال -رحمه الله-:

وليس لبعضهم أن يمتنع عن أداء قسطه امتناعًا يؤخذ به قسطه من سائر الشركاء، فيتضاعف الظلم عليهم، ومن تغيب منهم، أو امتنع فأُخذ قسطه من شريكه؛ فله الرجوع عليه، كالذي يؤدي عن غيره دينًا واجبًا.

منهم، أو امتنع، فأُخذ قسطه من شريكه؛ فله الرجوع عليه، ما يقول: لماذا تدفع عني؟ كان مسافرًا، وقيل لهم: أهل البيت الفلاني، فدفع جاره، ويوم جاء قال: أنا ما أمرتك، لم أفوضك، هنا يجب عليه أن يعطيه، كما في التجارات، والأموال إذا أُخذ، كأن يكون في التجارة واحد من هؤلاء الشركاء، فذهب، ودفع عنهم، فليس لأحد منهم أن يمتنع أن يعوضه، بل يرجع عليهم جميعًا.

قال -رحمه الله-:

ومن له ولاية على مال غيره أدى ما ينوبه مما لا بد منه، سواء كان بحق، أو بغير حق، بل يجب عليهم إذا خافوا إن لم يؤدوه أن يؤخذ أكثر منه.

وهذا اتضح مما سبق، بحق: كما قلنا لكم يحتاج الأمر إلى شيء من التغليف مثلاً، قالوا: هذه البضاعة لازم أن تغلف، وتغليفها ربما يخرج بمبالغ طائلة، يحتاج إلى حاويات معينة، يحتاج إلى كذا، وهذه تحتاج أموالا؛ فيرجع إلى الشركاء كلٌّ بحسب حصته، وهكذا لو أنهم أرادوا أن يستوردوا بضاعة، أنت، ومن معك مجموعة استوردتم أشياء، فاتُّفق على السعر، لكن عرضت أمور احتاجت إلى نفقات أخرى، زائدة، فيرجع إلى جميع الشركاء، سواء كان الأخذ بحق، أم بباطل، بباطل مثل: قطاع الطرق، أو الضرائب، وبحق مثل: أجور مستحقة، ونحو ذلك من الأعمال.

قال -رحمه الله-:

وإذا كان الإعطاء لدفع ضرر هو أعظم منه، فمذهب مالك، وأحمد المشهور عنه، وغيرهما: أن كل من أدى عن غيره واجبًا فله أن يرجع به عليه إذا لم يكن متبرعًا بذلك، وإن أداه بغير إذنه[17].

 

لأنه في مثل هذه المقامات لا يقتضي ذلك أخذ الإذن، أو طلب الإذن؛ لأنه بعيد عنه، ولا يستطيع، ولا بد من موقف يتخلص فيه، فهنا الإعطاء لدفع ضرر هو أعظم منه، كما قلت: لو تعرض لقطاع طريق، وهكذا إذا كان لا يستطيع أن يستخرج حقه المكتسب بهذا الشرط إلا برشوة، لا يمكن الحق المكتسب، وليس أي حق، ففي هذه الحال يرجع إليهم بذلك جميعًا.

قال: كل من أدى عن غيره واجبًا؛ فله أن يرجع به عليه إذا لم يكن متبرعًا. فُيسأل حينما فعلت هذا، وأحيانًا قد لا يظهر هذا إلا في حال الخصومة، قد يفعله من عند نفسه تبرعاً، وإحسانًا إليهم، وإكرامًا لهم، فإذا حصلت خصومة، وأظهر لهم جرد حساب، قال: أنا دفعت عنكم يوم كذا، ودفعت عنكم يوم كذا، طيب أنت فعلته تبرعًا، فهنا في هذه الحال ليس له أن يرجع عليهم.

وتجد هذا أحيانًا في الخصومات بين الرجل، وامرأته، تجد المرأة إذا ساءت العلاقة بعد عشرين، أو ثلاثين سنة، أو نحو ذلك، أو أكثر، أو أقل، وكانت قد أعطته أموالًا، أو قد وفت عنه ديونًا، فإذا وقعت خصومة قالت: أنا دفعت له يوم كذا سبعين ألفًا، ودفعت له يوم كذا مائة ألف، ودفعت له يوم كذا عشرة آلآلف، طيب أنتِ دفعتِها على سبيل التبرع، أو دفعتِها على سبيل القرض؟

تقول: ذاك اليوم كانت الأمور طيبة، وجيدة، وأنا مساعدة لزوجي، إذاً على سبيل التبرع، فكيف تطالبين بها الآن؟ والعائد في هبته كالكلب يعود في قيئه[18] فمن فعل ذلك على سبيل التبرع فليس له.

قال -رحمه الله-:

ومعلوم أن الناس تحت أمر الله، ورسوله، فليس لأحد أن يضر نفسه، وماله ضرراً نهاه الله عنه، ومن دفع ذلك الضرر عنه بما هو أخف منه، فقد أحسن إليه، وفي فطر الناس جميعهم أن من لم يقابل الإحسان بالإحسان فهو معتدٍ، وما عده المسلمون ظلمًا فهو ظلم.

قال: ومن دفع ذلك الضرر عنه بما هو أخف منه فقد أحسن إليه، فهذا ينبغي أن يقابل بالإحسان، فيدفع الإنسان، يعطي ما وجب عليه إزاء ذلك التصرف الذي كان صيانة للمال، وإحرازًا له من الضياع، أو التلف، أو أن يجتاحه أحد من الناس.

ومن رسالة: "معارج الوصول".

 

 يعني: معارج الوصول في بيان الرسول ﷺ لأصول الدين، وفروعه.

قال -رحمه الله-:

الرسول ﷺ بيّن الدين، أصوله، وفروعه، باطنه، وظاهره، عِلمه، وعمله، وهذا الأصل هو أصل أصول العلم، والإيمان، وكل من كان أعظم اعتصامًا بهذا الأصل كان أولى بالحق، علمًا، وعملًا، ومن كان أبعد عن الحق علمًا، وعملًا كان بُعده عن هذا الأصل بحسب حاله، فمستقل، ومستكثر من الباطل.

كل من كان أعظم اعتصامًا بهذا الأصل كان أولى بالحق علمًا، وعملًا، ثم الكلام الذي بعده ملخص من كلام طويل لشيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: من كان أبعد عن الحق علمًا، وعملًا كان بُعده عن هذا الأصل بحسب حاله، فمستقل، ومستكثر.

يعني: أن النبي ﷺ بين جميع الدين، ولم يترك شيئًا مما تتوقف عليه النجاة إلا بينه بياناً شافياً، فلم يبقَ لأحد أن يستدرك عليه فيزيد، أو ينقص، أو يبدل، فمن اعتصم بهذا الأصل؛ فإنه يكون على نجاة، وهدى، واستقامة، يعني: أنه اعتصم بالكتاب، والسنة، فهذا هو بيان الرسول ﷺ: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: 44].

فبيانه تارة يكون بتلاوته، وتارة يكون بتفسيره، وتارة بهديه، وسنته العملية، وتارة يكون بأمور زائدة، لم ترد في القرآن إلا على سبيل الإجمال، فمن اعتصم بهذا، ولم يجعل من نفسه مستدركًا على الشارع؛ فإنه يكون على هدى، وصراط مستقيم، وأما من رأى أن ما جاء به الرسول ﷺ يحتاج إلى استدراك، وزيادة بزعمه أن هذه الأمور قد أغفلها الشارع، أو تركها من غير بيان، أو أن العصر لا يتماشى معها، أو نحو ذلك، فمثل هذا لا يكون على هدى، فبقدر ما عنده من المخالفة، والانحراف عن هذا الأصل بقدر ما يكون عنده من الضلال، والبعد، فمستقل، ومستكثر.

قال -رحمه الله-:

وقد دل الرسول الناس، وهداهم إلى الأدلة العقلية، والبراهين اليقينية التي بها يعلمون المطالب الإلهية، وبها يعلمون إثبات ربوبية الله، ووحدانيته، وصفاته، وصدق رسوله، والمعاد، وغير ذلك مما يُحتاج إليه، وإلى معرفته بالأدلة العقلية، وما يمكن بيانه بالأدلة العقلية، وإن كان لا يُحتاج إليها؛ فإن كثيرًا من الأمور يعرف بالخبر الصادق، ومع هذا فالرسول بين الأدلة العقلية الدالة عليها، فجمع بين الطريقين: السمعي، والعقلي، ودلالة الكتاب، والسنة ليس بمجرد الخبر، ولا الخلق، وهديهم إلى الآيات، والبراهين، والأدلة المبينة لأصول الدين.

النبي ﷺ دل الناس، وهداهم إلى الأدلة العقلية، والبراهين اليقينية إلى آخره، يقول: حتى لو كان المقام يمكن أن يُكتفى فيه بالنقل، بالنص، وهذا مثل الأمثال المضروبة؛ فإنها ترشد إلى معانٍ معقولة، وقد يكون المقام مما يتصل بوحدانية الله أو ما إلى ذلك مما يمكن أن يؤخذ بالنقل مباشرة دون أن يتوقف علمه، أو العمل به على الجانب العقلي -الدليل العقلي- ومع ذلك الشارع قد يبينه بهذا، وهذا، وقد يبينه بدليل منقول، وقد يبينه بدليل معقول لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتَا [الأنبياء: 22] فهذا دليل يرجع إلى المعقول، مَا اتَّخَذَ الله مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [المؤمنون: 91] هذا يرجع إلى المعقول، بصرف النظر عن كون هذا، وذاك يتصل بالربوبية، أو الإلهية، لكنه يرجع إلى المعقول: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ [الروم: 28]، إلى غير هذا، وهو كثير.

وأحيانًا يكتفي بالمنقول ذَلِكَ بِأَنهمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا [البقرة: 275] فكان الجواب: وَأَحَلَّ الله الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة: 275] لم يجب بدليل من المعقول، -الدليل العقلي- وإنما اكتفى بقوله: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا [البقرة: 275] فتجد هذا، وهذا، والشاطبي -رحمه الله- له كلام في الموافقات في هذه المسألة، ويبدو أن هناك نوعًا من الاختلاف بين كلام شيخ الإسلام، وكلام الشاطبي، كلام الشاطبي خلاصته، وحاصله في أن طريقة القرآن في الاستدلال أنه يستدل بالأدلة النقلية على المُوالف يعني الموافق[19] تقول له: الله يقول كذا، الرسول ﷺ يقول كذا، ونحو ذلك.

وأما المخالف فإنه يستدل عليه بالدليل العقلي الذي يقبله المُوالف، والمخالف، لما كان هؤلاء ينازعون في وحدانية الله جاءتهم مثل هذه الأدلة: مَا اتَّخَذَ الله مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ [المؤمنون: 91] أو لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتَا [الأنبياء: 22] فهذا دليل عقلي للموالف، والمخالف، يقصد الشاطبي أن المخالف إذا قلت له، يعني دين آخر، تقول له: قال الرسول ﷺ قال الله تعالى، هو لا يقبل، ولا يقتنع تحتاج أن تثبت له.

شيخ الإسلام يقول: الله قد يورد الأدلة العقلية على أمر يمكن أن يكون بالمنقول، يعني تقريره يكون بالمنقول، فيورد الدليل العقلي، وتارة يورد الدليل العقلي، والنقلي معًا في أمور يمكن أن يُكتفى فيها بالدليل النقلي.

قال -رحمه الله-:

تكرير القصص في عدة مواضع من القرآن يبين في كل موضع منها من الاعتبار، والاستدلال نوعًا غير النوع الآخر، كما يسمي الله نفسه، ورسوله، وكتابه بأسماء متعددة، كل اسم يدل على معنى لم يدل عليه الاسم الآخر، وليس في هذا تكرار، بل فيه تنويع الآيات.

 

هذه مفيدة جدًّا، وقد ذكرها الشيخ -رحمه الله- بشيء من التصرف في تكرار القصص، ما الحكمة من تكرار القصص في القرآن؟ القصة الواحدة مثلًا قصة موسى ﷺ ذكرها الله في مواضع من القرآن، ما الحكمة من ذلك؟ فهذا في القصة الواحدة أبين، أما في القصص المتنوعة قصص أنبياء، وأمم متنوعة، فهذا لا إشكال فيه، في كلٍّ عبرة، لكن القصة الواحدة لنبي واحد مثلًا لماذا تتكرر في القرآن؟

نحن عندنا أصل القاعدة، وهو أنه لا يوجد في القرآن تكرار محض، حتى قوله: فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن] ليست تكرارًا، وإنما كل واحدة ترجع لما ذكر قبلها.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات: 15] كل واحدة تتصل بما قبلها.

قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ۝ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [الكافرون:1-2] الآن في الحال وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [الكافرون: 3] في الحال وَلَا أَنَا عَابِدٌ [الكافرون: 4] في المستقبل وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ [الكافرون: 5] في المستقبل مَا أَعْبُدُ [الكافرون: 5].

فهنا تكرار القصص يقول: يبين في كل موضع منها من الاعتبار، والاستدلال نوعاً غير النوع الآخر، كما يسمي الله نفسه، ورسوله، وكتابه بأسماء متعددة، كل اسم يدل على معنى لم يدل عليه الاسم الآخر، وليس في هذا تكرار، بل فيه تنويع الآيات.

هنا شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: "وكذلك في الجمل التامة يعبر عن القصة بجمل تدل على معانٍ فيها، ثم يعبر عنها بجمل أخرى تدل على معانٍ أخر، وإن كانت القصة المذكورة ذاتها واحدة، فصفاتها متعددة، ففي كل جملة من الجمل معنى ليس في الجمل الأخرى، وليس في القرآن تكرار أصلاً".

ثم رد دعوى أن حكمة تكرار القصص أن وفود العرب كانت تأتي، ترِدُ على النبي ﷺ إلى آخره، يعني: من العلماء من أجاب عن هذا السؤال لماذا تتكرر القصص؟ قالوا: إن وفود العرب ترِدُ، فهؤلاء يذهبون بهذه، وهؤلاء يذهبون بهذه، وتتفرق فيهم، فقصة موسى ﷺ قد يؤخذ مما ورد فيها مثلا في سورة البقرة مع قبيلة، ويأتي وفد آخر، ويأخذون الأعراف، فيكون لهم نصيب من هذا، هذا قول معروف لأهل العلم، جواب معروف عن هذا السؤال، شيخ الإسلام يردُّ هذا، ويقول: إن في ذكر هذه القصص من العبر، والمعاني في كل موضع ما لا يوجد في الموضع الآخر.

وهذا أيضًا ذكره بعض أهل العلم، وحاصله أن الله يذكر في كل مقام ما يناسبه من القصة؛ ففي مقام بيان عظمة الله وقوته، وعزته، وبطشه، وما إلى ذلك يذكر من القصة ما يناسب المقام، في مقام بيان الإنعام، والإفضال يذكر ما يناسب، في مقام الكلام على صبر الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- أو الثناء عليهم يذكر من القصة ما يناسب ذلك، وهكذا.

فليس ذلك من قبيل التكرار، فإذا نظرت إلى قصة موسى ﷺ مع فرعون مثلاً، تجد أنه يذكر في كل مقام ما يناسب هذا المقام، فتجد فيه من العبر، والمعاني، والألفاظ التي عُبر بها ما لا تجده في الموضع الآخر، وأما ما يُذكر من قِيلهم -قِيل القائلين- مما ينقله الله عنهم فقد يتفاوت؛ وذلك بسبب أنه منقول في المعنى، والنقل في المعنى لا يلتزم فيه بالحروف كما هو معلوم.

يعني: امرأة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- لما بشرت بالولد قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ [هود: 72] في مقام آخر: فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ [الذاريات: 29] فهنا اختُصرت، فإنما يُنقل المعنى؛ لأنهم تكلموا من غير العربية، فيختلف هذا من مقام إلى مقام كما تنقل كلام غيرك بالمعنى دون قصد ألفاظه، فتذكر في كل مقام ما يناسبه، وهو حاصل ما ذكر، يعني أن تترجم الآن الموقف، أو الواقعة، أو الكلام الذي قيل، فتذكر في كل مقام ما يناسب.

قال -رحمه الله-:

والصلاح منحصر في نوعين: في العلم النافع، والعمل الصالح، وقد بعث الله محمداً ﷺ بأفضل ذلك، وهو الهدى، ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدًا.

 كما قال الله : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله بِالهدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [الفتح: 28] فهذا في الأصل الآية كاملة كما قال: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله بِالهدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [الفتح: 28] والذي بعده هو تابع له.

فالعلم النافع: هو الإيمان، والعمل الصالح: هو الإسلام، العلم النافع من علم الله، والعمل الصالح هو العمل بأمر الله، هذا تصديق الرسول فيما أخبر، وهذا طاعته فيما أمر، وضد الأول أن يقول على الله ما لا يعلم، وضد الثاني أن يشرك بالله ما لم ينزل به سلطانًا، والأول أشرف؛ فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنًا.

يعني: أن الإيمان أشرف من الإسلام، يعني أنه فسر العلم النافع بالإيمان، والعمل الصالح بما وراء ذلك.

يقول: الصلاح منحصر في نوعين: في العلم النافع، والعمل الصالح. العلم النافع لا يحصل به نفع إذا كان الإنسان لا يؤمن به، ومن هنا فسره بالإيمان، أن يعلم بأن الله واحد لا شريك له في إلهيته، وفي ربوبيته، وأسمائه، وصفاته، هذا علم نافع، وأن يعلم أن الرسول حق، أن يعلم بأن الله بيده مقاليد السماوات، والأرض، هذا كله من العلم النافع، هذا إيمان، أن يعلم أن القرآن حق.

العمل الصالح أن يعمل بمقتضى العلم، وما جاء به الرسول ﷺ فلما كانت أمور الإيمان أشرف من غيرها -إذ إن عليها مدار النجاة- قال عن الأول: إنه أشرف، فالعلم النافع أوسع مما قد نتصوره، فكل علم يُتعرف به المعبود بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، أو يُعرف به حقائق الدين، والإيمان، والطريق الموصل إلى الله الذي هو تفاصيل الشريعة، وما يصير إليه الناس بعد ذلك في الدار الآخرة، فهذا كله من العلم النافع، هذا يحتاج إلى يقين فهذا هو الإيمان، إذا اعتقده فهذا هو الإيمان الذي يذكره شيخ الإسلام ابن تيمية لما ذكر العلم النافع، يبقي العمل الصالح، العمل بمرضاة الله، العمل بطاعته، العمل بما علم.

فالمقصود أن الكمال الحقيقي هو مندرج في هذين: العلم النافع، والعمل الصالح، فمن أراد أن يُكمل نفسه؛ فعليه أن يشتغل بهذا، وهذا، وما وراء ذلك ففضول، يأخذ الإنسان ما لا بد منه، ويدع ما وراء ذلك من هذا الفضول بأنواعه، يأخذ ما لا بد له منه يعني في حياته، في عيشه، في أمور معيشته، ما لا بد منه، وما وراء ذلك فهذه أمور زائدة، لا يحصل بها تحقيق الكمال إطلاقًا، والكمال بالعلم النافع، والعمل الصالح، فكثير من الناس يطلبون الكمال، الآن يدرسون دورات تتعلق بالذات، وتطوير الذات، وما إلى ذلك، وتجد فيها كلامًا طويلا، وأحيانًا يكون المضمون قليلا، هذه الكمالات كيف يحصلها الإنسان؟

يحصلها بالعلم النافع الذي جاء به الرسول ﷺ والعمل الصالح، فالكمال دائر بين هذا، وهذا، فمن جد، واجتهد في هذين حصّل من الكمالات في الدنيا، والآخرة، وبهذا تفاضل أهل الإيمان: يَرْفَعِ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11]، فارتفعوا بالعلم النافع، والعمل الصالح، ويتفاوتون في الآخرة بهذا الاعتبار، تتفاوت مراتبهم في الدنيا، وتتفاوت مراتبهم في الآخرة، وما عدا ذلك ففضول، يأخذ الإنسان ما لا بد منه، ويدع ما وراء ذلك، لربما يحتاج إلى شيء من إجمام النفس حينًا بعد حين؛ من أجل أن تتقوى على هذا المطلوب، ولكن ذلك لا يصير أصلًا، ويكون كأنه مقصود لذاته، فإن الإنسان لا يرجع من ذلك في النهاية بشيء.

وانظر إلى من قضوا الأيام، والأعمار في أمور لا تعود عليهم بطائل مما لا يرجع إلى هذا الأصل، ماذا جنوا في النهاية بعد عقود من العمر؟

لم يرجعوا بشيء، اضمحلت اللذات، والشهوات، وبقي الإنسان خاوي الوفاض من العلم، والعمل، لا علم، ولا عمل -نسأل الله العافية- فالإنسان عليه أن يجتهد في هذا، ويُكمل نفسه، ويجد -والله المستعان-.

 

  1. انظر: المغني، لابن قدامة (1/651).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماء، برقم (946) ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب المبادرة بالغزو، وتقديم أهم الأمرين المتعارضين، برقم (1770).
  3. انظر: المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام، لابن تيمية (1/ 153).
  4. انظر: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم الأصبهاني (2/320).
  5. انظر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لابن تيمية (29).
  6. أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في النهي عن البغي، برقم (4902)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (4932).
  7. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} [هود: 102]، رقم: (4686)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم: (2583).
  8. انظر: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، لأبي القاسم السهيلي (5/116).
  9. أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب دخول الحرم، ومكة بغير إحرام، برقم (1846)، ومسلم، كتاب الحج، جواز دخول مكة بغير إحرام، برقم (1357).
  10. انظر: الوابل الصيب من الكلم الطيب، لابن القيم (12).
  11. انظر: القائد إلى تصحيح العقائد، للمعلمي (11).
  12. أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق وهي الأحزاب، برقم (4108).
  13. أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب ثناء الناس على الميت، برقم (1367)، ومسلم، كتاب الجنائز، باب فيمن يثنى عليه خير أو شر من الموتى، برقم (949).
  14. انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية (11/518).
  15. أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب ثناء الناس على الميت، برقم (1367)، ومسلم، كتاب الجنائز، باب فيمن يثنى عليه خير أو شر من الموتى، برقم (949).
  16. أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، برقم (3209)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أحب الله عبدا حببه لعباده، برقم (2637).
  17. انظر: التهذيب في اختصار المدونة، للبراذعي (4/15) والمغني، لابن قدامة (4/414).
  18. أخرجه البخاري، كتاب الحيل، باب في الهبة والشفعة، برقم (6975).
  19. انظر: الموافقات، للشاطبي (4/380).​​

مواد ذات صلة