الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
43- أصول منقولة من كتبه وفتاويه المتفرقة ومطاوي كتبه شيئا فشيئا. القواعد 633-646
تاريخ النشر: ٢١ / ربيع الآخر / ١٤٣٤
التحميل: 1971
مرات الإستماع: 1926

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

قال المؤلف -رحمه الله-:

"وإذا علم العبد من حيث الجملة أن لله تعالى فيما خلقه، وفيما أمر به حكمة عظيمة؛ كفاه هذا، ثم كلما ازداد علمًا وإيمانًا ظهر له من حكمة الله ورحمته ما يُبهر عقله، ويُبين له تصديق قوله تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت:53]".

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا أصل نافع، وهو أن العبد إذا تقرر عنده هذا، وأيقن به، أن أفعال الله -تبارك وتعالى- مبنية على الحكمة، فإن كل ما يعرض له من أحكامه الكونية وأحكامه الشرعية مما لم يُدرك عقله ما وراءه من الحكمة فإنه يرجع إلى هذا الأصل أن الله عليم حكيم؛ فيرضى بأقضيته وأقداره، ويكون أيضًا راضيا بشرعه وحكمه الديني، والإنسان قد يعرض له من أحكام الله الكونية القدرية ما يبقى لربما عنده نوع من السؤال أو الإشكال، بحيث إنه لا يظهر له مصلحة في مثل هذا بادي الرأي، ولكن إذا علم أن ربه حكيم يرجع إلى عقله فيتهم هذا العقل القاصر، وأنه لم يُدرك أبعاد ذلك ومراميه، وقد يظهر له ذلك بعد حين، لكن حينما ينكشف الأمر عن أحوال هي في غاية الحكمة، وتأمل قول الله -تبارك وتعالى- في قصة الإفك: لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ [النور:11] فالنبي ﷺ بقي شهرًا كاملاً كما جاء عن عائشة -رضي الله تعالى عنها-[1] وبعضهم يقول بقي سبعة وثلاثين يومًا[2] وأوصله بعضهم إلى خمسين يومًا، والنبي ﷺ في شدة وأبو بكر، وعائشة أحب الناس إلى النبي ﷺ من الرجال أبو بكر، وأحب الناس إليه من النساء عائشة، وابتلوا هذا الابتلاء العظيم، ومع ذلك الله يقول: لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [النور:11].

ولاحظ ما قال: بل فيه خير لكم، وإنما قال: بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، فهو خير كامل من كل وجه، مع أنه في بادئ الرأي حينما ينظر الإنسان إلى هذه المُعضلة، وهذا البلاء الذي صُب على آل بيت النبي ﷺ يجد أن ذلك من الأمور المُحزنة التي يضيق لها الصدر، لكن كيف تكشّف ذلك بعد حين؟ انقضى، وتكشّف عن رفعة لعائشة -رضي الله عنها- فحالها قطعًا بعد الإفك، ونزول الآيات أعظم، وأكمل، ومرتبتها أعلى مما كانت عليه قبل الإفك، وهذا يُقر به كل مؤمن.

وكذلك أيضًا عبد الله بن أُبي رأس المنافقين، فإنه رام بذلك أن يُسيء إلى النبي ﷺ وإلى عرضه فعاد الأمر عليه، فكان ذلك بالنسبة إليه مذمة، وسقوطًا مدويًا -نسأل الله العافية-، لكن الناس لا يدركون في كثير من الأحيان أبعاد هذه الأقدار.

وهكذا قد يستشكل بعض الناس، أو تستشكل بعض النساء بعض الأحكام الشرعية؛ لماذا المرأة لها نصف الميراث؟ لماذا كانت المرأة على النصف من دية الرجل؟ فهذا قد يظهر لبعض الناس ممن آتاه الله علمًا، وقد يخفى على بعضهم ممن قل علمه، فيستشكل هذا المعنى، ولكنه يرجع إلى هذا الأصل الكبير أن الله حكيم في أفعاله وأحكامه وتشريعاته، فلو شُرح له هذا، وبُين له وجهه لعرف، وظهر له ذلك كل الظهور.

على كل حال، فكل ما يرد عليك من هذه الأحكام بنوعيها ارجع إلى هذا الأصل، وإن خفي عليك المعنى، أو الحكمة، وإن خفيت عليك الحكمة.

"طريق النبي ﷺ في النظر إلى القدر، ففي أمر الله ونهيه يُسارع إلى الطاعة، ويُقيم الحدود على من تعدى، ولا تأخذه في الله لومة لائم، وإذا أذاه مؤذٍ، أو قصر أحد في حقه عفا عنه، ولم يؤاخذه نظرًا إلى القدر".

 هذه على كل حال في التعامل مع الأقدار، في أمر الله ونهيه يُسارع إلى الطاعة، ويُقيم الحدود على من تعدى، ولا تأخذه في الله لومة لائم، هذا فيما يتعلق بحقوق الله ، وما يتعلق بحقه فإنه يعفو ويصفح، ولا ينتصر لنفسه، كلام المؤلف، أعني: شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الأصل أوعب من هذا، وأوضح.

يقول -لما ذكر احتجاج آدم، وموسى-: وقد قال الله تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن:11] وقال أنس: "خدمت النبي ﷺ" لاحظ هذا حظ النفس، "خدمت النبي ﷺ عشر سنين، فما قال لي: أُف قط، ولا قال لشيء فعلته: لمِ فعلته، ولا لشيء لم أفعله: لمِ لا فعلته، وكان بعض أهله إذا عاتبني على شيء يقول: دعوه فلو قُضي شيء لكان[3].

لاحظ العبارة هنا يقول: عفى عنه، ولم يؤاخذه نظرًا إلى القدر، يعني: أن هذا ما قُدر، ولو قُدر لكان، إذًا لا داعي للمُعاتبة، أما في حقوق الله، فيُقيم أحكام الله وحدوده، يقول: وفي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها قالت: ما ضرب رسول الله ﷺ شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط، فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله  [4] لأن الحق لله، فلا يملك أن يعفو، ويصفح، ويتجاوز، وقد قال ﷺ: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها[5] ففي أمر الله ونهيه يُسارع إلى الطاعة، ويُقيم الحدود على من تعدى حدود الله، إلى آخر ما ذكر، يقول: فهذا سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، وهذا واجب فيما قُدر من المصائب بغير فعل آدمي، كالمصائب السماوية، أو بفعل لا سبيل فيه إلى العقوبة، كفعل آدم فإنه لا سبيل إلى لومه شرعا؛ لأجل التوبة، ولا قدرًا لأجل القضاء والقدر، وأما إذا ظلم رجل رجلاً فله أن يستوفي مظلمته على وجه العدل، وإن عفى عنه كان أفضل، قال تعالى: وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ[المائدة:45].

هو يتكلم عن طُرق الناس في النظر إلى القدر، أنهم أنواع، يعني: منهم من ينظر إلى القدر في المعايب، في الذنوب؛ فيحتج على ذنوبه بالقدر، وهذا خطأ، لكن السبيل في التعامل مع هذا مع أصحاب الذنوب والمعاصي كما قال ابن القيم -رحمه الله-: اجعل لقلبك مُقلتين اجعل لقلبك عينين، ما هما؟

الأولى: تنظر إلى الناس هؤلاء من العُصاة بعين القدر، فارحمهم بها، ترحمهم أن هؤلاء ما وفقهم الله، وما هداهم، وما اجتباهم، فهم يتمرغون بأوحال الكفر والضلال والمعصية، فإذا نظر الإنسان بعين القدر إلى هؤلاء يرحمهم، هانوا على الله فأهانهم.

وإذا نظرت إليهم بعين الشرع -هذه النظرة الثانية- فإنك تُقيم أحكام الله فيهم، فالسارق تُقطع يده، والقاذف يُجلد، إلى غير ذلك، هذا نظر بعين الشرع، فينظر المؤمن بهاتين، ولهذا يكون جامعًا بين الرحمة، وإقامة حدود الله وأحكامه على الخلق، وإنما يكون ذلك لأصحاب القلوب الكبيرة، الذين يستطيعون أن يجمعوا بين هذا وهذا.

أما بالنسبة لما ذكره هنا، فهو أن يكون النظر إلى القدر بما يتصل بأمر الله المُبادرة والمُسارعة، ولا يقول: لو قُدر لكان، إذا قُدر سيكون، ويتهاون ويتفرط، ويقول: هذا ما قدره الله لي، وإنما يُنفذ أوامر الله يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم:12].

وفيما يتعلق بحظوظ النفس يمكن للإنسان أن ينظر إلى القدر، ويقول: هذا أمر قضاه الله وقدره، فلو أنه مثلاً صدمه إنسان بالسيارة، أو صُدم له أحد هو وليه، فتنازل، وتنازل عن الدية، وقال: هذا أمر قد قضاه الله وقدره، ولا نطلب هذا الجاني المُخطئ، لا نطلبه شيئًا بعد ذلك مثلاً، تنازل ولي الدم عن الدية في قتل الخطأ، أو في قتل العمد لو أنه تنازل عن القصاص، وتنازل عن الدية، وقال أعفو لوجه الله نظرًا إلى القدر، هذا فيما يتعلق بحظ النفس.

فإذا قصر معه أحد فإنه لا تذهب نفسه حسرات، ولا يُكثر المعاتبة، وبهذا يستريح، ويُريح، فهذه معاني عميقة، فلا يبقى الإنسان يعيد التقصير والزلل والخطأ، ويُكرره على مسامع الناس، أو على مسامع من أخطؤوا في حقه، أو نحو ذلك، وإنما هو يبحث عن العمل الجاد، العمل المُثمر فيما يستقبل، ولا يقف عند حظ النفس، وحظ النفس هو المشكلة الكبرى، والمصيبة العظمى التي عظُمت البلية بها، وفي ظني أن هذه الخلافات الكبيرة التي ترونها بين طوائف الأمة من أهل السنة، بين الدعاة إلى الله بين المصلحين، بين الأخيار في مشارق الأرض ومغاربها، لو أنهم تجردوا من حظوظ النفس، وقالت كل طائفة من هؤلاء أو كل واحد منهم: ما مني شيء ولا لي شيء؛ لاسترحنا من عناء طويل، ولكن المشكلة أن كل واحد يقول: مُكتسباتي، جهودي بذلي في هذا السبيل، عطائي، ما عندي من الأتباع، أو القبول، أو ما إلى ذلك، ثم بعد ذلك أُهمش، فهنا يقع النِطاح والصراع والشِقاق، والله يقول: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46].

فما لم يتدارك العُقلاء هذا، وتجتمع الكلمة على الحق، ويصبر بعضهم على بعض، وإن جفاه وإن قصر في حقه، ما لم يفعلوا ذلك فقد تتحول حالهم من العافية والنعمة إلى حال أخرى قد عرفوها وجربوها في بلاد كثيرة نسأل الله أن يُصلح الحال، ويجمع الشمل على الحق.

"يجب أن يكون الخطاب في المسائل المُشكلة بطريق ذكر كل قول ومُعارضة الآخر له، حتى يتبين الحق بطريقه لمن يُريد الله هدايته، فإن الكلام بالتدريج مقامًا بعد مقام هو الذي يحصل به المقصود، وإلا فإذا هجم على القلب الجزم بمقالات لم يُحكم أدلتها وطرقها والجواب عمّا يُعارضها كان إلى دفعها والتكذيب بها أقرب منه إلى التصديق بها".

 طبعًا هذا ليس دائمًا، لا بد أن نعرف السياق الذي ذكر فيه شيخ الإسلام هذه القضية، يعني: مثلاً العامي ليس من الصحيح أن يُعرض له الخلاف، والأدلة والأقوال، والمناقشات والردود، والقول الراجح؛ فإنه لا يحتمل ذلك؛ وإنما يُقال له: هذا يجوز، هذا لا يجوز، قال الله تعالى كذا، قال الرسول ﷺ كذا، وهو يريد هذه النتيجة، لكن هذا الطريق ينفع مع من؟ من الذي يحتاجون إليه؟

الذين يحتاجون إلى هذا الطريق، هو يتكلم عن المُتكلمين، وعن انحرافات المُتكلمين، وكيف يكون الجواب عنها، وكيف يُناقش هؤلاء، أو من ابتلوا بهذه الأمور الكلامية واللوثات الفلسفية، كيف يكون التعامل مع هؤلاء في دعوتهم، ومُناقشتهم، وفي الرد عليهم، هنا يُحتاج أن يُتدرج به حتى يصل إلى النتيجة الصحيحة بأدلتها، فيُذكر له ذلك القول ومسُتنده، ثم بعد ذلك يُبين له الحق ودليله، ويُبين وجه بُطلان ذلك القول، وتهافت تلك الأدلة التي يحسبها أصحابها أدلة وهي أباطيل وشُبهات، فإذا حصل معه هذا؛ حصل له الاطمئنان والراحة، وعرف الحق وتيقنه، أما إذا قيل له: بأن هذا القول باطل والصحيح كذا، يبقى عنده علائق في هذا القول، عنده إشكالات، عنده شُبهات، عنده ضلالات، عنده أشياء يحسبها أدلة، لا زال قلبه مشوشًا، فيحتاج إلى أن يُبين له بالطريقة التي يفهمها بيانًا مُتدرجًا، يُنقل من حال إلى حال، فيُبين له وجه ذلك القول ودليله، ثم بعد ذلك يُبين له بُطلان هذه الأدلة، تناقض هذه الأقوال.

وأحيانًا قد يُحتاج إلى الرد عليها من مقالات أصحابها، ومن كلامهم، أو من أصولهم، ثم بعد ذلك نُبين الحق الذي جاء به الرسول ﷺ بدلائله، هذه هي الطريقة الصحيحة في مثل هذه الحالات فقط، أما ما عدا ذلك فلا يُحتاج إلى هذا، لكن هذا عند أُناس عندهم خلفية مُعينة، تُريد أن تنقلهم منها، فلا يكفي أن تقول له: هذا باطل، وانتهينا، الحق كذا، هذا الجواب لا يكون شافيًا بالنسبة إليه، ولا يُخلص هذا من هذه الشُبهات والعلائق.

"مُحال مع تعليم النبي ﷺ لأمته كل شيء لهم فيه منفعة في الدين وإن دقت أن يترك تعليم ما يقولون بألسنتهم وقلوبهم في ربهم ومعبودهم ورب العالمين، الذي معرفته غاية المعارف، وعبادته أشرف المقاصد، والوصول إليه غاية المطالب، قال: بل هذا خلاصة الدعوة النبوية، وزُبدة الرسالة الإلهية، فكيف يتوهم من في قلبه أدنى مُسكة من إيمان وحكمة ألا يكون بيان هذا الباب قد وقع من الرسول ﷺ على غاية التمام، وقد عُلم بالبراهين الكثيرة والحس أن أصحابه والتابعين لهم بإحسان وأئمة الهدى قد تلقوا هذا الباب وغيره عن نبيهم، وأحكموه، وفاقوا به من قبلهم ومن بعدهم، وأنه يستحيل أن يكون غيرهم ممن لا يُدانيهم في شيء من العلوم والمعارف أولى بالحق منهم، هذا معلوم بالأدلة والبراهين المتنوعة، وكلام الله من أوله إلى آخره وكلام رسوله من أوله إلى آخره وكلام أصحابه والتابعين وسائر الأئمة مملوء بالنصوص الكثيرة على ذلك".

 خُلاصة هذه القضية: هو أن المُتكلمين، أو طوائف من المُتكلمين يقولون: بأن السلف -رضي الله تعالى عنهم- ما كانوا يفقهون هذا الباب باب الأسماء والصفات لله ، وأنهم أجروها هكذا من غير أن يتعرضوا لها، فهم يظنون أن السلف -رضي الله تعالى عنهم- كانوا يفوضون المعاني، وأن النبي ﷺ لم يُبين لهم هذا الباب، ويقولون عن نصوص الصفات هذه: بأنها من قبيل المُتشابه، وتجد هؤلاء إذا تكلموا على قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7] مثلوا مُباشرة للمُتشابه قالوا: كآيات الصفات، وإذا أراد الواحد من هؤلاء أن يتلطف، ويُظهر الأدب مع سلف الأمة وخيارها قالوا: إنهم لم يتفرغوا لهذا الباب؛ لأنهم شغلوا عنه بالجهاد، فجئنا، وتفرغنا لهذا الباب، فنزلنا هذه النصوص على المعاني اللائقة بالله يعني: حرفوها وأولها، وقالوا: إن ظواهرها غير مُرادة.

فشيخ الإسلام يرد عليهم في مواطن كثيرة جدًا، يقول لهم: هذا أشرف الأبواب ما يتعلق بالمعبود النبي ﷺ جاء ليدعوهم إلى التوحيد، فكيف يُبين لهم الأحكام، والحلال والحرام، ثم يُغفل هذا الفقه الأكبر الذي يتصل بتوحيدهم، ومعرفة معبودهم فهذا لا يكون أبدًا، بل بيان هذا الباب من أوجب الواجبات، ولا يمكن أن يُنسب خيار الأمة وسلف الأمة من الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- إلى الجهل بهذا الباب، وأنهم لم يعرفوا معانيها، وإنما فوضوها، هذا لا يُمكن، اتهام لهؤلاء ورمي لهم بهذه النقيصة العظيمة في أشرف الأبواب، كما قال عمرو بن عُبيد عن عبد الله بن عمر : هذا حشوي[6] المعتزلة كانوا يقولون عن السلف، وعن أهل السنة: بأنهم حشوية، يعني: لا يفقهون، يعني: مثل ما يُقال العوام، ويسميهم أحيانًا الرافضة بالجمهور، يعني: أنهم لا يفقهون، ولا يفهمون، ويعتقد هؤلاء أنهم قد تميزوا بالمعرفة والحِذق والعلم بهذه الفلسفات التي درسوها، ثم بعد ذلك وقعوا فيما وقعوا فيه من ألوان الأباطيل والتحريف للكلِم عن مواضعه، وما علموا أن السلف أعلم وأحكم، والعبارة التي لطالما رددها أولئك: مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم وأحكم، أسلم باعتبار أنه تفويض هم يفهمون أنهم فوضوا، يعني: لم يتعرضوا للمعاني، ومذهب الخلف التأويل، حملوها على معانٍ على غير ظواهرها، قالوا: هذا أعلم وأحكم، وتارة يقول ذلك بعضهم، ويُريد به سلفهم، فإن سلف المُتكلمين من الأولين، من المُتقدمين منهم كان الغالب عليهم التفويض، وكان الغالب على المُتأخرين التجهم والتأويل، وهذا موجود عند أهل الكلام، تجد أن المتقدمين منهم يغلب عليهم جانب التفويض، وأن المتأخرين بعد ابن فورك، وكذلك جاء الرازي بعد هؤلاء، وعظُم التجهم، وكثُر التأويل والتحريف حتى إن بعضهم في كتابه مثلاً في التفسير لم يُثبت لله صفة واحدة، جميع الصفات أوّلها، وما كان كل أهل الكلام على هذا، فعلى كل حال هذا رد على هؤلاء، أن مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم، لكن ما عرفوا قدرهم، فظنوا أنهم من عامة الناس والجُهال الذين لا يفقهون هذه المعاني، ففوضوها.

"الضد يُظهر حُسنه الضد، فكل من كان بالباطل أعلم؛ كان للحق أشد تعظيمًا وأعرف بقدره، فأما المتوسط من المتكلمين فيُخاف عليه ما لا يُخاف على من لم يدخل فيه، وعلى من قد أنهاه نهايته، فإن من لم يدخله فيه في عافية، ومن أنهاه قد عرف الغاية، فما بقي يخاف من شيء آخر، فإذا ظهر له الحق، وهو عطشان إليه قبله، وأما المتوسط، فمتوهم بما تلقاه من المقالات المأخوذة تقليدًا المُعظمة تهويلاً".

 وهذا أصل كبير هو في غاية الأهمية، الآن حينما يقول: الضد يُظهر حُسنه الضد، كل من كان بالباطل أعلم كان للحق أشد تعظيمًا وأعرف بقدره، هذه العبارة قد يستعملها بعض الناس، ولا زالت تُردد على مسامع بعض الشباب، ويُقال: اعرف الباطل، واقرأ كتب الباطل، واقرأ كتب المذاهب الباطلة، والأفكار المنحرفة، وما ألّف هؤلاء، وما كتبوا، ويفتخر الواحد منهم أنه يضع في مكتبه كتب الملاحدة، وأهل الضلال بجوار تفسير ابن جرير، وابن كثير، وصحيح البخاري، ومسلم، ويقول: أنا أُميز، وأنا أعرف هذه الأشياء، ومعرفته قليلة، وعلمه ضعيف؛ فصارت عنده هذه الثقة العظيمة بنفسه.

شيخ الإسلام لا يتكلم عن هؤلاء، ولا يُغري هؤلاء بأن يقرؤوا في الضلال، وأن ينظروا في كتب الضلال، بل كلام السلف واضح في وجوب الابتعاد عن هذا بالكُلية، وأن القلب ضعيف، وأن من عرض نفسه للفتنة أولاً لم ينج منه آخرًا، كانوا ينهون عن عرض الشُبه، وعن الاستماع إلى أهلها، لكن ماذا يقصد شيخ الإسلام؟

هو يتكلم عن واقع، لا أنه يدعو الناس للتبع، والبحث من أجل معرفة الباطل، هو لا يتحدث عن هذا، هو يتحدث عن واقع موجود ما هذا الواقع؟ خذ مثالين:

المثال الأول: واقع الناس في الجاهلية ممن أدرك الإسلام، وهداه الله فأسلم، هؤلاء حينما كانوا في الجاهلية عرفوا الضلال، وعرفوا أثر البُعد عن الله، وعن توحيده، وعن الإيمان به، فكان ذلك يعصف نفوسهم، ويجدون في نفوسهم من التحير، والضلال، والظُلمة، والوحشة ما لا يُقادر قدره، فلما جاء الإسلام؛ عرفوا قدر هذه النعمة، فتمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وصاروا يبلغون دين الله الذي عرفوا قدره إلى الآفاق، ويُجاهدون في سبيل الله، وشغلهم ذلك عن كل شيء، شغلهم عن أموالهم، عن حروثهم عن زروعهم، تجاراتهم، فكان هذا هو الشغل الشاغل لهم، لماذا؟

لأنهم عرفوا قدر هذه النعمة، فما كانوا يُفرطون بها، الذين ولدوا في الإسلام، وأخذوا الدين وراثة، لم يكونوا بهذه المثابة في الغالب، وإنما هؤلاء لربما لو تعرض الواحد منهم للتشكيك؛ لحصل عنده شيء من الاضطراب، فمثل هذا قد يتطلع إلى شيء آخر غير ما عهد، أولئك عهدوا الجاهلية، فلما عرفوا الإسلام؛ عظموا هذه النعمة، يتحدث عن واقع -انتبهوا الكلام دقيق-.

الآن هؤلاء أُناس عاشوا في ضلال، وفي بُعد -في العصر الحديث مثلاً- في شهوات، يغرقون في الشهوات، استوحشت نفوسهم، ملوا من البعد عن الله ، وملوا من الشهوات، ولم يبق شيء من المُوبقات إلا جربوه، فعافت نفوسهم هذا الطريق بالكلية، فلما هداهم الله كانت هدايتهم عظيمة وقوية، وكانوا عارفين قدر هذه النِعمة والهداية، فكان إقبالهم على العلم والعمل والاتباع أعظم من غيرهم، وهذا سر وسبب وتفسير أنك تجد الكثيرين ممن نشأوا في بيئة صالحة، في بيئة طيبة، في بيت أهل صلاح، الأب من أهل الصلاح، الأم من أهل الصلاح، أحيانًا تجد الأولاد يميلون إلى غير ذلك، يتلفتون، يريدون أن يتعرفوا على عالم آخر غير الذي عهدوه، ما عرفوا قدر هذه النِعمة، وما ذاقوا الباطل، وما عرفوا مرارته، فتجد الواحد منهم يتطلع إلى أمور أخرى، وهذا تفسير، لماذا كثير من الناس يأتي من بيئة ضائعة، ويكون إقباله أعظم، والذين يأتون من بيئات مستقيمة يميلون إلى التفريط والتهاون، ويتثاقلون القيام بالوظائف الشرعية الواجبة أحيانًا؟

هذا سؤال يرد في المحاضن التربوية، ومُلاحظ إلا من رحم الله لماذا؟ لأن هؤلاء ما عرفوا قدر النعمة التي ورثوها من آباءهم، والبيئة الصالحة، لكن أولئك عرفوا، طيب هل الطريق، والحل أنه يذهب يُجرب الباطل حتى يرجع؟ ليس هذا، هذا لا يجوز، فشيخ الإسلام يتكلم عن أمر موجود، واقع لا يقول للناس اذهبوا، وانظروا، وجربوا الباطل حتى تعرفوا قيمة الحق، يجب أن يكون هذا واضحًا أيها الأحبة!

وكذلك أيضًا هؤلاء من أصحاب العلوم الكلامية، الذين جربوا، وغاصوا في الفلسفة والضلال، وما أورثهم ذلك إلا الحيرة، عرفوها، وخبروها تمامًا، فتجد الواحد منهم يموت وصحيح البخاري على صدره، تجد الواحد منهم يموت وهو يقول: أموت على دين العجائز، يعني: على الفطرة، لماذا يموت، وصحيح البخاري على صدره؟ لماذا؟

لأنه عرف مُنتهى هذا الباطل، وأن هذه الهالة الكبيرة للباطل إنما هي تمويه، وانتفاشة لا حقيقة تحتها، ولا تروث إلا الحيرة، فمثل هذا حينما يعرف الحق يكون تمسكه به أعظم، ولذلك كان بعض السلف شديدًا على أهل البدع، كما ذكر بعض من ترجم له كالذهبي[7] كان شديدًا على، وكان يعتذر بعذر، ما هو؟

يقول: كنت معهم، فهو عرف الباطل، وما هم عليه، فلما عرف الحق؛ صار عنده اندفاع شديد، أما الذين لم يعرفوا حقيقة الباطل، وصاروا يتطلعون إليه، فيسمعون بعض العبارات الكبيرة كما هو الآن في الفلسفات الحديثة في كُتب مُترجمة، وفي كُتب أخرى، وأحيانًا تُعطى على شكل دورات، أو غير ذلك، عبارات كبيرة، ويظن السامع أحيانًا ممن لا بصر له أن تحتها معانٍ كبيرة، وأن تحتها من العلوم والمعارف ما لا يُقادر قدره، فهو ما خبرها، فمثل هذا قد يضيع، وينحرف، ويترك ما بين يديه من هذا الهُدى الكامل، ويبدأ يتشبث، ويبحث، وانظر إلى المعرض الدولي، وكيف يتهافت كثير من الذكور والإناث على دور بائسة تعرفونها جميعًا، دور تبيع كُتبًا قد مُلئت بالشر والفساد والشُبهات والضلالات، وتجد فئآم من الرجال والنساء، إذا رأيت الزحام عرفت أن هؤلاء يجتمعون، على ماذا؟

هو يعتقد أنه إذا حصل ذلك الكتاب، واقتناه، وسهر عليه تلك الليلة، وجلس يقرأ أنه صار مُثقفًا الآن، وغالب ما يستهوي هؤلاء أحيانًا أشكال الغلاف والعناوين، وهي كُتب والله لا تساوي الورق الذي طُبعت فيه، ولا الرف الذي وضعت عليه، أقول هذا عن معرفة ويقين، لكن هؤلاء يعرفون؟ كيف تشرح لهم؟ هذا يحتاج إلى مشوار طويل حتى تؤسس عنده أُسس، ثم بعد ذلك تستطيع أن تتحاور معه، وتتناقش معه؛ لأنك الآن تتناقش مع إنسان مُعلق هكذا، ليس له أصول يثبت عليها، فتكون مُنطلقًا للحوار، وهذه بلية الآن واقعة، صار الناس يُزلزلون، ويُضللون بسبب هذا البهرج الذي لا حقيقة تحته، فيظن الواحد أن هذه الكلمات التي قرأها، أو تلقفها أن هذا مُنتهى الثقافة والمعرفة، فصار في زُمرة المثقفين، ولكن من الواضح جدًا أن الإنسان لا ينكشف له -سبحان الله- ما هو عليه من النقص والجهل حتى يتعلم أكثر وأكثر وأكثر، ثم بعد ذلك يعرف أنه كان يحتاج الكثير، وما كان ينبغي له أن يتكلم، أو يكتب حينما كان بتلك الحال، لكن هذا لا يتبين للإنسان، وأنا أمثل عادة لهذا بأمثلة بسيطة أقول: لو أن الإنسان نظر في كتابه التعبير في الصف الرابع، أو الخامس، أو الأولى متوسط، أو كذا، يقرأ هذا حينما صار في الجامعة، أو بعد الجامعة، فإنه لربما كان في غاية الإعجاب بتلك المقالة التي كتبها، فإذا قرأها؛ استحيا من نفسه، وكيف كان يجترئ على قراءتها بمحضر الأهل والقرابات والأصدقاء، ويتزين بها في المجالس، هذه تمامًا مثلها، أنت تُشاهد أُناسًا يكتبون، ويعلقون على كل من كتب في تويتر، وفي غيره، وهو ما يُفرق بين التاء المربوطة والتاء المفتوحة، والظاء والضاد، أقرأ بعض التعليقات، والله يا إخوان أني أجلس أسبوعًا كاملاً أشعر بالغثيان، ما يعرف الإملاء، ويريد أن يُعلق في قضايا كبيرة، وكُليات عظيمة، وقضايا فكرية، ويظن أنه يعرف، وأنه من حقه أن يُشارك، وأن يكتب، وأن يُبدي الرأي، هذه مصيبة، إنسان يضر نفسه كثيرًا أيها الأحبة!

انظر لكلام شيخ الإسلام حول هذه القضية، له كلام جيد في هذا في أطوار الإنسان، وما يصير إليه، يقول: "وما يظنه بعض الناس أنه من ولد على الإسلام، فلم يكفر قط أفضل ممن كان كافرًا فأسلم ليس بصواب" يعني: أن هذا ليس بالضرورة، وإنما العبرة بكمال الحال والمآل فيما بعد، يقول: "بل الاعتبار بالعاقبة، وأيهما كان أتقى لله في عاقبته؛ كان أفضل" يعني: من الأفضل الذي ولد على الإسلام، أو الذي دخل في الإسلام؟ العبرة بالعاقبة، يقول: "فإنه من المعلوم أن السابقين الأولين من المهاجرين، والأنصار الذين آمنوا بالله ورسُله بعد كفرهم هم أفضل ممن ولد على الإسلام من أولادهم، وغير أولادهم، بل من عرف الشر وذاقه، ثم عرف الخير وذاقه فقد تكون معرفته بالخير ومحبته له، ومعرفته بالشر وبغضه له أكمل ممن لم يعرف الخير والشر، ويذقهما كما ذاقهما".

 هو يتكلم عن واقع لا يقول للناس: اذهبوا واكفروا حتى تعرفوا قدر الإيمان والإسلام، يقول: "بل من لم يعرف إلا الخير فقد يأتيه الشر فلا يعرف أنه شر، فإما أن يقع فيه، وإما أن لا يُنكره كما أنكره الذي عرفه" ولهذا قال عمر : "إنما تُنقض عُرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية" وهو كما قال عمر، "فإن كمال الإسلام هو بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتمام ذلك بالجهاد في سبيل الله، ومن نشأ في المعروف لم يعرف غيره فقد لا يكون عنده من العلم بالمنكر وضرره ما عنده من علمه، ولا يكون عنده من الجهاد لأهله ما عند الخبير بهم"، ولهذا يوجد الخبير بالشر وأسبابه إذا كان، يعني: حسن القصد عنده من الاحتراز عنه، ومنع أهله، والجهاد لهم ما ليس عند غيره، قال: "ولهذا كان الصحابة - أعظم إيمانًا وجهادًا ممن بعدهم لكمال معرفتهم بالخير والشر، وكمال معرفته للخير، وبُغضهم للشر؛ لما علموه من حُسن حال الإسلام والإيمان والعمل الصالح، وقُبح حال الكفر والمعاصي، ولهذا يوجد من ذاق الفقر والمرض والخوف أحرص على الغنى والصحة والأمن ممن لم يذق ذلك، ولهذا يُقال: والضد يُظهر حُسنه الضد.

وكان عمر يقول: لست، إلى آخر ما ذكر، ثم يقول: "وليس المراد أن كل من ذاق طعم الكفر والمعاصي يكون أعلم بذلك وأكره له ممن لم يذقه مُطلقا، فإن هذا ليس بمُطرد بل قد يكون الطبيب أعلم بالأمراض من المرضى، والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- أطباء الأديان، فهم أعلم الناس بما يُصلح القلوب ويُفسدها، وإن أحدهم لم يذق من الشر ما ذاقه الناس"[8].

على كل حال إلى آخر كلامه له كلام مُفصل جيد راجعوه، في هذا الموضع في المجلد العاشر من الفتاوى صفحة 300 راجعوا بقية الكلام.

إذًا المقصود واضح؛ أن من عرف الجاهلية يعرف قدر الإيمان والهداية والإسلام، أكثر من غيره في الجُملة، ممن هداه الله ، وهكذا من عرف الفقر والخوف إذا جاءه الأمن والغنى؛ عرف قدر هذه النعمة؛ لذلك تجد الآباء الذين جمعوا ذلك بعد فقر، يعرفون كيف يتعاملون مع هذه النعمة، فلا تُطغيهم، يأتي الأولاد الذين ورثوها، فيتصرفون بها ويُضيعونها، ولا يشكرون الله عليها.

على كل حال إذًا ليس المقصود أن الإنسان يذهب، ويقرأ في كتب الضلال والباطل، يقول: حتى أعرف الضلال، لكن لابد للمُكلف من بصر في الجملة بالشر، بصر يعني: يعرف المعروف والمنكر في الجملة؛ من أجل ألا يقع فيه، يعرف حدود الله وما حرمه؛ لئلا يقع في معصيته، هذا هو المراد.

"تأويل الأمر امتثاله والعمل به، وتأويل الخبر نفس وقوعه، فقوله: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7] أي: لا يعلم حقيقته، وكيفيته قدرًا ووقتًا ونوعًا إلا الله، ولا يُنافي أن نعلم من صفات ذلك ما أخبرنا الله به، ورسوله ﷺ".

 هنا الكلام على قوله في آية آل عمران، وهي أصل في هذا الباب في مسألة المُتشابه، يقول: مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7] هذا الذي يسمونه بالإحكام الخاص، والتشابه الخاص؛ لأن الإحكام العام كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ [هود:1] كل القرآن مُحكم، بمعنى: أنه مُتقن لا يرد عليه تعارض، ولا تضارب، ولا نقص لا في ألفاظه، ولا معانيه، وهو مُتشابه اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا [الزمر:23] جميع القرآن مُتشابه؛ أي: يُشبه بعضه بعضًا في الحُسن والبلاغة والفصاحة والبيان، وهذه آية آل عمران هي في الإحكام والتشابه الخاصين، منه ومنه؛ منه آيات محكمات، فالمحكمات هنا المراد بالإحكام ما هو؟

المراد بالإحكام هنا هو الإحكام الخاص، الراجح في معناه، كما قال الإمام أحمد -رحمه الله- ما استقل بنفسه، ولم يحتج إلى غيره في بيان معناه، لما تقول: قُلْ ‌هُوَ ‌اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، اللَّهُ ‌لَا ‌إِلَهَ ‌إِلَّا ‌هُوَ [البقرة: 255] ، حُرِّمَتْ ‌عَلَيْكُمُ ‌الْمَيْتَةُ [المائدة: 3]، هذا كله مُحكم، والمُتشابه: ما لم يستقل بنفسه، واحتاج إلى غيره؛ لبيان معناه إما لإجماله، أو لغموض لفظه، أو نحو ذلك، فهذا يكون بالنسبة لمن أشكل عليه، ولهذا التشابه في المعاني هو تشابه نسبي، وليس بتشابه مُطلق.

يعني: مثلاً وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ [الأنعام:3] الذي يُشكل عليه هذا النص، تُشكل عليه هذه الآية، هل الله -تبارك وتعالى- في السماوات بذاته، وفي الأرض بذاته، ما المراد؟ هنا يحتاج أن يرجع إلى المُحكم: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل:50] إذًا: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ ويقف وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ}[الأنعام:3] فيكون متعلقًا بما بعده، أو وهو الله، يعني: المألوه في السماوات وفي الأرض، يأله أهل السماء، ويأله أهل الأرض، فتكون مُفسرة بقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ [الزخرف:84] يعني: مألوه في السماء، ومألوه في الأرض.

هذا الآن التشابه وقع لبعض الناس، فهو مُتشابه بالنسبة إليهم هو تشابه نسبي، لكن من لم يحصل له هذا الإشكال هي بالنسبة إليه من قبيل المُحكم، فآية آل عمران: مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7] إذا وقفت هنا كان المقصود بالتشابه التشابه المُطلق الذي لا يعلمه إلا الله، وهو ما يتصل بالأمور الغيبية، زمانًا متى تقع، وكذلك مكانًا، ومن حيث الكُنه؛ فيُقال مثلاً في الأمور الغيبية: متى تقع الساعة؟ هذا لا يعلمه إلا الله، هذا من المُطلق، حينما يُقال مثلاً: كيف يده -تبارك وتعالى-؟

يُقال: هذا لا يُسأل عنه، هذا من المتشابه المُطلق، لكن ما معنى اليد؟ معنى اليد معروف، كيف استوى؟ هذا متشابه مُطلق، لكن ما معنى الاستواء؟ معنى الاستواء معروف، فلا يوجد في المعاني تشابه مُطلق، ولكن التشابه المُطلق يوجد في الكُنه والكيفية.

فشيخ الإسلام -رحمه الله- هنا يقول يتكلم عن التأويل: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:7] فإذا وصلت: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ [آل عمران:7] يكون الراسخون ممن يعلم تأويله، ويكون بمعنى التفسير، فشيخ الإسلام هنا يقول: تأويل الأمر؛ لأن التأويل يأتي عند السلف وفي القرآن بمعنيين: تأويل بمعنى التفسير، سواء كان للكلام، وما يعلم تأويله إلا الله، أي: تفسيره على الوصل، الوصل بالراسخين، أو تأويل الرؤيا بمعنى التفسير: نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ [يوسف:36]، أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ [يوسف:45] يعني: بتفسيره، ويأتي التأويل بمعنى آخر، الذي ذكره هنا، التأويل بمعنى آخر، وهو بمعنى بما يؤول إليه الشيء في ثاني حاله، يعني: بمعنى الوقوع والتحقق، فتأويل الرؤيا بمعنى وقوعها: هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا [يوسف:100] لما رأى أبويه، ورأى إخوته خروا له سُجدا، قال: هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا[يوسف:100] تحقق الوقوع، ويكون أيضًا التأويل بالنسبة للأمر بالامتثال، يُقال تأويل الأمر امتثاله، والعمل به، والخبر هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ [الأعراف:53] يعني: وقوع ما أخبر به، فهذا وقوع ذلك وتحققه هو التأويل، فهذا كلام شيخ الإسلام هنا.

"ضمان النفوس والأموال في الإتلاف من باب العدل الواجب في حقوق الآدميين، وهو يجب في العمد والخطأ، فقاتل النفس خطأ لا يأثم ولا يفسق بذلك، ولكن عليه الضمان، وكذلك من أتلف مالاً خطأ؛ فعليه بدله، ولا إثم عليه".

 فيما يتعلق بحقوق الآدميين إذا حصل الخطأ، فحصل الإتلاف، فإن ذلك لا يحصل معه الإثم رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] ولكن يبقى الضمان، لكن فيما يتعلق بحق الله إذا كان ذلك بخطأ، كقتل الصيد خطأ، صدمه بالسيارة من غير تفريط ولا عمد، فالراجح أنه يسقط؛ لأنه قوله -تبارك وتعالى-: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا [المائدة: 95] فإن هذا القيد مُعتبر على الأرجح من أقوال أهل العلم، فجزاء الصيد يسقط؛ لأن هذا حق لله رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] قال الله: قد فعلت[9] فلا ضمان هنا، ولا فدية لهذه المُتلفات من الصيود، لكن فيما يتعلق بحقوق الآدميين يرتفع الإثم عن المُكلف؛ لأنه لم يتعمد، أخطأ، ولكن هؤلاء حقوقهم تؤدى إليهم، هذا الضمان، ضمان النفوس والأموال، فإذا قتل أحدًا صدم أحداُ؛ فمات بطريق الخطأ، فإنه يدفع إليهم الدية، وإن كان لا يأثم، وهكذا إذا أتلف أموالهم، قال: هذا من باب العدل الواجب في حقوق الأدميين، وهو يجب في العمد والخطأ، فقاتل النفس خطأ، لا يأثم، ولا يفسق بذلك، كما قال الله : وَمَا ‌كَانَ ‌لِمُؤْمِنٍ ‌أَنْ ‌يَقْتُلَ ‌مُؤْمِنًا ‌إِلَّا ‌خَطَأً [النساء:92] لكن عليه الدية، إلى آخر ما ذكر.

"قال الإمام أحمد -رحمه الله-: أصول الإسلام تدور على ثلاثة أحاديث: قوله: الحلال بين، والحرام بين[10] وقوله: إنما الأعمال بالنيات[11] وقوله: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد[12] فإن الأعمال إما مأمورات، وإما محظورات، والأول فيه ذكر المحظور، والمأمورات إما قصد القلب والنية، وإما العمل الظاهر وهو المشروع الموافق للسُنة".

 هذا توجيه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كون أصول الإسلام تدور على هذه الأحاديث الثلاثة التي ذكرها الإمام أحمد -رحمه الله- باعتبار أن الأعمال إما مأمور أو محظور، فالأول: الحلال بين، والحرام بين قال: فيه ذكر المحظورات.

والمأمورات: إما قصد القلب وهو النية، وإما العمل الظاهر وهو المشروع الموافق للسنة، يعني: الثاني، والثالث هي المأمورات، يعني الأعمال: إما محظورات أو مأمورات، فالمحظورات: الحلال بين، والحرام بين، والمأمورات إما ما يتصل بالقلب، وهو النية، فهذا: إنما الأعمال بالنيات، أو العمل الظاهر: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد هذا توجيه لشيخ الإسلام -رحمه الله-.

وقد يُقال غير هذا، قد يُقال: إن الحديث الأول ينتظم المأمورات والمنهيات، يدخل فيه المأمورات والمنهيات، هذا فيما يتعلق بالأمر والنهي، وهذا العمل لا يصح إلا بنية، هذه الأعمال، فلابد من النيات، الأمور بمقاصدها إنما الأعمال بالنيات فهذا مبدأ النظر في الأعمال، ومن عمل عملاً ليس عليه أمرنا هذا في الاتباع، يعني: المُكلف يحتاج إلى أن يمتثل ظاهرًا وباطنًا، ويكون في ذلك مُتابعًا للنبي ﷺ هذا تفسير سهل، وواضح فيما أظن، وينتظم هذه الأحاديث بهذه الطريقة، فكأنه أوضح مما ذكره شيخ الإسلام، مع أن أهل العلم حينما ذكروا الأحاديث التي تدور عليها أصول الإسلام لم يتفقوا على أنها هذه الأحاديث الثلاثة مثلاً، الشافعي، وأحمد، وابن المديني، وأبو داود، والدارقطني، والبيهقي، وغير هؤلاء قالوا: بأن حديث: إنما الأعمال بالنيات رُبع الإسلام باعتبار أن الأحاديث التي تدور عليها الأصول أربعة، هنا كم حديث عندنا؟ ثلاثة، أو ثُلثه على هذا القول[13] أو نصفه باعتبار أن أصول الإسلام تدور على حديثين، أبو داود صاحب السنن يقول: "كتبت عن رسول الله ﷺ خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما تضمنه هذا الكتاب، يعني: السنن، جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث، الأول: إنما الأعمال بالنيات، الثاني: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه[14]، الثالث: لا يكون المؤمن مؤمنًا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه[15]، الرابع: الحلال بين، والحرام بين[16] فأبو داود جعلها على أربعة أنحاء، فهذا عنده حديث الأعمال هو رُبع الإسلام، وعنه رواية أخرى يقول: أصول السنن أربعة أحاديث لكنها جعل حديث: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس[17] جعل هذا الحديث أحد هذه الأصول[18] وهذا الذي قاله به أيضًا الدارقطني -رحمه الله- ابن المديني وابن مهدي قالوا: أربعة لكن لم يوافقوا على بعض الأحاديث أنها من الأصول التي تدور عليها أصول الإسلام، لكنهم قالوا: حديث: إنما الأعمال بالنيات، وحديث: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث[19]، وحديث: بُني الإسلام على خمس، وحديث: البينة على المُدعي، واليمين على من أنكر[20] على كل حال تكلموا في تفسير هذا، وكيف تدور أصول الإسلام عليه، فقالوا: الحلال بين، والحرام بين فيه بيان ما نهى الله عنه، هذا على التفسير الذي ذكره شيخ الإسلام قبل قليل، وأن الذي أمر به نوعان: الظاهر والباطن، يعني: النية والأعمال الظاهرة، البيهقي وجه هذا كون حديث الأعمال مثلاً ثُلث العلم بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه؛ فالنية أحد الأقسام الثالثة، وهي الأرجح[21].

وعلى كل حال، يعني: باعتبار لو قلنا مثلاً: أن الخارج عن النية هو العمل الظاهر، فيكون تدور أصول الإسلام على حديثين اثنين، ولهم عبارات على كل حال مُتعددة يمكن أن تُراجع في مظانها، انظر مثلاً هذا الكتاب كتاب "مقاصد المُكلفين فيما يُتعبد به لرب العالمين"، وهو كتاب جيد للدكتور عمر الأشقر -رحمه الله- هذا من الكتب النافعة.

"ومن خرج عن القانون النبوي الشرعي المحمدي الذي دل عليه الكتاب والسنة؛ احتاج أن يضع قانونًا آخر، مُتناقضًا يرده العقل والدين، لكن من كان مُجتهدًا في طاعة الله ورسوله، فإن الله يُثيبه على اجتهاده، ويغفر له خطأه: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ [الحشر:10]".

يعني: أن الانحراف الذي يقع للإنسان، إما أن يقع على سبيل الزلة، فالله يغفر له الخطأ، لكن من استبدل ما شرّعه الله -تبارك وتعالى- بغيره، فمثل هذا لا بد أن يكون قد وقع في انحراف يرد عليه أعظم مما توهمه فيما يرد على شرع الله أو النصوص الشرعية.

يعني: انظر مثلاً النصارى لما تركوا العمل بالتوراة؛ لشدة العداوة بينهم، وبين اليهود؛ اضطروا إلى وضع قانون؛ لأنهم ما عاد صار عندهم شريعة، والإنجيل ليس فيه شريعة كاملة، اضطروا إلى وضع قانون يتحاكمون إليه، وسموه: الأمانة العُظمى، وهو كما يقول ابن كثير: الخيانة العُظمى، فصاروا يتحاكمون إلى ذلك القانون الذي، وضعه البشر، اليهود لما أعرضوا عن العمل بالتوراة؛ اشتغلوا بالسحر نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ ۝ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ [البقرة:101-102] يعني: على عهد سليمان -عليه السلام-.

وهكذا أهل الكلام لما تركوا العمل بالنصوص والوحي، العمل بالكتاب والسنة، وضعوا لهم قوانين وقواعد وأصول عقلية، وصاروا يحاكمون النصوص إليها، فما قبلته هذه العقول وهذه القواعد التي أصلوها قبلوه، وما خالفها أولوه وردوه، مثل هذا الآن هذه الأصول التي وضعوها يرد عليها من التناقضات والمعارضات أعظم مما توهموه في النصوص، ولهذا وقع الخلاف الكثير بينهم كما سبق في الكلام على ذلك في مواضع من الفوائد التي مرت من كتاب درأ التعارض، وغير ذلك.

وهكذا الذين يخرجون عن شريعة الله ويأتون بقوانين، هذه القوانين يحصل بسببها من الفساد العريض والنقص ما يحتاجون معه إلى كتابات وإعادة وصياغات ومواد تُفسر هذه المواد التي قننوها، والله المستعان.

فكل من استبدل الحق بالباطل لما توهمه في الحق من شُبهات، أو ما ظن أنه إشكالات؛ فإنه يرد عليه في باطله أعظم مما توهمه في الحق.

"والإرادة في كتاب الله نوعين: أحدهما الإرادة الكونية، وهي الإرادة المُستلزمة لوقوع المُراد التي يُقال فيها ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، والثاني: الإرادة الدينية الشرعية، وهي محبة المُراد ورضاه، ومحبة أهله، والرضا عنهم، وجزاءهم بالحُسنى، ولهذا كانت الأقسام أربعة: ما اجتمعت فيه الإرادتان، وهو مما وقع من الإيمان والطاعات كلها، وما انتفت عنه الإرادتان، وهو ما لم يكن من المُباحات والمعاصي فإن الله لم يُردها دينًا؛ لأنه لم يُحبها، ولم يُردها كونًا لأنه لم يُقدرها، وما تعلقت به الإرادة الدينية وحدها، وهو ما أمر الله به من الأعمال الصالحة فعصى ذلك الأمر الكفار والفجار، فإن الله أرادها محبة، ولكنه لم يقضها ويُقدرها، وما تعلقت به الإرادة الكونية وحدها، وهو ما قدره من الحوادث التي لم يأمر بها كالمُباحات والمعاصي، وهذا واضح".

يعني: هذا التفريق عند أهل السنة، والحمد لله هو الذي ينحل به إشكالات كثيرة في باب القدر، والذين لا يُميزون بين الإرادتين، ولا يفرقون بينهم، ويقع عندهم من الإشكالات، والضلالات ما لا يُقادر قدره، ولذلك تجد هؤلاء في كتب أصول الفقه يفترضون مسائل، يقولون: هل الأمر يقتضي الإرادة، أو لا، ثم يذكرون مقالات، وخلافات قد لا تجد الحق في واحد من هذه الأقوال المنحرفة التي يذكرونها، فالذين لا يفرقون بين الإرادة الشرعية، والإرادة الكونية يقولون: إما أن ينفوا قدر الله -تبارك وتعالى- ويقولون: بأن الله لم يُقدر أفعال العباد، ويقولون: العبد يخلق فعله، لماذا؟

قالوا: لا يمكن أن الله أراد الكفر والمعاصي والأرجاس والأدناس؛ لأنهم لا يفرقون بين الإرادتين، كيف يكون مراد هذا لله ، فهم يتوهمون أن هذه الإرادة تقتضي المحبة، والله لا يُحب ذلك إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [الزمر:7]، وحمل ذلك بعض المنحرفين إلى أن قالوا بأن الله -تبارك وتعالى- أراد ذلك، وأحبه -نسأل الله العافية- فصار عندهم الإيمان والكفر سواء؛ لأنه مُراد لله، فأهل السنة لما فرقوا هذا التفريق، وفصلوا هذا التفصيل، قالوا: هناك إرادة كونية، هذه ليست بمُلازمة للمحبة، لا تقتضي المحبة على كل الحالات، لا تلازم بينها وبين المحبة، لكن يلزم منها الوقوع والتحقق، إذا أراد الله شيئًا كان، فلا يقع في الكون تحريكة ولا تسكينة، ولا كفر ولا إيمان إلا بإرادة الله كونًا، الملك مُلكه، والخلق خلقه، وما تشاؤون إلا أن يشاء الله، فهذه إرادة كونية، لكنها لا تقتضي المحبة، لكن تقتضي الوقوع، فهذا الواقع ما هو؟

إن كان مما أمر به دينًا وشرعًا -هذه الإرادة الثانية- مما أراده دينًا وشرعًا مثل الصلاة، الإيمان، الحج، الزكاة، البر، المعروف، الخير، فهذه تقتضي المحبة، الإرادة الشرعية، لكنها لا تقتضي الوقوع، لاحظ تلك لا تقتضي المحبة، ولكنها تقضي الوقوع، الإرادة الكونية، لا بد أن يقع، والثانية تقتضي المحبة، ولكن لا تقتضي الوقوع.

فالله أراد الإيمان، أراده دينًا وشرعًا، لكن من الناس من كفر، أليس كذلك، أراده دينًا من أبي جهل، فهو مأمور بالإيمان، من أبي لهب، ولكنهم لم يوفقوا للإيمان، فالله لم يُرده كونًا، ولكنه أراده دينًا، هذا الإرادة الدينية مُلازمة للمحبة.

أراد الله -تبارك وتعالى- وقوع الإيمان من أبي بكر وأراده كونًا فوقع، وأراده شرعًا فهو مأمور به، وهذه تقتضي المحبة، فاجتمع في المؤمن الإرادة الكونية والشرعية؛ لأنه ما آمن إلا بإرادة الله كونًا، وإلا كان ما يؤمن، حينما يُصلي المصلي اجتمع فيه الإرادة الكونية والإرادة الشرعية؛ لأنه مأمور بالصلاة، وأقيموا الصلاة، فاجتمع فيه الإرادتان.

الذي لم يُصل وجدت في حقه الإرادة الشرعية، متوجه إليه الخطاب، ولكنه لم توجد في حقه الإرادة الكونية، وإلا لو وجدت؛ لصلى، الكافر والعاصي ما وقع كفره أو معصية العُصاة إلا بإرادة الله كونًا، لكن الله لا يُريد ذلك شرعًا، ونهى عنه، فهذا وجد في حقه -يعني: الكافر والعاصي- وجد في حقه الإرادة الشرعية، وانتفت الإرادة الكونية عن إيمانه وطاعته؛ فلم توجد، وإلا لآمن وأطاع، لكنه في حال كفره وجدت الإرادة الكونية، ولم توجد الإرادة الشرعية، فهذا التفريق ينحل به إشكالات، فيُقال: لا يقع في الكون شيء إلا بإرادة الله، لكن أي إرادة؟ الكونية، فإن كان من محاب الله، فالله أيضًا أراده دينًا وشرعًا.

يقول: هنا شيء لا يتعلق به، لا الإرادة الكونية ولا الشرعية، وهو ما لم يقع، ولم يُقدر، سواء كان من المعاصي، أو الأمور المُباحات، فهذا لم يُرده الله لا كونًا ولا شرعًا، الأشياء التي لم تقع، الأشياء المعدومة.

"الرضا بالقضاء على قسمين: أحدهما: الرضا بفعله تعالى وتدبيره وتقديره الذي هو فعله، فهذا علينا أن نرضى به؛ لأنه حمد وحكمة وعدل، ويدخل في هذا وجوب الرضا بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا، فهذا لا يتم الإيمان إلا به، والثاني: ما يقضي من أفعال العباد، فهذا فيه تفصيل علينا أن نرضى بما يُحبه الله ويرضاه منها: كالإيمان والطاعات، ولا يحل لنا أن نرضى بما يكرهه ويسخطه من المعاصي على اختلاف أنواعها، وأما ما يُقدر علينا من المصائب، فالصواب أن الرضا مُستحب، وإنما الواجب فيه الصبر".

 يعني: الآن حال العبد إزاء أقضية الله تكلمنا على هذا تفصيلاً في الكلام على الأعمال القلبية الرضا، وقلنا: هذه الأشياء على مراتب وأنواع، هنا أشار شيخ الإسلام إلى جملتها، عندنا الآن إذا نظرنا إلى الأشياء؛ نجد أن هذه الأمور هي أمور يحُبها الله مثلاً، وإن كانت النفوس تنقبض منها، أو تثقل عليها، فهذا يجب الرضا بها، الطاعات، الجهاد، وما أشبه ذلك من محاب الله ، هذا على المؤمن أن يرضى به ويُسلم، المعاصي يجب على الإنسان أن يتباعد عنها، وأن ينأى بنفسه، وأن يُبغضها، والكفر، وما إلى ذلك.

وهناك الأقدار المؤلمة، فهذه يجب على العبد بالنظر إلى فعل الله أن يرضى، لا يعترض على قضاء الله، ولكن حال العبد بعد هذا الرضا على نوعين، يكون على حالين، بحسب الواقعة، بحسب المُصيبة، منه ما يمكن مُدافعته، فهذا تداووا عباد الله، فيُدافع ذلك، نزل به مرض يُعالج، جُرح يُعالج هذا الجرح، وهناك ما لا سبيل إلى مُدافعته، مات له قريب، سيارته احترقت، انتهى خلاص، لا سبيل إلى المدافعة، يُطفيها الآن؟ لكن جاء ووجدها رماد، لكن لو وجد بيته يحترق، سيارته تحترق، وجلس يُطفيها هذا يُدافع قدر الله بقدر الله، لا إشكال، لا يقول: أنا مُستسلم، يرى بيته يحترق، ويقول: أنا مُستسلم لهذا، فيُدافع أقدار الله، كما يدفع الجوع بالأكل، والعطش بالشُرب، لكن هناك ما لا سبيل إلى دفعه انتهى، مات هذا الإنسان، هنا ليس أمامه إلا الصبر، لا مجال للمُدافعة.

إذًا عندنا معاصي نتباعد عنها، طاعات نُحبها، ونرضى بتشريع الله ومحابه التي حصلت ووقعت، وما إلى ذلك انتصار الإسلام، وظهور الإسلام على سائر الأديان، وهكذا، بالنسبة أيضًا للمصائب فيها التفصيل السابق، هذا حال العبد مع أقضية الله -تبارك وتعالى-.

يقول: فالصواب أن الرضا مُستحب، وإنما الواجب فيها الصبر، يعني: هي المراتب ثلاث: صبر، ورضا، وشُكر، فالصبر واجب اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا [آل عمران:200]، المرتبة التي فوقه هي الرضا أن يرضى بأقضية الله وأقداره، وإلى آخره، فهذا قيل: واجب، وقيل: إنه مُستحب، والأقرب أنه مُستحب، لكن ذلك لا يُفضي به إلى التسخط على أقدار الله، فيكون لم يصبر بذلك الصنيع، يعني: ما معنى الرضا؟

الرضا فوق الصبر، الصبر يصبر، وقلبه ينعصر، وعيونه تدمع، لكن لا يعترض، ولا يتسخط، ولا يحصل منه ما يكرهه الله هذا الصبر، لكن الرضا فوق ذلك، الرضا يقول: الحمد لله، الله ما يُقدر لي إلا ما فيه الخير، أنا راضي بقدر الله وتجد مثل هذا مُرتاح القلب، مُنشرح الصدر، في غاية الاطمئنان، هذه مرتبة أعلى، أعلى منها مرتبة الشكر، أن يعتقد أن هذه نعمة ساقها الله إليه ليرفعه، وأن الله اختار له ذلك عن علم، وأنه مثل الدواء المُر الذي يتجرعه ليستخرج علته، وأدواءه، فينظر إليه بهذا الاعتبار، كما جاء عن بعض السلف، وذكرت أمثلة كثيرة في الكلام على الشُكر في الأعمال القلبية، نُقل عن معاذ كان يُقبل بثرة الطاعون، وهي بيده على المنبر[22] الطاعون شهادة، هذا يُطعن، ويخرج الرُمح من صدره بين ثدييه، ويقول: فزت ورب الكعبة[23]، هذا الآن فوق مرتبة الرضا، هذا شُكر، هذا فرح، لكن أكثر الخلق لا يُطيقون هذه المرتبة، لا يصلون إليها، ولكن غاية ما هنالك أن إذا جاهد نفسه؛ وصل إلى الصبر، هذا حال أكثر الناس، فالجزع مُحرم، والصبر واجب، والرضا مُستحب، والشُكر أعظم وأعلى منه.

"والله تعالى مدح في كتابه الصبر والشُكر: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [إبراهيم:5] فالصبر والشكر على ما يُقدره الرب بعبده من السراء والضراء من النِعم والمصائب التي يبلوه بها والسيئات، فعليه أن يتلقى المصائب بالصبر، والنِعم بالشُكر، ومن النِعم ما ييسره له من أفعال الخير، ومنها ما هي خارجة عن أفعاله، فيشهد القدر عند فعله للطاعات، وعند إنعام الله عليه فيشكره، ويشهده عن المصائب فيصبر، وأما عند الذنوب، فيكون مُستغفرًا تائبًا، وأما من عكس هذا فشهد القدر عند ذنوبه، وشهد فعله عند الحسنات، فهو من أعظم المُجرمين، ومن شهد فعله فيهما؛ فهو قدري، ومن شهد القدر فيهما، ولم يعترف بالذنب ويستغفره؛ فهو من جنس المشركين، وأما المؤمن فيقول: أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي".

 الآن هذا الصبر والشكر كلام شيخ الإسلام، وكلام أكثر أهل العلم على أن الصبر يكون إزاء المصائب، والشُكر على النِعم، والواقع أن الشكر أيضًا يكون على المصائب -كما عرفتم قبل قليل- لكنها مرتبة عالية، فيشكر الله على هذه البلية والمُصيبة التي وقعت له؛ لأنه يعلم كما قال النبي ﷺ: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له[24] قال: عجب لأمر المؤمن إن أمره كله له، ولهذا قال: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51] فهي في رصيده، ما قال: ما كتب علينا، ما كتب الله لنا، فهي لك الحلوة والمُرة، يعني: النعمة والمصيبة كلها لك، فيكون المؤمن يستقبل الأشياء التي تُؤلم النفوس، يستقبلها بهذا النظر، فيحصل له من الانشراح والسرور والراحة بعكس من نظر إلى هذا إلى أنه مُصيبة وبلية وقعت به لتُهلكه، هذا خطأ فهنا إذًا الصبر يكون على عند المصائب، وعن المعاصي، وعلى طاعة الله ، والشكر يكون على النِعم، ويكون أيضًا على المصائب.

يقول هنا: وأما عند الذنوب فيكون مُستغفرًا، وأما من عكس هذا، فشهد القدر عند الذنوب، وشهد فعله عند الحسنات، شهد القدر عند الذنوب، يعني: إذا فعل ذنب؛ قال: الله قدر عليّ هذا: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:148] هذا قول المشركين، وشهد فعله عند الحسنات، فلا يحصل له العُجب، وكأنه مُدل على ربه -تبارك وتعالى- فهذا من أعظم المُجرمين، ومن شهد فعله فيهما؛ فهو قدري، يعني: يقول أنا الذي أفعل الطاعة، وأنا الذي أفعل المعصية، يعني: الأول المُجرم الذي يقول: المعصية من الله، والطاعة مني: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص: 78] بمُجاهداتي، وصبري، وتحصيلي، وقُدراتي، والمصيبة من الله، كما كانوا يتشاءمون بالأنبياء أيضًا، ماذا قال الفراعنة لموسى؟ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ، يعني: من فعلنا، وعن استحقاق، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ [الأعراف:131] هذا حالهم، وكذلك تشاءموا بالنبي ﷺ.

فهنا يقول: ومن شهد فعله فيهما؛ فهو قدري، الذي يقول: الطاعة مني، أنا الذي فعلتها، ولم يُقدرها الله لي، هؤلاء القدرية الذين ينفون خلق الرب -تبارك وتعالى- وقدر الرب تقدير الله أفعال العباد، يقول: أنا الذي فعلت الطاعة، وأنا الذي فعلت المعصية، والله لم يُقدرها عليّ، هذا انحراف.

ومن شهد القدر فيهما، ولم يعترف بالذنب، ويستغفره فهو من جنس المشركين، شهد القدر في الطاعة والمعصية، لكن قالوا: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا [الأنعام:148] فلم يحملهم ذلك على التوبة والإيمان، وإنما بقوا على ذلك، ورضوا به أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي أبوء، يعني: ماذا؟ أعترف، وأبوء بذنبي فاغفر لي[25].

"قد يُصيب الناس مصائب بفعل أقوام مذنبين وتابوا، ومثل كافر يقتل مسلمًا، ثم يُسلم، ويتوب الله عليه، أو يكون متأولاً لبدعة، ثم يتوب من البدعة، أو يكون مُجتهدًا، أو مُقلدًا مُخطئًا، فهؤلاء إذا أصاب العبد أذى بفعلهم؛ فهو من جنس المصائب السماوية التي لا يُطلب فيها قصاص من آدمي، ومن هذا القتال في الفتنة، وقتال المُرتدين، وما أشبه ذلك".

 كذلك في قتال الكفار، هذا المسلم قتله هذا الكافر في المعركة، ثم أسلم هذا الكافر، هل يقال: تعال -لما جاء للمسلمين مُسلمًا- ويقال له: تعال، أنت قتلت فلانًا، نريد أن نقتص منك؟

الجواب: لا، طيب هذا المسلم الذي وقع عليه هذا القتل، هذا من جنس المصائب، هذا ذهب ماله، قُتلت دابته، أُسر، وسُبي ما معه، ثم أسلم ذاك الذي سباه، فهل يُطالب بأن يعوضه كل ما سبق؟ الجواب: لا، فإذا أسلم، فإن الإسلام يجب ما قبله، وهؤلاء الذين وقع عليهم هذا، يكون ذلك من جملة المصائب التي وقعت لهم.

القتال في الفتنة، قتال المُرتدين، هذا قتال في الفتنة يحصل به نهب للأموال، وقتل للنفوس إلى آخره، فإذا سكنت الفتنة لم يُطالب الناس بالقصاص، يعني: الآن أصحاب النبي ﷺ لما حصل القتال بينهم، ثم حصل الصُلح، هل جيء بأُناس يجردون من الصفين، ويقولون: هاتوا كل من وقع منه قتل يُقتص منه؟ لم يحصل شيء من هذا، والأموال؟ كذلك، فهؤلاء الذين وقع عليهم القتل كان ذلك من المصائب، كالمصائب السماوية.

 

 

  1. أخرجه أحمد في مسنده، برقم (25623)، وصححه الألباني في التعليقات الحسان، برقم (4199).
  2. انظر: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام (7/41).
  3. أخرجه ابن القيم في مدارج السالكين (1/214)، وصححه الألباني في الاحتجاج بالقدر (ص:43).
  4. أخرجه مسلم، كتاب الفضائل، باب مباعدته -صلى الله عليه وسلم- للآثام واختياره من المباح، أسهله وانتقامه لله عند انتهاك حرماته، برقم (2328).
  5. أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار، برقم (3475)، ومسلم، كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره، والنهي عن الشفاعة في الحدود، برقم (1688).
  6. انظر: توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم، لأحمد بن إبراهيم (2/80).
  7. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (7/452) (12/69) (19/200).
  8. انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية (10/300).
  9. أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باب: ومن سورة البقرة، برقم (2992)، وصححه الألباني في التعليقات الحسان، برقم (5046).
  10. أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، برقم (52)، ومسلم، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، برقم (1599).
  11. أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برقم (1).
  12. أخرجه مسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم (1718).
  13. انظر: جامع العلوم والحكم، لابن رجب (1/61، 62).
  14. أخرجه أبود داود في سننه، أبواب الزهد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برقم (2317)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (4839).
  15. ذكره المقدسي في كتاب الأربعين المرتبة على طبقات الأربعين (312)، والبكري في الأربعون، وابن الأثير في جامع الأصول في أحاديث الرسول (1/190).
  16. انظر: جامع العلوم والحكم، لابن رجب (1/62، 63).
  17. أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب الزهد في الدنيا، برقم (4102)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (917).
  18. انظر: جامع العلوم والحكم، لابن رجب (1/63).
  19. أخرجه أبود داود في سننه، كتاب الديات، باب الإمام يأمر بالعفو في الدم، برقم (4502)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (3466).
  20. أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار، كتاب الشهادات، باب القضاء باليمين مع الشاهد، برقم (20026)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (3758).
  21. انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر (1/11).
  22. انظر: تاريخ دمشق، لابن عساكر (58/444).
  23. أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من ينكب في سبيل الله، برقم (2801).
  24. أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير، برقم (2999).
  25. أخرجه أبود داود في سننه، أبواب النوم، باب ما يقول إذا أصبح، برقم (5070)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (2335).

مواد ذات صلة