الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
حديث «إن لله ما أخذ، ولله ما أعطى..» (2-2)
تاريخ النشر: ١٠ / ذو القعدة / ١٤٢٥
التحميل: 2457
مرات الإستماع: 3901

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فكنا نتحدث عما رواه أسامة بن زيد في خبر ابنة النبي ﷺ حينما احتُضر ابنها، أو بنتها، على خلاف في ذلك كما سبق.

وهل هذه البنت لرسول الله ﷺ هي زينب وأن ابنتها أمامة، أو أنها فاطمة وأن هذا الابن هو محسن، كما يقوله بعض أهل العلم، أو أنها رقية زوجة عثمان وأن ابنها عبد الله، أو غير ذلك مما قيل.

وعرفنا معنى الاحتضار، وأن النبي ﷺ بعث إليها بالسلام، وأمرها بأن تصبر وتحتسب، وقال: إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى.

فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها، وجاء في بعض ألفاظ الحديث أنها أرسلت إليه ثلاثاً فقام في الثالثة، وأقسمت عليه أن يأتيها، فقام ﷺ، ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال ، ومن هؤلاء الرجال: راوي هذا الحديث، وهو أسامة بن زيد وكذلك عبادة بن الصامت، وعبد الرحمن بن عوف،  جاءوا مع النبي ﷺ حينما قام ليشهد ذلك المحتضر.

فرُفع إلى رسول الله ﷺ الصبي، فأقعده في حجره، وهذا يدل على صغره.

ونفسه تَقعقع، يعني: هذا الصبي قد وصل إلى حال الاحتضار، بمعنى: أن لنفسه وحشرجته صوتاً يشبه صوت الجلد اليابس البالي، فإن القربة القديمة البالية يكون لها صوت إذا حركت.

ففاضت عيناه ﷺ، وهذا مما جبل عليه ﷺ من الرحمة والشفقة، ولا شك أن هذا المقام مقام مؤثر، وتصور في حال أولائك لربما كان الولد يعاني الموت، وسكرات الموت بسبب الحمى، أو بسبب علة يسيرة في زماننا هذا، لا مستشفى، ولا طبيب، ولا أدوية، وإنما يبقى هكذا حتى يموت، فالنبي ﷺ فاضت عيناه لما شاهد ذلك، فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله ما هذا؟ وفي رواية: ما هذا البكاء؟ وفي بعض الروايات أن الذي قال ذلك هو عبادة بن الصامت ، والأقرب أن الذي قاله هو سعد بن عبادة .

وقد جاء في بعض رواياته: أتبكي وقد نهيت عن البكاء؟![1]، استغرب من هذا البكاء الذي صدر من رسول الله ﷺ فظن أن ذلك من الجزع، ومن النياحة.

فقال النبي ﷺ معلماً لهم: هذه رحمة، جعلها الله تعالى في قلوب عباده.

وفي رواية: في قلوب من شاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء متفق عليه.

ومعلوم الحديث المشهور الذي جرى العلماء على أن يلقنوه أول ما يلقنون طالب العلم في مبتدأ الطلب: الراحمون يرحمهم الله، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء[2]، والجزاء من جنس العمل، فالذي يرحم الخلق يرحمه الله -.

هذا يستفاد منه: أن البكاء المحرم هو ما كان على سبيل التسخط، والجزع، ورفع الصوت، والنياحة، فإن صاحبَ ذلك لطم الخدود، وشق الجيوب، ونتف الشعر فإن ذلك يكون أعظم، وأما دمع العين، وحزن القلب، فإن ذلك مما لا يؤاخذ عليه الإنسان، لاسيما وأنه أمر لا يدخل في كسبه، ولا يدخل في طاقته وقدرته.

فالإنسان قد لا يستطيع أن يسيطر على مشاعره، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وإنما الشيء المحرم الذي ينبغي أن يتباعد عنه هو النياحة، ورفع الأصوات، ولطم الخدود، وشق الجيوب، وذكر مآثر الميت، أو ذكر أمور في أوصاف ومحامد قد لا تكون فيه، كما جرت عليه عادة العرب في الجاهلية، فهو يعذب بهذا الكلام الذي يقال إذا كان برضاه أو بوصيته، أو يعلم أنهم سيفعلون ذلك وما نهاهم، والله تعالى أعلم.

فنسأل الله أن يلهمنا وإياكم الصبر والثبات، وأن يشرح صدورنا، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا المسلمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه الترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الرخصة في البكاء على الميت (3/ 328)، رقم: (1005).
  2. أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب فى الرحمة (4/ 440)، رقم: (4943)، والترمذي، كتاب البر والصلة عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في رحمة المسلمين (4/ 323)، رقم: (1924)

مواد ذات صلة