الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
حديث «بارك الله لكما في ليلتكما» (2-2)
تاريخ النشر: ٢٥ / محرّم / ١٤٢٦
التحميل: 2357
مرات الإستماع: 3026

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فكنا نتحدث عن حديث أنس في خبر أمه أم سليم -ا، مع زوجها أبي طلحة، وذلك حينما مات ابنه الذي كان يحبه حباً شديداً، فأخفت ذلك عليه، ثم بعد ذلك قربت له العشاء فتعشى، ثم أصاب منها، فلما فرغ قالت: واروا الصبي.

فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله ﷺ فأخبره، كما جاء في بعض روايات الحديث أنه غضب وعاتبها، وقال لها: تركتيني حتى تلطختُ ثم بعد ذلك أخبرتيني بموته، فذهب إلى النبي ﷺ فأخبره، فقال له النبي ﷺ: أعرّستم الليلة؟، يعني: هل أصبتَ منها؟ قال: نعم، قال: اللهم بارك لهما، دعا لهما بالبركة.

فولدت غلاماً، فقال لي أبو طلحة -أبو طلحة يقول لأنس: احمله حتى تأتي به النبي ﷺ، وبعث معه بتمرات، وفي بعض الروايات أنه نهاهم أن يرضعه أحد حتى يأتي به النبي ﷺ، من أجل أن يكون أول ما يقع في جوفه هو ريق رسول الله ﷺ، فأتى به النبي ﷺ ومعه هذه التمرات، فقال النبي ﷺ: أمعه شيء؟، قال: نعم، تمرات، يعني: قليلة، وكان من عادتهم إذا جاءهم المولود أن يأتوا به إلى رسول الله ﷺ ليدعو له بالبركة، وكأنهم عرفوا هذا من هدي رسول الله ﷺ فبعثوا بالغلام قبل أن يصل إلى جوفه شيء، ووضعوا هذه التمرات معه من أجل أن تكون شيئاً يحنك به.

 فأخذها النبي ﷺ فمضغها، ولاكها بفمه الشريف، فاختلط ذلك بريقه، ثم أخذها من فيه فجعلها في في الصبي، ثم حنكه وسماه عبد الله.

حنكه بها بمعنى: أنه أخذ هذا التمر ووضعه على حنك الصبي وهو أعلى الفم، بعض أهل العلم يقول: هذا من أجل شد الحنك واللثة، فمن قال ذلك قال: إن ذلك يفعل للصغير مطلقاً، فهو لمصلحة المولود، وقالوا: كل أحد يحنك الصبي، فالمرأة تحنك صبيها، والرجل يحنكه، وليس ثمة معنى لمن يقوم بالتحنيك، ومن نظر إلى أن المقصود إنما هو ريق رسول الله ﷺ، فإنه قال: لا يكون ذلك لأحد سواه؛ لأن المقصود أن يكون أول ما يصل إلى جوفه هو ذلك الريق الشريف، ومن أهل العلم من نظر إلى أن التحنيك بالتمر فيه بركة، وهو أيضاً من شجرة قد شبهها النبي ﷺ بالمؤمن، فيكون أول ما يطعمه هذا الصبي هو هذا التمر، إضافة إلى حلاوته فهو حلو في طعمه، وبالتالي فإنه لا يُنظر معه إلى من قام بالتحنيك، ومن هنا كان كلام أهل العلم مفترقاً ومنقسماً بحسب هذه الاعتبارات التي ذكرتها.

فإذا قلنا: إنه من أجل بركة الريق فهذا لا يكون لأحد غير النبي ﷺ، وإذا قلنا: إنه لمعنى في التمر، أو لمعنى في نفس التحنيك فإن ذلك يكون لكل أحد، وبالتالي يكون سنّة، حينما يولد المولود يحنك، ويكون ذلك أول ما يصنع به قبل أن يرضع.

ثم سماه النبي ﷺ عبد الله، وهذا في اليوم الثاني من ولادته، ولم ينتظر حتى يبلغ اليوم السابع، فيؤخذ من هذا أن المولود يمكن أن يسمى من اليوم الذي ولد فيه، ويمكن أن يسمى من اليوم الثاني، ويمكن أن يسمى بعد ذلك في اليوم السابع، فإذا سمي في اليوم السابع وذبحت عقيقته فذلك حسن، ولكن ذلك ليس بلازم.

وقد سماه النبي ﷺ عبد الله، فهذا الاسم يصدق على هذا الإنسان، لأنه عبد لله إما عبودية قهر، فكل أحد هو عبد لله : إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم:93]، حتى الكفار هم عبيد لله ، لا يخرج عن عبوديته أحد، وإن كان ممن هداه الله فهو من أهل العبودية الخاصة، عبودية الاختيار، وأخبرنا النبي ﷺ أن أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن[1].

وأصدق الأسماء حارث وهمام[2]، وذلك أنه ليس فيها خروج عن وصف الإنسان الحقيقي، كل إنسان حارث، وكل إنسان همام، سواء كان همه بالشر أو بالخير.

بخلاف ما إذا سُمي –مثلاً- "مبارك" وقد يكون أبعد ما يكون عن البركة، أو يُسمَّى "طيب"، أو يسمى "صالح"، أو يسمى "خير"، أو يسمى "تقي الدين"، أو نحو ذلك من الأسماء التي قد لا تصدق على هذا المسمى، ويكون فيها تزكية له، أما حارث وهمام فهي صادقة عليه.

فينبغي التسمي بالأسماء الطيبة الحسنة، التي لا تكلف فيها، وتحمل معانِيَ حسنة، أما ما ابتلي به الناس اليوم من الإغراب، وتتبع الأسماء التي لم يُسبقوا إليها، وإذا سئل الواحد منهم ما معنى هذا الاسم؟ لا يعرف، كأن يسمي الأب ولده "راكان"، فما معنى هذا الإسم؟ أو يسميه "بندر"، فالذي نعرف أن البندر هو القرد، لا منظر ولا معنى.

والبعض يسمي ابنته نشوة، أو فاتن، وأقبح من هذا كله أن تسمى بأسماء نصرانية، كأن يسميها يارا وما أشبه ذلك، وإذا سألته يقول: لا، هذا عربي، وهو ليس بموجود في القواميس كلها، فلا ينبغي للإنسان أن يكون همه فقط البحث عن الإسم الغريب.

وأما العجم فحدث ولا حرج، رأينا من يُسمَّى بـ "جنهم"، و"خنزير"، وأما الأسماء الأخرى فـ "رفيق الإسلام"، و"زيتون"،  يفتحون المصحف فينظر أي كلمة أمامه لا يفهم معناها، فيرى لفظة "جنهم"، أو "لظى" ويسمي الولد بها، هذه حقيقة ليست مبالغة، رأينا هذا في البلاد الأعجمية.

فعلى الإنسان أن لا يتكلف في التسمية، فيسمي عبد الله، وعبد الرحمن، وما أشبه ذلك من الأسماء التي لا تكلف فيها.

ومن السنة أن يكنى الصغير، والنبي ﷺ كنى الصبي الذي مات بأبي عمير، فمن السنة تكنية الصبي، وحتى الذي ليس عنده أولاد يُكنَّى، وقد يكنى الرجل بكنيةٍ لا ولد له بهذا الاسم، والنبي ﷺ كنى عائشة -ا- بأم عبد الله، وعمر أبو حفص -وحفص هو الأسد- مع أنه لم يكن له ولد اسمه حفص.

فمن السنة التكنية، والعرب كانت تحب الكنى، وتكره الألقاب، إذا دُعي الشخص يدعى يا أبا فلان، فإن لم يكن فباسمه يا فلان، فإن لم يكن فاللقب هو أبعدها.

وفي رواية للبخاري قال سفيان بن عيينة: فقال رجل من الأنصار: فرأيتُ تسعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن.

يعني من أولاد عبد الله الذي وُلد ودعا له النبي ﷺ بالبركة، فالدعاء صار في أولاده، وهذه هي الغنيمة الحقيقية، وليست الغنيمة في وجود الأولاد بحد ذاته، إنما في وجود الأولاد الصالحين؛ لأن الأولاد إذا لم يكونوا صالحين يَشقى بهم أهلهم، ويكونون نقصاً عليهم، وهماً وغماً دائماً متصلاً، وإنما العبرة هي وجود الصلاح في هؤلاء الأبناء.

فقال رجل من الأنصار: فرأيت تسعة أولاد، أي: من أولاد عبد الله، كان عنده يعقوب وإسحاق وإسماعيل وإبراهيم ومحمد، وعبد الله والقاسم، وعمير، كل هؤلاء كانوا من ولده، وكلهم قد حفظ القرآن.

وأم سليم امرأة ثابتة صابرة رابطة الجأش، وهي التي كانت في يوم حنين حول رسول الله ﷺ وقد انهزم الرجال، ومعها خنجر، وقد سألها النبي ﷺ ماذا تصنعين؟ قالت: لا يمر بي أحد من هؤلاء الكفار إلا بقرت به بطنه، فكانت امرأة قوية، أقوى من الرجال، فأعطاها الله هذا، وهو نادر في النساء.

  1. أخرجه مسلم، كتاب الآداب، باب النهي عن التكني بأبي القاسم وبيان ما يستحب من الأسماء (3/ 1682)، رقم: (2132).
  2. أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في تغيير الأسماء (4/ 443)، رقم: (4952).

مواد ذات صلة