الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
حديث "لما نزلت آية الصدقة.."
تاريخ النشر: ١٥ / رمضان / ١٤٢٦
التحميل: 1828
مرات الإستماع: 3911

لما نزلت آية الصدقة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فعن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري وهو الذي يقال له البدري، قيل: نسب إلى بدر؛ لأنه نزل فيها، وقيل: لأنه شهد غزوة بدر، كما رجحه الحافظ -رحمه الله- وهو الذي مشى عليه الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه.

عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري  قال: لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل على ظهورنا، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير، فقالوا: مراء، وجاء رجل آخر فتصدق بصاع، فقالوا: إن الله لغني عن صاع هذا! فنزلت: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ [التوبة: 79][1].

قوله: "لما نزلت آية الصدقة كنا نُحامِل على ظهورنا" يعني: لعله يريد قوله -تبارك وتعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103]، فهي آية الصدقة.

فيقول: كنا نحامل على ظهورنا، يعني: أنهم كانوا لا يجدون شيئاً يتصدقون به، فكان الواحد منهم يذهب إلى السوق فيحمل المتاع للناس، من أجل أن يجد شيئاً يتصدق به.

كنا نحامل على ظهورنا، يعني: يُكرون أنفسهم، يشتغل حمّالا من أجل أن يتصدق، لشدة رغبتهم في الخير وفي ما عند الله ولقوة يقينهم.

يقول: "فجاء رجل فتصدق بشيء كثير"، يقال: هذا الرجل هو عبد الرحمن بن عوف وكان من أغنياء الصحابة، جاء فتصدق بشيء كثير.

"فقالوا: مُراءٍ" يعني: قال المنافقون: إنه يقصد بذلك الرياء، هؤلاء هم الذين ذكر الله خبرهم على سبيل الذم: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ [التوبة:79].

فإذا جاء الإنسان بصدقة كثيرة قالوا: مُراءٍ، وإذا جاء بشيء قليل قالوا: إن الله لغني عن هذا، وعن صدقته.

فلا يسلم منهم أحد، وقد عد أصحاب المغازي من هؤلاء المنافقين معتب بن قشير، وطائفة من أصحابه، ليس لهم شغل إلا هذا.

يقول: "وجاء رجل آخر فتصدق بصاع"، هذا الرجل يقال: إنه أبو عقيل، وإنه قد آجر نفسه في استخراج الدلاء من البئر على صاعين من تمر، فذهب بصاع إلى أهله، وتصدق بصاع، فلما جاء بهذا الصاع قالوا: إن الله لغني عن صاع هذا.

فنزلت: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ [التوبة:79].

فهؤلاء لمزوهم، أي: أنهم عابوهم وانتقصوهم، وطعنوا في نياتهم وإخلاصهم، أو ذموا عملهم هذا الذي جاءوا به، تارة من جهة القصد والنية: هذا مُراءٍ، وتارة من جهة احتقار العمل: إن الله غني عن هذا وعن صدقته.

وهذا لا يختص بأولئك الذين يلمزون هؤلاء المطوعين في الصدقات، بل إنه يشمل كل لامز لأهل الإيمان، وأهل العمل الطيب الصالح، سواء كان ذلك في باب الصلاة، أو الصيام، أو الحج، أو العمرة، أو الذكر، وقراءة القرآن، أو غير ذلك.

ويدخل في هذا كل أولئك الذين يستهزئون بالدين، وبأهله في مسلسلاتهم البائسة التي يتسلطون فيها علينا كل عام في رمضان، بما يسمونه "بطاش"، أو "الحور العين" أو غيرها من المسلسلات الفاشلة، التي لم يستحِ أصحابها من الله -تبارك وتعالى- ولم يستحوا من الناس، فخرجوا بهذه الأوضاع المؤسفة التي قد تضرهم في دينهم ودنياهم.

والله قد توعد أولئك المستهزئين، كما قال الله -تبارك وتعالى: وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ۝ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ [التوبة:65-66].

فهؤلاء الذين ذكرهم الله في سورة التوبة استهزءوا بجماعة من أصحاب النبي ﷺ.

قالوا: كأنا نراكم غداً موثقين بالحبال، ما أنتم على قدر هؤلاء، ما تستطيعون مواجهتهم، غركم دينكم، واستهزءوا بطلاب العلم، فقالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أشد حرصاً على البطون وأجبن عند اللقاء، فأنزل الله : وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ [التوبة:65].

فالإنسان ينبغي أن يحذر، ولا يختص هذا أيضاً بأولئك الفاعلين لهذه الأفعال القبيحة، بل من شاركهم بالمشاهدة، وضحك على سفههم، وقعد في تلك المجالس التي يخوضون فيها بهذا الخوض الباطل.

والله يقول: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [الأنعام:68]، هذا ما يتعلق بهذا الحديث.

وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب الحمل بأجرة يتصدق بها، والنهي الشديد عن تنقيص المتصدق بقليل (2/ 706)، رقم: (1018).

مواد ذات صلة