الثلاثاء 22 / جمادى الآخرة / 1446 - 24 / ديسمبر 2024
حديث «إذا مرض العبد أو سافر..» ، «كل معروف صدقة»
تاريخ النشر: ٢٦ / شوّال / ١٤٢٦
التحميل: 2234
مرات الإستماع: 14377

إذا مرض العبد أو سافر كتب له

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فمن الأحاديث الدالة على كثرة الطرق التي يتوصل بها إلى الخير والأعمال الطيبة الصالحة وتحصيل الأجور:

حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً[1] رواه البخاري.

هذا يخرج منه الفرائض؛ لأن الفرائض يجب على الإنسان أن يعملها، لكن يدخل في ذلك ألوان النوافل، فإذا كان الإنسان من عادته -مثلاً- أن يصوم يوماً وأن يفطر يوماً، أو يصوم الإثنين والخميس، أو أنه من عادته أن يصلي السنن الرواتب، ويكثر من النفل المطلق، ويصلي قيام الليل ثم سافر أو مرض، فاقتصر على الفرض فقط، أو على الوتر وركعتي الفجر، فإنه يكتب له في كل يوم ولو طال سفره أو مرضه، ولو بقي سنوات، يكتب له قيام الليل، وصيام النهار، فأي فضل وعمل أرجى من هذا؟.

ولذلك لما مرض ابن مسعود بكى، فسأله بعض أصحابه، قالوا: هل تبكي جزعاً من المرض؟، فقال: لا، ولكنه قد نزل بي في وقت فترة[2]، يعني: في وقت فتور من الأعمال، لم يكن مُجدًّا في ذلك الوقت في الأعمال الصالحة والصيام والنوافل والقيام، وما أشبه ذلك فجاء المرض، فما يكتب له إلا ما كان معتاداً له قبل المرض، فحزن لهذا السبب وبكى.

من منا يستشعر هذا المعنى إذا مرض؟ العادة أن الإنسان إذا مرض لا يفكر إلا في الأطباء والأدوية، ويذهب ذهنه إلى كل ناحية، أن يكون هذا المرض لا علاج له، أو أنه مرض خطير، أو غير ذلك، لكن من الذي يفكر يقول: أنا جاءني هذا المرض وأنا في وقت من الفتور لم أكن مُجدًّا حتى يكتب لي ما كنت أعمله وأنا صحيح.

اثنان في السيارة أو في الطيارة وسافرا، هذا يكتب له فقط السنن الرواتب إن كان يصليها، وإن كان لا يصليها لا يكتب له شيء، والآخر يكتب له قيام الليل وصيام النهار، وهو مفطر ونائم، فهذا من سعة فضل الله وكرمه على عباده، فينبغي للإنسان أن يجتهد، وأن يكمل عمله في حال الإقامة والصحة، فإذا عرض له عارض من سفر أو مرض يعجز معه عن القيام بما كان يقوم به قبل ذلك أجرى الله عليه عمله.

كل معروف صدقة
حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: كل معروف صدقة[1]، رواه البخاري ومسلم من حديث حذيفة .

وهذا يدخل فيه كل ما يتصور أنه من قبيل المعروف سواء كان ذلك مما يتعلق بما يصدر من اللسان من المقالات، أو ما يصدر من جوارح الإنسان، أو ما يكون من الأعمال المالية، أو ما يكون مما يقوم به من الحال كالتبسم وطلاقة الوجه، وما إلى ذلك مما يفعله الإنسان يُدخل به السرور على إخوانه المسلمين، كل ذلك يؤجر عليه الإنسان، كل معروف سواء صدر إلى إنسان أو بهيمة، إلى من يعقل أو من لا يعقل، إلى صغير أو كبير، فهو صدقة، إذا مر الإنسان ومسح على رأس الصبي فهي صدقة، وإذا تكلم بكلام طيب ورد برد طيب على الناس فإن ذلك صدقة، وإذا تصدق ولو بشيء تافه فإنه يكتب له بذلك صدقة، كل معروف صدقة، وهكذا ما يتعلق بما يخطر بالبال من رفع قذاة من المسجد فهي صدقة، وقل ما شئت مما يتخيل مما يقل أو يكثر ويعظم من أعمال يمكن أن يصدق عليها أنها معروف، ويؤخذ من هذا الحديث أن الصدقات كما سبق لا تختص ببذل المال، ودفعه في وجوه البر، فهذا من الصدقات، ولكن الصدقات تتعدى ذلك فهي تكون بالمال، وتكون أيضاً بالأعمال الأخرى بالكلام والفعل والتبسم، وما إلى ذلك، كل هذا صدقة، فمن الذي يعجز أن يتصدق؟.

ولذلك أقول: أمام الإنسان أبواب كثيرة من الخير، يمكن أن يقدمها إلى الآخرين وينتفعون بها، وقد يكون مما يعود إليه هو، أو مما يختص بأهله، أو نحو ذلك فيكون له بذلك صدقة، حتى الطعام الذي يشتريه لأهله وأولاده، وما يفرح الصبي من لعبة ونحو ذلك هذا كله يؤجر الإنسان عليه، ويكون له به صدقة، وهكذا مداعبة الزوجة أو مداعبة الصغار، أو مداعبة أي إنسان لتدخل عليه السرور، فإن ذلك يكون من الصدقات.

هذا، وأسأل الله أن يعيننا وإياكم على طاعته، وأن يتقبل منا ومنكم، وأن يغفر لنا ولكم ولوالدينا ولإخواننا المسلمين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب كل معروف صدقة، (8/ 11)، رقم: (6021)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، (2/ 697)، رقم: (1005).

مواد ذات صلة