الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
حديث "وكان أحب الدين إليه.." إلى "كان رسول الله ﷺ إذا فاتته الصلاة من الليل.."
تاريخ النشر: ٢٠ / ذو الحجة / ١٤٢٦
التحميل: 2099
مرات الإستماع: 11696

كان أحب الدِّين إليه

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب المحافظة على الأعمال ذكر الإمام النووي -رحمه الله- أربعة أحاديث.

الأول: حديث عائشة -رضي الله عنها- وقد مضى- وهو قولها: وكان أحب الدِّين إليه ما دام صاحبه عليه[1]، وعرفنا أن: أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل[2].

فالعمل في طاعة الله ليس طفرة واندفاعة يعملها الإنسان في غضون مدة من الزمان ثم بعد ذلك ما يلبث أن ينقطع.

من نام عن حزبه
ثم ذكر حديث عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله ﷺ: من نام عن حزبه أو عن شيء منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل[3].

وهذا من فضل الله على العبد، أنه إما في حال قيام بالعبادة والعمل الصالح فيؤجر على ذلك، وإما أن يعزم عليه فيكون بذلك ملحَقاً بمن عمله لحسن قصده وعزمه على العمل الصالح، ومعلوم أن صلاة الليل أفضل من صلاة النهار -يعني: في التطوعات، فهذا الإنسان إذا كان له عادة من صلاة، أو قراءة في الليل ثم نام عنها فإنه يصليها في النهار.

إن كان يقرأ جزءاً في ساعة من الليل، فنام عنه فإنه يقرأ ذلك ما بين طلوع الشمس -أو ما بعد الفجر- إلى الظهر، وإن كان له صلاة -كما في الحديث الذي بعده وهو حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- ويأتي- فإنه يصليها في ذلك الوقت ما بين طلوع الشمس وارتفاعها قدر رمح إلى ما قبل الزوال.

يا عبد الله لا تكن مثل فلان
وذكر حديثاً آخر وهو حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ:يا عبد الله، لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل، فترك قيام الليل[4]، متفق عليه.

فهذا لا شك أنه يتضمن الذم؛ ولهذا لم يذكر اسم هذا الرجل، حتى إن الحافظ ابن حجر -رحمه الله- قال: تطلبته فما وقفت عليه، قصدوا الستر عليه؛ لأن ذلك مذموم، كان يقوم الليل، ثم ترك قيام الليل، وهكذا الإنسان إن كانت له عادة من صيام، ثم تركها، أو عادة من قراءة، ثم ترك ذلك فلا شك أنه مذموم إن كان ذلك بتفريط وإعراض، وما غُلب عليه الإنسان فلا يلام على ذلك.

والحديث السابق -أنه يقرأ ورده ما بين الفجر إلى الظهر- يدل على أن الإنسان لا يترك العمل، وقد جعل الله له مخرجاً إن غُلب ففاته ذلك العمل فإنه يصليه من النهار، أو يقرؤه من النهار.

كان إذا فاتته الصلاة من الليل
يوضح ذلك الحديث الأخير في هذا الباب، وهو:
حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله ﷺ إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة"[1]، رواه مسلم.

كان النبي ﷺ يصلي من عادته إحدى عشرة ركعة من الليل، فإذا صلى في النهار فإنه لا محل للوتر في النهار فيجبر ذلك بركعة، فمن كانت عادته أن يصلي سبع ركعات في الليل ففاته ذلك، فليصلِّ ثماني من النهار، يصليها ما بين ارتفاع الشمس قدر رمح -يعني: ما بعد الإشراق بنحو ربع ساعة أو عشرين دقيقة- إلى ما قبل الزوال، ما قبل دخول وقت الظهر؛ لأنه وقت نهي، فيكتب له كأنما قامه من الليل، هذا لمن له عادة من صلاة ففاتته يجبرها بركعة، فيكون ذلك شفعاً، ومن لم يكن له عادة من صلاة، أو الذي فاته هو قراءة فإنه يقرأ ذلك الحزب في النهار، كما كان يقرؤه في الليل، ويكتب له ذلك كأنما قرأه في حينه، مع أن قراءة الليل أفضل من قراءة النهار.

وفي حديث عمر بن الخطاب : من نام عن حزبه من الليل، أو عن شيء منه، يعني: لو أنه كان يصلي مثلاً أو كان يقرأ جزأين فتأخر في الاستيقاظ، فاستيقظ فقرأ واحداً، فإنه يقرأ الثاني في النهار وهكذا، من أجل أن يكون الإنسان مستمراً على العمل الصالح، مداوماً عليه لا يتركه.

وأكثر ما يوقع الإنسان في الانقطاع أنه يندفع أحياناً، ويريد أن يقوم الليل، أو يكون له شيء من الورد اليومي في قراءة القرآن، يستمر على هذا أسبوعاً، أو نحو هذا، ثم بعد ذلك يفتر وينقطع بسبب شغل أو عارض، ثم بعد ذلك يتكاسل وييأس، لكن لو أنه راعى هذه الطريقة الشرعية فصلاه من النهار، فإن ذلك أدعى إلى الاستمرار عليه، وإذا كان لا يضمن القيام من آخر الليل فإنه يصلي وتراً أول الليل، كما أوصى النبي ﷺ أبا هريرة أن يوتر قبل أن ينام[2].

فالناس يتفاوتون في هذا، لكن من لزم عملاً ينبغي له أن يستمر عليه ولا يتركه، هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض (1/ 512)، رقم: (746).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب صيام أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة (2/ 699)، رقم: (1880)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان وأكملها ثماني ركعات وأوسطها أربع ركعات أو ست والحث على المحافظة عليها (1/ 499)، رقم: (721).

مواد ذات صلة