الثلاثاء 22 / جمادى الآخرة / 1446 - 24 / ديسمبر 2024
بعض ما ورد عن السلف في باب قضاء حوائج المسلمين (3-3)
تاريخ النشر: ١٦ / رجب / ١٤٢٧
التحميل: 1542
مرات الإستماع: 2294

في عهد المعتصم، وهو الذي أغرى الخلفاء، المأمون والمعتصم بالقول بخلق القرآن، وصارت على يده فتنة عظيمة جداً، وصار العظماء -رحمهم الله- يقادون بالقيود والحديد، وتضرب أعناقهم، ويودع بعضهم في السجن، في مكان لا يرى فيه شمساً ولا قمراً، حتى يقول بخلق القرآن أو يموت، ومات بعضهم بالقيود والأغلال، وأجاب بعضهم خوفاً وورى آخرون، كل ذلك حصل على يده، وكانوا لا يطلقون الأسير الذي بيد الكفار حتى يمتحن ويقال له: ما تقول في القرآن؟ وفرضوا ذلك حتى على الأطفال في الكتاتيب، أي: الذين يتعلمون القرآن والكتابة، وحصل على يده شر كثير، هذا ابن أبي دؤاد، يقول: لو أن رجلاً قال: ابن أبي دؤاد مسلم لقتل، ثم وقع الحريق في الكرخ، فلم يكن مثله قط، أي: الحريق، فكلم ابن أبي دؤاد المعتصم في الناس، ورققه، إلى أن أعطى له خمسة ألاف ألف درهم، فقسمها على الناس، وغرم من ماله جملة يقول: فلعهدي بالكرخ، ولو أن إنساناً قال: زر أحمد بن أبي دؤاد وسخ لقتل، فضلا أن يقال: هو كافر، وهذا شيء يدل على أن الإنسان إذا أحسن إلى الناس، حتى لو كان منحرفاً فإنه يملك قلوبهم، ولذلك من أراد أن يكسر العداوات فعليه بالإحسان، وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [فصلت:34].

وبعض الناس يسأل ويقول: لي قرابة يسيئون إلي، ماذا أصنع؟ نقول: أحسن إليهم، تملكهم بهذا وتأسرهم، ومن أخبارهم في هذا أيضاً ما جاء عن عبد الرحمن بن أبي حاتم، الإمام المعروف، قال: وقع عندنا الغلا، فأنفذ بعض أصدقائي حبوباً من أصبهان، فبعته بعشرين ألفاً، وسألني أن أشتري له داراً عندنا، فإذا جاء نزل فيها، فأنفقتها في الفقراء، وكتبت إليه اشتريت لك بها قصراً في الجنة، قال ذاك: رضيت، فاكتب على نفسك صكاً ففعلت يقول: عبد الرحمن بن أبي حاتم، فأريت في المنام قائلاً يقول لي: قد وفينا بما ضمنت، ولا تعد لمثل هذا، وهذا ابن الفرات كان يتلذذ بقضاء حوائج الرعية، وما رد أحداً قط عن حاجة، رد آيس، بل إذا لم يجد شيئا، قال: تعاودني أو أعوضك من هذا، ويقول بعض من عاصره لم أسمع بن الفرات دعا أحداً قط من كتابه بغير كنيته، كان لطيفا ومؤدبا، يكنيهم، ومرض مرة فقال: ما غمني بعلتي بأشد من تأخر حوائج الناس وفيهم المضطر، كان متضايق وهو مريض بسبب أنه لا يقضي حوائج الآخرين، وكان عبد الله بن فرج الواسطي قد وقف نفسه على مصالح المسلمين، والمشي في قضاء حوائجهم، وكان أكثر همه تجهيز الموتى على الطرق، ويقول أبو عمرو الزاهد: ترك قضاء حقوق الإخوان مذلة، وفي قضاء حقوقهم رفعة، هذا آخر ما أردت انتقاءه مما يتعلق بحوائج المسلمين والقيام عليها، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

مواد ذات صلة