الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
حديث «يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد..»
تاريخ النشر: ٢٤ / ذو الحجة / ١٤٢٧
التحميل: 1687
مرات الإستماع: 4185

يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد
عن عبد الله بن زمعة : أنه سمع النبي ﷺ يخطب، وذكر الناقة والذي عقرها، فقال رسول الله ﷺ: إِذْ انْبَعَثَ أشْقَاهَا انبعث لها رجل عزيز، عارم منيع في رهطه، ثم ذكر النساء، فوعظ فيهن، فقال: يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد فلعله يضاجعها من آخر يومه ثم وعظهم في ضحكهم من الضرطة، وقال: لم يضحك أحدكم مما يفعل؟![1].

..... في زمن النبي ﷺ، ولكن لما كانوا أمة واحدة على دين واحد قد توافقوا عليه وهم على خطا من سبقهم يسيرون صح نسبة ذلك إليهم، وإن كان الذي قاله أجدادهم.

فالحاصل: أن هذا الرجل الذي انبعث لقتل الناقة، وترشح لذلك عزيزٌ عارِم، يعني أنه في منعة من قومه، قام بسرعة، إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا [الشمس:12]، أشقى ثمود، عزيز عارم يعني: ذو منعة، هذا العزيز، والعارم هو الرجل الشرير الشرس الذي يجترئ على الناس، ولا يبالي بهم.

عارم أي: عارم في الشر، ذو عَرامة، تقول: هذا غلام عارم، يعني: أنه شرس الطباع، فهذا الشقي الذي قتل الناقة كان بهذه الصفة.

يقول النبي ﷺ: انبعث لها رجل عزيز عارم، منيع في رهطه....

يعني: أن قومه يمنعونه، له جماعة، وله عشيرة تمنعه من أن يوصل إليه.

ثم ذكر النساء، يعني: النبي ﷺ ذكر خبر الناقة في خطبته، وذكر في خطبته أيضاً النساء، فوعظ فيهن، يعني: وعظ الرجال في النساء، وذكّرهم وأوصاهم بالرفق والحنوّ، وحسن الرعاية لهؤلاء النساء، فقال: يعمد أحدكم فيجلد امرأة جلد العبد يعني: أنه يضربها ضرباً مبرحاً، يعني: كما يضرب العبد، وفي بعض الروايات: عبده أو أمته، وفي بعض الروايات: الفحل[2]، يعني: ضرب الفحل، الفحل هو البعير، يضربها ضرباً عنيفاً.

قال: فلعله يضاجعها من آخر يومه يعني: يجامعها، والمقصود بهذا -والله تعالى أعلم- أن هذا أمر لا يتأتى، ولا يليق بحال من الأحوال أن يجمع الإنسان بين النقيضين، يضرب المرأة ضرب الفحل، ضرب البعير، ضرب العبد أو الأمة، ثم في آخر النهار يعاشرها، والمعاشرة -الجماع- هي صورة تتبدى فيها إشراقات النفس، ويظهر فيها من معاني الحنو والمودة والرحمة والألفة والصفاء بين الزوجين ما لا يمكن أن يوصف، يعني: أعلى صورة يصل فيها الصفاء والود والرحمة -كما قال الله : وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21]، هي حالة المعاشرة، ولذلك فإن من المعلوم أن المعاشرة تزيد في المودة، ولذلك إذا طال الانفصال بين الزوجين أو الهجر، أو كانت المرأة تمتنع من زوجها، أو مشغولة؛ لأنها موظفة أو نحو ذلك تسوء أخلاق الرجل، والرجل إذا تركها وأهملها وهجرها ساءت أخلاقها أيضاً، وهذا معروف، ولذلك فإن الكثيرين الذين يعانون من مشكلات في البيت وعدم استقرار وتوتر بينهم في كثير من الأحيان يكون هذا هو السبب، إما أن الرجل لا يحسن المعاشرة، فيقضي أربه وحاجته ثم لا يبالي بالمرأة، أو غير ذلك من الأمور التي يعرفها من يعرفها.

فالحاصل أن هذا جمع بين النقيضين، يضربها ضرب العبد أو الأمة، ثم في آخر النهار يضاجعها، هذا ما يتأتى، والمرأة هذه أيضاً لها مشاعر ولها أحاسيس، وهذه المعاشرة تحتاج إلى رغبة وإقبال ومحبة وما أشبه هذا، فإذا كان يضربها هذا الضرب ثم في آخر النهار يأتي ويضاجعها فهذا لا يتأتى من إنسان يعقل ويعرف ما يأتي وما يذر.

قال: ثم وعظهم في ضحكهم من الضرطة، لمَ يضحك أحدكم مما يفعل؟ متفق عليه.

بمعنى أن النبي ﷺ علمهم أمراً، وهو أدب من الآداب الرفيعة، وذلك أن الإنسان قد يحصل منه ما يحصل من الحدث في حضرة الناس -بمحضرهم، فمن الناس من يضحك، وهذا أمر خلاف الأدب، وهو يوقع هذا الإنسان الآخر في إحراج، لو أن الإنسان وضع نفسه موضعه لما ضحك، ولهذا قال النبي ﷺ: لمَ يضحك أحدكم مما يفعل؟، فهذا يصدر من كل إنسان، يحصل منه، وقد خلق الله  الناس بهذه الطريقة في حياتهم، فلماذا يضحك الإنسان على أخيه في أمر بدر منه؟!.

فهذه آداب نبوية في المعاشرة بين الناس، وفي المعاشرة بين الزوجين، وأسأل الله أن يهدينا وإياكم لأحسن الأخلاق وأقومها وأعلاها، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، اللهم ارحم موتانا واشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب لتركبن طبقا عن طبق [الانشقاق:19]، (6/ 169)، برقم: (4942)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، (4/ 2191)، برقم: (2855).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الأدب (8/ 15)، رقم: (6042).

مواد ذات صلة