الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
حديث «لا تضربوا إماء الله..» ، «الدنيا متاع..»
تاريخ النشر: ٠٣ / محرّم / ١٤٢٨
التحميل: 1870
مرات الإستماع: 12070

لا تضربوا إماء الله

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمما أورده المصنف -رحمه الله- في باب الوصية بالنساء:
حديث إياس بن عبد الله بن أبي ذباب الدوسي وقيل المزني قال: قال رسول الله ﷺ: لا تضربوا إماء الله فجاء عمر إلى رسول الله ﷺ فقال: ذَئِرنَ النساءُ على أزواجهن، فرخَّص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله ﷺ نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي ﷺ: لقد أطاف بآل بيت محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم[1].
والإماء: جمع أمة، والمقصود بها المرأة، كما يقال للرجل: يا عبد الله، فالمرأة يقال لها: يا أمة الله، يعني: يا عبدة الله.

قال: لا تضربوا إماء الله، فجاء عمر إلى رسول الله ﷺ فقال: ذئرن النساء على أزواجهن بمعنى أن النبي ﷺ لما نهى عن ضربهن ترفعن على أزواجهن، وحصل من بعضهن نشوز وخروج عن طاعة الأزواج؛ لأنهن قد أمنّ العقوبة، ذئرن النساء على أزواجهن، فرخص في ضربهن، يعني: ثانية، فأطاف بآل رسول الله ﷺ يعني: طاف بأزواجه نساء كثير يشكون أزواجهن، حينما رخص النبي ﷺ بضربهن، فجاء هؤلاء النسوة يشكون أزواجهن يعني: من الضرب، فقال النبي ﷺ: لقد أطاف بآل بيت محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم، بمعنى: أن الأكمل في حق الرجل أن تكون معاشرته على أحسن الوجوه، وأن يكون لطيف المعاشرة، وحسن الخلق، أما الرجل الذي يضرب النساء ويتأذى منه من يعاشره فإن ذلك ليس بالكمال الأكمل في حق الرجل أن تكون معاشرته على أحسن الوجوه، وأن يكون لطيف المعاشرة، وحسن الخلق، أما الرجل الذي يضرب النساء ويتأذى منه من يعاشره فإن ذلك ليس بالكمال، ولهذا جاء عن أنس في صفة النبي ﷺ وشمائله: أن النبي ﷺ ما ضرب بيده لا امرأة ولا خادماً ولا غير ذلك إلا أن يضرب في سبيل الله، يعني: يجاهد في سبيل الله[2].

فالنبي ﷺ كان هديه أكمل الهدي، ولكنه يرخص للرجل أن يضرب المرأة إذا تعذر تأديبها بالوعظ ثم بالهجر، فعندئذ يلجأ إلى الضرب بالضوابط التي ذكرناها فيما سبق، ولكن ترك ذلك أكمل وأولى، والرجل الكريم لا يتقوى ويظهر قوة وفتوة ويرفع يده على من لا يستطيع أن يرد يده، ولا يظلم من لا يستطيع أن يرد مظلمته، فإن هذا لا يليق، وليس ذلك من فعل الكرام.

الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة

الحديث الآخر هو:

حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي ﷺ قال: الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة[1] رواه مسلم.

وهذا هو الحديث الأخير في هذا الباب.

الدنيا متاع والمتاع: هو الشيء الذي يحصل الاسترواح به، والتنعم به، والانتفاع به وقتاً محدوداً ثم بعد ذلك يزول، والله وصف الدنيا بهذه الأوصاف، يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ [غافر:39]، ووصفها بأنها زينة ولهو يتفاخر فيها المتفاخرون ثم عما قريب تتلاشى وتذهب، وتبقى أعمال الناس وما كانوا عليه من صلاح أو فساد، وأما متاعها فإنه يذهب، سواء كان الإنسان يعمل الصالحات، يتمتع بالمباحات، أو يعمل الأمور السيئة.

تفنى اللذاذةُ ممن نال صفوتَها من الحرامِ ويبقى الإثمُ والعارُ
تبقى عواقبُ سوءٍ من مغبّتها لا خيرَ في لذةٍ من بعدها النارُ[2]

 فما يأكله الإنسان في هذه الحياة من الطيبات هو متاع، وما يلبسه ويتنعم به من المراكب والمساكن كل ذلك متاع، فيأخذ الإنسان حاجته من هذا من حله، ولا يأخذ ما لا يحل له، ولا يظلم الناس، ولا يغتر بما في هذه الحياة الدنيا من البهرج والزينة، فإن ذلك عما قريب يزول.

قال: وخير متاعها المرأة الصالحة، والمقصود بذلك كما جاء مفسراً في الحديث الآخر، وذلك أن المرأة الصالحة هي التي إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا تركها حفظته في نفسها وماله

أن المرأة الصالحة هي التي إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا تركها حفظته في نفسها وماله[3].

فهذه هي أفضل متاع الدنيا، التي تكون بهذه المثابة، لكن المرأة التي تكون سيئة الخلق -مهما كانت جميلة، أو قليلة الدين لا يأمنها من أن تضيع عرضه، أو أن تفسد ماله، فإنه يتأذى بمعاشرتها ومقاربتها، أما إذا وجدت المرأة بهذه الأوصاف من الأخلاق الفاضلة، والمرأى الحسن، والديانة، والحفظ والصيانة، وحسن الرعاية في ماله وولده، فهذا هو الكمال، فإن لم يتيسر ذلك بأجمعه فهناك أمور يمكن أن يتنازل عنها، كالحسن والجمال؛ لأن ذلك مما يتلاشى ويزول، وأما الأخلاق والدين والصلاح والاستقامة والعفاف فإن هذه هي الأمور الراسخة التي في حالة عدم وجودها قد تضيّع الإنسان، وتذهب بشرفه وعرضه، والله المستعان.

فأسأل الله أن يصلح أعمالنا وأحوالنا وأخلاقنا، وأن يجعلنا وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم، كتاب الرضاع، باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، (2/ 1090)، برقم: (1467).
  2. انظر: الظرف والظرفاء (ص: 55).
  3. المعجم الأوسط (2/ 325)، رقم: (2115).

مواد ذات صلة