الثلاثاء 22 / جمادى الآخرة / 1446 - 24 / ديسمبر 2024
حديث «أراني في المنام أتسوك بسواك..» ، «إن من إجلال الله تعالى..»
تاريخ النشر: ١٨ / جمادى الأولى / ١٤٢٨
التحميل: 1694
مرات الإستماع: 6639

أراني في المنام أتسوك بسواك

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم على غيرهم، ورفع مجالسهم وإظهار مرتبتهم أورد المصنف -رحمه الله-:

حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ قال: أراني في المنام أتسوك بسواك، فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر، فقيل لي: كبّر، فدفعته إلى الأكبر منهما[1]. رواه مسلم مسنداً، والبخاري تعليقا.

هذا الحديث بمعنى الحديث الذي مر بنا بالأمس، وهو أن النبي ﷺ قال لمن أراد أن يتكلم ومعه من هو أكبر منه سنًّا: كبِّر كبِّر[2] فعلمه هذا الأدب في الكلام إذا كان ذلك بحضرة من هو أولى منه به ممن يكبره في السن، وهذا الحديث أيضاً فيه تعليم للنبي ﷺ فيما يتصل بهذا المعنى، ذاك في الكلام: الذي يقدم هو الأكبر، وهنا أيضاً في العطاء، إذا أردت أن تعطي أحداً شيئاً يشربه أو شيئاً يأكله أو نحو ذلك فمن الذي يقدم؟ الأصل أن يقدم الكبير إذا كان العالم أو الوالد أو كان ذلك الكبير هو الأكبر سنًّا في المجلس، هو الأول، هو الذي يُعطَي الماء، أو هو الذي يُعطَى المبخرة، أو نحو ذلك، لا يُبدأ باليمين، وهذا يخطئ فيه كثير من الناس، يظن أن البدء باليمين مطلقاً، وهذا غير صحيح، يبدأ بالأكبر، ثم مِن هذا الأكبر يدار عن اليمين، عن يمينه، يعني الذي يأخذه هذا الكبير يعطيه لمن يدفعه لمن عن يمينه، ويدور هكذا، لا أنه يبدأ بيمينه المجلس.

فالنبي ﷺ قال: أراني في المنام أتسوك بسواك، فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر، فقيل لي: كبّر، وهنا لم يذكر أن الأصغر كان عن يمينه أو عن شماله، فدل على أنه يُعطَى للأكبر سواء كان على اليمين أو على الشمال، لكن لو أنه دُفع للنبي ﷺ هذا السواك فإن النبي ﷺ يعطيه من عن يمينه، سواء كان هو الأصغر أو الأكبر كما يدل عليه ما وقع لابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- حينما كان أبو بكر عن يسار النبي ﷺ وابن عباس عن يمينه، فالنبي ﷺ استأذن عبد الله بن عباس -لأن الحق له لكونه عن يمين النبي ﷺ أن يعطيه لأبي بكر، فتلَّه من يد النبي ﷺ، وقال: لا أوثر بنصيبي منك[3]، أراد أن يشرب من سؤر النبي ﷺ، قصد هذا المعنى.

فهنا يقول: فناولت السواك الأصغر، فقيل لي: كبّر، فدفعته إلى الأكبر منهما.

من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة

ثم ذكر:

حديث أبي موسى قال: قال رسول الله ﷺ: إن من إجلال الله تعالى: إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه، والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط[1]، حديث حسن رواه أبو داود

إن من إجلال الله تعالى... أي: من تعظيمه إكرامَ ذي الشيبة المسلم الإنسان الذي قد شاب في الإسلام، وحاملِ القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه يعني: الجافي عنه هو الذي يترك تلاوته، أو يترك العمل به، قال: وإكرامَ ذي السلطان المقسط يعني: العادل، حديث حسن رواه أبو داود.

فهؤلاء الثلاثة الذين ذكرهم النبي ﷺ، وهكذا من كان بمنزلتهم فإنهم يقدمون على غيرهم، والمقصود أن هذه الشريعة جاءت بمكارم الأخلاق ومحاسن العادات، تسمو بالناس إلى مدارج الكمال في تصرفاتهم، وأقوالهم، وتعطي لأهل الحقوق حقوقهم.

وجاء عن عائشة -رضي الله عنها: أُمرنا أن نُنزل الناس منازلهم[2]، فلا تُضيَّع منزلة الإنسان، لا يُهدَر حقه، ولا يقدم عليه من هو أقل منه، فالكبير له حق محفوظ، والوالد له حق محفوظ، والعالم له حق، وهكذا كلٌّ بحسبه، فلا يستوي الناس الصغير مع الكبير، والعالم مع الجاهل، وما شابه ذلك، فهذه أمور إذا عرفها المسلم انبعث من ذلك ونشأ عنه الخلق اللائق في التعامل مع الناس، يعرف للناس حقهم.

هذا، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه. 

  1. أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في تنزيل الناس منازلهم (7/ 212)، برقم: (4843) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 438)، برقم: (2199).
  2. مقدمة صحيح مسلم (1/ 7)، وأخرجه أبوداود، كتاب الأدب، باب في تنزيل الناس منازلهم (7/ 210)، برقم: (4842)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، (4/ 368)، برقم: (1894).

مواد ذات صلة