الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
حديث «اذهب فمن لقيت وراء هذا الحائط..» ، «اللهم أمتي أمتي»
تاريخ النشر: ١٤ / ذو القعدة / ١٤٢٨
التحميل: 1390
مرات الإستماع: 1958

اذهب فمن لقيت وراء هذا الحائط

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمن الأحاديث التي أوردها المصنف -رحمه الله- في باب الرجاء: ما جاء عن أبي هريرة قال:"كنا قعودًا مع رسول الله ﷺ، معنا: أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- في نفر"، والنفر: من الثلاثة إلى التسعة، "فقام رسول الله ﷺ من بين أظهرنا، فأبطأ علينا، فخشينا أن يُقتطع دوننا"، يقتطع أي: يؤخذ، قال: "ففزعنا، فقمنا"، فزعنا هذه تأتي لثلاثة معانٍ: فزع للشيء بمعنى: هب له، وتأتي بمعنى: الخوف، وتأتي بمعنى: القيام للإغاثة والنجدة، تقول: فزع له الناس يعني: أغاثوه، قال: "ففزعنا فقمنا، فكنت أول من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله ﷺ" يعني: أطلبه، وأبحث عنه، "حتى أتيت حائطًا للأنصار" يعني: مزرعة للأنصار، يقال له: حائط؛ لأنه يبنى عليه جدار، لكن من غير سقف، فيقال له: حائط بهذا الاعتبار، يقول: "وذكر الحديث بطوله.. إلى قوله" يعني: أنه اختصره، وهذا يدل على أنه يجوز اختصار الحديث، والرواية، ما لم يكن ذلك مخلا، يقول: "فقال رسول الله ﷺ: اذهب فمن لقيتَ وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله، مستقينًا بها قلبه، فبشره بالجنة[1]رواه مسلم.

هذا الحديث هو من أحاديث الرجاء، وليس في ظاهره ما يدل على أنه لا يدخل النار، فقوله: فبشره بالجنة يعني: ولو عذب، ولو دخل النار، فإن مآله إلى الجنة، وهذا أمر مقطوع به، وهو أن أهل الإيمان لا يخلدون في النار.

اللهم أمتي أمتي

وجاء أيضاً:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما: "أن النبي ﷺ تلا قول الله في إبراهيم ﷺ: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي [إبراهيم: 36] الآية، وقول عيسى ﷺ: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة: 118] فرفع يديه وقال: اللهم أمتي أمتي وبكى، فقال الله : يا جبريل، اذهب إلى محمد -وربك أعلم - فسله ما يبكيه؟ فأتاه جبريل، فأخبره رسول الله ﷺ بما قال - وهو أعلم - فقال الله تعالى: يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك[1]رواه مسلم

قوله تعالى: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي [إبراهيم:36] الآية"، رَبِّ إِنَّهُنَّ يعني: الأصنام، والآية: يعني: وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، "وقول عيسى ﷺ: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118]".

ففي الأولى في قول إبراهيم ﷺ: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [إبراهيم:36]، معلوم أن الله لا يغفر لأهل الإشراك، والكفار إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:116]، وقد وجه العلماء قول إبراهيم هذا بتوجيهات متعددة، فقال بعضهم: إنه غلَّب جانب الرحمة: وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، فلعل الله أن يهدي قلبه، وأن يصلح حاله، وأن يشرح صدره للإيمان، ثم بعد ذلك يؤمن، ويتوب الله عليه، ويدخل الجنة، إلى غير ذلك من الأقوال.

وقوله: "وقول عيسى"، يعني: وقرأ قول عيسى إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118]، قد ذكرنا في بعض المناسبات: أن هذا الختم لهذه الآية بقوله: الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ مع أن المتبادر أن يقول: فإنك أنت الغفور الرحيم، أنه في مقام يغضب فيه الرب -تبارك وتعالى- غضبًا شديدًا، لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وهؤلاء نسبوا له الصاحبة والولد، فعيسى ﷺ ما أراد أن يجعل نفسه في مقام المدافعة عنهم في ذلك الموقف العظيم، وإنما فوض الأمر إلى الله، وهكذا قول من قال: إن عيسى ﷺ فوض الأمر إلى الله: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118] يعني: أن غفرك حينما يقع لا يكون عن عجز عن المؤاخذة، ولا يكون ذلك من قبيل وضع الشيء في غير موضعه، فذكر الاسمين: العزيز والحكيم.

قال: "فرفع يديه" يعني: النبي ﷺ، "وقال: اللهم أمتي أمتي، وبكى، فقال الله : يا جبريل، اذهب إلى محمد -وربك أعلم- فسله ما يبكيه؟، يعني: الله يعلم لماذا يبكي، فأتاه جبريل، فأخبره رسول الله ﷺ بما قال -وهو أعلم، فقال الله تعالى: يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك، ولا نسوءك"، رواه مسلم، وهذا من أعظم أحاديث الرجاء.

على كل حال، لابد أن تفهم النصوص -كما قلنا مرارًا- مجتمعة، فالله يقول: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:116]، وكذلك النصوص التي دلت على دخول أقوام من الموحدين في النار، فنسأل الله أن يغفر لنا، ولوالدينا، ولإخواننا المسلمين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.

  1. أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب دعاء النبي ﷺ لأمته، وبكائه شفقة عليهم، رقم: (202).

مواد ذات صلة