الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
حديث «اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء..»
تاريخ النشر: ١٨ / ربيع الآخر / ١٤٢٩
التحميل: 1996
مرات الإستماع: 12890

اطلعت في الجنة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمما أورده المصنف -رحمه الله- في باب الزهد ما جاء:

عن ابن عباس وعمران بن الحصين عن النبي ﷺ قال: اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء[1] متفق عليه من رواية ابن عباس، قال: ورواه البخاري أيضاً من رواية عمران بن الحصين.

يقول: اطلعت في الجنة قد يكون ذلك في ليلة المعراج، وقد يكون هذا في رؤيا رآها النبي ﷺ: اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء هذا لا يعني أن هؤلاء دخلوا الجنة بسبب فقرهم، فإن الفقر بمجرده لا يتقرب به إلى الله -تبارك وتعالى- وإنما يوجد من الفقراء من هو صالح، ويوجد منهم من هو فاسد، وإنما العبرة بالأعمال الصالحة، ولكن لمّا كان الغِنى يحمل صاحبه غالباً على الطغيان، كما قال الله -تبارك وتعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى ۝ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7]، وقال ﷺ: الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال: هاء وهاء وهاء[2] فلذلك كان الغِنى مظنة في كثير من الأحوال إلى شيء من البعد عن الله -، وأما الفقر فإنه قد يحبس صاحبه عن كثير من الأمور؛ لأنه لا يستطيعها، فينشغل بالبحث عن لقمة العيش، والنبي ﷺ يقول: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ[3].

وقوله: رأيت أكثر أهلها النساء فسره النبي ﷺ في الحديث الآخر حينما قال لهن في يوم عيد: يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار[4] ولما سئل عن هذا ﷺ أبان عن علة ذلك فقال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير تكثر اللعن يعني: على لسانها يجري ذلك سهلاً، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن العلة في التفاوت في اللعان المذكور في سورة النور، حيث قال في حق الرجل: وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [النــور:7] وفي حق المرأة، قال: وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [النــور:9] يعني: فيما رماها به، قالوا: ذكر الغضب في حق المرأة ربما لأن المرأة يسهل عليها اللعن، فذكر لها ما يزجرها، ويكون أعظم وقعاً في نفسها، وقال بعضهم غير هذا كقول من قال: إن من عرف الحق وجحده فهو من أهل الغضب فهي تعرف هل ما قاله زوجها حقًّا أو لا.

قال: فرأيت أكثر أهلها النساء لماذا؟ فسره الحديث الآخر تكثرن اللعن وتكفرن العشير وذلك أنه كما قال النبي ﷺ: لو أحسن إليها الدهر كله ثم رأت منه شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط[5] وهذا ليس في كل النساء في طبيعة الحال، ولكنه غالب، وذلك لنقص عقولهن، فإنها إذا رضيت تطرب وتبذل أحسن ما عندها من المقال والفعال، وإذا غضبت نسيت الإحسان المتقدم، وقالت: ما رأيت منك خيراً قط.

فالشاهد أن هذا الحديث فيه حث للنساء على الكف والانزجار عن الأمور التي توقع في النار، أضف إلى ذلك غير ما ذكر في الأحاديث من أسباب لربما كثرة دخول النساء النار: كثرة تجاري النساء مع الأهواء، ولذلك جاء في أن أكثر أتباع الدجال من النساء، وأمثال النساء، فالمرأة تتجارى، ولذلك فإنها تتبع الموضات، وتتبع كل ناعق لربما، إلا من عصم الله -تبارك وتعالى، وشياطين الإنس، وشياطين الجن إنما يفسدون الأمم من طريق المرأة، فإذا أفسدوا المرأة وأخرجوها من بيتها، وأغروها بالاختلاط بالرجال فإن ذلك مؤذن بخراب المجتمعات، ولذلك ترى شياطين هؤلاء يؤكدون على هذا المعنى، ويدعون إليه، ويكتب كتابهم دائماً ويعيدون ويكررون، يطالبون بإخراج المرأة، ويقولون: الاختلاط ليس بمحرم، الاختلاط ليس بحرام، يقولون: الحرام هو الخلوة، ما شاء الله، ما شاء الله، الآن نراهم يقومون لله قومة بحق فيما يتعلق بالخلوات، عدوهم الأول هو الهيئة؛ لأن الهيئة أكثر ما يقبضون عبيد الشهوات؛ لأنهم يأخذونهم في حال من الخلوة المحرمة، وهؤلاء في هذه المرحلة يكتبون الآن ويطالبون يقولون: المحرم ليس هو الاختلاط، المحرم هو الخلوة، ما يوجد دليل على تحريم الاختلاط، كيف ما يوجد دليل والنبي ﷺ يحذر: إياكم والدخول على النساء[6]، ويقول: ما تركت فتنة بعدي هي أشد على الرجال من النساء[7].

وكان ينهى أصحابه عن الانصراف بعد الصلاة مباشرة؛ لئلا يختلطوا في السكك مع النساء، ثم بعد ذلك حد للنساء بابًا معروفًا إلى اليوم في المسجد النبوي وهو باب النساء، والنساء يصلين خلف الرجال، وعمر كان يضرب بالدِّرة في الطواف، ضرب رجلاً في الطواف رآه يطوف مع النساء، وقال: أما شهدتَ عزمتي؟، قال: ما شهدت لك عزمة.

ولما رأى الرجال والنساء يتوضئون من حياض في الحرم ضربهم بالدرة وفرقهم وزجرهم، حتى لقي  عليَّ بن أبي طالب وذكر له ما وقع في نفسه من التأثم والحرج من ضربهم في الحرم، فقال له علي : إنما أنت راعٍ تقوم على الرعية بما هو أصلح لهم، أو كما قال .

هذا عمر الفاروق الذي إذا سار في طريق سلك فجًّا، سلك الشيطان فجاً آخر، وللأسف يجد هؤلاء من يفتيهم ومن يزين لهم هذا الباطل، وهذا المنكر وهي مرحلة من المراحل، إذا قطعوها وأخرجوا المرأة، واختلطت بالرجال عند ذلك لا يلوون على شيء، وانظروا إلى النساء في مشارق الأرض ومغاربها، هل وقفوا عند حد الاختلاط دون الخلوة؟، بل إن النساء صرن كلأً مباحاً يعبث بهن الرجال، والمرأة لا تأمن على نفسها، لا في الطريق، ولا في العمل، وتصير طُعماً ولقمة سائغة، وانظروا إلى أولئك الذين الآن يوظفون النساء مندوبات مبيعات، وما أشبه ذلك يجعلونها طُعمًا تتصل بالهاتف وتتغنج، أو تجلس في أماكن استقبال في مستوصفات، أو مستشفيات وتتزين بغاية الزينة، هم يدرسون هذا جيدًا، هو يعرف أن هذا الشاب إذا جاء ورأى هذه لابسة هذه العدسات الزرقاء وقد تزينت، وظهرت بأبهى حلة، فإنه لا يتردد في أي مبلغ يطلب منه ليظهر أمامها أنه شهم جواد كريم غني لا يبالي بالأموال -وإن كانت كبيرة- على أتفه الأشياء، ربما عمل له حشوًا للسن لربما لا يزيد على مائة ريال أو مائة وعشرين ريالا، فإذا قيل له: ادفع ألفًا مباشرة يعطيها ولا يتردد من أجل أن يظهر أمامها بصورة لائقة، فهم يريدون هذا، فهي طعم يصطادون به الناس، أو تتكلم بغنج أو تعقد الصفقات وتواعد الرجال في مطاعم في أسواق، أو في أماكن، أو نحو هذا تواعد الرجال وتعقد معهم الصفقات، قلّ الرجال وعدموا حتى لا يعقد هذه الصفقات إلا امرأة؟! كل ذلك من إهانة المرأة والتلاعب بكرامتها وحشمتها، فيجعلونها مسوِّقة لبضائعهم وتجاراتهم ويصطادون بها أصحاب القلوب الضعيفة، وهل ترضى المرأة بهذا أن تكون بهذه المثابة؟ ثم يضحكون عليها، ويقولون: أنتِ مثل الرجل، وأنت قد بلغت أعلى المنازل والدرجات، وأنت لا ينقصك شيء، وحصّلت الشهادات العالية، وزاحمت الرجال بالأكتاف، وإذا الواحد منهم أراد أن يعمل عملية بسيطة جدًّا في حشو سن أو نحو ذلك أبى أن يذهب بأهله إلى امرأة، يقول: أذهب بهم إلى امرأة تفسد أسنانهم؟!، ويذهب بهم إلى رجل، تقولون: إنها زاحمت الآن وبالأكتاف، وإنها وصلت إلى مراقٍ عالية، ودرجات وحصلت على أعلى الشهادات، وأنت لا تثق فيها في حشو سن لزوجتك!، هذا مشاهد، ونسمعه يتكرر دائماً، فكيف بعمليات أخرى في شق بطن، أو بتر عضو، أو نحو هذا من الأمور؟، إنه لا يثق بها أبداً، بل إن النساء أنفسهن إذا أرادت إحداهن أن تلد تصر أن الذي يولدها يكون من الرجال، مع أن هذا الأمر يتنافى تماماً مع الحياء، ومع ذلك تطلب رجلاً يولدها، وإذا قيل لها: لماذا؟ قالت: أنا لا أثق بامرأة، إذا جاء الجد قلتم: لا نثق بامرأة، إذاً فليكن مكان المرأة هو بيتها؛ لأن الله يقول: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب: 33]، فمكان المرأة هو البيت، فهي نصف المجتمع، تكمل النصف الآخر، هي جالسة في البيت ترضع الصغير، وتقوم على المريض، وتهيئ البيت، تكنس الدار، وتصنع الطعام، وإذا جاء شريكها الآخر وجد بيته مهيأ، ووجد حياة كريمة، أمّا أن تخرج وتحمِّي له مَرَقة من بداية الأسبوع فهذه حياة غير لائقة، ولا يقبلها عاقل له ذوق وكرامة ويحترم نفسه، تخرج من أجل أن تكتسب، ولربما كان هذا الكسب من أدنى المكاسب، تعمل أعمالا، وتبذل جهودًا، وإذا نظرت كم تعطى؟ ألفًا وثمانمائة ريال، ولا يحسب لها الأجازات، ولربما تعمل في أماكن نائية، بعيدة في قرى لم يسمع بها أحد وهِجَر، تتكبد المشاق، وتتعرض للحوادث، فالمرأة مسكينة ضعيفة، يجب أن تُحمى، وأن يحتاط لها ويكون ذلك في بيتها، النبي ﷺ رأى أكثر أهل النار هم النساء، فلا يُتلاعب بها، يجب أن تصان وتربى تربية صحيحة قرآنية.

والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، (4/ 117)، برقم: (3241)، ومسلم، كتاب الرقاق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء، (4/ 2096)، برقم: (2737).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب من أجاب بلبيك وسعديك، (8/ 60)، برقم: (6268)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الترغيب في الصدقة، (2/ 687)، برقم: (94).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب لا عيش إلا عيش الآخرة، (8/ 88)، برقم: (6412).
  4. أخرجه البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، (1/ 68)، برقم: (304)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات، وبيان إطلاق لفظ الكفر على غير الكفر بالله، ككفر النعمة والحقوق، (1/ 86)، برقم: (79).
  5. أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب كفران العشير، وكفر دون كفر، (1/ 15)، برقم: (29)، ومسلم، كتاب الكسوف، باب ما عرض على النبي ﷺ في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار، (2/ 626)، برقم: (907).
  6. أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم، والدخول على المغيبة، (7/ 37)، برقم: (5232)، ومسلم، كتاب السلام، باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها، (4/ 1711)، برقم: (2172).
  7. أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب ما يتقى من شؤم المرأة (7/ 8)، رقم: (5096)، ومسلم، كتاب الرقاق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء (4/ 2097)، رقم: (2740).

مواد ذات صلة