الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
حديث «هو رزق أخرجه الله لكم..» (2-2)
تاريخ النشر: ٢٠ / جمادى الآخرة / ١٤٢٩
التحميل: 894
مرات الإستماع: 1803

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فنكمل التعليق على حديث جابر بن عبد الله ، لما بعثهم رسول الله ﷺ وأَمّر عليهم أبا عبيدة؛ ليتلقوا عيرًا لقريش، وزودهم جرابًا من تمر، وأصابهم ما أصابهم من الجوع، ثم ألقى لهم البحر حوتًا عظيمًا يقال له: العنبر، يقول: "ونحن ثلاثمائة حتى سَمِنا، ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه بالقلال، ونقطع منه الفدر كالثور، أو كقدر الثور، ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً فأقعدهم في وقب عينه، وأخذ ضلعًا من أضلاعه فأقامها ثم رحل أعظم بعير معنا فمر من تحتها"، يعني وضع عليه الرحل ومر من تحت هذه الضلع، وفي رواية: "أنه جاء بأجسم بعير، وعليه بأجسم رجل، ووضعه عليه فمر من تحتها".

يقول: "وتزودنا من لحمه وشائق"، يعني شرائح أخذوه معهم إلى المدينة، وإذا كانوا يعتقدون أنه ميتة؛ لأنه قال أبو عبيدة في البداية: ميتة ثم بعد ذلك قال: "لا، بل نحن رُسل رسول الله ﷺ، وفي سبيل الله، وقد اضطررتم فكلوا"، وتقدم أن هذا ليس من قبيل الميتة، وأن ذلك لم يبلغهم عن رسول الله ﷺ: أحلت لنا ميتتان ودمان[1]، وكون الصحابة تزودوا منه إلى المدينة هذه مسألة معروفة، وهي أن الإنسان إذا حلت له الميتة ما القدر الذي يحل له، هم أكلوا حتى سمنوا، فكثير من أهل العلم يقول: القدر الذي يحله له إنما هو بقدر ما يقيم صلبه، ويدفع عنه الهلاك، وقالوا: لا يتزود منه، فالصحابة اجتهدوا هذا الاجتهاد.

يقول: "فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله ﷺ فذكرنا ذلك له فقال: هو رزق أخرجه الله لكم، فساقه الله -تبارك وتعالى- إليهم، فالله لا يضيع أولياءه، ولكن يبتليهم؛ ليستخرج ألوان العبوديات من نفوسهم، عبودية السراء، وعبودية الضراء، فيحصل لهم بذلك التمحيص والتهذيب، ويحصل لهم بذلك الرفعة في الدرجات، فالإيمان والعبودية العالية قال لهم رسول الله ﷺ: فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا، يعني باعتبار أنه رزق هيأه الله -تبارك وتعالى- لأوليائه.

يقول: "فأرسلنا إلى رسول الله ﷺ منه فأكله"[2]، رواه مسلم.

وهذا الحديث فيه عبر، والشاهد فيه ما يتصل بعيش أصحاب النبي ﷺ، وما كانوا فيه من التقلل من الدنيا، وضيق العيش والحاجة، وما ضرهم ذلك فهم الذين فتحوا الدنيا شرقها وغربها، وهم الذين ، نشروا الإسلام، وأجرى الله على أيديهم هذا الخير، فإنما نحن أثر من آثار دعوتهم -رضي الله عنهم وأرضاهم-.

والحمد لله رب العالمين.

  1. أخرجه ابن ماجه، أبواب الأطعمة، باب الكبد والطحال، برقم (3314)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (210).
  2. أخرجه مسلم، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب إباحة ميتات البحر، برقم (1935).

مواد ذات صلة