الجمعة 10 / شوّال / 1445 - 19 / أبريل 2024
حديث «من خلع يدًا من طاعة..» إلى «عليك السمع والطاعة..»
تاريخ النشر: ٠٤ / ذو القعدة / ١٤٣٠
التحميل: 1443
مرات الإستماع: 4354

من خلع يداً من طاعة

  الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب "وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية، وتحريم طاعتهم في المعصية" أورد المصنف -رحمه الله-:

حديث عبد الله بن عمر -رضى الله عنهما- قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات مِيتة جاهلية[1]، رواه مسلم.

قوله ﷺ: من خلع يداً من طاعة بمعنى: أنه نكث البيعة ونقضها، لقي الله يوم القيامة ولا حجة له بمعنى: أنه فعل فعلاً لا يحل له، والنبي ﷺ بين ذلك في جملة من الأحاديث كما سبق، ولما قالوا: "أفلا ننابذهم؟"، لمّا ذكر الأمراء وذكر بعض الأوصاف غير الحسنة مما يتصفون به، لما قالوا: أفلا ننابذهم؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة[2]، وفي بعضها: إلا أن تروا كفراً بواحاً، عندكم فيه من الله برهان[3].  

مات مِيتة جاهلية يعني: أن أهل الجاهلية ما كانوا ينقادون لأحد، فكانوا فرادى يأنفون من الطاعة ومن تأمير أحدٍ عليهم، وكل واحد أمير لنفسه، فأمرهم كان فوضى حتى جاء الإسلام، وتحولت أحوال الناس إلى لون من الانتظام، وحصل بسبب ذلك خيرٌ عظيم، ففتح الله بهم البلاد، وشرح الصدور وهدى العباد، واستتب الأمن، وكثرت الخيرات، فالذي يموت وليس في عنقه بيعة النبي ﷺ يقول: مات ميتة جاهلية، بمعنى: أنه مات كما يموت أهل الجاهلية، وليس المقصود بذلك أنه يموت كافراً، أو يموت جاهليًّا، ليس هذا هو المراد، وإنما مات كما يموت أهل الجاهلية.

وفي رواية لمسلم: ومن مات وهو مفارق للجماعة فإنه يموت ميتة جاهلية[4]، والمِيتة بالكسر يعني الطريقة التي مات عليها، أو الحال التي مات عليها، الصفة التي مات عليها.

اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبدٌ
وفي حديث أنس قال: قال رسول الله ﷺ: اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبدٌ حبشي كأن رأسه زبيبة[1].

يعني اسمعوا وأطيعوا ولو كان ذلك في أسوأ الحالات ممن تأنفون عن طاعته ولو استعمل عليكم عبد حبشي، العبد لا يجوز أن يتولى ولاية عامة يعني الخلافة مثلاً؛ لأنه يشترط فيها شروط منها الحرية، أن يكون حرًّا، ويمكن أن يحمل هذا على أنه وإن استعمل عليكم يعني في إمارة جزئية، في ولاية جزئية كأن يكون أميراً على سرية، أو على بلدة قرية، مدينة، أو نحو هذا، أو يكون ذلك على سبيل الغلبة بمعنى أنْ تغلب هذا العبد الحبشي كما حصل في دولة المماليك حينما تغلبوا على الملك في البلاد المصرية، وكانوا أرقاء لم يتحرروا، فوقف في هذا كما هو معلوم العز بن عبد السلام  -رحمه الله- وهو من فقهاء الشافعية، وبين أن هؤلاء لا تصح لهم ولاية وإمارة، فقبلوا أن يباعوا في السوق وهم ملوك، ثم بعد ذلك يحرروا، ثم بعد ذلك تنعقد لهم الولاية، وهذا ما حصل؛ ولهذا لُقب ببائع الملوك، وفي بعض السنوات في القرن العاشر الهجري بعث الخليفة العثماني إلى البلاد المصرية أميراً عليها وكان رقيقاً مملوكاً فوقف شيخ الأزهر، وكان شيخ الأزهر في ذلك الوقت إماماً في العلم، وفي البيان، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بأمر الله -تبارك وتعالى، فوقف في هذا وأعلن أن ولاية هذا لا تصح مع أنها ولاية جزئية، وكتب إلى الخليفة العثماني ينكر عليه ذلك، وأن ولاية هذا باطلة، فكتب الخليفة العثماني بعتقه، أعتقه وأبقاه على ولايته، وشكر شيخ الأزهر على غيرته الدينية، هذا مثبت في التاريخ.

فيحتمل أن يكون هذا على سبيل الغلبة وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة معنى كأن رأسه زبيبة هذا أقبح في الصفة بمعنى أن شعره صغير ملتف أسود، أو يميل إلى السواد مع حمرة كالزبيب، الشعرة  الواحدة أو مجموع الشعرات تجتمع وتلتف فتكون كأنها زبيبة، فهذه صفة غير مستحسنة فهو له شعر بهذه الصفة.

هذا ليس من الأوصاف المحمودة ومع ذلك يقول: اسمعوا وأطيعوا.

عليك السمع والطاعة
وهكذا في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك.

عليك السمع والطاعة، وهذه الصيغة عليك كذا: للوجوب، تدل على الوجوب، عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، عسرك ويسرك: يعني في فقرك وغناك، ومنشطك ومكرهك وأثرةٍ عليك، ومنشطك يعني: فيما تحب وتنشط له، وتقبل عليه النفس، ومكرهك يعني حينما تتباطأ النفس وتستثقل ذلك، وأثرةٍ عليك يعني وإن حصل أثرة بأن استأثر على الدنيا والمال، ولم يوصل إليك حقك؛ لأن كل أحد -كما هو معلوم- من المسلمين له حق في بيت مالهم، فيقول: وإن حصلت هذه الأثرة فإنه لا يحل لك أن تنزع يدًا من طاعة، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

 

مواد ذات صلة