الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
الحديث على آيات الباب وحديث «إذا هم أحدكم بالأمر..»
تاريخ النشر: ٢٤ / صفر / ١٤٣١
التحميل: 1712
مرات الإستماع: 2367

مقدمة باب الاستخارة والمشاورة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:  

 فهذا باب شريف من أبواب هذا الكتاب المبارك، وهو باب "الاستخارة والمشاورة" والمقصود بالاستخارة هو طلب خير الأمرين، والاستشارة معروفة هي طلب الرأي في أمر من الأمور، أن يطلب الإنسان رأي المخلوقين، فالاستخارة متوجهة إلى الخالق، هي طلب العبد إلى ربه -تبارك وتعالى- أن يقدر له الخير، وأن ييسره له، وأن يختار له؛ لأن الله هو العليم الحكيم أحاط بكل شيء علماً، وهو القدير الذي بيده مقاليد الأمور، فييسر العسير، ويهيئ له من الأسباب ما يكون فيه صلاحه وفلاحه، وفوزه، والاستشارة هي توجه إلى المخلوق بطلب الرأي، وذلك أن العبد محتاج إلى هذين الأمرين غاية الاحتياج، فالإنسان لا يعرف العواقب، وقد يكره شيئاً وهو عين الخير له، وقد يحب شيئاً وتصبو نفسه إليه ويتطلع إلى تحصيله، وهو عين الشر، فيه هلاكه وعطبه، ولهذا قال الله -تبارك وتعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [لبقرة:216].

فإذا كان العبد قصير النظر لا يبلغ علمه ومعرفته، ونظره إلى مآلات الأشياء، فإنه ينبغي أن يطلب من ربه -تبارك وتعالى- أن يختار له، كما أن الإنسان مهما أوتي من الذكاء والتجربة، والخبرة والممارسة والمعرفة بالأمور فإنه لا يستغني عن رأي الآخرين، فيفتحون له آفاقاً، ويُبدون له جوانب قد يغفل عنها، والعاقل يضيف إلى رأيه مهما بلغ، وإلى عقله مهما كان سديداً يضيف إليه عقولا أخرى، تجارب أخرى، فيثريه ذلك، ويحصل له من اجتماع هذه الآراء بصر أفضل، ونظر أوسع، فإذا فعل العبد هذا وهذا فإنه يكون بعد ذلك على جادة صحيحة، يستطيع أن يُقْدم على ما يريد عن بينة، وكثير من الناس قد لا يستخير أصلاً، ولربما يعتمد على ذكائه، ورأيه وخبرته، وكثير من الناس يغتر، ويقول: أنا أعرف، أنا أفهم، ولا يحتاج في نظره إلى مشاورة أحد بزعمه أن هذه أمور خاصة، أو أن هذا نوع نقص أو تفضيل لمن شاوره، والقضية لا يلزم منها هذا كله، لماذا يحرم الإنسان نفسه مثل هذه التجارب والخبرات؟، لكن الإنسان قد لا يوفق أحياناً فيُحرم خيراً كثيراً، وهنا أمر يجب التفطن له وهو أن الإنسان أحيانًا حينما يستخير يظن، ويتوهم أنه لابدّ أن يرى رؤيا، أو يجد انشراحًا، أو يجد ضيقًا وانقباضًا تجاه هذا الأمر، فإذا لم يحصل له شيء من ذلك تحير وصار يسأل، ويقول: أنا استخرت وما رأيت شيئًا؟، وماذا تريد أن ترى؟ لا يلزم أن ترى رؤيا، وقد ترى رؤيا من الشيطان ليست من الله؛ لأن هذه حديث نفس وقضية تلح على ذهن الإنسان، فيلقي الشيطان في قلبه، أو يكون ذلك من قبيل حديث النفس، فما يراه الإنسان على ثلاثة أنواع كما ذكر النبي ﷺ والرؤى لا يُبنى عليها حكم، غاية ما هنالك أن يستبشر الإنسان بالرؤيا الطيبة، لكن القرار لا يبنى على الرؤى إطلاقاً، وإنما إذا استخار الإنسان فإن ذلك لا يعني أنه يرى شيئاً، أو ينقبض أو ينشرح صدره، قد يحصل له شيء من هذا، قد تتغير قناعته، وقد يحصل له عارض آخر يحول بينه وبين تحقيق هذا المطلوب، عارض من العوارض، ذهب هذا الإنسان ليقدم في جامعة، ليقدم في عمل في وظيفة أو نحو ذلك، فلما ذهب وإذا بالطائرة قد فاتت ولم يجد حجزاً، ففات موعد التقديم، فيبدأ بعض الناس يتحسر على هذا الفوات، هذا هو مقتضى الاستخارة، ظهرت الآن، فاتت ما قُدر لك هذا، الله صرفك عنه، ألم تكن تسأل ربك هذا؟ صُرفت عنه، فلماذا الاعتراض على تقدير الله ، واختياره وأنت طلبت أن يختار لك الله؟ هذا تناقض، امرأة تقدم لها رجل ووافقوا، ولربما دفع المهر وأخبروا الناس لكن قبل العقد بيوم أو يومين اتصلوا وقالوا: صرفنا النظر تبدأ تولول وتحزن وتضيق بها الدنيا لماذا؟ هذا مقتضى الاستخارة ظهر الآن، الله صرفكِ عنه، كم من واحدة تزوجت إنسانًا وصارت من أتعس الناس، فيرضى الإنسان ويفرح ويبتهج، الحمد لله ما دام استخرت، وهكذا كم من إنسان قرر أن يسافر مع أناس، ثم بعد ذلك نام، فذهبوا فوقع لهم مكروه في الطريق، وسلم هو، فمات هؤلاء الناس، فاتته الطائرة فحزن وجزع؛ لأنه نام عنها، ما أوقظ، ثم سقطت الطائرة، فالإنسان لا يدري ولا يعرف أين الخير له، فما عليه إلا أن يستخير، وهذه الاستخارة سيقع مقتضاها بإذن الله ، والله لن يضيعه، لا يحتاج رؤيا، ولا يحتاج انشراحًا، ولا انقباضًا إذا استخار واستشار ودرس الموضوع من جميع جوانبه، وبذل الأسباب، امرأة تقدم لها رجل يسألون عنه، يحتاطون، يستفصلون، فإذا بذلوا كل الأسباب وتبين أن النتائج جيدة وإيجابية ما قصروا ولا فرطوا في هذا، واستشارت أهل العقل الراجح والدين، والنصح، عند ذلك إذا أقدم الإنسان فهو غير ملوم، يقول: أنا بذلت كل ما عليّ، والموفق هو الله -تبارك وتعالى، ولا ندري أين الخير، كذلك ما يتعلق بالاستشارة الإنسان حينما يستشير الآخرين، يطلب الرأي فهو بهذا يكون قد بذل السبب، وهذا من كمال النظر، وهو بعد ذلك حينما لا يحصل له مطلوبه لم يكن ذلك من جراء تقصيره فيطمئن العبد كل الاطمئنان أنه فعل السبب من جهة التوجه إلى الله -تبارك وتعالى، ومن جهة استجماع الرأي لدى من يثق به من المخلوقين.

لكن عليه أن يلاحظ فيمن يستشيره جملة من الأمور: يكون هذا الإنسان أمينًا لا يذهب ويفشي، أن يكون هذا الإنسان ناصحًا، فقد يحمله دافع آخر من حسد وغيره على أن لا يمنح له النصيحة، فيصرفه عن أمر هو خير له، وأن يكون هذا الإنسان من أصحاب العقول الراجحة، فلا يستشير الإنسانُ أحمقَ أو ساذجًا، وإنما له رأي راجح، والعقل الراجح ليس فقط في الذكاء، قد يكون الإنسان ذكيًّا ولكنه أهوج، فيه عجلة، أو نحو ذلك، لا، العقل ملكة وموهبة ربانية تنمو بالخبرة والممارسة والتجربة وكثرة الاطلاع على أحوال الناس، ومجريات الأمور وما شابه ذلك، فيستشير من يثق برأيهم وحسن نظرهم وتدبيرهم، هذا وهناك جملة من الأمور لكن يكفي هذا القدر في ظني عند الكلام على أصل هذا الباب.

قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}

وذكر قول الله -تبارك وتعالى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران:159]، فإذا كان النبي ﷺ وهو أكمل الأمة عقلاً، وهو مؤيد بالوحي ومع ذلك الله يقول له: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، فغيره  من باب أولى أن يستشير، وإذا كان هذا الإنسان له ولاية أمير، أو مدير أو نحو ذلك فإنه يتعين عليه ذلك أكثر مما يتعين على غيره، أن يستشير الآخرين؛ لأن هذه مصالح تتعلق بالعامة، وهذا أولى من الاستشارة بالقضايا الخاصة، الضرر سيعود عليه هو حال التقصير لكن حينما تكون القضية ممتدة سيكون أثرها عائداً إلى المجموع فإن هذا يحتاج إلى مزيد من تقليب النظر والاستفادة من أهل الرأي.

قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}

قال: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى:38] أي: يتشاورون بينهم، وهذه صفة أهل الإيمان، وذكر الله ذلك في سياق المدح، فالمستبد الذي لا يستشير أحداً هذا لا شك أنه مذموم.

إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين

ثم ذكر حديث جابر المشهور في الاستخارة وهو الحديث الوحيد في هذا الباب:

عن جابر  قال: كان رسول الله ﷺ يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن، يقول: إذا هم أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه. وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله؛ فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به قال: ويسمي حاجته. رواه البخاري.

"كان رسول الله ﷺ يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها"، فيدخل في هذا الأمور الدينية، والأمور الدنيوية، بعض الناس يقول: الأمور الدينية لا يستخار فيها، نقول: يستخار ليس في ذاتها، وإنما يستخار فيما يتصل وما يعرض لها، أو يحتف بها من قضايا الزمان والمكان والحال، يعني مثلاً هذا الإنسان لا يستخير أنه يصلي الفرض أو لا يصلي، لكنه يستخير في أمر آخر يستخير في أني أذهب الحج هذا العام أو لا أذهب، لا أذهب ليس معناه أني أخلد إلى الراحة والدعة والكسل، لا؛ لأن هناك معارضًا آخر مثلاً، قد يكون الزمان، يعني مثلاً: هذا الإنسان متردد في الحج لوجود مخاوف قوية حقيقية، من وباء، ليست أوهامًا، لو فرضنا،

الشاهد أن الإنسان يستخير لو كان هناك وباء حقيقي، لو كان هذا الإنسان عنده عارض آخر فيه مرض يخشى أن يذهب إلى الحج فيزداد هذا المرض، يتعطل، يستخير، عنده من يقوم عليه من مريض أو نحو ذلك من يحتاج إليه يستخير، عنده أعمال أخرى قد تتعطل إذا ذهب إلى الحج، مصالح أخرى من دعوة، تعليم، فهل يقدم هذا أو يقدم هذا؟.   

يستخير، وقل مثل ذلك في أمور أخرى من العبادات، يحتاج أن يستخير الإنسان فيها عُرض عليه عمل خير ينفع الناس، أن يشارك في تعليم، في حلقة، في إدارة برنامج خيري دعوي إغاثي إلى آخره، هذا خير، لكنه قد يحتاج للاستخارة لسبب أو لآخر، أنه عنده أعمال أخرى قد تتعطل، هل يقدم على هذا أو هذا؟، تردد بين أمرين، وكذلك في الأمور الدنيوية يستخير، إنسان أراد أن يتزوج امرأة يستخير، أراد أن يشتري أرضاً أو عمارة يستخير، أراد أن يشتري سيارة يستخير، بل ما هو أدنى من هذا يستخير، أن يدخل في تخصص معين يستخير، أن يؤجل الدراسة فصلًا آخر يستخير، وهكذا. 

فهنا قال: "كان رسول الله ﷺ يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن"، كما يعلمهم السورة من القرآن، يعني من جهة الضبط والإتقان، كما يعلمهم السورة بضبطها حرفيًّا.

يقول: "إذا همّ أحدكم بالأمر"، والهم أقل من العزم، ما عزم إلى الآن، متى يعزم؟ إذا استخار واستشار وكانت المعطيات بالنسبة إليه مقبولة فعند ذلك يعزم، لكن إذا همّ بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة مع أن بعض أهل العلم يقول: لو أنه صلى الفجر بنية الفجر والاستخارة أجزأه، لكن الحديث واضح: من غير الفريضة، فيدخل فيه السنن الرواتب، يمكن للإنسان أن يقصد بالراتبة راتبة واستخارة، رجعت البيت الآن تصلي سنة العشاء يمكن أن تكتفي بالركعتين لهذا وهذا، سنة عشاء واستخارة، وإذا أفردت بركعتين فلا بأس ولو كان وقت نهي؟ ولو كان وقت نهي لأنها من ذوات الأسباب، إلا إذا كان في الأمر سعة، بمعنى أنه ليس بحاجة إلى أن يستخير الآن، ليس هناك ضرورة، فيؤخرها خارج وقت النهي، ولو كان هناك عارض آخر كالحيض والنفاس للمرأة فالذي يظهر -والله تعالى أعلم- بناء على القاعدة: "أن ما عجز عنه المكلف وأدرك بعضه"، هذه القاعدة ذكرها ابن رجب -رحمه الله- في القواعد، وهي طويلة، وفيها تفاصيل كثيرة، لكن الفروع التي تحتها أنواع، منها ما يمكن أن يُجتزأ ببعضه، ومنها ما لا يمكن، فما يُجتزأ ببعضه مثل هذا -والله تعالى أعلم، امرأة حائض ماذا تصنع؟ كثير يسألون عن هذا تقول: أنا لازم أقرر، نقول لها: قولي الدعاء، دعاء الاستخارة ولو لم تصلِّ، فإنها عجزت عن الصلاة لكنها لا تعجز عن الدعاء.

يقول: فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، متى يقول هذا الكلام؟ عامة أهل العلم يقولون: بعد الصلاة بعدما يسلم، وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وكذلك الحافظ ابن القيم أنه قبل السلام بعد التشهد والصلاة على النبي ﷺ، فهذا مكان دعاء؛ لأن النبي ﷺ قال: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه، يعني أعجبه إليه، فهذا مقام دعاء هذا من ناحية النقل، ومن ناحية النظر قالوا: إن هذا الإنسان هو في الصلاة هو يناجي ربه، وهو أقرب إليه، ولا يليق أن الإنسان بعدما ينصرف من صلاته يرفع يديه ويجلس يدعو، فكان الأحرى بالإجابة وهو في حال الصلاة، يقول: مثل هذا مثل إنسان دخل على الملك وكان بين يديه ولم يذكر حاجته، فلما انصرف بعث بحاجته، فأيهما أدعى للاستجابة؟، تحصيل المطلوب أن يذكر حاجته بين يديه، ولله المثل الأعلى.   

ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، السين والتاء للطلب، يعني أطلب منك الخير أن تختار لي بعلمك، فإن علم الله -تبارك وتعالى- محيط، يعلم ما فيه الخير للعبد، وأستقدرك بقدرتك، والسين والتاء للطلب أيضاً يعني أطلب منك أن تختار لي، هذا في الأول، وفي الثاني أن تُوجِد لي القدرة على هذا، فإن العبد عاجز ضعيف، إلا إذا أقدره الله -تبارك وتعالى.

قوله: وأسألك من فضلك العظيم، يعني أن يهب له من ألطافه وإفضاله، فإنك.. الفاء هذه للتعليل، يقول: أنا أسألك وأتوجه إليك لماذا؟، فإنك تقدر ولا أقدر وهذا تبرء من الحول والقوة، وتعلم ولا أعلم، وأنت علامالغيوب وكل هذه الأمور المستقبلة هي غيب بالنسبة إلينا.

اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي، ويذكر هذا الأمر يقول مثلًا: التزوج من فلانة، السفر إلى المكان الفلاني، شراء العمارة الفلانية، خير لي في ديني ومعاشي، فبدأ بالدين؛ لأنه قد يفتن الإنسان بالتزوج من هذه المرأة، أو بدخول هذا النوع من التجارة، يضره في دينه، خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: عاجل أمري وآجله، يعني قد تكون المنافع قريبة لكن على المدى البعيد ليست كذلك. 

فاقدُره لي، ويمكن أن يقول أيضاً: فاقدِره لي، ويسره لي، يعني قدر لي هذا ويسره، والقدرة أصعب، قد تحصل قدرة لكن مع عسر، فدعا باليسر، ويسره لي ثم بارك لي فيه، فقد يكون ذلك مقدورًا له وييسر، ويحصل له فيه نوع نفع لكن لا تحصل فيه بركة، كم من إنسان اشترى سلعة، اشترى بضاعة، اشترى سيارة، حصل له بها منافع، لكن قد تكون مباركة، تزوج امرأة صارت مباركة فجاءه الخير من كل مكان في الدين والدنيا.

وإن كنت تعلم أن هذا الأمر -ويسميه- شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: عاجل أمري وآجله- فاصرفه عني، واصرفني عنه، اصرفه بما شئت، لسنا نحن الذين نحدد، اصرفه عني بكذا، أو برؤيا، أو بضيق وانقباض، لا، اصرفه بما تشاء، هذا الإنسان صرف النظر عن بيع هذه الصفقة، اصرفه عني، فلا يحصل منه قبول، أو من ذلك الطرف إن كان هناك طرف آخر، واصرفني عنه أيضاً أنا، فيكون الانصراف من الجهتين.

واقدر لي الخير حيث كان، وهذا هو المطلوب، ثم أرضني به[1]، رواه البخاري.

وقد يقدر للإنسان الخير ولكنه لا يرضى لسبب أو لآخر، إما لأنه ينظر دائماً إلى من فوقه فيزدري نعمة الله عليه، حصل له خير، حصل له نعمة، حصل له نجاح وتوفيق في دراسة في عمل، في كذا، لكن ينظر دائماً في الدنيا إلى الذين فوقه، فهو دائماً في حال من الضيق والحسرة لكن لو نظر إلى من هم دونه لم يحصل له هذا، ولذلك الإنسان هو الذي يجني أحيانًا على نفسه بالمنغصات فيكدر عيشه، المرأة أحياناً تكون في وضع لا تحسد عليه في بيت أهلها هضم لحقها وإساءة إليها، وفي حسرة دائمة، ثم تتزوج، قد تكون زوجة ثانية ثم لا يكون لها هم إلا النظر ماذا فعل لتلك الزوجة الأولى؟، وماذا نقصها مما أعطى تلك الزوجة؟، فيبقى هذا محور النظر، فتبقى في عناء دائم، لكن لو نظرت إلى المنافع التي تحققت لها حينما تزوجت، هل في مقارنة بين حالك الآن وحالك قبل الزواج؟ ما في مقارنة، لكن هي ما تنظر لهذا، هي تنظر إلى تلك المرأة وحال هذا الزوج معها فتبقى في كدر دائم، ولا تهنأ بعيش، وإذا جاءها لم يجد ما يسره، لا من المقال ولا من الحال، وإنما هي شِكاية وكآبة، فيبدأ يفكر بطريقة ثانية تزوجت لأستريح ولأسعد ولأنعم، وجلبت لنفسي الشقاء والعناء والهمّ والنكد، هكذا تتحول هذه الأمور أحيانًا إلى منغصات، والله المستعان، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الاستخارة، برقم (6382).

مواد ذات صلة