الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
حديث «البركة تنزل وسط الطعام..» ، «إن الله جعلني عبدًا كريمًا..»
تاريخ النشر: ١٦ / ربيع الأوّل / ١٤٣١
التحميل: 1234
مرات الإستماع: 3279

البركة تنزل وسط الطعام

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فيقول: باب الأمر بالأكل من جانب القصعة، والنهي عن الأكل من وسطها.

الأكل من جانب القصعة يعني: من حوافها، والنهي عن الأكل من وسطها يعني سواء كان الطعام الموضوع مائعاً أو كان جافًّا، فإذا كان خبزًا مثلًا فإنه لا يأخذ من وسطه، لا يأكل وسطه، وإذا كان الطعام كالمرق مثلًا فإنه لا يغترف من وسطه، وهكذا.

وذكر حديث ابن عباس -رضى الله عنهما- عن النبي ﷺ قال: البركة تنزل وسط الطعام، فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه[1]رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

البركة تنزل وسط الطعام ومن هنا يكون من يأخذ من وسطه قد فوت هذا المعنى على نفسه، أو على آكليه، إذا اجتمع الناس على طعام، وصار كل واحد منهم يغترف، فبدأ أحدهم وأخذ من وسطه، اغترف من وسطه، فإنه يفوت على غيره هذه البركة، ليس له ذلك، فإذا أخذوا من نواحيه بورك لهم فيه، فيكفي الطعام للكثيرين، يكفي لجميع هؤلاء، لكن لو أن أحداً بدأ وتعدى، وأخذ من وسطه، فلربما لا يفي بحاجتهم، ولربما أكلوا وما شبعوا.

قال: فيه: قوله ﷺ: وكل مما يليك[2]حديث عمر بن أبي سلمة السابق.

قال: وعن ابن عباس -رضى الله عنهما- عن النبي ﷺ قال: البركة تنزل وسط الطعام، فكلوا من حافتيه، ولا تأكلوا من وسطه.

إن الله جعلني عبدًا كريمًا
وذكر حديث عبد الله بن بسر قال: كان للنبي ﷺ قصعة يقال لها: الغراء يحملها أربعة رجال؛ فلما أضحوا وسجدوا الضحى أتي بتلك القصعة؛ يعني وقد ثرد فيها، فالتفوا عليها، فلما كثروا جثا رسول الله ﷺ، فقال أعرابي: ما هذه الجلسة؟ فقال رسول الله ﷺ: إن الله جعلني عبدًا كريمًا، ولم يجعلني جبارًا عنيدًا، ثم قال رسول الله ﷺ: كلوا من حواليها، ودعوا ذروتها يبارك فيها[1]، رواه أبو داود بإسناد جيد.

كان للنبي ﷺ قصعة يقال لها الغراء، كبيرة، قيل يحملها أربعة، ويقال لها الغراء إما لبياضها، أو لنفاستها، فإن الأشياء النفسية عند أهلها يقال لها ذلك.

البياض الذي يكون في ناصية الفرس يقال له غُرة، والشيء النفيس يقال له غرة أيضاً.

يقول: يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال، فلما أضحوا، يعني: دخلوا في وقت الضحى، وسجدوا الضحى، يعني: صلوا صلاة الضحى، أُتي بتلك القصعة، يعني: وقد ثُرد فيها، أي: وضع فيها الثريد، والثريد هو خبزٌ رقاقٌ قد ثُرد، يعني: خلط وبلل بالمرق مع اللحم، فهذا الثريد، وهذا المعروف اليوم في وقتنا هذا عند الناس، وإن اختلفت أسماؤه.

يقول: وقد ثُرد فيها، فالتفوا عليها، فلما كثروا جثا رسول الله ﷺ، يعني ليوسع لغيره ﷺ، وهذا من تواضعه ومراعاته لأحوال الناس، جثا بمعنى أنه نزل على ركبتيه، وجلس على عقبيه، الجثو النزول على الركب والجلوس على العقبين، كالجلسة التي تكون بين السجدتين في بعض صورها المشروعة.

فهذه يجلسها المتواضع، فقال أعرابي: ما هذه الجِلسة ؟ يعني: كأنه تعجب أن النبي ﷺ يجلس بهذه الطريقة البسيطة، فقال رسول الله ﷺ: إن الله جعلني عبداً كريماً، ولم يجعلني جباراً عنيداً.

بمعنى: أن الجبابرة الواحد منهم إذا جلس يتكئ على الطعام، ويجلس بطريقة، يعني: يتوسع فيها ويسترخي، أما النبي ﷺ فكان يجلس جلسة متواضعة، ثم قال رسول الله ﷺ: كلوا من حواليها، ودعوا ذِروتها، يُبارَك فيه.

دعوا ذِروتها يعني: أعلاها يبارك فيه فهذا العدد الكثير يمكن أن تكفيهم هذه القصعة إذا روعي فيها ما ذكر وهو التسمية والأكل من جوانبها دون التعرض لوسطها، ولكن لو أنهم أخذوا من وسطها، أو بدءوا بوسطها لربما لا يكفيهم ذلك الطعام، ولربما أكلوا ولكنهم لا يشبعون، ولهذا يجد بعض الناس أنه أكل، والطعام كثير وبقي أكثره، أكل حتى ظن أنه اكتفى، ثم ما يلبث وقتاً يسيراً إلا ويجد الجوع، من الناس من يتعجب من هذا، والسبب -والله تعالى أعلم- هو ما ذُكر، إما أنه لم يسمِّ، وإما أنهم يتفرقون على الطعام، أو أنهم يأخذون من وسطه.

أحياناً يُوكَل ذلك لإنسان لا يعلم، لأحد الأبناء أو الصغار، يغترف لهم من الطعام، أو لخادم أو نحو ذلك، يعني: رجل يخدمهم، أو امرأة تخدم النساء، أو نحو ذلك، فتبدأ بوسط الإناء، وتغترف من هذا الطعام من الرز، أو من غيره، من الوسط، وهذا خطأ. 

والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه أبو داود، كتاب الأطعمة، باب ما جاء في الأكل من أعلى الصحفة (3/ 348)، رقم: (3773)، وابن ماجه، كتاب الأطعمة، باب الأكل متكئا (2/ 1086)، رقم: (3263).

مواد ذات صلة