الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
حديث "أن رسول الله ﷺ دخل يوم فتح مكة.." إلى "كنت مع رسول الله ﷺ ذات ليلة.."
تاريخ النشر: ١١ / ربيع الآخر / ١٤٣١
التحميل: 1240
مرات الإستماع: 3121

دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب استحباب الثوب الأبيض وجواز الأحمر والأخضر والأصفر والأسود إلى آخره أورد المصنف -رحمه الله-:

حديث جابر : "أن النبي ﷺ دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء"[1]، رواه مسلم.

دخل يوم فتح مكة، ولم يكن محرماً ﷺ، في الحديث الآخر: "دخل وعلى رأسه المغفر"[2]، استدل به الفقهاء -رحمهم الله- على جواز دخول مكة من غير إحرام لمن لا يريد النسك، ما يريد الحج ولا العمرة يجوز له أن يدخل من غير إحرام، والمسألة فيها خلاف معروف، وهذا هو الراجح، والله تعالى أعلم.  

هنا دخل وعليه عمامة سوداء، وهذا لا يعارض الحديث الآخر، "وعلى رأسه المِغْفر، المِغْفر" هو: ما يضعه المقاتل على رأسه من الحديد، مثل ما يغطي الرأس، ويستر الرأس، فيمكن أن يكون ﷺ على رأسه المغفر، وعليه العمامة فوق المغفر، سوداء، وهذا هو الشاهد، وفيه جواز لبس الأسود، وأن ذلك من الألبسة المباحة، ما لم يكن ذلك في حال خاصة قصداً، مثل لو أن الإنسان يلبس الأسود في المآتم والحزن، فهذا فيه مضاهاة لبعض أهل الضلال كالرافضة ونحوهم.

كأني أنظر إلى رسول الله ﷺ وعليه عمامة
وعن أبي سعيد عمرو بن حريث : قال: "كأني أنظر إلى رسول الله ﷺ وعليه عمامة سوداء، وقد أرخى طرفيها بين كتفيه"[3] رواه مسلم.

عمرو بن حريث أبو سعيد من صغار الصحابة، بقي إلى سنة خمس وثمانين للهجرة، يقول: "كأني أنظر إلى رسول الله ﷺ وعليه عمامة سوداء، وقد أرخى طرفيها"، وأين رآه؟ هل رآه عند دخوله لمكة مثلاً؟

يقول في الرواية الأخرى: "خطب الناس وعليه عمامة سوداء"[4] والذين وصفوا صفة دخوله ﷺ مكة لم يذكروا أن ذلك كان في مقام الخطبة، وحينما خطب النبي ﷺ يوم فتح مكة وقف على باب الكعبة، وليس على المنبر، فكأن هذا كان في المدينة، ودل ذلك على أنه تكرر، خلافاً لمن قال بأن ذلك لم يكن -يعني لبس العمامة السوداء- من النبي ﷺ إلا حينما دخل فتح مكة، وحاول بعضهم أن يلتمس لذلك بعض المعاني، وأظن أن ذلك بعيد، كقول بعضهم: إنه لبس الأسود إشارة إلى أن دين الإسلام لا يتبدل ولا يتغير؛ لأن باقي الألوان تتغير وتصبغ إلا السواد، وهذا الكلام غير صحيح، حتى السواد يتغير.

كُفن رسول الله ﷺ في ثلاثة أثواب
وذكر حديث عائشة -رضى الله عنها- قالت: "كُفن رسول الله ﷺ في ثلاثة أثواب بيض سَحُولية من كُرسف، ليس فيها قميص ولا عمامة"[5].

هذا موافق لأمره ﷺ: "البسوا من ثيابكم البياض، وكفنوا فيها موتاكم"[6]الحديث السابق، فذاك أمر للأمة، وهذا ما وقع لرسول الله ﷺ، بثلاثة أثواب، وهذه هي السنة أن يكون الكفن بثلاثة أثواب، بيض، وهذا هو الأفضل، سحولية: نسبة إلى بلدة في اليمن، من كرسف، ليس فيها قميص، ولا عمامة. متفق عليه.

فهذا في الأبيض، والمقصود بالكُرسف يعني القطن.

خرج رسول الله ﷺ ذات غداة
وتقول أيضاً -رضى الله عنها-: "خرج رسول الله ﷺ ذات غداة وعليه مِرْط مُرَحَّل من شعر أسود"[1]رواه مسلم.

"عليه مِرط": أي كساء، ثوب يتخذ مثل الإزار، ونحو ذلك، "مُرَحَّل": يعني عليه صور الرحال، مثل ما نسميه الشداد، ليست من ذوات الأرواح، الذي يوضع على الراحلة على الجمل يركب عليه الراكب يقال له: شداد، مرحل، يعني: عليه صور الرحل، تقول: من شعر أسود، الشعر ما يتخذ من المعز، وهو ألطف من الصوف، فهذا يدل على جواز لبس مثل هذا، وإذا كان فيه تصاوير،ليست ذوات أرواح، وكذلك ما كان من قبيل، أو ما كان مصنوعاً من الشعر؛ لأن الباب الذي عقده المصنف -رحمه الله- قال: والأسود، وجاز من قطن، وكتان وشعر وصوف وغيرها إلا الحرير، فهذا الأول الكُرسف يعني: القطن، وهذا من الشعر الأسود.

كنت مع رسول الله ﷺ ذات ليلة
وذكر حديث المغيرة بن شعبة قال: كنت مع رسول الله ﷺ ذات ليلة في مسير، فقال لي: أمعك ماء؟ قلت: نعم، فنزل عن راحلته فمشى حتى توارى في سواد الليل، ثم جاء فأفرغت عليه من الإداوة، فغسل وجهه وعليه جبة من صوف، فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها حتى أخرجهما من أسفل الجبة، فغسل ذراعيه ومسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ومسح عليهما. متفق عليه.

وهذا يمكن أن يفسر كما في رواية أخرى أنه كان في غزوة تبوك.

فقال لي: أمعك ماء؟ قلت: "نعم، فنزل عن راحلته، فمشى حتى توارى في سواد الليل" يعني: توارى عن الأنظار، أبعَدَ، يعني: لقضاء الحاجة، "ثم جاء فأفرغت عليه من الإداوة"، يعني: الإناء الذي يصب منه الماء، فغسل وجهه، وعليه جبة من صوف ﷺ، مع أن غزوة تبوك كانت في  شدة الحر، وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ [التوبة:81]، ويلبس الصوف ﷺ في السفر كيف تكون الحال؟ "فغسل وجهه وعليه جبة من صوف، فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها، حتى أخرجهما من أسفل الجبة"، يعني: ما استطاع أن يحسر عن ذراعيه، فأخرج يديه من تحت الجبة؛ لأنه يجب غسل هذه الأعضاء.

"فغسل ذراعيه، ومسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه"، يعني: نزلت لأنزع خفيه، مددت يدي، فقال: دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين، ومسح عليهما[2]، متفق عليه.

الشاهد أنه هنا عليه جبة من صوف، وفي رواية: شامية من صوف ضيقة الكمين، فهذا فيه جواز لبس هذا، والحديث يورد في أبواب الطهارة في الكلام على المسح على الخفين، وكذلك ما يتصل بالنزع، قوله: أدخلتهما طاهرتين لو أن الإنسان غسل رجلاً، ثم أدخل فيها الخف، ثم غسل الأخرى، هل يصح هذا؟ النبي ﷺ يقول: "أدخلتهما" فلابدّ من كمال الطهارة.

وفيه توسع في العبارة؛ لأنه قال: أدخلتهما طهارتين والمقصود أدخلت الخفين بالقدمين، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب التواضع في اللباس، والاقتصار على الغليظ منه واليسير في اللباس والفراش وغيرهما، وجواز لبس الثوب الشعر، وما فيه أعلام (3/ 1649)، رقم: (2081).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان (1/ 52)، رقم: (206)، ومسلم، كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين (1/ 230)، رقم: (274).

مواد ذات صلة