الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
حديث «يسلم الراكب على الماشي..» ، «إن أولى الناس بالله..»
تاريخ النشر: ٠٩ / جمادى الآخرة / ١٤٣١
التحميل: 1072
مرات الإستماع: 5106

يسلم الراكب على الماشي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب آداب السلام.

عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير[1]متفق عليه.

وفي رواية للبخاري: والصغير على الكبير[2].

بعض أهل العلم يقول: هذا فيه اعتبار تسليم المفضول على الفاضل، فيكون ذلك ظاهرًا في بعض ما ذكره النبي ﷺ ولكن قد يشكل بعضه، الراكب على الماشي، أيهما أفضل؟ الراكب أو الماشي؟

يقول النبي ﷺ: فإن الرجل لا يزال راكباً ما انتعل[3] فقد يفهم منه أن الركوب أفضل، ومن أهل العلم من يقول: هذا تعليم للتواضع، فالراكب أكمل حالًا من الماشي، فيسلم عليه، ولا يتعاظم، وهذا له وجه من النظر قريب، والله تعالى أعلم.

والماشي على القاعد، قالوا: كأن الماشي بالنسبة للقاعد كالداخل على القوم، فإن من دخل أو أتى إلى أناس فإنه يسلم عليهم، يبدؤهم بالسلام، إذا دخلتَ على أناس أنت الذي تبدأ بالسلام، فهذا الماشي مع القاعد بمنزلة الداخل على الناس، فهذا ثابت في مكانه -أعني الجالس، والماشي وراد عليه.

قال: والقليل على الكثير؛ لأن حق الجماعة أوفر، وأعظم، وأثبت.

والصغير على الكبير، وهذا ظاهر بأن الصغير يوقر الكبير، ويحترمه، لكن لو كان الكبير راكبًا أو ماشيًا، والصغير جالسًا فأيهما يقدم؟

هذه أوصاف، فلو قيل بأن الراكب يسلم باعتبار أنه قد اشتمل على وصف يتطلب منه البداءة بالسلام على غيره ممن لم يكن بهذه المثابة، ولكن حينما يعلم الصغير، ويربى على احترام الكبير مطلقًا، فإذا رآه سلم عليه، ولو كان الكبير راكبًا، أو ماشيًا، فهذا فيه تربية للصغار، وتأديب أن يوقروا الكبار، وأن يحترموهم.

ولو أنه تساوت هذه الأمور، يعني: تقابل واحد وواحد كلاهما يمشي من الأحق بالسلام؟ هنا نقول: الكبير أحق بأن يُبتدَأ بالسلام، أن يُسلَّم عليه، العالم أحق، الوالد أحق، وما أشبه ذلك.

ولو ابتدأ أحدهما مطلقًا في حال الاستواء مثلًا، فالأفضل هو المبتدئ، كما يأتي في الحديث بعده.

ولم يقل هنا: والمرأة على الرجل، أو الرجل على المرأة، لماذا؟

هل يسلم الرجل على المرأة أو لا يسلم؟

الحديث الذي سبق وهو حديث أسماء بنت يزيد -ا: أن النبي ﷺ مر في المسجد يومًا، وعصبة من النساء قعود، فألوى بيده بالتسليم[4].

قلنا: هذا الحديث فيه ضعف، والرواية الأخرى عند أبي داود: فسلم علينا[5]، لكن رواية: ألوى بيده هي التي فيها ضعف، فمسألة تسليم الرجل على المرأة، أو المرأة على الرجل هذه ذكر أهل العلم أن ذلك مرتبط بأمن الفتنة.

ولهذا قال بعض الفقهاء -رحمهم الله- بأن الشواب من النساء، لا يسلم عليهن الشبان من الرجال، دفعًا للفتنة، وأما القواعد من النساء فلا بأس أن يسلم الرجل إذا مر بها عند أمن الفتنة، وكذلك الرجل الكبير الذي لا يتطرق إليه ريبة إذا سلمت عليه المرأة، أو نحو ذلك فهذا لا حرج فيه، إن شاء الله.

أمّا أن الشباب إذا مروا بالفتيات: السلام عليكم، فيقال له: لا تسلم؛ لأن ذلك طريق للفتنة، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، هذا أعدل ما قيل في هذه المسألة، فيما أظن، والله تعالى أعلم.

إن أولى الناس بالله
ثم ذكر حديث أبي أمامة صُديّ بن عجلان الباهلي قال: قال رسول الله ﷺ: إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام[6]رواه أبو داود، ورواه الترمذي عن أبي أمامة : قيل: يا رسول الله، الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ بالسلام؟ قال: أولاهما بالله تعالى[7].

أولى الناس بالله يعني: الأقرب إليه، من بدأهم بالسلام، وهذا يدل على فضل البداءة بالسلام.

فهذا إخبار، وهناك في الأحاديث السابقة أمر، قوله ﷺ: يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد...، هو صيغته خبرية، ولكن معناه الأمر، معناه الإنشاء، يعني: ليسلم، وقد جاء ذلك في رواية في غير الصحيحين ليسلم[8]أمر، اللام للأمر.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب تسليم الماشي على القاعد (8/ 52)، رقم: (6233)، ومسلم، كتاب الآداب، باب يسلم الراكب على الماشي والقليل على الكثير (4/ 1703)، (2160).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب تسليم القليل على الكثير (8/ 52)، رقم: (6231).
  3. أخرجه مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب ما جاء في الانتعال والاستكثار من النعال (3/ 1660)، رقم: (2096).
  4. أخرجه الترمذي، أبواب الاستئذان والآداب عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في التسليم على النساء، (5/ 58)، رقم: (2697).
  5. أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في السلام على النساء (4/ 352)، رقم: (5204).
  6. أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في فضل من بدأ السلام (4/ 351)، رقم: (5197).
  7. أخرجه الترمذي، أبواب الاستئذان والآداب عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في فضل الذي يبدأ بالسلام (5/ 56)، رقم: (2694).
  8. أخرجه أحمد (14/ 63)، رقم: (8312).

مواد ذات صلة