الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
حديث «هذا حمد الله..» إلى «إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده..»
تاريخ النشر: ٢٣ / جمادى الآخرة / ١٤٣١
التحميل: 748
مرات الإستماع: 1418

عطس رجلان عند النبي ﷺ

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي هذه الليلة أكمل بقية الأحاديث في باب استحباب تشميت العاطس إذا حمد الله تعالى، وكراهة تشميته إذا لم يحمد الله تعالى، وبيان آداب التشميت والعطاس والتثاؤب.

قال المصنف -رحمه الله- في هذا الباب:

وعن أنس قال: عطس رجلان عند النبي ﷺ فشمت أحدهما، ولم يشمت الآخر، فقال الذي لم يشمته: عطس فلان فشمته، وعطست فلم تشمتني؟! فقال: هذا حمد الله، وإنك لم تحمد الله، متفق عليه.

فهذا من سنته العملية ﷺ، في الحديث الذي قبله: إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه[1] وهنا تطبيق عملي من النبي ﷺ فهذان رجلان، عطس أحدهما -قيل: هو عامر بن الطفيل مع ابن أخيه- فلم يحمد الله، وحمد ابن أخيه، فشمته النبي ﷺ .

"فقال الذي لم يشمته" سأله عن العلة، هل ذلك لأمر قام به، مما يتصل بالإيمان، أو النفاق، أو نحو هذا، فبيّن له النبي ﷺ أن ذلك لعلة حَمْد الله وكما سبق أن الإنسان لا يُشمت ولو عُلم أن من عادته الحمد، لكن ما لم تسمع فلا تشمت، وذكرت قول الإمام مالك -رحمه الله-: أنه إن كان سمع من يليه يشمته، لكنك قد تكون بعيدًا عنه، فإنك لا تشمت حتى تسمعه[2].

وصح في هذا عن أبي موسى الأشعري فكان له زوجة أخرى، فعطست فحمدت الله، فشمتها، وعطس ابنه ولم يشمته، فذهب إلى أمه، وقال: عطست فلانة فشمتها، وعطست فلم يشمتني، فأمه -وهي زوجة أبي موسى القديمة- لما جاء أبو موسى قالت: عطس ابني فلم تشمته، وعطست فلانة فشمتها، قال: إنها حمدت الله، وإن ابنك لم يحمد الله[3].

لكن هل يُذكَّر من عطس ولم يحمد الله؟

لم يرد عن النبي ﷺ أنه ذكره، أو أمر بذلك، لكن جاء عن بعض أهل العلم كالأوزاعي مثلاً: أن رجلاً عطس فلم يحمد الله، فقال له الأوزاعي: ماذا يقول الرجل إذا عطس؟

قال: يقول: الحمد لله، قال: يرحمك الله[4] لكن حتى هذا هو ذكَّره على سبيل الحكاية والجواب على السؤال، ولم يرد ذلك مورد التعبد حينما عطس، ومن ثم فإنه لا يقال له في هذا المقام: يرحمك الله، إلا إذا كان السؤال متوجهًا بهذه الصيغة: ماذا تقول إذا عطستَ؟ فيتذكر، ويقول: أقول: الحمد لله، فمثل هذا يمكن أن يقال مع الصغير الذي يُعلَّم، أما الكبار فلا حاجة إليه؛ لأن النبي ﷺ وقع بين يديه ذلك، وما قال لهم مثل هذا.

كان رسول الله ﷺ إذا عطس
وعن أبي هريرة  قال: كان رسول الله ﷺ إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه، وخفض، أو غض بها صوته. شك الراوي، رواه أبو داود[5] والترمذي[6] وقال: حديث حسن صحيح.

"كان إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه" وأحسن من هذا أن يضع المنديل، وإن احتاج إلى وضع اليد فإنه يضع يده اليسرى؛ لأنه في حال العطاس يخرج معه الرذاذ، وهذا محمل بألوان البكتيريا والجراثيم، وما إلى ذلك، فيجتمع ذلك جميعًا في اليد، فهذه اليمني هي التي يأكل بها، وهي التي يصافح الآخرين، فينبغي أن تنزه عن مثل هذا، وأنا أعتذر إليكم على أن أنبه على مثل هذه القضايا، لكن يراها الإنسان كثيرًا ما تقع، تجد الرجل يعطس، ويضع يده اليمنى، ثم يصافح بها مباشرة هنا وهنا، فبمثل هذا تنتقل الأمراض والجراثيم، وما أشبه هذا، والناس أيضًا قد لا يستسيغون ذلك، إلى غير ذلك مما تنزه عنه اليمين، مما يعرفه الناس، ومما يغفلون عنه، ومن الأشياء التي يغفلون عنها مثلاً -والشيء بالشيء يذكر- هذا الإنسان الذي ربما يتولى القيام على ضيوفه، أو على من في المجلس بإكرامهم، وصب القهوة لهم، ونحو ذلك، أحيانًا يجلس يأكل معهم التمر، ويشرب معهم، فأنا أقول: إن كان ولا بدّ أن يأكل معهم، فلا داعي أن يضع النوى بيمينه، النوى يوضع بالشمال، هذه اليمين أنت تأكل فيها، وتأخذ هذه الفناجين بها، وتصب للناس، فتكون النوى باليسار، ولا داعي أمامهم -وهو يأكل التمر- أن يمصمص أصابعه، وأحيانًا بصوت، ويدخل أصابعه أحيانًا في فمه، وفناجينهم في يده، هذا لا يليق، يعني تطور الناس، ووصلوا إلى مستوى من النظافة واللياقة والتهذيب، فالمفروض أن هذه الأشياء تجاوزها الإنسان من زمان، فيأكل بطريقة مهذبة ولطيفة، وبشماله يضع النوى، وإذا عطس فبمنديل، أما أن يميل برأسه هكذا، فإن ذلك يضره فقد يصيبه شيء من الشد في العصب، وقد يحتاج معه إلى علاج مدة طويلة، كما هو معلوم، وأسوأ من ذلك كله أن يكون الإنسان على طعام، ثم يعطس، ولا يضع لا يدًا، ولا منديلاً، فإن هذا يقذره على الناس، وربما تركوا هذا الطعام، وعافت نفوسهم بسبب هذه التصرفات.

فهناك أشياء من التهذيب والآداب يحتاج الناس أن يتعلموها، لا سيما ما يتعلق بالضيافة، ولعلي ذكرت بعض ذلك في مناسبات سابقة، فأحيانًا الإنسان يجلس مع الناس في ضيافة، وفي مناسبة، ويقومون للطعام، فيقول لهم: اغسلوا أيديكم هنا، فماذا في أيديهم؟! وكأن أيديهم ملوثة، وليس من السنة غسل اليدين قبل الطعام، وأن يتخذ ذلك عادة، كما قال الإمام مالك -رحمه الله-[7] لكن بأسلوب مهذب، تقول: أهلاً وسهلاً ومرحبًا، من أحب أن يغسل فهذا المكان، تدلهم على المكان فقط، أما غسّلوا أيديكم هنا، فهذه الأساليب فيها شيء من الخشونة وغير مناسبة، ولا لائقة، فيما أظن، والله تعالى أعلم.

"فكان يضع يده أو ثوبه ويخفض" يعني يغض بها صوته؛ لأنه ليس من الأدب أن يعطس الإنسان بصوت مرتفع جدًا، وهذه الشريعة جاءت بمحاسن الأخلاق، والعطاس من الله، والله يحبه، ولكن ليس معنى ذلك أن يرفع الإنسان صوته رفعًا منكرًا، وإنما يغض بها صوته، وللأسف أنه وجد من يتشاءم بالعطاس أصلاً، فإذا كان قد رفع صوته بذلك ازداد شؤمه، وهذا معروف في التاريخ، وهو خلاف ما جاءت به الشريعة؛ ولما تقرأ -وقد ذكرت أشياء ونماذج من هذا- في الكلام على باب ما جاء في التشاؤم والتطير، ونحو ذلك، في شرح كتاب التوحيد سنة 1414 للهجرة، ذكرت أشياء وأحوال لأناس، فبعض الملوك ربما حبس الرجل؛ لأنه عطس عنده بصوت مرتفع، فاعتذر إليه بأن ذلك من عادته، فطلب الشهود على أن ذلك من عادته؛ لأن هذا كان يتشاءم بالعطاس، ولا أدري ما وجه التشاؤم بالعطاس؟ فهذا أمر منكر، وخلاف الشرع.

كان اليهود يتعاطسون عند رسول الله ﷺ
وعن أبي موسى قال: "كان اليهود يتعاطسون عند رسول الله ﷺ يرجون أن يقول لهم: يرحمكم الله، فيقول: يهديكم الله، ويصلح بالكم رواه أبو داود[8] والترمذي[9] وقال: حديث حسن صحيح.

اليهود يعلمون أن النبي ﷺ حق، وقال الله -تبارك وتعالى- عن أهل الكتاب: يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [البقرة: 146] وقال عبد الله بن سلام : والله إنا لنعرفه أعظم مما نعرف أبناءنا؛ لأن امرأته قد تأتي بولد ليس منه[10] فهم يعرفون النبي ﷺ معرفة تامة، ولكن الحسد والكبر هو الذي حملهم على التكذيب والكفر.

فكانوا يتعاطسون عنده رجاء أن تصيبهم دعوته ﷺ ؛ لأنهم يعلمون أنه مستجاب الدعوة، فيريدون أن يقول: يرحمكم الله.

"يتعاطسون" بمعنى: يتكلفون ويتصنعون العطاس، بمعنى: كأنه عطس، وليس كذلك.

إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ : إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه، فإن الشيطان يدخل[11] رواه مسلم.

قوله: يمسك بيده على فيه هذا أبلغ من مجرد ما قد يفعله الإنسان هكذا، بأطراف أصابعه، يعني يغلق فمه، فليكظم ما استطاع[12] كما جاء في الحديث الآخر.

قال: "فإن الشيطان يدخل رواه مسلم" يدخل في جوفه، وفي الحديث الآخر الذي سبق: يضحك منه[13] فله عملٌ مع المتثائب، كما سبق أيضًا في الأحاديث والأبواب الأخرى: إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه، حتى يحضره عند طعامه[14] فيحضره عند الطعام، وعند دخول بيته، ودلت بعض الأحاديث أنه ليس بواحد؛ لأنه يقول: أدركتم المبيت والعشاء[15] فهم مجموعة من الشياطين يدخلون معه في البيت؛ ولهذا لا تستبعد أن يدخل الرجل ولأتفه الأسباب يشتجر مع زوجته، فيطلقها، فالشياطين قد حضروا، ولا تستبعد أنه يجلس على الإنترنت، ويفتح صفحات إباحية، وينام عن الصلاة، ويتصرف أو أن أهله يتصرفون تصرفات منحرفة، فالبنت قد تنحرف، والزوجة قد تنحرف، الشياطين دخلت في البيت، وإذا دخلت الشياطين في البيت هل هي مجرد داخلة ضعيفة، تريد فقط أن تأكل معهم؟ لا، وإنما تريد أن تفسد بكل طريق مستطاع، تصور مجموعة من المجرمين دخلوا في البيت، خمسة، ستة، سبعة، من المجرمين المحترفين، ما ظنكم في البيت؟ وماذا يحصل فيه؟ فهؤلاء شياطين، وتعرفون ما هو الشيطان؟ ليس مجرد جني، فالجن غالبًا يأتون في البيوت، وقد يسكنونها قبلنا، وأحيانًا قد يكونون من المسلمين، ولا يؤذون أحد، ولكن الشيطان يقال له شيطان من شطن، أي بعُد، أو من شاط يشيط لشدة عتوه وتمرده، سواء كان من الإنس، أو من الجن، فالإنسان العاتي يقال له: شيطان شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ [الأنعام: 112] كما جاء في القرآن، فكل متمردٍ عاتٍ فهو شيطان، فتصور هؤلاء العتاة حينما يدخلون البيوت ماذا يفعلون؟

فهذا يدخل في جوفه، وهو يتثاءب، وهذا يضحك منه، وهذا يحضره عند الجماع، ويشارك، وهذا يتفرج، وأمور كثيرة جدًا؛ ولذلك بعض الناس الذين ربما يجلس مدة طويلة في الحمام، قد لا يخرج منه كما دخل، ولعلكم سمعتم في بعض الدورات التي أقيمت هنا، من بعض من له خبرة بهذه الأمور، يقول: جاءه شاب في المرحلة الثانوية، وهو متفوق جدًا في دراسته، ودخل الحمام، وأطال المكث، ثم خرج وهو في حال لا يعقل فيها، فلما رقاه، وقرأ عليه، تكلم الذي فيه، وذكر أنه الولد هذا يزاول أمور محرمة في الحمام، فتسلط عليه، وتلبس به.

فأقول: مثل هذه الأماكن ينبغي للإنسان أن يتحرز، وأن يذكر الله وأن يحتاط لنفسه، وبالأمس القريب حدث أمر غريب جدًا، ولد فقد سمعه وبصره وعقله وإدراكه، وصار صورة فقط، وهو من أجمل الناس صورة، بأمور من هذا القبيل، والله المستعان.

فنسأل الله أن يكفينا وإياكم شياطين الإنس والجن، وأن يلهمنا رشدنا.

اللهم ارحم موتانا، واشف مرضانا، وعاف مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

  1.  أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب تشميت العاطس، وكراهة التثاؤب برقم (2992).
  2. إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/543).
  3.  أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب تشميت العاطس، وكراهة التثاؤب برقم (2992).
  4.  معالم السنن (4/141).
  5.  أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب في العطاس برقم (5029) وقال الألباني: "حسن صحيح".
  6. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب الأدب، باب ما جاء في خفض الصوت وتخمير الوجه عند العطاس برقم (2745) وقال الألباني: "حسن صحيح".
  7.  ينظر: الآداب الشرعية لابن مفلح (3/212) وترتيب المدارك (1/129) والمعيار المعرب للونشريسي (2/508).
  8. أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب كيف يشمت الذمي برقم (5038) وصححه الألباني.
  9.  أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب الأدب، باب ما جاء كيف يشمت العاطس برقم (2739) وصححه الألباني.
  10.  تفسير السمرقندي = بحر العلوم (1/439) وتفسير السمعاني (1/153).
  11.  أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب تشميت العاطس، وكراهة التثاؤب برقم (2995).
  12.  أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب تشميت العاطس، وكراهة التثاؤب برقم (2994).
  13.  أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب إذا تثاءب فليضع يده على فيه برقم (6226).
  14.  أخرجه مسلم في كتاب الأشربة، باب استحباب لعق الأصابع والقصعة، وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح ما يصيبها من أذى، وكراهة مسح اليد قبل لعقها برقم (2033).
  15.  أخرجه مسلم في كتاب الأشربة باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما برقم (2018).

مواد ذات صلة