الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
حديث "كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر.." ، «سبحانك ربنا وبحمدك..»
تاريخ النشر: ١٩ / رمضان / ١٤٢٦
التحميل: 728
مرات الإستماع: 1887

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب الحث على الازدياد من الخير في أواخر العمر ذكر المصنف -رحمه الله- حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر"، يعني يدخلني عمر كان له مجلس يحضره كبار الصحابة من أهل الفضل والصلاح والدين والرأي والعلم، فهؤلاء هم خاصته وجلساؤه، وأهل الرأي عنده، وأهل المشورة كان يرجع إليهم، ويستشيرهم، ويجالسهم -رضي الله عنه وأرضاه-، فكان يدخل عبد الله بن عباس وهو من صغار الصحابة في ذلك المجلس.

يقول: "فكأن بعضهم وجد في نفسه"، يعني كأن ذلك الأمر لم يستحسنه.

فقال: لِم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله، فقال عمر: "إنه من حيث علمتم"، أي أنه يعني من حيث علمتم ابن عم رسول الله ﷺ، وهو أيضًا من قد علمتم في الفهم والذكاء والبصر النافذ على حداثة سنه، فليست العبرة بتقدم السن، أو حداثته إنما العبرة: المرء بأصغريه القلب واللسان.

يقول: "فدعاني ذات يوم فأدخلني معهم، فما رأيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم، قال: ما تقولون في قول الله: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1]، فقال بعضهم: أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم، فلم يقل شيئًا، فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟! فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله ﷺ أعلمه له"، وهذا هو الشاهد من إيراد هذا الحديث في هذا الموضع، قال: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وذلك علامة أجلك، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3] فقال عمر : "ما أعلم منها إلا ما تقول"[1]، رواه البخاري.

يعني أن الله أعلم نبيه ﷺ بعلامة تدل على قرب الأجل، وأن مهمته قد تمت وذلك إذ حصل الفتح ودخل الناس في الإسلام أفواجًا بعد أن كانوا يدخلونه فرادى، وأمره هنا بكثرة التسبيح والاستغفار ذلك يتأكد في آخر العمر، والكلام على هذه القضية مضى.

وذكر حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما صلى رسول الله ﷺ صلاة بعد أن نزلت عليه إذا إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ إلا يقول فيها: سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي[2]، متفق عليه.

هذا امتثال لسبح بحمد ربك، وبناء عليه يقول الإنسان في الركوع والسجود سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، ويكون ذلك في آخر العمر، أو في حال وجود المرض الذي يتخوف منه قرب الأجل يكون ذلك آكد، وفي رواية في الصحيحين عنها: "كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن"[3].

ومعنى يتأول القرآن أي يعمل، ينفذ، يمتثل ما أمره الله به في قوله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ، وفي رواية لمسلم: "كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول قبل أن يموت: سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك[4]، وهذا كله أيضًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ.

قالت عائشة: "قلت: يا رسول الله ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها"، تقولها يعني ما كنت تقول ذلك قبله، قال: جعلت لي علامة في أمتي إذا رأيتها قلتها إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ[5]، إلى آخر السورة.

وفي رواية له: كان رسول الله ﷺ يكثر من قول: سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه، قالت: قلت: يا رسول الله أراك تكثر من قول: سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه، فقال: أخبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده، وأستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، فتح مكة، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ۝ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:2-3][6].

والمقصود من هذا كله: أن الإنسان في آخر العمر يزداد من الطاعة والقربة إلى الله ؛ لأنه قد آذن وقت رحيله، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:3]، برقم (4970).
  2. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، سورة إذا جاء نصر الله، برقم (4967)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (484)، واللفظ للبخاري.
  3. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:8]، برقم (4968)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (484).
  4. أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (484).
  5. أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (484).
  6. أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (484).

مواد ذات صلة