الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
حديث «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا..» ، «كافل اليتيم له أو لغيره..»
تاريخ النشر: ٢٠ / شوّال / ١٤٢٧
التحميل: 996
مرات الإستماع: 32590

أنا وكافل اليتيم في الجنة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب "ملاطفة اليتيم والبنات" أورد المصنف -رحمه الله-:

حديث سهل بن سعد قال: قال رسول الله ﷺ: أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما[1].

أنا وكافل اليتيم، اليتيم: هو الذي مات أبوه وهو صغير دون سن البلوغ، وهذا بالنسبة للآدميين، وبالنسبة للحيوانات يقولون: من ماتت أمه، وذكر بعضهم أن اليتيم في الطيور من مات أحد أبويه، هكذا قال بعض أهل العلم.

اليتيم: هو الذي مات أبوه وهو صغير دون سن البلوغ، وهذا بالنسبة للآدميين، وبالنسبة للحيوانات يقولون: من ماتت أمه، وذكر بعضهم أن اليتيم في الطيور من مات أحد أبويه، هكذا قال بعض أهل العلم.

والذي يهمنا هنا هو اليتيم في بني آدم، من ماتت أمه فليس بيتيم، من مات أبوه فهو اليتيم، وذلك أن الأب هو العائل، ولما له من المنزلة عند هذا الولد، فالولد يشعر أن هذا الأب هو سنده بعد الله ، به يحتمي وبه يتقوى وبه ينطلق في الحياة، وما أشبه ذلك، فإذا فقده صار منكسر القلب، وصار ضعيفاً يطمع فيه من لا خلاق له، ممن لا يخاف الله -تبارك وتعالى، فيأخذ ما بيده، ولهذا شدد الله في أموال اليتامى، إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10]، وقال: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ [البقرة:220]، يعني في المأكل والمشرب، فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ يعلم من يخالطهم ليذهب بمالهم وليفسده، ومن يفعل ذلك على وجه الإحسان إليهم، والإرفاق بهم.

فالمقصود أن اليتامى هم صنف من ضعفاء المجتمع، بحاجة إلى رعاية، والشريعة تحفظ للناس حقوقهم وأموالهم، ولا يضيع الضعيف في المجتمع الإسلامي، بل يبقى حقه محفوظاً، ولهذا جاء الترغيب بحفظ هؤلاء الأيتام، والقيام على شئونهم، أنا وكافل اليتيم، والكافل هو الذي يقوم على رعايته، سواء كان ذلك بالمال أو كان بتربيته والقيام على شئونه ولو كان هذا اليتيم له مال، بمعنى أنه لو كان وصيًّا على اليتيم، أو له ولاية شرعية على هذا اليتيم، فقام عليه خير قيام ورباه، وأحسن تربيته، ولو من ماله -من مال اليتيم- فإن يكون كافلاً له.

أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وأشار ﷺ بالسبابة والوسطى، قيل لها السبابة؛ لأنه يُسب بها الشيطان، وقد يقال غير ذلك، ويقال لها: المُسبِّحة؛ لأنها يشار إليها في التسبيح، وهذا أحسن، فأشار بالسبابة والوسطى، فهي تليها مباشرة، وفرج بينهما، بمعنى أنه ليس بمنزلة النبي ﷺ في الجنة، ولكنه في غاية القرب كقرب هذه من هذه، وهذا عمل يعد من الأعمال اليسيرة، النبي ﷺ لم يقل: إن القريب مني في الدار الآخرة هو الذي يقوم جميع الليل، ويصوم الدهر مثلاً، أو نحو هذا، وإنما: أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، قد يكون الإنسان قليل النوافل، قليل الصيام، قد يكون قليل الصدقة، ويبلغ إلى هذه المرتبة العالية بكفالة اليتيم، ويصدق ذلك على يتيم واحد، وكذلك لما ذكر النبي ﷺ أن من أقربنا منزلة عنده يوم القيامة قال: أحاسنكم أخلاقاً[2]، الإنسان يبلغ بحسن الخلق مرتبة الصائم الذي لا يفطر، والقائم الذي لا يفتر، فهي أعمال لا تكلف الإنسان شيئاً، تبلغ به إلى المراتب العالية، ويتساهل فيها كثير من الناس، أكثر الناس اليوم يستطيعون أن يكفلوا يتيماً، ولا يشترط أن يكون في كنفه وفي بيته، لو أن هناك مؤسسة ترعى اليتيم، فأعطاهم النفقات التي يحتاجون إليها، فهذه تعتبر كفالة يتيم.

كافل اليتيم له أو لغيره
وذكر بعده: حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: كافل اليتيم له أو لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة، وأشار الراوي وهو مالك بن أنس بالسبابة والوسطى[1].

هذا يفسر الحديث السابق، له أو لغيره، له: مثل رجل مات عن أطفاله، فقامت أمهم برعايتهم وتربيتهم، فهي كافلة لهؤلاء الأيتام، له، وقد يكون العم، وقد يكون الأخ الأكبر يكفل إخوانه، فهذا كافل له، يعني هؤلاء أيتام له، من قرابته، له أو لغيره يعني لأجنبي منهم ليس من قرابته، أنا وهو كهاتين في الجنة، وأشار الراوي وهو مالك بن أنس بالسبابة والوسطى، رواه مسلم.

فيحرص المسلم إذا سمع مثل هذا على أن لا يفوته مثل هذه الأعمال التي تبلغ به المنازل العالية عند الله -تبارك وتعالى، وهذا من فضل الله، ومن لطفه بنا أن الإنسان يصل إلى درجات عُلى بأعمال يسيرة لا تكلفه كثيراً.

نسأل الله أن يوفقنا وإياكم إلى الخير، وأن يعيننا على طاعته، ويغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا المسلمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

 
  1. أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم، برقم (2983).

مواد ذات صلة