الخميس 09 / شوّال / 1445 - 18 / أبريل 2024
حديث «إذا صليتم على الميت..» إلى "كان رسول الله ﷺ يصنع هكذا"
تاريخ النشر: ٠٤ / شعبان / ١٤٣١
التحميل: 882
مرات الإستماع: 1618

إذا صليتم على الميت

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فكان الحديث في الليلة الماضية عن بعض ما أورده المصنف -رحمه الله- في: باب ما يُقرأ في صلاة الجنازة، ومما ذكر:

حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء[1].

وهذا الحديث حسنه الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله.

ومعنى: أخلصوا له الدعاء، قيل: أي خصوه بالدعاء، أخلصوا خالص: يعني غير مشوب، يعني: ادعوا لهذا الميت، ولا تشتغلوا بالدعاء لغيره كأن تقول مثلًا: اللهم أصلح أحوال المسلمين، وارحم موتاهم، واشفِ مرضاهم، وعافِ مبتلاهم، واجعل آخرتهم خيرًا من دنياهم، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

أخلصوا له الدعاء، هذه صلاة على الجنازة، ومن أجل هذا الميت، فينبغي أن يخص بالدعاء.

وبعض أهل العلم قال: أخلصوا له الدعاء أي: بحضور القلب، والإخلاص؛ لأن المقصود هو: الشفاعة لهذا الميت، فإذا دعا له يدعو بإخلاص، وحضور قلب، لعل ذلك يكون سببًا للقبول.

اللهم أنت ربها وأنت خلقتها
وعن أبي هريرة عن النبي ﷺ في الصلاة على الجنازة: اللهم أنت ربها، وأنت خلقتها، وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضت روحها، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها، جئناك شفعاء له، فاغفر له[1] رواه أبو داود.

وهذا الحديث في إسناده بعض من تُكلم فيه من ناحية الجهالة، يعني: في إسناده ضعف.

ويحمل ما جاء فيه: أنت ربها أي: الجنازة؛ ولهذا في الحديث السابق الذي من حديث أبي عبد الرحمن عوف بن مالك ، الذي ذكرناه أولًا في هذا الباب، بدعاء النبي ﷺ قال: اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعفُ عنه، وأكرم نزله[2]، فإذا كانت امرأة يقال: اللهم اغفر لها، وارحمها، وعافها، واعفُ عنها، وإذا كان لا يعلم هل الجنازة ذكر أو أنثى؟ فماذا يفعل؟ يمكن أن يقول: اللهم اغفر لها، أي: الجنازة، وارحمها، وعافها، واعفُ عنها، يقصد بذلك الجنازة، والجنازة مؤنث في اللفظ، فيصح التأنيث معه.

اللهم إن فلان ابن فلان في ذمتك
ثم ذكر: حديث واثلة بن الأسقع قال: صلى بنا رسول الله ﷺ على رجل من المسلمين، فسمعته يقول: اللهم إن فلان ابن فلان في ذمتك وحبل جوارك، فقه فتنة القبر، وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحمد؛ اللهم فاغفر له وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم[1]، في ذمتك يعني: في عهدك.

قال: وحبل جوارك، حبل جوارك يعني: في ذمامك، تقول: أنا في جوار فلان، يعني: في ذمامه، بمعنى: أنه لا يصل إليه أحد بمكروه، تقول: فلان جار لفلان.

قال: في ذمتك، وحبل جوارك، فقه فتنة القبر، والمقصود بفتنة القبر يعني: سؤال الملكين.

وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحمد، اللهم فاغفر له، وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم رواه أبو داود.

وهذا أيضًا ثابت عن النبي ﷺ، فالإنسان ينوع في الأدعية، مرة يقول هذا، ومرة يقول هذا.

كان رسول الله ﷺ يصنع هكذا

وذكر حديث عبد الله بن أبي أوفى -رضى الله عنهما- أنه كبر على جنازة ابنة له أربع تكبيرات، فقام بعد الرابعة كقدر ما بين التكبيرتين، يستغفر لها، ويدعو، ثم قال: "كان رسول الله ﷺ يصنع هكذا"[1]، وفي رواية: كبر أربعًا، فمكث ساعة حتى ظننت أنه سيكبر خمسًا، ثم سلم على يمينه، وعن شماله، فلما انصرف قلنا له: ما هذا؟ فقال: "إني لا أزيدكم على ما رأيت رسول الله ﷺ يصنع، أو هكذا صنع رسول الله ﷺ"[2]رواه الحاكم، وقال: حديث صحيح.

هذا الحديث على كل حال حسنه بعض أهل العلم، وفي إسناده بعض من تُكلم فيه.

وجاء من حديث عبد الله بن أبي أوفى عند البيهقي: شهدتُه، وكبر على جنازة أربعًا، ثم قام ساعة، يعني: يدعو، ثم قال: أتروني أكبر خمسًا؟، قالوا: لا، قال: "إن رسول الله ﷺ كان يكبر أربعًا"[3].

على كل حال، هذا الذي أخذ منه الإمام النووي -رحمه الله- كما أشرت في الليلة الماضية: أنه بعد التكبيرة الرابعة يمكث مدة بقدر ما يكبر في التكبيرات الأُول التي قبلها، يعني: أنه يدعو أيضًا بعد الرابعة، هكذا استنبط منه بعض أهل العلم، ومنهم النووي -رحمه الله، يعني: إذا كبر الرابعة يبقى مدة، مثل المدة التي بقيها بعد الثالثة، ثم يسلم.

هذا بعض ما ورد من الأدعية التي تقال في صلاة الجنازة، وهناك أدعية أخرى غير هذه، يمكن أن تراجع في مظانها، وهي صحيحة ثابتة عن النبي ﷺ، وكما قلت: المشروع أن ينوع، يحفظ الإنسان قدرًا منها، وفي كل مرة يقول شيئًا.

فإذا أطال الإمام الصلاة، ماذا يُفعل؟، أطال في الدعاء، وقلتَ الدعاء، أو الذكر الوارد في صلاة الجنازة؟، فلك أن تأتي بالدعاء الآخر؛ لأن المقصود في هذا المقام هو الدعاء له، فيُدعى له بما ورد.

وهناك مسائل كثيرة تتعلق بصلاة الجنازة، تكلمت عليها بشيء من التفصيل في مناسبات سابقة، وأيضًا في دروس الفقه في شرح المقنع، وفي شرح عمدة الأحكام أيضًا، لكن من الأشياء التي يحتاج الناس إلى معرفتها كثيرًا: إذا جاء والناس يصلون، ففاتته التكبيرة الأولى والثانية مثلًا ماذا يصنع؟.

من أهل العلم من يقول: يعتبر الأولى ذهبت عليه ويقضيها، يعني: الإمام الآن كبر الأولى والثانية، وهو الآن بعد التكبيرة الثانية، يعني: يقول بعد التكبيرة الثانية: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد... إلى آخره، فمن أهل العلم من يقول: تكون مع الإمام، فتقول: اللهم صل على محمد إلى آخره، ثم إذا كبر الثالثة تدعو، ثم بعد ذلك إذا كبر الرابعة وسلم، تكبر أنت بالنسبة لك التكبيرة الأولى لقراءة الفاتحة، والثانية للصلاة على النبي ﷺ.

ومن أهل العلم من يقول: يعتبر ما أدركه هو التكبيرة الأولى بالنسبة له، لكن لما كانت صلاة الجنازة مبنية على التخفيف، ولهذا لا ركوع فيها ولا سجود، وكان بعض السلف يتيمم لها إذا خشي الفوات، فهي مبنية على التخفيف من أجل الإسراع بالميت، فالناس بمجرد ما يصلون عليه يبادرون لرفعه، وحمله، فإذا كانت الجنازة موجودة فإنه إذا كبر يقرأ، تقرأ الفاتحة مثلًا، يعني: ما فات عليك: الفاتحة، ثم تكبر، ثم تصلي على النبي ﷺ، لكن إذا رفعت الجنازة، فمن أهل العلم من يقول: يكتفي بالتكبيرات، فيكون ذلك على التمام، يعني: يأتي بأربع تكبيرات مع التسليم؛ لأن المقصود التخفيف، والإسراع في صلاة الجنازة، والله تعالى أعلم، هذه من المسائل التي يسأل الناس عنها عادة في هذا الباب، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.

  1. أخرجه أحمد، رقم: (19140)، وقال محققو المسند: إسناده ضعيف لضعف إبراهيم الهجري، وهو: ابن مسلم، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين.
  2. أخرجه ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في التكبير على الجنازة أربعا، رقم: (1503)، والحاكم، كتاب الجنائز، رقم: (1330)، وقال: هذا حديث صحيح، ولم يخرجاه، وإبراهيم بن مسلم الهجري لم ينقم عليه بحجة.
  3. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، جماع أبواب التكبير على الجنائز ومن أولى بإدخاله القبر، باب ما روي في الاستغفار للميت والدعاء له ما بين التكبيرة الرابعة والسلام، رقم: (6981).

مواد ذات صلة