الثلاثاء 22 / جمادى الآخرة / 1446 - 24 / ديسمبر 2024
(14) حديث ابن عمر رضي الله عنهما لا يزال المؤمن وحديث خولة بنت عامر رضي الله عنها إن رجالا يتخوضون
تاريخ النشر: ٠٢ / جمادى الآخرة / ١٤٢٧
التحميل: 417
مرات الإستماع: 1345

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهذان الحديثان الأخيران في باب تحريم الظلم، أما الأول فهو حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: لن يزال المؤمن في فسحة من دينه... يعني في سعة، وفي رجاء رحمة الله وعفوه ومغفرته مالم يصب دما حراما[1] رواه البخاري. يعني: أنه يضيق الأمر عليه، حتى إنه جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أن ذلك لا توبة له.

والله يقول: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93].  

والله يقول: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ۝ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ۝ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا.

فالمقصود أن هذا العمل عده النبي ﷺ من السبع الموبقات، قتل النفس التي حرم الله قتلها بغير حق، كما ذكر في الوصايا من سورة الإسراء: وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ فهو من أعظم الذنوب.

وقد جاء عن بعض السلف ما يدل على أنه لا توبة له.

وعلى كل حال الأقرب -والله أعلم- هو أن له توبة، وأن التوبة تصح من الشرك، وهو أعظم منه، فكيف بالقتل، ولكن على كل حال لا شك أن هذه النصوص أنها تدل على زجر شديد، ووعيد أكيد لمن قارف هذه الأعمال، والإنسان أيها الأحبة لربما يقع به، ولا يخطر ذلك في باله، تارة في لحظة غضب، قد يكون هذا الإنسان أبعد الناس عن هذه الأمور، وفي لحظة غضب يستفزه إنسان بكلمة، أو نحو ذلك، فلربما أدى الأمر إلى قتله، ولربما وقع ذلك لبعض الناس من حيث لا يحتسب، أراد أن يخلص صاحبه، أو أن يعينه بعد أن استغاث به، أو نحو ذلك، فوقع منه القتل، ولربما وقع ذلك أيضًا لإنسان بعد أن استدرجه الشيطان، كالمرأة التي يستدرجها الشيطان حتى تقع في الزنا، ثم بعد ذلك تحمل من هذا الزنا، ثم بعد ذلك تقتل هذا الجنين؛ من أجل أن تتخلص منه، يولد، ثم بعد ذلك تخنقه حتى يموت، وهذا يوجد، ويتكرر، ولربما وقع فيه الإنسان جهلاً، فقد سمعت من إحدى العجائز تقول: بأنها قتلت قبل نحو ستين سنة، قتلت صبيها، وهي ترعى الغنم، قتلت صغيرها الرضيع، تقول: أريد أن يكون شفيعا، سألت بنفسها، تريد أن يكون شفيعا، ثم بعد ذلك عرفت أنه لا يكون شفيعا إن هي قتلته، وأن هذا لا يجوز، فبدأت تبحث، وتسأل، وهل ما سمعته صحيح، أو لا؟

هكذا الجهل، ولربما يقع في هذا الإنسان بتأويلات فاسدة يستحل بها الدم، ويستحل بها المال، ولربما استحل بها العرض أيضا، فباب التأويل باب واسع ينبغي للإنسان أن يغلقه على نفسه، ولا يدخل في مثل هذه المداخل التي يغريه بها الشيطان، هذا إنسان يقتل، ويسطو على سيارات الناس بالقوة، وبالسلاح، ما الذي يحلل له هذا؟

ويروع هذا، ولربما سطا على ماله، أو نحو ذلك، ولربما دبر تدبيرا لربما يلقى غائلته غيره بسبب ما وقع بيده مما يدل على انتحال لشخصية غيره، أو نحو هذا، ويذهب بهذه المظالم جميعا أناس لا ناقة لهم، ولا جمل.

ما الذي يبيح هذه الأشياء مجتمعة، أو منفردة؟

فأقول باب التأويل باب واسع يدخل فيه الإنسان في متاهات لربما لم تكن تخطر في باله في يوم من الأيام أنه يدخل فيها، فنسأل الله أن يعيذنا، وإياكم من شرور الأنفس، ومن سيئات الأعمال.  

وفي الحديث الآخر حديث خولة، ويقال: خويلة بنت عامر، وبعضهم يقول: خولة بنت ثامر، وبعضهم يقول: غير هذا يقول، وهي امرأة حمزة بن عبد المطلب وهي أنصارية، وقيل غير ذلك، وتكنى بأم محمد، يقول: قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن رجالاً يتخوضون في مال الله... يعني: يتصرفون بغير حق، فلهم النار يوم القيامة[2] رواه البخاري.

يتخوضون في مال الله، يعني: يعبثون بالمال العام، ويتصرفون فيه بحسب أهوائهم، وما تمليه شهواتهم، ويستأثرون بذلك لأنفسهم، فيعبثون، ويتوسعون بتأويلات فاسدة، أو بغير تأويلات، فهذا الحديث في صحيح البخاري، فلهم النار يوم القيامة.

فأقول هذا الحديث، والذي قبله دل على شدة شأن الدم، وهذا الحديث دل على شدة شأن المال العام، أموال المسلمين، بيت المال، الأموال العامة، لا يجوز لأحد أن يتصرف فيها بحسب هواه، أو يستحوذ بشيء من ذلك لنفسه، وحظه، فهذا لا يجوز، فالنبي ﷺ توعد ذلك بالنار يوم القيامة، فلهم النار يوم القيامة.  

وكثير من الناس قد تزين له نفسه بحجة أن غيره قد يقع منه ذلك، فيجعل ذلك مبررًا للأخذ أيضا، وكثير من الناس لو تيسر لهم هذا، وحصل لهم هذا؛ لما ادخروا وسعا في العبث بالأموال العامة.

ترى الإنسان يحتال بألوان الحيل؛ من أجل أن يحصل على أرض بأسماء، وبطرق، أو ليحصل على قرض بحيل شتى، وهكذا كل ما لاح له طمع جرى خلفه بحجة أن هذه الأموال العامة لا تختص بأحد، وهذا الكلام غير صحيح، ولا يجوز لأحد بحال من الأحوال أن يمد يده على شيء من غير حق، ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها، وأجلها، ولكن الطمع هو الذي يقطع الأعناق، قطع أعناق الناس الطمع.

ولهذا قال الله : وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ لأن الإنسان إذا غلب عليه الشح، واستولى عليه؛ فعل ما لا يليق، مما يودي به إلى الهلكة في الآخرة، ولا يحصل له الفلاح، أو يودي به إلى سقوط مروءته، وذهاب شيمته، وكرامته، وانحطاط مرتبته في نظر الناس، كل هذا بسبب الطمع، فأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الديات، برقم (6862).
  2. أخرجه البخاري، كتاب فرض الخمس، باب قول الله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال:41] برقم (3118).

مواد ذات صلة