الثلاثاء 22 / جمادى الآخرة / 1446 - 24 / ديسمبر 2024
(1) حديث أبي سعيد رافع لن المعلى رضي الله عنه ألا أعلمك أعظم سورة
تاريخ النشر: ١٣ / ذو الحجة / ١٤٣١
التحميل: 62
مرات الإستماع: 269

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب الحث على سور وآيات مخصوصة، عن أبي سعيد رافع بن المعلى قال: قال لي رسول الله ﷺ: ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟ فأخذ بيدي، فلما أردنا أن نخرج قلت: يا رسول الله إنك قلت: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قال: الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته[1]. رواه البخاري

أبو سعيد رافع بن المعلى، وقيل اسمه الخازن، وقيل الحارث، وقيل غير ذلك يقول: قال لي رسول الله ﷺ: ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن وهذا الحديث له مناسبة، وهو أن النبي ﷺ دعاه، وكان يصلي، فلم يجب النبي ﷺ فلما فرغ من صلاته أجاب رسول الله ﷺ فسأله -عليه الصلاة والسلام- عما منعه من إجابته، وذكر له: ألم يقل الله -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وكان قد قال للنبي ﷺ عذره يعني أنه كان يصلي، ومع ذلك احتج عليه النبي ﷺ بهذا، فدل على أن من دعاه النبي ﷺ فإنه مأمور بالإجابة، ولو كان في الصلاة، ويؤخذ منه أيضًا معنى آخر، وهو أن الآية تحمل على أعم معانيها إن لم يوجد ما يمنع، وإن كان السياق في غير ذلك، يعني أن قوله -تبارك وتعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ السياق هو دعاء النبي ﷺ لهم إلى الإيمان، والهداية، وإلى طاعة الله، وطاعة رسوله ﷺ وليس السياق في مجرد النداء، يا فلان، يا زيد، يا عمرو، وإنما إذا دعاكم إلى الإيمان إلى ما يحصل به زكاء النفوس من طاعة الله، وطاعة رسوله ﷺ لكن النبي ﷺ احتج بهذه الآية في هذا المقام، وهو أن مجرد الدعاء يعني النداء أيضًا يدخل في عمومها.

وهذا له نظائر من السنة كقوله ﷺ لما ذكر الحشر يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلًا، ثم قرأ قوله تعالى: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ مع أن السياق في الاحتجاج على البعث بالنشأة الأولى كما بدأنا أول خلقًا نعيده قدرة الله على البعث، ومع ذلك ذكرها النبي ﷺ وهو أعلم الأمة بالقرآن في مقام آخر، وهو أن الناس يحشرون على حالهم التي خرجوا فيها من بطون أمهاتهم من غير ثياب، ولا ختان، ولا نعل حفاة عراة غرلًا يعني غير مختونين.

فهنا قال له النبي ﷺ ذلك، ثم قال: له -عليه الصلاة والسلام- ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن؟ وذكر له ذلك بطريق العرض؛ ليكون ذلك أدعى إلى الإصغاء، واسترعاء الانتباه، وفيه ما فيه من التشويق.

قال: قبل أن تخرج من المسجد فأخذ بيدي، وهذا من لطفه ﷺ مع أصحابه أنه كان يأخذ بيد الواحد منهم، وكان من أدبه ﷺ أن الرجل إذا أخذ بيده لم يكن النبي ﷺ هو الذي يدعها يعني لا يبدأ -عليه الصلاة والسلام- بنزع يده من يد صاحبه حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده.

يقول: فلما أردنا أن نخرج يعني كأن النبي ﷺ نسي قلت: يا رسول الله إنك قلت: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قال: الحمد لله رب العالمين يعني: سورة الفاتحة، هي السبع المثاني؛ لأنها سبع آيات، على اختلاف في التفصيل هل البسملة هي الآية الأولى، أو الحمد لله رب العالمين هي الآية الأولى، لكن بالإجمال هي سبع آيات، وهذا الحديث نص في ذلك.

قال: هي السبع المثاني، وقيل لها: مثاني؛ لأنها تثنى في الصلاة في كل ركعة تقرأ وجوبًا، وهذا أحسن ما قيل فيه، وذكر فيه بعض أهل العلم أقوالًا كثيرة في سبب ذلك قيل: لأنه لما فيها من الثناء على الله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وقيل غير ذلك أقوال كثيرة جدًا لكن لعل هذا هو الأقرب -والله أعلم-.

قال: هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته القرآن العظيم يعني أنها يقال لها القرآن أيضًا؛ لأنها متضمنة، وحاوية لهدايات القرآن موضوعات القرآن التي جاء لتقريرها مضمنة في هذه السورة، وقد أطال ابن القيم -رحمه الله- في بيان ذلك في كتابه "مدارج السالكين في منازل إياك نعبد، وإياك نستعين" تكلم بكلام مفصل طويل جدًا، وذكر وجوه تضمن هذه السورة لموضوعات القرآن، والقضايا التي جاء القرآن لتقريرها، فذكر التوحيد[2] وذكر ما يتصل بالرسل، وذكر ما يتعلق باليوم الآخر، وذكر ما يتعلق بالشريعة الصراط المستقيم، وما فيها من التفاصيل، والهدايات، وذكر أحوال الناس والطوائف، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم، ولا الضآلين، كل من انحرفوا عن الحق إما أن يكون ذلك لجهل، أو لهوى فهؤلاء إما من المغضوب عليهم، وإما من الضالين، وأما المنعم عليهم فهم أهل سلوك الصراط المستقيم، والكلام في هذا يطول جدًا.

والمقصود من إيراد هذا الحديث هو أن سورة الفاتحة هي أعظم سورة في القرآن، وعلى كثرة ما نرددها، ونقرأها لا يجد الإنسان إطلاقًا أنه في يوم من الأيام قد استثقلها كما لو أن الإنسان ردد كلامًا لأحد من الناس، ولو كان من أبلغ الناس، وأفصح الناس فإنه يمله، ويستثقله، ويتبرم به، وإن كان في بداياته قد يجد شيئًا من اللذة، والتذوق عند قراءته، أو إلقائه، أو نحو ذلك أما الفاتحة أبدًا لا تجد من يقول إنه يستثقلها لكثرة ما تردد، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب فضل فاتحة الكتاب، برقم (5006).
  2. انظر: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، لابن القيم (3/418).

مواد ذات صلة