الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
(1) حديث أبي هريرة وابن عباس رضى الله عنهم
تاريخ النشر: ١٥ / ذو القعدة / ١٤٣١
التحميل: 540
مرات الإستماع: 1230

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

قال المصنف:

"باب تحريم سفر المرأة وحدها.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها[1] متفق عليه".

تسافر مسيرة يوم وليلة هذا ليس السفر الطويل الذي يشرع فيه قصر الصلاة، والجمع بين الصلاتين، وإنما هذا الذي يسميه الفقهاء -رحمهم الله- بالسفر القصير، فذكر يوم وليلة؛ لأن ذلك هو الغالب في السفر القصير، وإلا فقد يكون أقل من هذا، ومسير اليوم والليل هو ما يقرب من أربعين كيلو متر.

إلا مع ذي محرم عليها والمحرم هو البالغ، من محارمها، ممن يغار عليها، ويحوطها، ويحفظها، فلو سافرت مع نساء فإن ذلك لا يحل، تقول: أنا معلمة، هذا ليس بالضرورة، أو أنا طالبة  في كلية، هذا ليس بضرورة، والناس ينبغي أن يغاروا على محارمهم وأعراضهم، ووجد بعض السائقين ممن لا خلاق له، من بعض هؤلاء الذين يوصلون الطالبات إلى بعض المدارس، وجد أنه في كل يوم يطلع الطالبات في جواله على صور خليعة فاحشة، في غاية الخلاعة، وهن بنات في الثانوية، فأبلغت إحدى الطالبات وليها، فبلغ الهيئة، فجاءوا فلما أقبلوا عليه ألقى الجوال تحت السيارة، فنظروا، فإذا معه جوال قديم، لا يحتفظ بالصور، ولا يحتفظ بشيء، فسألوه، فقال: ما عندي شيء، فقالت إحدى البنات: تحت السيارة، فأخرجوه، وإذا به البلايا والرزايا، مما لا يخطر على بال، نسأل الله العافية من الفواحش والعهر، فما ظنكم في بنات في الثانوي لما ترى هذه المشاهد، كيف تكون حالها؟! فلا بدّ من الغيرة على المحارم والأعراض، يقال لمثل من كانت في هذه السن: ذوات الخدور، وكان يأمر الحيض وذوات الخدور أن تخرج إلى المصلى، يعني: خروجهن خارج عن نطاق العادة، هذه لا تخرج، ولا تراها الشمس، ثم تترك تذهب وتسافر وتجيء حيث شاءت بلا محرم؟! بحجة أنه ثقة، هذا لا يكون كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته[2].

تؤمن بالله واليوم الآخر لأن التي تؤمن بالله واليوم الآخر هي التي تقف عند هذا وتستجيب، وتلتزم أمر الله، أما التي لا تؤمن بالله واليوم الآخر، فتقول: هذه حرية شخصية، ولا أحد يحتكر تصرفاتي، ولا أحد يمثل وصاية عليّ، ونحن لا نريد أن يمثل أحد وصاية علينا، ونحن عندنا من النضج والكمال والعقل بما لا نحتاج معه إلى الولي، الولي لماذا؟ هكذا عند بعض من لا خلاق له من النساء.

وذكر الحديث الأخير، فقال:

"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه سمع النبي ﷺ يقول: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقال له رجل: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا؟ قال: انطلق فحج مع امرأتك[3] متفق عليه".

 ذو محرم يعني: هذا المحرم العلماء تكلموا فيه، فلا بدّ أن يكون رجلا، فهذا هو المحرم في ظاهر الحديث، مع أن الذي يفتي به العلماء في هذه البلاد: هو أن الخلوة تنتفي بالمميز صبي أو صبية، وكلام كثير من الفقهاء المتقدمين من  أئمة الأمصار، وأئمة المذاهب بعضهم يرى أن الرجل الواحد لا يجوز له أن يخلو بمجموعة من النساء، ولو كان يصلي بهن، كقول الشافعي -رحمه الله-[4]، واحد مع مجموعة يصلي بهن، يرى أن هذا لا يجوز، حرام، هذا في الصلاة، فكيف في مكتب؟

وبعض الفقهاء من المتقدمين يرى أنه لا يجوز لرجلين أن يخلوا بامرأة، قال: لأنهم قد يتواطؤون عليها، ولا يجوز لرجل أن يخلو بامرأتين، وتكلموا على مسائل كثيرة.

حتى في التعليم قالوا: لا يخلو بها للتعليم، وكلامهم إذا قارنته بما نقوله للناس اليوم يعتبر ما نقوله في مقابل تلك الأقوال لأئمة المذاهب المتبوعة: شيء من التساهل، ومع ذلك لا يحتمل، فالذي يقول: لا بدّ من محرم، يقولون: هذا متشدد، فكيف لو قيل لهم بأقوال أئمة الأمصار الكبار، أئمة المذاهب، فكثير من أولئك الأئمة المتقدمين يقولون: لا تنتفي الخلوة بالمميز أبدًا.

"فقال له رجل: يا رسول الله إني امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: انطلق فحج مع امرأتك" هذه حاجة مع ثقات، صحابة وصحابيات، وهم أفضل جيل، وأفضل مجتمع، ومع ذلك قال له: انطلق فحج مع امرأتك وهذا الرجل يريد أن يغزو، وارتبط بغزوة، ويقول له: انطلق فحج مع امرأتك وهذا في سفر الحج، فكيف بسفر آخر غير الحج؟

ولم يسأله النبي ﷺ هل هذا حج فريضة، وإلا حج نافلة؟ ولهذا قال أهل العلم: بأن المرأة يسقط عنها فرض الحج إذا لم تجد المحرم، وإنما تحجج بمالها، يعني: تنيب عنها، ويسقط عنها؛ لأنها ما عندها محرم، ومن عرف أحوال الناس، وسمع ما عندهم من مشكلات، وما يقع في المجتمعات، فإنه يعرف عظمة هذه الشريعة، واحتراز الشارع للأعراض، والحكمة التي بنيت عليها مثل هذه التوجيهات الشرعية، والله المستعان.

والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري في أبواب تقصير الصلاة، باب في كم يقصر الصلاة برقم (1088) ومسلم في كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره برقم (1339).
  2. أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن برقم (893) ومسلم في كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم برقم (1829).
  3. أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم، والدخول على المغيبة برقم (5233) ومسلم في كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره برقم (1341).
  4. ينظر قول الشافعية في هذه المسألة في بحر المذهب للروياني (2/262).

مواد ذات صلة