الأحد 20 / جمادى الآخرة / 1446 - 22 / ديسمبر 2024
بعض ما جاء عن السلف في كتاب عيادة المريض (3-6)
تاريخ النشر: ٠٩ / شوّال / ١٤٣١
التحميل: 582
مرات الإستماع: 1621

الحمد لله والصلاة، والسلام على رسول الله أما بعد:

فهذا فصل فيما قيل عند الموت عن السلف هذا معاوية بن أبي سفيان خطب في أيام خلافته، فقال: إني من زرع قد استحصد يعني: حان، وآن حصاده، وقد طالت إمرتي عليكم حتى مللتكم، ومللتموني، ولا يأتيكم بعدي خير مني كما أن من كان قبلي خير مني، اللهم قد أحببت لقاءك فأحب لقائي[1].

ولما احتضر الحسن بن علي قال: أخرجوا فراشي إلى الصحن يعني إلى صحن الدار فأخرجوه، فقال: اللهم إني أحتسب نفسي عندك، فإنها أعز الأنفس عليّ[2] بمعنى: أن المصيبة التي يصابها الإنسان في نفسه حيث يفارق الحياة لا شك أنها أعظم المصائب، وحينما يصاب بأحد من أحبائه فتلك مصيبة، ولكن حينما يصاب بنفسه فإن نفسه هي أعز نفس إليه، والله -تبارك وتعالى- قد سمى ذلك مصيبة قال: فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ.

وأما ما جاء عن معاوية من قوله: اللهم إني قد أحببت لقاءك، فهذا هل يعارض ما جاء عن النبي ﷺ من النهي عن تمني الموت ذاك فيما إذا كان لضر نزل به كما قال: النبي ﷺ أما إذا كان خوف الفتنة في الدين، الإنسان يخشى على نفسه الفتنة في الدين والتضييع لأمر الله فإنه لا بأس في مثل هذه الحال، وقد تمنى ذلك عمر قبل معاوية لما ذكر من تفرق رعيته، وتقادم سنه أو عمره -رضي الله عنه وأرضاه-.

ولما احتضر عبد العزيز بن مروان، وهو والد عمر بن عبد العزيز أتاه البشير يبشره بماله الواصل في العام، فقال مالك، قال: هذه ثلاثمئة مدي من ذهب قال: ما لي وله، لوددت أنه كان بعرًا حائلا بنجد.

يقول الذهبي هذا قول كل ملك كثير الأموال فهل يبادر ببذله[3] يعني قبل الموافاة، ولا يختص ذلك بالملوك، فكل أحد من الناس عند مفارقة الحياة يستشعر هذا المعنى، وأن ما تعب فيه، وجمعه، واشتغل به الليل والنهار أن ذلك كان مفضولاً، وأنه لا يغني عنه من الله شيئا، ويتمنى عندئذ، يعني في تلك الحال أنه لو قد أدى حق الله فيه إن كان قد ضيعه، وفرط فيه.

ولهذا في قوله -تبارك وتعالى-: وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ قال: ابن عباس -رضي الله عنهما- ما من أحد يكون له مال لم يؤد حق الله فيه إلا تمنى الرجعة عند الموت، فقالوا: يا ابن عباس اتق الله إنه لا يتمنى الرجعة أحد له عند الله نصيب، فقال اقرأوا هذه الآية إن شئتم[4].

فالإنسان يبذل كما قال النبي ﷺ: وأنت صحيح شحيح[5] والمرء حينما ينظر في أحوال هؤلاء من العلماء، ومن أهل العبادة، والديانة، ومن الملوك، والأمراء، وينظر في أحوالهم عند الاحتضار فإن ذلك يدفعه، ويحمله إلى العود إلى نفسه، والنظر في حاله، وعمله قبل الموافاة، فهؤلاء قد جربوا، وسلكوا هذا الطريق، ثم بعد ذلك بعد هذا الجمع الكثير يكون حالهم، هكذا عند الموت، والدنيا لا تساوي عندهم شيئا، فينبغي ألا تشغل العبد عن ذكر الله، وطاعته، والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.

  1. انظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد (141/62).
  2. انظر: تاريخ دمشق، لابن عساكر (13/285).
  3. انظر: سير أعلام النبلاء (4/250).
  4. انظر: الكشف والبيان عن تفسير القرآن، للثعلبي (9/323).
  5. أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب فضل صدقة الشحيح الصحيح، برقم (1419)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح، برقم (1032).

مواد ذات صلة