الجمعة 20 / جمادى الأولى / 1446 - 22 / نوفمبر 2024
حديث «من شهد الجنازة حتى يصلى عليها..» ، «من اتبع جنازة مسلم..»
تاريخ النشر: ٢٨ / رجب / ١٤٣١
التحميل: 841
مرات الإستماع: 1632

من شهد الجنازة حتى يصلى عليها

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب الصلاة على الميت، وتشييعه، وحضور دفنه، وكراهة اتباع النساء الجنائز.

يقول: "وقد سبق فضل التشييع"، والمقصود بالتشييع هو: اتباع الجنازة من حين الخروج من بيتها -إن كانت في بيتها- إلى المسجد، حتى يصلى عليها، ثم من المسجد إلى المقبرة، حتى تدفن.

يقول: وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين[1]متفق عليه.

من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، يعني: يوضحه الحديث الذي بعده.

من اتبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا
حديث أبي هريرة من اتبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا، وكان معه حتى يصلى عليها، ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها، ثم رجع قبل أن تدفن، فإنه يرجع بقيراط[2]رواه البخاري.

 فهذا اللفظ يوضح اللفظ الذي قبله: من شهد الجنازة حتى يصلى عليها، هنا: من اتبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا، وكان معه حتى يصلى عليها، يعني: من حين تخرج من بيتها، أو من المكان الذي هي فيه إلى المسجد، ثم يصلي عليها، ثم بعد ذلك حتى تدفن.

ومن أهل العلم من احتج بمثل هذا، وبما جاء أيضًا مما هو أصرح منه: أنه يتبعها من بيتها، كما جاء في بعض روايات الحديث ما يدل على ذلك، وقالوا: إن هذا هو الذي يحصل به القيراط، أما مجرد الذهاب إلى المسجد، والصلاة فإن ذلك لا يتحقق معه هذا الوصف، والأقرب -والله تعالى أعلم: أن ذلك يتحقق بمجرد الصلاة عليه، وأن الناس صار الواحد منهم يؤتى به إلى المغسلة من المستشفى، أو غير ذلك، فإذا جاء الناس وصلوا عليه حصل لهم القيراط، لم يعد الناس كما كانوا في السابق، يموت الإنسان في بيته، والناس يجتمعون عند أهله، ثم يخرجون مع الجنازة، وتجهز وتغسل في البيت، ثم يخرجون معها إلى المسجد، ويحملونها، فاليوم الوضع اختلف عن هذا، وصارت تجهز في مغسلة المسجد غالبًا، فمن صلى عليه، أتى المسجد وصلى حصل له هذا، بل لو أنه لم يدرك، أو تأخر، ثم جاء إلى المقبرة، وصلى عليه فإنه يحصل له مثل هذا الأجر، وهكذا ما يتعلق باتباع الجنازة حتى تدفن، فإن حال الناس اليوم قد يصعب معه جدًّا أن يتبع الجنازة بما يصدق عليه أنه اتباع حقًّا، بمعنى: يمشي خلفها، أو يمشي أمامها، فإن هذا أمر عسير اليوم؛ لأن المقبرة صارت بعيدة، وصار الناس يذهبون بالسيارات، ويتفرقون في الطرق، فيكفي أنه يذهب من المسجد إلى المقبرة بقصد اتباع الجنازة، ثم يدركها في المقبرة، فيشهدها حتى تدفن، فيكتب له قيراط، لكنه إن انصرف قبل الدفن فإن ذلك لا يحصل له.

والقيراط في الرواية الأولى فسر بالجبل العظيم، قيراطان: جبلان عظيمان، أي من الأجر، وفي الرواية الأخرى -رواية البخاري: أنه مثل جبل أحد، وجبل أحد لا شك أنه جبل عظيم جدًّا، فهذا الأجر والثواب يحصل بهذا العمل اليسير.

وإذا تأملت ما تحته تجد فيه من التكافل، والمواساة الشيء الكثير؛ لأن الناس إذا مات لهم الميت يضعفون، وتنكسر قلوبهم، فهم بحاجة إلى جبر لهذا الضعف، والانكسار، وتقوية وشد من الأزر، وإعانة، لربما يعجزون، وينهارون، ويضعفون عن القيام بما يجب، من تغسيل، وحمل، وذهاب به إلى المسجد، ثم إلى المقبرة، فيعينهم إخوانهم، فهذا يغسل الجنازة، وهذا يحملها، وهؤلاء يتناوبون على حملها، ثم يصلَّى عليها، ثم يُذهب بها إلى المقبرة، ولا ينفرد بهذا أهل البيت، ما ينفردون بمصيبتهم، فإذا وجدوا إخوانهم قد اجتمعوا معهم، ويواسونهم بهذا، ويعينونهم، ويكفونهم فإن هذا يحصل به من المواساة، والتسلية، والتعزية، وتهوين المصيبة الشيء الكثير، وهذا كله من حقوق المسلمين.

ورتب الله عليه هذه الأجور العظيمة، ربما لشدة الحاجة إلى ذلك، حاجة أهل الميت، وحاجة الميت إلى التغسيل، والحمل، والدفن، والصلاة عليه، وتكثير المصلين، فهو بحاجة إلى هذا، فجاء هذا الترغيب العظيم، فنسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب من انتظر حتى تدفن، رقم: (1325)، ومسلم، كتاب الجنائز، باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها، رقم: (945).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب اتباع الجنائز من الإيمان، رقم: (47).

مواد ذات صلة