الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «إزرة المسلم إلى نصف الساق..» ، «من جر ثوبه خيلاء..»
تاريخ النشر: ١٩ / ربيع الآخر / ١٤٣١
التحميل: 1305
مرات الإستماع: 3354

إزرة المسلم إلى نصف الساق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب صفة طول القميص والكم والإزار أورد المصنف -رحمه الله-:

حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: إزرة المسلم إلى نصف الساق، ولا حرج -أو لا جناح- فيما بينه وبين الكعبين، فما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، ومن جر إزاره بطرًا لم ينظر الله إليه[1]رواه أبو داود بإسناد صحيح.

هذا الحديث يحدد إزرة المؤمن، إلى أي حد تكون إزرة المؤمن؟، إلى أنصاف ساقيه، هذا هو المشروع، وما دونه إلى الكعبين رخصة، ولا حظ للكعبين في الإزار، أو ما في معناه كالثوب ونحوه، وإنما يرفع عن الكعبين، هذه هي الرخصة.

وهنا قال: فما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، وبيّنا من قبل أن المراد بذلك منه، وليس من الثوب، وإنما من المسبل.

قال: فما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، ومن جر إزاره بطرًا لم ينظر الله إليه، هذا يبين ما ذكرته سابقاً من التفريق بين الخيلاء وغير الخيلاء، أن إسبال الثياب إلى أسفل من الكعبين من غير خيلاء في النار، فإن كان لخيلاء فذلك أشد، فيكون ممن لا ينظر الله إليه يوم القيامة.

وهذا الحديث قد جمع هذا وهذا، وهذا هو الذي يظهر -والله أعلم-، أي وجه الجمع بين الأحاديث السابقة، لا أن يقال بأن المحرم هو إسبال الإزار للخيلاء، وأنه لغير خيلاء جائز.

لغير خيلاء ما أسفل الكعبين في النار، وإن كان لخيلاء فذلك أشد، فلا ينظر الله إلى صاحبه، فالأمر ليس بالسهل، والناس يتساهلون فيه، وضابط الكبيرة: ما توعد عليه بالنار، أو بالغضب أو اللعن، أو رُتب عليه حد من الحدود، أو نحو ذلك.

فهنا لغير خيلاء في النار، فدل على أن ذلك من الكبائر، فإذا كان ممن لا ينظر الله إليه يدل على أن ذلك أعظم في الكبائر.

يا عبد الله ارفع إزارك
قال: وعن ابن عمر -رضى الله عنهما- قال: مررت على رسول الله ﷺ وفي إزاري استرخاء، فقال: يا عبد الله، ارفع إزارك، فرفعته، ثم قال: زد، فزدت، فما زلت أتحراها بعد، فقال بعض القوم: إلى أين؟ فقال: إلى أنصاف الساقين[1]. رواه مسلم.

يعني: إلى أين يصل؟، يعني: هو يتوقع أن يقول له النبي ﷺ زيادة على ما قال: زد، وهذا قد يفهم منه أن ابن عمر لم يكن قد أسبل إزاره، ولكنه قد يكون بلغ به إلى قريب من الكعبين، فأراد النبي ﷺ أن يرشده إلى ما هو أفضل من هذا؛ لأنه لما رفع قال: زد، ثم أمره ثانية، فيقول: فما زلت أتحراها، حتى سأل الصحابة إلى أين؟

كأنه قال له: زد حتى بلغ به إلى أنصاف الساقين، فهذا الاسترخاء يمكن أن يفسر بأن المراد به أنه كان إلى الكعبين فأرشده النبي ﷺ إلى الأفضل والأكمل، أن يكون إلى أنصاف الساقين.

من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه
ثم ذكر حديثاً آخر لابن عمر -رضى الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة: فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ قال: يرخين شبرا قالت: إذا تنكشف أقدامهن. قال: فيرخينه ذراعا لا يزدن[2]، رواه أبو داود والترمذي

قالت أم سلمة: فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ يعني: كأنها فهمت أن النساء يشملهن ذلك؛ لأن "مَن" مِن صيغ العموم، من جر ثوبه فيشمل الذكر والأنثى، وهذا معروف عند الأصوليين من صيغ العموم، مثل هذه يدخل فيها الإناث.

من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة: فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ ذيل المرأة، بمعنى أن يكون الثوب طويلا من الخلف ليغطي أقدامها، للمبالغة بالتستر.

فقال: يرخين شبرًا يعني: بحيث إنه يرتخي إلى شبر، الذي يظهر أن ذلك دون الكعبين، ترخيه شبرًا أسفل الكعبين، معناه أنه يلصق في الأرض، ليغطي أقدامها.

قالت: إذن تنكشف أقدامهن. فكانوا يفهمون أن المرأة عورة، كما قال النبي ﷺ[3]وأنه لا يظهر شيء من بدنها، فهي تتحرز إذا أرخته شبرًا تخرج قدمها، ولا حاجة أن يقال: إنها تخرج؛ لأن الثوب قد يعلق به شيء، أو نحو ذلك، فيرتفع؛ لأن ظاهر القدم إذا كان المُرخَى شبراً إذا مشت ودفعت بقدمها إلى الإمام سيظهر ظاهر القدم، هذا معروف.

فقالت: إذن تنكشف أقدامهن، وهذا يدل على شدة حرص نساء الصحابة -ن- على الستر والحشمة، وأن لا يظهر شيء من بدنها.

قال: فيرخينه ذراعًا لا يزدن الذراع من المرفق إلى أطراف الأصابع، ترخيه، يعني: يزيد على الكعب مقدار ذراع من أجل المبالغة في الستر، مع أنها قد تتعثر بهذا الثوب، ولكن من أجل أن لا تنكشف، فكان ذلك لا يشمل النساء؛ لأن المطلوب في حقهن الستر، فالمرأة عورة.

وهذا الذيل الذي رخص فيه النبي ﷺ إلى ذراع، يسأل عنه النساء اليوم كثيراً في ألبسة الزواج، طبعًا العادة التي أُخذت من الغرب، لا للستر وإنما لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبراً شبراً وذراعًا بذراع...[4].

فصارت ألبسة الزفاف يكون خلفها ذيل طويل، تأتي بُنيّات صغار ويحملنه لطوله، فنساء اليوم تسأل، تقول: نرخيه ذراعاً؟، نقول: هذا اللباس غير معهود عندنا الآن أن المرأة ترخي ذراعاً، أكثر أسئلة النساء اليوم التي تتحرز، تقول: فوق الكعب بشبر، هذا اللباس الآن الذي تلبسه عند النساء، تقول: فوق الكعب بشبر فيه شيء؟ لباس الزواج هذا ترخيه، تقول: ذراعاً ما نزيد على الذراع، هل المقصود بذلك الستر؟ لا؛ لأنها أصلاً لا تخرج به أمام الرجال، وإنما تخرج به أمام النساء، وإنما المقصود بذلك التشبه بأعداء الله ، ولو قالوا: نحن لا نقصد التشبه، نقول: ذلك من عادتهم التي عرفوا بها، والثوب الأبيض في النكاح هو من خصائصهم الدينية، فبعض النساء تقول: طيب نلبس السكري؟، نقول: ما في فرق السكري والأبيض مثل بعض، لماذا ندور ونحوم حول الأبيض؟، البسي أزرق، أخضر، تقول: يضحكون عليّ، دعيهم يضحكون، يتعلمون، اليوم يضحكون عليكِ وغدًا يتبسمون على الثانية، وبعد ذلك كأسراب القطا يتتابعون على لبس اللون الآخر، ويصير موضة كما يتهافتون على الألبسة التي أحيانًا لا يلبسها إنسان عنده ذوق سليم، لكنها جاءتهم هكذا موضة.

وذكرت لكم قبل سنوات مثالاً على ذلك الرجل الذي جاء بسلعة إلى مدينة النبي ﷺ بثياب سوداء، قماش، يتجر فيها فكسدت عنده كان جاء بكميات، ولم يشتر أحد منه، فلما أراد أن يسافر ويحمل بضاعته ويرجع، فكان يتكلم مع رجل من أهل المدينة، ويشكو له الحال، بضاعة كاسدة.

فقال له: اذهب إلى فلان إن أجابك، كان شاعر غزل، ومعروف عند الناس، وعند النساء، إن أجابك، إن قال بيتين في لابسة الأسود فإن البضاعة هذه كلها ستشترى.

فقال: دلني عليه، فذهب ووجده في المسجد النبوي، قد لبس لباس الزهاد، وقال: يرحمك الله، رجل غريب قدمت ببضاعة، ولم تُشترَ، كسدت وسأرجع إلى بلدي، وقد بذلت فيها مالي.

قال: ماذا تريد؟ قال: بيتين في لابسة السواد، قال: قد تركت الشعر، وأنا كما ترى، أي: زاهد، ومتعبد، ما لي في هذا، خلاص.

قال: يرحمك الله، قد تضرر رجل من المسلمين، قل بيتين، لا تضرك، فما زال به حتى خرج ولبس لباسه الذي كانوا يعهدون، غير لبس الزهاد، وقال بيتين، يمدح ويتغزل بالتي تلبس وشاحاً أسود، وإذا بالرجل تُشترى جميع ما عنده من الأقمشة، كل امرأة تقول لزوجها: ابغني ثوباً أسود، وكل ذوات الخدور -ما تزوجت- تطالب وليها بأن يشتري لها ثوبًا أسود، فاشتُريت جميع البضاعة التي عنده في يوم وليلة، ما بقي عنده شيء، من أجل بيتين.

والآن كما ترون الموضة، فهذا الذيل الذي يُلبس هذا لا يقصد به التستر، فلابدّ من كسر هذه العادات التي جاءت إلينا، وتغييرها، وأنا واثق لو أن أحدًا بدأ بذلك، وصارت بعض الأخوات يلبسن ألوانًا أخرى، لصارت موضة العصر، وكل شيء يمكن أن يروج.

والله المستعان، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم جر الثوب خيلاء، وبيان حد ما يجوز إرخاؤه إليه وما يستحب (3/ 1653)، رقم: (2086).
  2. أخرجه الترمذي، أبواب اللباس عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في جر ذيول النساء (4/ 223)، رقم: (1731).
  3. أخرجه الترمذي، أبواب الرضاع عن رسول الله ﷺ، (3/ 468)، رقم: (1173).
  4. أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي ﷺ: لتتبعن سنن من كان قبلكم (9/ 103)، رقم: (7320).

مواد ذات صلة