الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
شرح حديث عمر بن أبي سلمة قال كنت غلاما في حجر رسول الله وحديث سلمة بن الأكوع أن رجلا أكل عند رسول الله
تاريخ النشر: ١٥ / ربيع الأوّل / ١٤٣١
التحميل: 1248
مرات الإستماع: 2897

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب "الأكل مما يليه ووعظه وتأديبه من يسيء أكله"، وذكر حديث عمر بن أبي سلمة -رضي الله عنهما- قال: كنت غلاماً في حجر رسول الله ﷺ وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله ﷺ: يا غلام، سمِّ الله تعالى، وكل بيمنيك، وكل مما يليك[1]، متفق عليه.

مضى الكلام على هذا الحديث في الكلام على البسملة، وقد أورده المصنف -رحمه الله- هنا في باب الأكل مما يليه؛ لأن هذا الحديث قد تضمن ثلاثة آداب وهي: التسمية، والأكل باليمين، والأكل مما يليه.

ويقول: "ووعظه وتأديبه من يسيء أكله"، يعني ولو كان صبيًّا صغيراً، أو كان كبيراً، فالنبي ﷺ قال لعمر بن أبي سلمة وكان صغيراً لما هاجر النبي ﷺ إلى المدينة، وكان في كنف رسول الله ﷺ؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد تزوج أمه، وكان له من العمر آنذاك ست سنين، فيعلمه النبي ﷺ "سمِّ الله"، وبهذا نعرف أنه لا يُحتقر تعليم الصغار، ولا يقال: هذا صغير، يُترك، لا، الصغير يُعلّم ويُنشأ على الفضائل، ومكارم الأخلاق، وهكذا الكبير إذا لم يُحسن فإنه يُعلم، فقد قال النبي ﷺ لرجل كبير كانت يده كذلك تطيش في الصحفة، يأكل من هنا وهنا، فقال النبي ﷺ: كل من موضع واحد؛ فإنه طعام واحد[2].

فإذا كان الطعام متحداً فإنه يأكل مما يليه، أما إذا كان متنوعاً يتضمن ألواناً من المطعومات فإنه يأكل من هذا وهذا، ولا بأس كما سبق، والناس لربما يتركون شيئاً من هذا حياء، أو مجاملة، لربما يجد إنسانًا يأكل وتطيش يده، أو يترك التسمية أو يأكل متكئًا أو يأكل بشماله، أو يشرب بشماله، وما أكثر هؤلاء، فيترك ذلك من باب المجاملة، أو الخجل، وهذا أمر لا يحسن، ولا يليق، متى يتعلم الجاهل؟ متى تقوَّم الأخطاء؟ متى ترتفع المنكرات من المجتمع إذا كان كل إنسان يُداري أو يداهن أو يجامل أو نحو ذلك؟!

فينشأ الصغير على الخطأ، ويشيب الكبير ويهرم على الخطأ، ولا يتعلم الناس الحق والصواب.

وذكر حديث سلمة بن الأكوع أن رجلاً أكل عند رسول الله ﷺ بشماله فقال: كل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت، ما منعه إلا الكبر، فما رفعها إلى فيه[3]، رواه مسلم.

وهذا الحديث أيضاً سبق الكلام عليه، وفيه تعليم للكبير، كل بيمينك الرجل كبير، فقال: لا أستطيع، يعني أن الرجل يأنف، ويتكبر، لربما يتكبر من أن يُعلَّم، لا أستطيع، يعني لم يبدِ استجابة، ولربما يتكبر أن يأكل بيمينه، ربما هكذا، فدعا عليه النبي ﷺ قال: لا استطعت، وهذا لا يخالف ولا يفارق ما جُبل عليه -عليه الصلاة والسلام- من الرحمة بأمته، والله يقول: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران:159]، فكان ﷺ في غاية الرحمة، والحنو واللطف لكن لكل مقام مقال، الكلام على المعاند والمكابر والمصر على الخطأ بعد التعليم لا يكون كالكلام مع الجاهل ابتداء، فدعا عليه النبي ﷺ فلم يرفع يده، شُلت يده.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الأطعمة، باب التسمية على الطعام والأكل باليمين، برقم (5376)، ومسلم، كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما، (2022).
  2. أخرجه الترمذي، أبواب الأطعمة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب ما جاء في التسمية في الطعام، برقم (1848)، وابن ماجه، أبواب الأطعمة، باب النهي عن الأكل من ذروة الثريد، برقم (3274)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، برقم (5098).
  3. أخرجه مسلم، كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما، برقم (2021).

مواد ذات صلة