الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
بعض ما جاء عن السلف في باب استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب
تاريخ النشر: ١٦ / محرّم / ١٤٣١
التحميل: 1307
مرات الإستماع: 2196

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمن الآثار المنقولة عن السلف في باب استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب وتكريره ليفهم إذا لم يفهم إلا بذاك:

ما جاء عن زياد بن أيوب قال: ما رأيت لابن عُليَّة كتابًا قط، يعني إسماعيل بن عُليَّة -رحمه الله- أي: ما ألف كتابًا قط، وكان يقال: ابن عُليَّة يعد الحروف[1].  

بمعنى: أن كلامه في غاية الاختصار، كما يقال: فلان يزن الحرف، أي: يختصر الكلام جدًّا، وهذا حسن، حيث يستغنى عن التطويل الذي لا حاجة إليه.

فالخطيب أحيانًا لربما يطول الخطبة حتى تصل إلى ساعة، أو قريبٍ من ساعة، في كلام إذا نظرت إليه وسبرته وجدت أنه يمكن أن يلخص بأكثر التقديرات بعشرين دقيقة، من غير تكرار، فتجد الإعادة تتلوها الإعادة، والعبارات المتشابهة، بينما لو ركز هذا لجاء مختصرًا، ولا شك أن مثل هذا التطويل يمل منه السامع.

وقل مثل ذلك: في التأليف، تجد الرسائل الجامعية في الماجستير والدكتوراه، أحيانًا يحقق رسالة صغيرة، لربما لا تزيد على عشرين ورقة، ثم تتحول إلى مجلد كبير، أو إلى مجلدين، دراسة تستوعب نصف مجلد، ثم بعد ذلك يبقى كل سطر في صفحة، والباقي تعليقات طويلة، ترجمة راوٍ تصل إلى ربع صفحة.

فمثل هذا التطويل غير مراد، ولعلي ذكرت في بعض المناسبات عن أحد الفضلاء من أهل اللغة في وقتنا هذا، أستاذ في اللغة، يحكي عما وقع له في رسالته في مرحلة الدكتوراه، قدمها في جامعة في بلد من البلاد، وكانت في مجلد ليس بالكبير، يعني: تقارب أربعمائة صفحة، فقال له المشرف: هذا لا يكفي.

فقال له: كل ما عندي ذكرته هنا، ولا حاجة للتطويل.

فقال: لا، زد في الأمثلة، فزاد في الأمثلة حتى بلغت ألف صفحة، يقول: وأنا جالس في مكتب المشرف، وهي على المكتب كبيرة، مجلدة، ألف صفحة، دخل أستاذ عرضًا فرآها وأخذها، دون أن يفتحها، وقال: رسالة علمية، بعبارة ونبرة فيها نشوة واعتزاز، وهو لم يقرأ منها شيئًا.

فالعبرة ليست بالتطويل، وإنما العبرة بالمضمون، وهذا يُحتاج إليه في التعبير عن المعاني، والكلام في الدروس العلمية، وما أشبه ذلك، تجد درسًا يتطاول أحيانًا إلى عشرين سنة، بشرح كتاب واحد مختصر، وهذا خطأ، ورأينا من يدرّس تفسير جزء "عم" في بعض الكليات ينتهي الفصل وما أنهى سورة الفاتحة، هل هذا معقول؟!.

ورأينا من يدرس التفسير ابتداء من سورة النساء، وحينما يصل في أول النساء في آيات المواريث يتحول الدرس إلى شرح كامل للمواريث، مع أن الطلاب في تلك الكلية يدرسون في مقرريْن المواريث على سبيل الاستقلال، مع دراستهم لها في الفقه، ويتحول درس التفسير ويتوقف عند هذه الآيات ليشرح كل الفرائض، هذا خطأ.

يقول الأصمعي -وهو إمام كبير في اللغة: إذا سمعت أبا عمرو بن العلاء، -وهو من أئمة اللغة أيضًا، إذا سمعته يتكلم ظننته لا يعرف شيئًا، كان يتكلم كلامًا سهلًا[2].

يعني: هو إمام كبير في القراءات، وفي اللغة، وإذا تكلم يظن السامع أنه ليس من أهل الرسوخ والعمق في العلم؛ لبعده عن التكلف، كان يتكلم كلامًا سهلًا.

وقال أبو بكر بن أبي داود: سمعت أبي يقول: خير الكلام ما دخل الأذن بغير إذن[3].

بمعنى: أن صاحبه لا يتكلف سماعه، ولا يحتاج إلى فك للعبارات، ومحاولة لفهم المصطلحات، والعبارات الصعبة المغلقة.

فهذا من الأدب الذي يتصل بالتعبير والكلام والمخاطبة، سواء كان ذلك في خطبة، أو في محاورة، أو مجاوبة، أو غير هذا.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. سير أعلام النبلاء (9/ 115).
  2. المصدر السابق (6/ 410).
  3. المصدر السابق (13/ 217).

مواد ذات صلة