الجمعة 20 / جمادى الأولى / 1446 - 22 / نوفمبر 2024
حديث «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا..»
تاريخ النشر: ١٨ / شوّال / ١٤٣٠
التحميل: 1867
مرات الإستماع: 15018

اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب "أمر ولاة الأمور بالرفق برعاياهم ونصيحتهم والشفقة عليهم والنهي عن غشهم، والتشديد عليهم، وإهمال مصالحهم" أورد المصنف -رحمه الله- :

حديث عائشة -رضى الله عنها- قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول في بيتي هذا: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به[1]، رواه مسلم.

قوله ﷺ: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً، هذه الصيغة تدل على العموم، فيدخل في ذلك كل من ولي ولاية من الولايات سواء كانت هذه الولاية ولاية عامة، أو كانت ولاية جزئية خاصة، فإنه داخل في هذا.

ويقول: فشق عليهم فاشقق عليه، قد يكون هذا الذي ولي هذه الولاية ممن يُولَّى ولاية تتعلق بجباية الزكاة مثلاً، فيتخير الأفضل من أموالهم، فيلحقهم بسبب ذلك الضرر والعنت، فهو داخل في هذا، وقد يكون هذا يعمل في جهة تتصل بمصلحة من مصالحهم، فيضيق عليهم مصالحهم من غير مبرر، لكن قد يكون ذلك لسوء تصرفه، لسوء تدبيره، وقد يكون ذلك لسبب آخر من طمع فهو يريد رشوة، أو كان ذلك بسبب شيء في النفس أحياناً، كما قال الله أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:54].

فإذا جاء أهل اليسار وأهل الثروة والغنى ونحو ذلك في مصالحهم ومعاملاتهم ضيق عليهم، وآذاهم، ورددهم حيناً بعد حين، ، فمن الناس من لا يوفق، فإذا ولي الولاية حصل لمن تحته ممن يعملون معه عنت وضيق، لكن ينبغي أن يُفهم المراد بهذا، فإن الكثيرين يظنون أن أداء الأمانة وإقامة العمل على الوجه المطلوب أن هذا من التضييق، وقد سمعت من هذا كثيرًا، بمعنى هذا مهندس يعمل في جهة من الجهات، يعمل في البلدية أو يعمل في شركة أو في مؤسسة أو نحو ذلك تابعة للدولة، تنزل مناقصات مثلاً فيأتي مقاولون فيعرضون ما عندهم من أسعار، وما عندهم أيضاً من مقتنيات وإمكانات وما إلى ذلك، وكثير من هؤلاء يكتب أموراً غير حقيقية، ولربما تشبّع بما لم يعطَ، يعني يذكر أشياء لغيره على أنها له من أجل أن يحصل على هذه المناقصة الكبيرة، فإذا حصل عليها هو لا يستطيع أن يقوم بها، فيدخل معه آخرون، أو أنه يبيع هذه المناقصة عليهم، ومن ينفذ إذا جاء يوقع على الشروط المطلوبة فإنه لا يفي بها عند التنفيذ، بمعنى أنهم طلبوا مواصفات معينة، وآلات بمواصفات معينة، يوقع على هذا كله، فإذا جاء المهندس الذي يشرف على العمل من قبل هذه المصلحة أو هذه الجهة الحكومية وأراد أن يطبق هذا الكلام، يطبق الشرط، يطبق العقد، جلسوا يدعون عليه، هذا نحيس، كأنه دافعٌ شيئًا من جيبه، هذا من يوم جاء ما رأينا خيرًا، لماذا؟ لأنه أراد أن يؤدي الأمانة، هم يريدون أن يأتوا بمواد على غير المواصفات المطلوبة، وإذا نوقشوا في هذا قالوا: لو بقينا على العقد لا يمكن، سنخسر، طيب لماذا توافق، لماذا تعرض هذا السعر؟ قال: أنا سأطلعها بطريقتي، كيف يطلعها بطريقته؟ طلبوا منه مثلاً عشرين رافعة بمواصفات معينة، وارتفاعات معينة، وحجم معين، هذه يستأجرها ولها مبالغ، فيأتي برافعة واحدة أو برافعتين أو رافعات أصغر منها أقل مواصفات ويوفر الباقي، هم أعطوه هذا السعر وقبلوا هذا بناءً على معطيات معينة، وهكذا ما يجد أو يحصّل أو يُدرك ثغرة إلا وينفذ منها من أجل أن يحتال، ولذلك تجد العمل يؤدى بطريقة غير صحيحة، إن كان إنشاء طريق بعد مدة هذا الطريق لم يكن على الوجه المطلوب، إن كان من أجل أن يحفر لتمديدات أو نحو ذلك، بعد مدة تراها في الطريق نتوءات وارتفاعات ومنخفضات، تحتاج إلى إعادة رصف هذا الطريق مثلاً، السبب هو قلة الأمانة، فإذا جاء المهندس يوقع له، فقال له: لا، لم تطبق العمل باقٍ كذا، وباقٍ كذا، وباقٍ كذا، وبدأ يحصي عليه، رأى أن هذا من التضييق، اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ويرى أنه قد ألحق بهم، وهكذا.

قد تجد الإنسان مديراً في مكان، وهؤلاء يريدون أن يخرجوا في الضحى كما اعتادوا من قبل، فجاءهم مدير جديد فقال لهم: لا، لا يمكن بهذه الطريقة وهذا التضييع، هذا يريد أن يسافر لأهله من أول الأسبوع، وهذا في الأوقات التي يعود فيها المعلمون مثلاً يقول: أنا ما أجيء، ويتكلم بالتليفون ويقول: هذه الأسابيع أنا لا أريد أن آتي فيها، فإذا قال له: لا، يا أخي هذه ليست ملكاً خاصاً لي، أنت مطالب بالمجيء، رأى أن هذا من العنت، وأن هذا من المشقة، وأنه من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، وقل مثل ذلك في تبادل أدوار أحياناً لا يحق له أن يتبادلها، أو نحو ذلك، يذهب انتدابًا لمدة عشرين يومًا، يقول: أنجزنا العمل في ستة أيام، المدير السابق كان يكتب لي عشرين يومًا، المقصود إنجاز العمل، هذا الفقه الآن، إذاً هو يستحق في نظره هو أنه يأخذ عن عشرين يومًا، المدة التي ذهبتَها وعملت فيها هي ستة أيام، قال: نعم، لكن هو مقدر لها عشرين يومًا، وأنا أنجزت في ستة أيام، والعبرة بالإنجاز، اكتبوا لي عشرين يومًا، مَن قبلك كان يكتب لي عشرين يومًا، يقول: لا، أكتب لك ستة أيام، اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، كن سمحاً، ويُمدح الرجل أحياناً: فلان سمح، فلان رجل شهم كريم، يفزع مع من يأتيه، يفزع من ماله أو من مال أبيه، فالتضييع أحياناً يعتبر نخوةً وجودًا وكرمًا، ويُثنَى على الرجل ويمدح، لكن لو كان هؤلاء يفقهون معاني ما أصبح الآن يدرس في بعض الجامعات، وتوجد له منظمات عالمية ما يتصل بالجودة، لو كانوا يفقهون فيه حرفاً واحداً ما قالوا هذا الكلام.

وهكذا هذا المعلم يشرح أول ربع ساعة، والباقي يا ولد لا أسمع كلامًا، ويبدأ هو إما أنه يخرج أو ينشغل بأشياء خاصة به ويتركهم، لا يجوز هذا، يقال: هؤلاء أصلاً ما هم بحولك، بحولك تضيعهم بهذه الطريقة، فإذا جئت تحاسبه وتقول: هذا الكلام لا يصلح، وجاء المدير يحضر عنده، وجاء الموجه بدأ يتكلم ويتذمر، يأتي ليوقع في العمل الخط الأحمر الساعة كم؟ السابعة أو السابعة والربع، ويجيء ويكتب أنه حضر الساعة السابعة والربع، ويجيئك عشرة كلهم السابعة والربع، وهذا حاضر الثامنة، وهذا حاضر الثامنة والنصف، ولو جاء أمين وقال: لا، أنا سأكتب الثامنة، والثامنة والنصف، قاموا عليه وقالوا له: كيف نجيء بعدك ولا نستطيع أن نكتب السابعة والربع، اكتب السابعة والربع يا أخي، هذا كذب لا يجوز، فيرون أن هذا من التعنت والتشدد، وللأسف تغيرت كثير من المفاهيم، والإنسان إذا كان له هوى في قضية حتى لو كان فيه دين قد ينسى ما يعلِّمه للآخرين، وما يقرره لهم إذا كان له فيه هوىً ومصلحة.

فأقول: ينبغي أن يُفهم مثل هذا الحديث: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم، يعني شق عليهم بغير حق، أو أمور لا يحصل منها ضرر، أو بقضايا روتينية بحتة، فأقل ما يحصل من ذلك مما يتكرر للأسف ويحصل من بعض الناس هو "تعال غداً، تعال بعد غد، تعال الأسبوع القادم، أو الذي بعده"، هذا يشق عليهم، من غير زحام في المواعيد، سواء كان هذا الإنسان في إدارة، أو كان هذا الإنسان قاضياً من القضاة، أو غير ذلك، حتى يمل صاحب الحق ويقبل بالصلح، أو يتنازل أو يترك حقه، هذا لا يجوز، لابد من الفصل بين الناس، بين الخصوم، وإعطاء كل ذي حق حقه.

قال: ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، هذا يرفق بهم فيما يحتمل ذلك، فيما لا يحصل منه ضرر عام، يرفق بهذا يراعي المصلحة الخاصة ويضيع المصلحة العامة، ويقول: الحمد الله، أنت تتضرر بشيء؟، يوجد من يبيع، ما هو يبيع بل يعطي مجاناً ينجِّح الطالب، الطالب ما يمكن أن يتجاوز، يقول: يا رجل كن سمحًا، والطلاب يحبون هذا الأستاذ، هو المقدم عندهم، وإذا ذُكر انهالت الدعوات يدعون له، والآخر الذي يعطي كل طالب حقه، وإذا كانوا ضعفاء فغالب الطلاب رسوب تكلموا عليه بأسوأ الكلام، هل هذا داخل في اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم؟، هذا شق عليهم؟ أين المضيع من هؤلاء، وأين المفرط، وأين المستحق للإثم، بل والعقوبة في الدنيا؟ هو ذاك الذي ضيع الأمانة، ولربما يأتي من يلقنهم الإجابات في نهاية العام، وينجح الطلاب ولا يرسب أحد في هذه المدرسة، والمدير عندهم ما شاء الله، وهذا سمح، وهذا طيب، وهذا ما هو متعنت، وهذا إنسان ما خسر شيئًا، -جزاه الله خيرًا، يساعد الآخرين، ولطالما نُسأل الآن من قبل كثيرين قد تابوا يقولون: إنهم ما كانوا يستحقون اجتيازهم للمراحل التعليمية الثانوية أو المتوسطة أو كذا، لكن غُيرت أوراقهم ونتائج اختباراتهم وتخرجوا، يقولون: هل تحل الآن رواتبنا أو ما تحل؟ وبعض الطلاب ما يحضرون، يحضرون أول الأيام، ويعرفون وجهه، ثم بعد ذلك الوعد نهاية الفصل الدراسي، ويُعطَون نتائج، وقد حدثني بعضهم عن أشياء من هذا، نتائج، وأحياناً درجات، وبعضهم يبيع شهادات ماجستير ودكتوراه في بعض البلاد، ويذهب بعض الناس ويأخذها بعشرة آلاف أو نحو ذلك، أسألهم أحياناً أقول: هذه فيها درجات؟ يقول: نعم كشوف أني درست مواد تخرجت فيها، وتقديرات، ومعدلات، وحضور، هذا كذب لا يجوز بكل المقاييس، كيف ترضى به، أنت إنسان متدين، ظاهرك الصلاح؟، ثم بعد ذلك يصير (د.)، إذا كتب خطابًا أو كتب إعلانًا، والشهادة جاءت بهذه الطريقة، هذا لا يجوز، ولا يقال: إن هؤلاء ييسرون على الناس، لا، هؤلاء يأثمون، وقد ضيعوا الأمانة، والله يقول: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72]، وهذا داخل في الأمانات، وإنما ذكرتُ هذه المعاني؛ لأن الكثيرين للأسف لا يفقهونها، وإن كانوا يفقهونها من الناحية النظرية فإذا جاء المحك وكان للإنسان هوى ومصلحة، ضاق ذرعاً بمن حال بينه وبين مصلحته، ولربما عاداه وحاربه، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم، برقم (1828).

مواد ذات صلة